أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)

الطائرات المسيرة:

التهديد الإرهابي القادم لأمن الدول الأفريقية

16 نوفمبر، 2022


تصاعدت في الآونة الأخيرة تحذيرات من خطورة انتشار الطائرات المسيرة في أيدي الجماعات الإرهابية داخل القارة الأفريقية. فقد شهدت مالي، في أغسطس 2022، هجوماً إرهابياً خلّف مقتل حوالي 42 من رجال قواتها المسلحة على أيدي عناصر إرهابية خلال هجوم جمع بين قصف مدفعي وشاحنات مفخخة وطائرات مسيرة، وهو ما يشير إلى أن خطر المسيرات الإرهابية قد وصل القارة الأفريقية. 

مخاطر التوظيف الإرهابي:

يتضافر عدد من الأسباب المفسرة لتفاقم المخاوف من وقوع الطائرات الميسرة في أيدي الجماعات الإرهابية بالقارة الأفريقية خلال الآونة الأخيرة، وذلك على النحو التالي:

1- التحذيرات الدولية: يزداد في القارة الأفريقية استخدام التقنيات المتقدمة، وأبرزها الطائرات المسيرة، لاسيما في ضوء احتضان القارة العديد من الجماعات الإرهابية، والتي تنشط في ضوء انتشار الحروب الأهلية، بالإضافة إلى هشاشة بعض الحكومات. 

وتتسق المخاوف من استخدام الجماعات الإرهابية للطائرات المسيرة مع تصريحات المبعوثة الهندية لدى الأمم المتحدة، السفيرة، روشيرا كامبوج، والتي أكدت استخدام الطائرات المسيرة في شن هجمات في العديد من مناطق الصراع.

وعلاوة على ما سبق، اختتم اجتماع لجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن الدولي في الهند، والذي استمر يومين، في نهاية أكتوبر عام 2022، باعتماد وثيقة تدعو الدول الأعضاء إلى منع ومكافحة الأشكال الرقمية للإرهاب، لاسيما استخدام الطائرات المسيرة ووسائل التواصل الاجتماعي وتمويل الإرهاب عبر الإنترنت.

2- توفر الطائرات المسيرة: من المتوقع أن يبلغ السوق العالمي للطائرات المسيرة للهواة نحو 43 مليار دولار بحلول عام 2024، مع وجود توقعات بأن تصبح جنوب أفريقيا أبرز المستهلكين في القارة السمراء. 

وتتسم الطائرات المسيرة التجارية بأنها متوفرة بشكل كبير مع سهولة تصنيعها بتكلفة قد لا تتعدى المئات من الدولارات، مما يجعل بعض التنظيمات قادرة على امتلاك هذه الطائرات، كما أنها قد تقوم بإدخال تعديلات تقنية عليها لاستخدامها كأسلحة موجهة.

وعلاوة على ما سبق، تتميز هذه الطائرات بعجز العديد من الأنظمة الدفاعية على تحديدها، ومن ثم إسقاطها، نظراً لطيرانها على مستوى منخفض وبسرعة بطيئة نسبياً. وأكد تقرير نشره مركز "أفريقيا للدراسات الاستراتيجية"، العام الماضي، إمكانية شراء بعض النماذج من الطائرات المسيرة وتسليحها مقابل أقل من 650 دولاراً، في حين أشارت تحليلات أخرى إلى أن الطائرات المسيرة أصبحت قادرة على حمل حمولة متفجرة يبلغ طولها قدم تقريباً، ويمكن شراؤها من أمازون مقابل خمسين دولاراً.

كما تتعدد الطرق التي يتم من خلالها إمكانية الحصول على الطائرات المسيرة من قبل الجماعات الإرهابية، حيث يمكنها الحصول عليها عبر أطراف ثالثة، مثل عصابات الجريمة المنظمة. كما يمكن شراء بعض الأنواع من الطائرات المسيرة عبر المنصات الإلكترونية.

