أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

"قرارات متحفظة":

الصين وكورونا.. هل أسهم الخبراء بحدوث "البجعة السوداء"؟

16 أبريل، 2020


عرض: ياسمين أيمن – باحثة في العلوم السياسية

 أثار تعامل السلطات الصينية مع انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) بمدينة ووهان الصينية في ديسمبر ٢٠١٩، الذي وصفه الرئيس الصيني "شي جين بينغ" بأنه "أكبر حالة طوارئ للصحة العامة بالبلاد" منذ تأسيسها عام 1949، جدلًا عالميًّا حول الآلية التي تعاملت بها مع الوباء داخليًّا.

 وفي هذا السياق، تناقش دراسة بحثية بعنوان "الحكم المحافظ والاحتواء لكوفيد-19 في مرحلة تفشيه المبكرة وفقًا للخبراء"، مراحل تفشي وباء كوفيد-19 بالصين، وكيفية احتوائه. ويفسر الباحثون سلوك متخذي القرار في بكين الذي وُصف بالمتأخر، مستندين في ذلك إلى نموذج لاتخاذ القرار يدمج بين "التفكير المعتاد"، "والمخاوف السياسية"، "والاختيارات العقلانية". ويختتم الباحثون دراستهم بإرشادات لتحسين دور الخبراء في الاستجابة للطوارئ الصحية.

مراحل تفشي الوباء

 يقسم الباحثون تفشي وباء كورونا المستجد في الصين إلى ثلاث مراحل. بدأت المرحلة الأولى في الأول من ديسمبر ٢٠١٩ بظهور أعراضه على بائع بسوق هوانان للمأكولات البحرية بووهان، واستمر عدد الحالات التي ظهرت عليها الأعراض نفسها بالتزايد حتى بلغ نحو 41 مريضًا في 31 ديسمبر 2019. وحينذاك لم تُصرح اللجنة الصحية لمدينة ووهان بأن هذه الأعراض المشابه للإنفلونزا هي وباء محتمل التفشي.

وفي التاسع والعشرين من الشهر ذاته، قام عشرة خبراء من مستشفى ووهان بعد اجتماعهم بإرسال أول تقرير للجنة الصحية للمدينة. ولاحقًا طلبت اللجنة من جميع المستشفيات الإبلاغ عن حالات هذا المرض (التهاب رئوي فيروسي غير معروف). ثم أبلغت مركز مقاطعة هوبي لمكافحة الأمراض والوقاية، إلا أنها نهت الأطباء عن إشاعة الأخبار المتعلقة بالمرض إلى العامة تجنبًا لإثارة الذعر العام.

وامتدت المرحلة الثانية من 29 ديسمبر ٢٠١٩ حتى 8 يناير ٢٠٢٠، حيث حاولت لجان الصحة بووهان التقصي حول طبيعة المرض، والتسلسل الجيني له. وتم إخطار مركز ووهان للمكافحة والوقاية من الأمراض بهذا الالتهاب الرئوي غير معروف السبب. وطُلب من كافة مستشفيات ووهان الإبلاغ عن الحالات المشابهة. وفي 31 ديسمبر، أعلنت السلطات الرسمية بووهان عن الوباء. وأوضحت أنه قد تم تنفيذ الحجر الصحي على المرضى لتلقي العلاج، وأشارت إلى سوق هوانان للمأكولات البحرية باعتباره مصدرًا للمرض؛ إلا أنها لم ترجح احتمالية انتقال المرض بين البشر.

وفي الأول من يناير 2020، تم استدعاء ثمانية أطباء من قبل الأمن العام الصيني والتحقيق معهم بشأن نشر شائعات عن وباء محتمل على الإنترنت. واتضح لاحقًا أنهم حاولوا تحذير زملائهم والحفاظ على حيواتهم. وعلى الرغم من استمرار انتشار الوباء بين البشر، وبين الأطقم الطبية، أصرت سلطات ووهان على أنه غير قابل للانتشار بين البشر. وفي الثاني من يناير تم الإعلان عن أنه نوع جديد من الفيروس التاجي كورونا، وبعدها بخمسة أيام أطلق عليه اسم كوفيد-١٩، وتم إخطار منظمة الصحة العالمية بتفشي الوباء من قبل لجنة الصحة الوطنية. 

