أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

التغيير من أسفل:

دوافع نظام أردوغان لـ "تسييس" أول قناة دينية للأطفال

01 يوليو، 2021


وقّع رئيس الشؤون الدينية التابعة لرئاسة الجمهورية التركية، علي أرباش، ومدير مؤسسة الإذاعة والتلفزيون التركي "تي آر تي"، إبراهيم أران، في 7 يونيو 2021، بروتوكول تعاون لإنشاء قناة دينية خاصة بالأطفال "تي آر تي الدينية – للأطفال"، هي الأولى من نوعها في البلاد. وفي هذا الإطار، قال رئيس الشؤون الدينية، أرباش، على هامش حفل التوقيع، "لم نتمكن من تقديم القيم الإسلامية للأطفال خلال السنوات الماضية، حيث كنا نقدم لهم الرسوم الكرتونية المتحركة التي صممتها شركات أجنبية". وأكد ضرورة بذل الجهود من أجل دعم الأطفال بالمعرفة الدينية الصحيحة.

وقد أثار تأسيس الحكومة التركية قناة دينية موجهة للأطفال، تساؤلات حول أبعاد هذه الخطوة ودوافعها في الوقت الحالي، لاسيما أن ثمة اتجاهاً في تركيا لتسييس البعد الديني وتوظيفه في خدمة دوافع سياسية وانتخابية للرئيس رجب طيب أردوغان.

تنشئة "جيل مُتدين":

يندرج تأسيس قناة دينية موجهة للأطفال في تركيا، في إطار مشروع الرئيس أردوغان الهادف إلى تنشئة جيل ملتزم متدين، يؤمن بالثقافة العثمانية، ويتغلب على الأفكار العلمانية الغربية. ففي مواجهة المبادئ العلمانية التي تأسست عليها الجمهورية التركية الحديثة، في عام 1923، على يد مصطفى كمال أتاتورك عقب إلغائه الخلافة العثمانية، يسعى أردوغان وحزبه الحاكم "العدالة والتنمية" للقضاء على إرث أتاتورك العلماني وتأسيس جمهورية جديدة على مبادئ الإسلام السياسي، واستعادة ما يصفه أنصار حزب العدالة والتنمية بـ "أمجاد الخلافة العثمانية". 

وفي الوقت الذي رأي فيه أتاتورك أن تركيا دولة علمانية تنتمي إلى العالم الغربي، وأن تطويرها وتحديثها يتطلب اتباع النموذج العلماني الغربي وتنحية الدين عن الحياة العامة، ووضع مادة بالدستور التركي تؤكد علمانية الدولة؛ يرى أردوغان في المقابل أن تركيا ترتبط بعلاقات تاريخية ودينية مع العالمين العربي والإسلامي، وأن الجمهورية التركية هي امتداد للدولة العثمانية، و"أنه لا يمكن حل أي من المشكلات وتقديم الخدمات من دون وضع الإسلام في صميم حياتنا". وكان رئيس البرلمان التركي الأسبق عضو حزب العدالة والتنمية، إسماعيل كهرمان، قد دعا، في أبريل 2016، إلى التخلي عن مبدأ العلمانية ووضع دستور ديني، باعتبار تركيا بلداً مسلماً.

ويسعى أردوغان إلى تحقيق هدفه بتنشئة "جيل متدين" وزيادة حضور الدين في الحياة العامة، من خلال الجمع بين أسلوبين معروفين في أدبيات جماعات الإسلام السياسي؛ الأول هو "التغيير من أعلى إلى أسفل" عبر تنقيح الكثير من القوانين العلمانية القائمة وفرض أخرى إسلامية، والأسلوب الثاني "التغيير من أسفل إلى أعلى" من خلال غرس الأفكار الإسلامية في الأجيال الناشئة عبر التعليم والدعاية والأنشطة المجتمعية المختلفة. وقد برز الجمع بين الأسلوبين في الإجراءات التي انتهجها حزب العدالة والتنمية منذ وصوله إلى الحكم في عام 2002، وذلك على النحو التالي:

1- التوسع في إنشاء مدارس "الإمام الخطيب" الإسلامية الحكومية، التي تُدرس بها العلوم الدينية إلى جانب المواد الدراسية الأخرى، وسبق أن درس فيها أردوغان وغالبية أعضاء حزب العدالة والتنمية الحاكم، حيث ارتفع عدد هذه المدارس من 450 مدرسة في عام 2002 إلى نحو 5138 مدرسة في عام 2020، سواء من خلال تشييد مدارس جديدة، حيث تم في عام 2018 وحده تأسيس 128 مدرسة إمام وخطيب، أو تحويل بعض المدارس العادية التابعة للدولة إلى مدارس "الإمام الخطيب". وفي عام 2012، تم إصدار قانون يسمح للأطفال من سن العاشرة بالانضمام إلى المدارس الدينية الحكومية.