وخلصت دراسة أجريت في منطقة الساحل وشرق أفريقيا إلى سهولة الحصول على الطائرات المسيرة التي يتم ابتكارها محلياً. ومن جهة أخرى، تتوفر المكونات المستخدمة في تصنيع الطائرات المسيرة بشكل قانوني. وعلى سبيل المثال، يتم تصنيع جسد الطائرة من خلال مواد متوفرة مثل الفايبر، والتي بالفعل يتم استخدامها في العديد من الأدوات المنزلية. ولذا تكمن العقبة الوحيدة في امتلاك المعرفة اللازمة للقيام بعملية تصنيع هذه الطائرات. ومن أجل التغلب على تلك العقبة، اتجهت بعض الجماعات، مثل داعش، للتعاقد مع بعض التقنيين من خلال بعض الوسطاء، الذين لا يمتلكون سجل إجرامي، أو يمكن استئجار خدمات بعض المبرمجين والمتخصصين لتصميم بعض البرامج، التي يمكن استخدامها أيضاً لأغراض سلمية من دون التعرض إلى شبهة القيام بعمليات إرهابية.

3- تهديد البنية التحتية: كشفت الحرب الروسية – الأوكرانية عن تصاعد توظيف الطائرات المسيرة في استهداف البنية التحتية الاستراتيجية، على غرار شبكات الاتصالات ومحطات الطاقة والمطارات وغيرها. ولذلك من المتوقع أن تتجه الجماعات الإرهابية لاستخدامها لمهاجمة البنية التحتية الحرجة. 

عوامل حاكمة للاستخدام:

يمكن تقسيم عوامل استخدام الجماعات الإرهابية للطائرات المسيّرة إلى ثلاث فئات، وهي الدعم الخارجي، والسيطرة الميدانية، بالإضافة إلى امتلاك القدرات التقنية، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:

1- الدعم الخارجي: يساعد الدعم الخارجي من قبل دول أجنبية الجماعات الإرهابية في دعم قدراتها من خلال إمدادها بالمعرفة والتقنيات والتدريب، مثل الدعم الإيراني لجماعة الحوثيين في اليمن، مما مكّن تلك الجماعات من الوصول إلى طائرات مسيّرة أكثر تقدماً من الفئة العسكرية متوسطة الحجم، وذلك على عكس الجماعات الإرهابية الأخرى، مثل داعش، والتي اضطرت للاكتفاء بتعديل الطائرات المسيرة التجارية.

وعلى مستوى القارة الأفريقية، أسست إيران علاقات سرية مع شباب المجاهدين في الصومال، وقامت بإمدادها بالسلاح. ولذا يمكن أن تقوم إيران بدعم الحركة ببعض الطائرات المسيرة القتالية. 

2- السيطرة على الأرض: تستخدم التنظيمات الإرهابية، على مستوى القارة الأفريقية، خاصة في دول الساحل على غرار داعش، وبوكو حرام والقاعدة الطائرات المسيرة، نظراً لسيطرتها على مساحات واسعة داخل دول المنطقة، فضلاً عن معاناة دول المنطقة بسبب تراجع قدراتها الأمنية، بالإضافة إلى الفراغ الأمني الناتج عن انسحاب فرنسا من مالي بعد انتهاء عملية برخان، وإن كان من المتوقع أن تسعى لتجاوز ذلك عبر التعاون مع فاجنر الروسية. 

3- امتلاك الخبرات الفنية: كلما امتلك التنظيم عناصر فنية متخصصة قادرة على استخدام الطائرات المسيرة، كلما تم استخدامها على نطاق أوسع وبشكل أكثر فعالية. وتتميز حركة الشباب الصومالية بقدرتها على استيعاب المبتكرات التقنيات الحديثة. ففي أكتوبر 2016، تبين أن الحركة تستخدم بشكل متزايد تكنولوجيا الأجهزة المتفجرة المتطورة في عملياتها، وسهّل ذلك الأمر استمرار وصول الخبراء الإرهابيين الأجانب لنقل المعرفة من مناطق النزاع الأخرى، خاصة من اليمن، وغيرها. 

كما قامت حركة الشباب بتوظيف الطائرات المسيرة في أغراض الاستطلاع ومراقبة تحركات القوات الأمنية الصومالية، وفقاً للتقارير الاستخباراتية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة. 

مسارات استخدام المسيرات:

يمكن تقسيم الاستخدام العسكري للطائرات المسيرة إلى نوعين، وذلك على النحو التالي: 

1- الاستخدام الهجومي النشط: أعلنت سلطات دولة مالي في أغسطس 2022، مقتل 42 جندياً مالياً في هجوم متطور تم شنه من قبل تنظيم داعش في الصحراء الكبرى باستخدام طائرات مسيرة ومدفعية وشاحنات مفخخة.