وبدأت المرحلة الثالثة لتفشي المرض في التاسع من يناير، والتي قام خلالها المركز الوطني للمكافحة والوقاية من الأمراض بمشاركة المعلومات حول التسلسل الجيني الكامل للفيروس مع عدة دول، إلى جانب منظمة الصحة العالمية. وتم إطلاق حالة الطوارئ من المستوى الأول. وفي 16 يناير، تم تكوين 13 فرقة عمل للطوارئ.

وعلى مدار المراحل الثلاث تم إرسال ثلاث مجموعات من الخبراء، تمسكت أول مجموعتين بآرائهما المتعلقة بعدم تهويل الأمر عن الوباء، وعدم انتقاله من شخص لآخر. ولكن في التاسع عشر من يناير أعلنت المجموعة الثالثة إمكانيه انتقاله من شخص لآخر، وطالبت بسرعة اتخاذ قرارات حكومية.

وهنا أصدر الرئيس الصيني "شي جين بينغ" في 20 يناير تعليمات للجان الحزب الشيوعي الصيني، وللحكومة على كافة المستويات، باتخاذ التدابير اللازمة لإيقاف تفشي الوباء. وتلك هي المرة الأولى التي تدخلت فيها السلطات العليا منذ اندلاع الوباء. وفي الثالث والعشرين من يناير عُزلت مدينة ووهان بالكامل.

 وتشير الدراسة إلى تباطؤ السلطات المحلية في اتخاذ الإجراءات المتعلقة بالسيطرة على المرض، كالعزل الكلي، معتبرة أن الأمر قابل للسيطرة، وهو ما تسبب في سرعة انتشار المرض داخل الصين، خصوصًا عند الاحتفال بالسنة الصينية الجديدة وعودة نحو خمسة ملايين من الطلاب لذويهم في مختلف البلدات.

دور الخبراء

تذكر الدراسة أن الخبراء الصينيين يؤثرون في عملية صنع القرار السياسي ويتأثرون به. وعلى الرغم من غزارة معلوماتهم عن الأشخاص العاديين، إلا أن أخطاءهم واردة. ومن منظور العلوم السلوكية، ترتبط قرارات الخبراء بخبرتهم السابقة، وبطبيعة إدراكهم للمخاطر. وعادة ما يحافظون على نهجهم الاعتيادي في التفكير. ولعل هذا ما تسبب في حدوث سيناريو "البجعة السوداء" مع وباء كوفيد-19. فالسلوك الاعتيادي في التفكير بالفيروس والاستهانة به تسبب في مشاكل جمة غير متوقعة.

وتضيف الدراسة أن الاعتبارات السياسية والاجتماعية للخبراء تؤثر على طريقة تصورهم للحدث. ويفترض الباحثون أن الخبراء هم أشخاص عقلانيون عند اتخاذ القرارات، فضلًا عن كونهم صادقين في إيصال القرارات، كما أنهم لا يكونون تحت ضغط سياسي يجبرهم على اتخاذ قرار معين، وإصدار حكم منافٍ للواقع.

وتناولت الدراسة ثلاثة محددات أثرت في تفكير الخبراء الصينيين عند التعامل مع أزمة فيروس كورونا، والتي كانت على النحو التالي: 

1- "التفكير المعتاد": وهو مفهوم سلوكي يشير إلى التمسك بعادات التفكير القديمة، ويشار إليه باسم تأثير Einstellung، أي الثبات على نهج معين في التفكير، ومحاولة ربط كافة الأدلة الجديدة بالتجارب السابقة، وهو ما يختلف عنه سيناريو "البجعة السوداء".