وتجبر الحكومة بطريقة غير مباشرة المواطنين على التسجيل في هذه المدراس، حيث إنه نتيجة لعدم قدرة المدارس الحكومية العادية على استيعاب الأعداد الكبيرة للطلاب، يتم تحويلهم إلى مدارس "الإمام الخطيب" لعدم وجود بديل حكومي آخر، وهو ما أثار اعتراض عدد كبير من المواطنين الرافضين لتعلم أبنائهم في مدارس دينية، خاصة أنه لم يعد هناك بديل أمامهم سوى المدارس الخاصة ذات المصاريف المرتفعة. وردت وزارة التربية والتعليم التركية على تذمر المواطنين بالقول "إنها لا تجبر أحداً، وكل من لا يريد تسجيل ابنه في مدارس إمام خطيب يمكنه اختيار مدرسة خاصة للتسجيل فيها، بعد أن امتلأت المدارس الحكومية بالطلاب". وقد أدت هذه السياسة إلى ارتفاع عدد طلاب مدارس "إمام خطيب" إلى 1.3 مليون طالب في عام 2020 مقارنة بـ 71 ألف في عام 2004.

2- مصادقة "مجلس شورى التعليم" في عام 2014 على إلزامية دروس التربية الدينية حتى الصف الثالث الابتدائي، وإدراج اللغة التركية العثمانية في المناهج الدراسية كمادة إلزامية، فيما جرى إلغاء تدريس نظرية "داروين" للنشوء والارتقاء والتطور، في عام 2017، باعتبارها مثيرة للجدل، وهي النظرية التي يرها كثيرون أنها تتعارض مع الإسلام.

3- البدء تدريجياً في عام 2012 بإلغاء حظر ارتداء الحجاب، للطالبات والبرلمانيات والمحاميات، وصولاً إلى رفع حظر ارتدائه في مؤسسات الدولة بشكل كامل عام 2013.

4- فرض قوانين مشددة لبيع الكحول والتبغ، حيث منعت الحكومة التركية بيع الكحول خاصة قرب المساجد والمدارس منذ عام 2013، وفرضت ضرائب عالية على المشروبات الكحولية، كما منعت أي إعلانات أو ملصقات تروج للكحول.

5- إنشاء قناة دينية عام 2012، بالتعاون بين رئاسة الشؤون الدينية ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون التركي، باسم "تلفزيون الديانة".



إرضاء الناخبين:

يأتي تأسيس قناة دينية للأطفال في تركيا، في إطار سلسلة من الإجراءات والقرارات التي اتخذها الرئيس أردوغان مؤخراً؛ لمحاولة إرضاء قاعدته الانتخابية المتدينة والمحافظة، استعداداً لانتخابات عام 2023، بعد أن أظهر عدد من استطلاعات الرأي تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد. ومن بين هذه الإجراءات التي اتخذها أردوغان، تحويل متحف "آيا صوفيا"، الذي كان في الأصل كنيسة، إلى مسجد والسماح بالصلاة فيه. وينظر كثيرون من أنصار العلمانية الأتراك إلى تحويل آيا صوفيا إلى مسجد باعتباره هجوماً مباشراً على إرث أتاتورك الذي حوله في عام 1934 إلى متحف وأهداه إلى الإنسانية.

كما سحب الرئيس أردوغان، في مارس 2021، تركيا من اتفاقية المجلس الأوروبي لمنع ومكافحة العنف ضد المرأة والعنف المنزلي أو ما يُعرف بـ "اتفاقية اسطنبول"، وهو مطلب كان يطالب به المحافظون المتدينون في تركيا، حيث يرون أن الاتفاقية تؤذي القيم التقليدية للعائلات التركية، وتهدد وحدة الأسرة، وتشجع على الطلاق، وتُستخدم من قِبل المثليين للحصول على قبول أوسع في المجتمع، لتضمنها إشارة إلى عدم التمييز على أساس الميل الجنسي.

كذلك يتوسع أردوغان في بناء المساجد في تركيا. فبحسب بيانات رئاسة الشؤون الدينية لعام 2020، بنت تركيا 13 ألف مسجد منذ تولي أردوغان السلطة. وفي مايو 2021، افتتح أردوغان أول مسجد في ساحة تقسيم الشهيرة باسطنبول، وهو هدف كان يسعى أردوغان لتحقيقه منذ أن كان رئيساً لبلدية اسطنبول في التسعينيات، حيث أعرب عن أسفه وقتها لعدم وجود مسجد في ساحة تقسيم، مشيراً إلى أن الموقع الديني الوحيد المرئي كان كنيسة أرثوذكسية. واتهم البعض أردوغان بالرغبة في "أسلمة تركيا" وإلقاء ظلال على مؤسس الجمهورية كمال أتاتورك، إذ يطغى المسجد الآن على "نصب الجمهورية" لأتاتورك. وفي مايو 2019، افتتح أردوغان أكبر مسجد في تركيا "مسجد تشامليجا"، على غرار التصاميم الكلاسيكية العثمانية.

ختاماً، يمكن القول إن تأسيس أول قناة دينية للأطفال في تركيا خطوة ضمن سلسلة من الخطوات التي اتخذها نظام الرئيس أردوغان على كافة المستويات، منذ قدومه للسلطة، لتأسيس "جيل متدين" يؤمن بالخلافة العثمانية ويتبنى أيديولوجية الإسلام السياسي، وذلك في إطار بناء جمهوريته الجديدة، التي تختلف تماماً عن جمهورية أتاتورك العلمانية، والتي انتهى أردوغان من وضع أهم لبنة فيها بإلغاء النظام البرلماني الذي كان سائداً منذ تأسيس الدولة التركية الحديثة في عام 1923، واعتماد النظام الرئاسي الذي ينفرد فيه بالسلطة التنفيذية في البلاد، وهو ما دفع معارضيه لتلقيبه بـ"الخليفة المنتظر".