أخبار المركز
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)

دبلوماسية الغذاء:

كيف تصاعد النفوذ الروسي في أسواق القمح بالشرق الأوسط؟

24 أكتوبر، 2017


باتت روسيا من أهم موردي القمح لمنطقة الشرق الأوسط خلال الفترة الماضية، حيث زادت من إمداداتها من المحصول للأسواق التقليدية، مثل تركيا، كما وصلت إلى بعض الأسواق الجديدة على غرار المغرب والجزائر، ويأتي ذلك وسط تنامي الحضور التجاري والاقتصادي لروسيا منذ تدخلها العسكري في سوريا بداية من سبتمبر 2015. وفي الوقت نفسه، تطمح روسيا إلى زيادة صادراتها من القمح للأسواق العالمية في محاولة لتعويض هبوط عوائدها من النفط منذ عام 2014.  

 لكن رغم ذلك، فإن تدفقات القمح الروسي للمنطقة قد تواجه بعض العقبات، التي تتمثل في عدم استقرار العلاقات السياسية بين روسيا وبعض دول المنطقة، وتذبذب سياسات الإنتاج المحلي الروسية، فضلاً عن استعاضة دول المنطقة عن الاستيراد بزيادة الإنتاج المحلي.

ظروف مواتية:

عززت روسيا، في الآونة الأخيرة، من مكانتها كأكبر مصدري القمح لمنطقة الشرق الأوسط، وهو اتجاه دعمته عوامل عديدة يمكن تناولها على النحو التالي:

1- صدارة عالمية: شهد الإنتاج الروسي من القمح نموًا ملحوظًا خلال السنوات الثلاثة الماضية، مستفيدًا، على غرار باقي المحاصيل الزراعية الأخرى، من قرار الحكومة الروسية بحظر استيراد المواد الغذائية من الدول الغربية في أعقاب فرض الأخيرة عقوبات اقتصادية واسعة عليها بعد ضمها شبه جزيرة القرم، وبما شجع المزارعين على زيادة الإنتاج المحلي من القمح ليصل إلى 72.5 مليون طن في عام 2017/2016 أى بنسبة زيادة 5% سنويًا منذ عام 2014 وفق تقديرات وزارة الزراعة الأمريكية.

 وبالتزامن مع الزيادات السابقة في الإنتاج، رفعت روسيا من قدرات تصدير القمح بشكل كبير في الفترة الماضية، وذلك تعويضًا لهبوط عائدات النفط، حتى أصبحت أكبر مصدر للقمح والدقيق على المستوى العالمي بكميات تبلغ 27.8 مليون طن في عام 2017/2016، مستفيدة أيضًا من الدعم الذي حصلت عليه من شركات التجارة الدولية للسلع الأساسية مثل جلينكور وكارجيل والتي كان لها دور أساسي في تصريف فائض إنتاجها للخارج.

2- تحول إقليمي: ما زال إنتاج القمح المحلي في العديد من دول المنطقة عاجزًا عن تلبية جزء كبير من الاحتياجات المحلية، وبما يدفعها للاعتماد عل بعض موردي القمح حول العالم لسد الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك المحلي، وقد استوردت المنطقة بأكملها نحو 51 مليون طن في عام 2017/2016، في حين بلغ استهلاكها في العام نفسه حوالي 105 مليون طن، ولتصبح دول المنطقة بذلك من أكبر مستوري القمح في العالم.

وفي الوقت نفسه، توجهت بعض هذه الدول مؤخرًا للاعتماد بشكل أكبر على استيراد هذا المحصول الاستراتيجي من روسيا ودول منطقة البحر الأسود، خاصة مع ارتفاع تكاليف الشحن من الولايات المتحدة الأمريكية مقارنة بروسيا، وبما يجعل أسعار المحصول الروسي أكثر جاذبية للمشترين من المنطقة، حيث تبلغ تكلفة تصديره دون الشحن نحو 100 دولار للطن بحسب بعض التقديرات مقارنة بنحو 146 دولار للقمح الأسترالي على سبيل المثال.