وفي حالة أزمة فيروس كورونا؛ يمتلك الخبراء تجارب وخبرات تراكمية بمجال الصحة العامة، ومع تمسكهم بخبراتهم السابقة، ونقص المعلومات حول طبيعة الفيروس، وتشابه أعراضه مع أعراض الإنفلونزا الموسمية؛ تم التقليل من تقدير المخاطر المحتملة عن كورونا، وعن إمكانية تفشيه. وقد كانت تأتيهم تقارير سنوية حول أمراض الإنفلونزا، وغالبًا ما أثارت تلك التقارير الإنذارات الكاذبة، ولم تُجرِ الصين إجراءات احترازية إلا للسارس في عام 2003، لذلك لم يتوقع الخبراء أن تختبر الصين تجربة السارس مجددًا بعد مرور سبعة عشر عامًا عليها.

علاوة على ما سبق فإجراء تحليلات لا تتلاءم مع طبيعة الفيروس أعطت نتائج خاطئة حول عدد المصابين، ولذلك لم يندفع الخبراء بالصين لاعتبار الفيروس مرضًا وبائيًّا. لكن التحاليل التي تم تطويرها لتتلاءم مع كوفيد-19 في المرحلة الثالثة كانت كاشفة عن الوباء.

2- "المخاوف السياسية": تؤثر الارتباطات السياسية على أحكام الخبراء، وتحديدًا في النظم الهرمية. وحتى بالمجتمعات الديمقراطية فالخبراء والباحثون يميلون لاتخاذ الأدلة العلمية التي تتماشى مع أهوائهم السياسية ومع جماعات المصالح المنتمين لها.

وفي حالة فيروس كورونا، ارتبط قرار الخبراء برغبة الحكومة المركزية الصينية في حفظ الاستقرار الاجتماعي العام، فأي قرار جريء أو تصريح إعلامي من قبل الخبراء كان كفيلًا بإحداث آثار اجتماعية وسياسية لا تحمد عقباها. 

ويشير الباحثون إلى أن النظام السياسي الصيني مركزي يتجه من أعلى لأسفل، وتتم صياغة قراراته من الحزب والحكومة الحاكمة، ويمارس سلطاته من خلال اتباع أسلوب الضغط الهرمي من أعلى لأسفل. 

وفي حالة كوفيد-19، تأثر الخبراء -بالضرورة- بالقبضة الحاكمة السلطوية على المواطنين، التي تجعلهم في حالة ذعر تزداد مع احتمالية تلقيهم عقوبات سياسية، جراء تسرعهم في اتخاذ قرارات تتعلق بتفشي الوباء، وتثير الذعر الاجتماعي بين المواطنين، كما أنها تؤثر على الشرعية السياسية للحكومة. ولذلك اتسمت قرارات الخبراء الأولية بالتحفظ.

وتأثر الخبراء بالتهديد السياسي الذي تفرضه الحكومة الصينية، كما في لحظة إلقاء القبض على الدكتور Li Wenliang بمشفى ووهان الذي حذر زملاءه عبر تطبيق wechat، على الرغم من كونه عضوًا بالحزب الشيوعي الصيني. وقد أنكرت مجموعتا الخبراء الذين أرسلتهم لجنة الصحة الوطنية في المرحلتين الأولى والثانية فكرة تفشي الوباء. كما ساهمت حالة عدم اليقين من موقف الحكومة والعقوبة المحتملة في حالة ارتكاب أخطاء تتركز على المبالغة في تحديد الخطر الناجم عن الوباء، في تحفظ الخبراء. 

