أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)

معركة الوقت:

لماذا لا تُعوِّل واشنطن على الانتخابات الرئاسية الإيرانية؟

14 مارس، 2021


‎حرصت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على توجيه رسائل عديدة مفادها أنها لا تبدي اهتماماً كبيراً بنتائج الانتخابات الرئاسية التي سوف تجرى في إيران في 18 يونيو القادم، بما يعني أنها ترى أن هوية الرئيس المقبل لإيران لن تغير من اتجاهات صنع القرار في طهران ولا في المسارات المحتملة التي يمكن أن تتجه إليها العلاقات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية خلال المرحلة القادمة.

‎ففي هذا السياق، قال المبعوث الأمريكي إلى إيران روبرت مالي، في 11 مارس الجاري، أن "الانتخابات الرئاسية الإيرانية ليست عاملاً في عملية صنع القرار في إدارة الرئيس بايدن حيال كيفية المضى قدماً في المحادثات النووية"، مضيفاً أن "الوتيرة ستحدد بمدى اتساقنا في الدفاع عن مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية"، وتابع: "إننا لن نتسرع أو نبطئ بسبب الانتخابات الإيرانية". ويطرح ذلك دلالات عديدة تتصل بالاستراتيجية الجديدة التي تعتمدها إدارة بايدن في التعامل مع إيران خلال المرحلة الحالية، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

‎1- نفوذ خامنئي: ترى واشنطن أن تغيير الرئيس لا يغير من الوضع في شئ طالما أن الكلمة الأخيرة في تحديد اتجاهات السياسات الداخلية والخارجية في يد شخص آخر هو المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي. بل إن بعض الاتجاهات تشير إلى أن الحرس الثوري ربما يكون له دور أقوى وأكثر تأثيراً من دور الرئيس في وضع تلك السياسات، على غرار ما كان يقوم به قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سليماني، قبيل اغتياله بواسطة طائرة أمريكية من دور طيار في 3 يناير 2020. إذ كان مسئولاً عن إدارة العمليات الخارجية الإيرانية في الخارج. وبدا ذلك جلياً عندما نظم الزيارة التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد إلى طهران ولقاءه مع المرشد خامنئي، في 25 فبراير 2019، حيث أشارت تقارير عديدة إلى أن الرئيس روحاني نفسه فوجئ بوجود الأسد في طهران، وكان ذلك دافعاً لوزير الخارجية محمد جواد ظريف لإعلان استقالته قبل تراجعه عنها.

‎2- ورقة طهران: ربما تحاول إدارة بايدن نزع ورقة ضغط سعت إيران إلى استغلالها بهدف كسب مزيد من الوقت، وبالتالي توسيع هامش الخيارات وحرية الحركة المتاحة أمامها، لاسيما في ظل إصرارها على مواصلة التصعيد على مستويات مختلفة، استباقاً لأية مفاوضات محتملة قد تجري مع واشنطن في المرحلة القادمة، حيث تسعى إلى تعزيز موقعها التفاوضي ومقابلة الضغوط الأمريكية بضغوط مقابلة على المستويات النووية والإقليمية والصاروخية. ومن هنا، فإن إدارة بايدن تريد تأكيد أنها لن تنتظر حتى استشراف من سيكون رئيس إيران القادم لتبيان مدى إمكانية الانخراط في تفاهمات مع إيران أو إجراء مفاوضات معها.

‎3- التجارب السابقة: يمكن القول إن معظم التفاهمات التي توصلت إليها إيران مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة حدثت في وقت كان تيار المحافظين هو المسيطر على معظم دوائر صنع القرار في طهران، وهو ما يعني أن واشنطن ربما لا تبدي قلقاً واسعاً إزاء احتمال وصول شخصية محسوبة على هذا التيار، وهو القاسم المشترك في تكهنات المراقبين، إلى منصب الرئيس الإيراني خلفاً للرئيس الحالي، الذي ينتمي لتيار المعتدلين، حسن روحاني. وقد يعود ذلك، وفقاً لاتجاهات عديدة، إلى أن تيار المحافظين يكون أكثر قدرة على تمرير تلك التفاهمات داخلياً، أو على الأقل تهيئة المجال أمام إنضاجها وإيصالها إلى مرحلة المفاوضات.

‎4- إهدار الوقت: قد ترى إدارة بايدن أن الانتظار حتى استشراف ما سوف تؤول إليه الانتخابات الرئاسية الإيرانية، ومن ثم بدء الرئيس الجديد تولي مهام منصبه، وهو ما سيتم في الغالب في شهر أغسطس القادم، أى بعد خمسة أشهر تقريباً، يعني إهدار فترة طويلة قبل تقييم نتائج المسار الحالي الذي تنتهجه لإدارة علاقاتها مع طهران. وهنا، فإن متغير الوقت يحظى بأهمية خاصة لدى الإدارة الأمريكية، في ظل الضغوط القوية التي تتعرض لها في الوقت الحالي سواء من جانب الكونجرس الأمريكي، الذي يتبنى بعض أعضاءه الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء نهجاً مناوئاً للسياسة الحالية، أو من قبل إسرائيل.

‎وهنا، فإن إدارة بايدن ربما تتخوف من حدوث تطورات قد لا تكون مواتية للوصول إلى تفاهمات مع إيران، باعتبار أنها لا تستبعد تحرك بعض الأطراف المناوئة لتعطيل تلك التفاهمات، على غرار إسرائيل، وهو ما يدفعها إلى الإصرار على المضى قدماً في استكمال مقاربتها الحالية وعدم الانتظار لحين إجراء الانتخابات الرئاسية الإيرانية.

‎وربما لا يمكن فصل ذلك عن التوتر الإقليمي المتصاعد بين إسرائيل وإيران، لاسيما بعد أن كشفت تقارير عديدة عن قيام الأولى باستهداف ناقلات نفط إيرانية كانت في طريقها إلى سوريا. إذ أشارت صحيفة "وول ستريت جورنال"، في 12 مارس الجاري، إلى أن إسرائيل استهدفت ما لا يقل عن 12 سفينة إيرانية كانت متجهة إلى سوريا وكان معظمها يحمل نفطاً إيرانياً، مشيرة إلى أن هذه الضربات كانت تهدف إلى تجنب توجيه أرباح تلك الشحنات لصالح تمويل الإرهاب والتطرف في منطقة الشرق الأوسط.

‎وقبل ذلك، وتحديداً في 10 من الشهر نفسه، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حريصاً على تأكيد أنه قام "بإرسال الموساد إلى وسط طهران لجلب أسرار الملف النووي الإيراني وعرضه على العالم لرؤية ما هى المخططات السرية لإيران في هذا السياق". ومن دون شك، فإن ذلك في مجمله يعود إلى اتجاه إيران بدورها إلى رفع مستوى التصعيد مع إسرائيل عبر استهداف السفينة التابعة لشركة "هيليوس راى" الإسرائيلية في خليج عمان في 26 فبراير الفائت.

‎من هنا، ربما تشهد الفترة القادمة مزيداً من التصعيد بين إيران وإدارة بايدن، ومن خلفها إسرائيل، ليس فقط استباقاً لإجراء الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وإنما أيضاً لمحاولات إيران كسب مزيد من الوقت وتعزيز أوراقها التفاوضية قبل الانخراط في أية تفاهمات محتملة بين الطرفين.