3- حضور اقتصادي: ساهم تدخل روسيا عسكريًا في سوريا بداية من سبتمبر 2015 في زيادة دورها السياسي والعسكري بمنطقة الشرق الأوسط، وهو ما انعكس في تنامي حضورها الاقتصادي في المنطقة مؤخرًا. وفي قطاع الطاقة، على سبيل المثال، أصبح للعديد من الشركات الروسية في مجال التنقيب والنفط وتسويقه مثل رسنفت وجازبروم مصالح واسعة في دول مختلفة في المنطقة مثل العراق وليبيا وإيران بالإضافة إلى إقليم كردستان. كما تمارس الشركات الروسية دورًا كبيرًا في تطوير الطاقة النووية السلمية في الشرق الأوسط، حيث ستقوم شركة روساتوم المملوكة للدولة ببناء أول محطة للطاقة النووية في الأردن والتي من المتوقع أن يبدأ تشغيلها بحلول عام 2023.  

مؤشرات مختلفة:

تكشف مؤشرات عديدة عن تنامي دور روسيا في تأمين إمدادات القمح لأسواق منطقة الشرق الأوسط، ويتمثل أبرزها في:

1- جاذبية الأسواق التقليدية: تدرك روسيا أن فوائض الإنتاج المحلية التي تتزايد سنويًا تحتاج لأسواق خارجية واسعة لاستيعابها، مثل السوق التركية، حيث أصبحت روسيا منذ فترة ليست طويلة المورد الرئيسي للمحصول إلى تركيا. وفي هذا السياق، رحبت روسيا، في يونيو الماضي، بتجاوز خلافاتها التجارية مع تركيا حول تصدير محصول القمح إليها، حيث وقعت الدولتان عقود تصدير قمح جديدة من دون أى علاوات سعرية كما كان معمولاً به في الشهور الأولى من عام 2017 بعد فرض تركيا رسومًا كبيرة على استيراد القمح الروسي.

صادرات القمح الروسية لبعض أسواق الشرق الأوسط (مليون طن)

2017-2016


* فترات زمنية مختلفة: تركيا والمغرب (يونيو 2016- يناير2017)، والأردن (2016)، والجزائر (يوليو– أكتوبر 2016)، وسوريا (2014-2016).

* النسب محسوبة اعتمادًا على تقارير وزارة الزراعة الأمريكية السنوية للحبوب بعدد من دول الشرق الأوسط.

2- فتح أسواق جديدة: بخلاف الأسواق التقليدية، تبحث روسيا أيضًا عن أسواق جديدة في المنطقة لتصريف إنتاجها، والتي يسيطر عليها منافسون تقليديون مثل أوكرانيا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا. وفي هذا الصدد، زودت روسيا المغرب بحوالي 700 ألف طن من القمح، وذلك بسبب تزايد الاستهلاك المحلي من القمح في المغرب.

 وبهذه الكمية، تنضم روسيا إلى قائمة كبار مصدري القمح لهذه السوق التقليدية التي تضم الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية. ونجحت روسيا مؤخرًا في تصدير أول شحنة لها من القمح في السوق الجزائرية منذ ثلاث سنوات بكميات بلغت 60 ألف طن.

 كما تطمح لتعزيز حضورها بأسواق أخرى بالمنطقة على غرار الأردن، حيث أعلن وزير الزراعة الروسي ألكسندر تكاتشوف، في مارس 2016، استعداد بلاده لزيادة إمداداتها من القمح إلى الأردن. وفي هذا الصدد قال الأخير: "يمكننا زيادة إمدادات حبوبنا إلى الأردن، كما نرحب بتوسيع الصادرات الزراعية الأردنية وانتشارها في الأسواق الروسية".

3- أسواق جيوسياسية: في ظل الدعم الروسي للنظام السوري خلال السنوات الماضية، كان من الطبيعي أن يعتمد الأخير على واردات الحبوب الروسية لتأمين الغذاء في المناطق التي يسيطر عليها، وذلك في الوقت الذي ترتبط فيه سوريا وروسيا معًا باتفاقات اقتصادية طويلة الأمد تعزز من الحضور الاقتصادي الروسي في سوريا خلال المرحلة القادمة.