وعلى صعيد آخر، أظهرت حركة الشباب الصومالية قدرة على استعمال المسيرات. فعلى سبيل المثال، استطاعت الحركة عام 2016، تركيب المتفجرات والعبوات الناسفة على الطائرات المسيرة، وذلك لشن هجمات على منشآت الحكومة الصومالية. والجدير بالذكر أن حركة الشباب الصومالية استخدمت أيضاً الطائرات المسيرة في إطار هجومها على إحدى القواعد العسكرية في عام 2019. وفي وقت سابق من العام الجاري، استخدم الجيش الموزمبيقي منظومة إسرائيلية مضادة للطائرات المسيَّرة لاعتراض وإسقاط ثلاث مسيَّرات وجهتها جماعات إرهابية.

2- الاستخدام السلبي للاستطلاع: يقصد بها توظيف الطائرات المسيرة لأغراض المراقبة والدعاية ونقل الأسلحة. ويُعد هذا الاستخدام هو النمط السائد بأفريقيا. ففي يناير 2022، استخدم تنظيم داعش في غرب أفريقيا طائرات مسيرة لتصوير أجزاء من فيديو دعائي يعرض معسكرها التدريبي في نيجيريا.

كما تم رصد طائرات استطلاع مسيرة في يوليو 2022 يستخدمها التنظيم فوق موقع القوات الحكومية النيجيرية قبل تنفيذها العملية الهجومية. وأشارت صحيفة نيويورك تايمز إلى حصول جماعة بوكو حرام النيجيرية على طائرات مسيرة، والتي تم استخدامها لأغراض استخباراتية، مع تأكيد التحليلات على أن طائرات بوكوحرام قد تكون أكثر تطوراً من تلك المستخدمة من قبل الحكومة النيجيرية. علاوة على ما سبق، أشارت التقارير الأخيرة إلى أن حركة الشباب في الصومال استخدمت طائرات من دون طيار ثابتة الجناحين للمراقبة والاستطلاع.

استخدامات إرهابية مستقبلية:

يمكن الإشارة إلى عدد من الاتجاهات المتوقعة للطائرات المسيرة المستخدمة من قبل الجماعات المسلحة، لاسيما في ضوء استخدامها بالفعل، وإن كان على نطاق محدود، من قبل هذه الجماعات بالقارة، وذلك كالتالي: 

1- تنفيذ هجمات كيميائية أو بيولوجية: يمكن على سبيل المثال إرفاق ذخائر محملة بالمواد الكيميائية على طائرات مسيرة انتحارية. ففي يونيو 2013، ألقت قوات الأمن العراقية القبض على خلية تابعة لداعش بتهمة التخطيط لاستخدام طائرات مسيرة يتم التحكم فيها عن بعد لرش غاز السارين وغاز الخردل على أهداف غير محددة في العراق ومناطق أخرى. 

ويعد هذا الأمر غير مرجح بدرجة كبيرة، نظراً لافتقاد التنظيمات الإرهابية الأفريقية الخبرة في تصنيع المواد الكيماوية أو البيولوجية. 

2- استخدام أسراب المسيرات: تعني قدرة الجماعات الإرهابية على شراء، أو تصنيع عدد كبير من الطائرات المسيرة بتكلفة أقل إمكانية توظيف أسراب من الطائرات المسيرة لمهاجمة قواعد الجيش. ففي يناير 2018، هاجمت جماعة إرهابية في سوريا قاعدة للجيش الروسي في طرطوس بسوريا باستخدام 13 طائرة مسيرة بدائية محملة بالمتفجرات. 

وفي الختام، لا يزال استخدام الجماعات الإرهابية الطائرات المسيرة في طور البداية بالقارة الأفريقية، غير أنه لا يمكن إغفال أن انتشار تلك النوعية من التقنيات الناشئة سيكون مسألة وقت، وذلك في ضوء تشابك عدد من الجماعات الإرهابية مع أطراف خارجية. ولذا ستواجه الحكومات الأفريقية تحديات جسيمة لمواجهة انتشار تلك النوعية من الطائرات في أيدي التنظيمات الإرهابية، خاصة أن دول العالم المتقدم لاتزال تعكف على تطوير أنظمة دفاعية في مواجهتها.