3- "الاختيار العقلاني": ارتباطًا بإدراك الخبراء للخطر، ولمخاوفهم السياسية، فالاختيار العقلاني يعمل على تجنب أخطاء النوع الأول، والتي تتركز حول المبالغة في تقدير التهديد الناجم عن الوباء، ومن ثم احتمالية الإضرار بسمعة ومصداقية الخبير على المستوى العام، وعلى المستوى الحكومي. ويميل الخبراء في تلك الحالة لاختيار الخطأ من النوع الثاني، المتمثل في التقليل من تهديد تفشي الوباء، وتفسير الخطأ بحدوث خلل تقني في البحث المتعلق بالوباء.

وفي أزمة تفشي فيروس كورونا، تشير الدراسة إلى أن الخبراء الصينيين لو اتخذوا القرار المتعلق بنشر التحذير من الوباء، ربما يواجهون عقوبات سياسية في حال ثبت خطأ ادعائهم وإشاعتهم إنذارًا كاذبًا. ولو اتخذوا قرارات متحفظة، فسيكون الأمر أكثر أمانًا بالنسبة لهم على المستوى السياسي.

وقد مال الخبراء الصينيون المقيدون بروابط اجتماعية وسياسية لاتخاذ قرارات متحفظة بشأن الوباء، وهو ما يُعتبر اختيارًا عقلانيًّا من منظور جماعي صيني نتيجة نقص المعلومات حول طبيعة المرض، ولميل العوام للحفاظ على سير حياتهم الطبيعية، ورفض الحكومات لنشر الأخبار السيئة التي من شأنها الإضرار بالشأن العام.

وفي المجمل، تأثر الخبراء الصينيون بالعوامل الثلاثة عند اتخاذ قراراتهم، كما أنهم مالوا لارتكاب أخطاء من النوع الأول والثاني، ولكن الثاني هو الأكثر ملاحظة، وهو ما تسبب في تفشي الوباء. 

وقد تشجع الخبراء على التخلي عن التفكير المعتاد لهم مع تزايد الأدلة والمعلومات عن طبيعة المرض، واهتموا بالمصلحة العامة متخلصين من التهديدات السياسية، فاتخذوا قرارًا عقلانيًّا يدور حول الإعلان عن خطورة الوباء واحتمالية تفشيه، وسارعت الحكومة إلى وضع التدابير اللازمة لاحتواء الوباء.

البحث عن حل

تخلُصُ الدراسة إلى نتيجة مفادها أن أزمة الصحة العامة الصينية المتمثلة في تفشي وباء كورونا قد خلقت معضلة في آلية اتخاذ القرارات القائمة على العناصر الثلاثة: "التفكير المعتاد، والمخاوف السياسية، والقرارات العقلانية". لذلك هناك حاجة لزيادة إسهام المعرفة وتدفق المعلومات الصحيحة لتخطي حدث "البجعة السوداء". حيث ستصبح القرارات أكثر واقعية، وأكثر ارتباطًا بالصالح العام.

فضلًا عن ذلك، فإن تحضر المجتمع الصيني، وزيادة تطوره، ساهم في دخوله مرحلة من المخاطر غير المتوقعة، وهو ما سيتسبب في زيادة حدوث سيناريو "البجعة السوداء"، ولتجنب هذا فالمجتمع الصيني بحاجة لتطوير آلية صنع قرار تختلف عن الآلية القديمة السابق ذكرها، وتتماشى مع تغيرات المجتمع الصيني، فتعمل على اتخاذ قرارات استباقية.

كذلك ينبغي أن يحدث تطوير مؤسسي لهيئات الصحة الصينية، بصورة تحفز البحث العلمي المتعلق بالأمراض، وتدمج مختلف الجهات، كما ينبغي إدماج الصحة العامة بالأمن القومي العام، لاتخاذ الإجراءات المناسبة عندما يدق ناقوس الخطر. 

المصدر:

Ye Qi, Coco Dijia Du, Tianle Liu, Xiaofan Zhao & Changgui Dong, “Experts’ conservative judgment and containment of COVID-19 in early outbreak”, Journal of Chinese Governance, 23 Mar 2020.