وفي هذا السياق، مارست روسيا دورًا بارزًا في تأمين إمدادات القمح للنظام السوري، وذلك سواء عن طريق المعونات الغذائية أو فتح الخطوط الائتمانية لتمويل عمليات الاستيراد. وبحسب وزير التجارة الداخلية السوري عبدالله الغربي، يستورد النظام السوري حوالي 1.7 مليون طن من القمح الروسي في حين يصل الاستهلاك في المناطق التي يسيطر عليها النظام إلى نحو مليونى طن من القمح سنويًا ولا يلبي الإنتاج المحلي سوى 15% من الكميات السابقة. ولمواجهة أية مخاطر قد تتعرض لها إمدادات القمح، أبرمت الحكومة السورية، في سبتمبر الماضي، اتفاقًا يمتد ثلاث سنوات لشراء 3 ملايين طن من القمح الروسي في خطوة تزيد من المصالح الروسية الاقتصادية في السوق السورية.

عقبات محتملة:

ربما يمكن القول إن الظروف الداخلية الروسية أو الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، مارست دورًا أساسيًا في نمو صادرات القمح الروسية للمنطقة خلال الفترة الماضية. بيد أن هناك مجموعة من العقبات المحتملة التي قد تعرقل تدفقات إمدادات القمح الروسي للمنطقة في المستقبل. يتمثل أولها، في عدم استقرار العلاقات السياسية بين روسيا وبعض دول المنطقة، على غرار التوتر الشديد الذي شهدته العلاقات بين روسيا وتركيا في أواخر عام 2015، وتسبب في تعطيل تجارة القمح بين الدولتين لشهور عديدة. إلى جانب أن اتجاهات عديدة تشير إلى أن المصالح الاقتصادية بين روسيا وبعض دول المنطقة مؤقتة وتحكمها ظروف مرحلية قد يتراجع تأثيرها في المستقبل. 

وينصرف ثانيها، إلى تذبذب سياسات الإنتاج المحلي في روسيا، وهو ما يشير إليه، على سبيل المثال، فرض الحكومة الروسية رسومًا جمركية منذ عام 2014 وحتى العام الماضي بقيمة 41 دولار للطن الواحد بهدف تحقيق الاستقرار في سوق الحبوب المحلية بعد موجة من ارتفاع الأسعار داخليًا، على نحو جعل أسعار محصول القمح الروسي أقل جاذبية مما كان قائمًا من قبل، في الوقت الذي قد لا تكون فيه جودة القمح الروسي مرتفعة بما فيه الكفاية لاستقطاب بعض المشترين من المنطقة.

ويتعلق ثالثها، بسعى العديد من دول المنطقة للاستعاضة عن الاستيراد بزيادة الإنتاج المحلي مثل إيران- وهى مشتري تقليدي للقمح الروسي- التي حظرت واردات القمح الحكومية لمدة عام اعتبارًا من مارس 2016 بعد نجاحها في تحقيق نسبة كبيرة من الاكتفاء الذاتي من المحصول في السنوات المقبلة. ومن المحتمل أيضًا أن تقلل المغرب بدورها من وارداتها من القمح الروسي في الموسم الجاري بعد التوقعات بزيادة الإنتاج المحلي عقب تجاوز موجة الجفاف إلى 6.25 مليون طن مقارنة بـ2.7 مليون طن في 2016.

وختامًا، يمكن القول إن إمدادات القمح الروسي ما زالت تمثل رقمًا مهمًا في الصادرات الروسية لدول المنطقة، إلا أن ذلك لا ينفي أن ثمة متغيرات رئيسية قد تتحكم في مستواها خلال الفترة القادمة،  لاتنحصر فقط في تذبذب مستوى العلاقات السياسية بين روسيا وبعض دول المنطقة، وإنما تمتد أيضًا إلى التحول المستمر في السياسة الداخلية لموسكو.