أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

سياقات كاشفة:

كيف تصاعد تأثير النفط في تفاعلات الإقليم؟

23 يناير، 2020


تزايد تأثير النفط في تفاعلات الإقليم، وبصفة خاصة في بؤر الصراعات المسلحة بالشرق الأوسط، سواء داخل أو بين الدول، في بداية عام 2020، وهو ما عكسته جملة من الشواهد، ومنها تفاقم حدة الصراع على النفط بين الأطراف المحلية المتنازعة في ليبيا، ورغبة أنقرة في السيطرة على النفط الليبي، واتخاذ الحكومة اليمنية الشرعية تدابير لزيادة إنتاج النفط لمواجهة الإجراءات الحوثية ضد العملة الوطنية وتجريف الاقتصاد، وتقاسم القوى الدولية (روسيا) والإقليمية (إيران) السيطرة على النفط في شمال شرق سوريا وبعض المناطق التي كان يهيمن عليها تنظيم "داعش"، واسترداد قوات الجيش السوداني حقلى نفط حاولت مجموعة من قوات هيئة العمليات التابعة لجهاز الأمن والمخابرات المؤسسة من قبل النظام السابق السيطرة عليهما.

مؤشرات عديدة:

كشفت تفاعلات الشرق الأوسط، في الأسابيع القليلة الماضية، عن تصاعد تأثير العامل النفطي، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

عوائد النفط الليبي:

1-اتساع نطاق الصراع على النفط بين الأطراف المحلية المتنازعة في ليبيا: يمثل النفط أحد الأبعاد الرئيسية للصراع في ليبيا بعد سقوط نظام القذافي، بحيث تظل الموانئ والآبار النفطية موضع الاستهداف من كافة الأطراف المتحاربة للسيطرة عليها والاستفادة منها بما يعزز من نفوذها الميداني والسياسي. لذا، تجددت الدعوات إلى ضرورة "اقتسام عائدات النفط بالتساوي بين كل الليبيين".

وقد نجحت قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر في السيطرة على الموانئ النفطية لمنع الميلشيات المسلحة والجماعات الإرهابية من الهيمنة عليها، وهو ما حدث مع السيطرة على موانئ وحقول النفط بعد معارك منطقة الهلال النفطي في عام 2016، التي عرفت بعملية "البرق الخاطف"، وكذلك بعد معركة تحرير مدينة سرت. وقد حذرت المؤسسة الوطنية للنفط التابعة لحكومة الوفاق، في بيان لها في 21 يناير الجاري، من أن ذلك "سيؤدي إلى خسائر بمقدار 800 ألف برميل يومياً، أى  أكثر من نصف الإنتاج الكلي للبلاد"، لاسيما مع ظهور بوادر أزمة نقص المحروقات في البلاد. 

وفي السياق ذاته، قال اللواء سالم درياق، آمر غرفة عمليات سرت الكبرى المعنية بحماية النفط والتابعة للجيش الوطني الليبي في تصريحات لصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية في 21 يناير الجاري: "إن القوات المسلحة لا تتدخل في إدارة الموانئ وحقول النفط، هى فقط تنفذ الأوامر الصادرة إليها من القيادة العامة بالحماية، وصد أى عدوان فقط، وهناك أيضاً جهاز حرس المنشآت النفطية الذي يقوم بدوره في حماية المنشآت والمرافق وتأمينها بالداخل، فالقوات المسلحة ترابط على التخوم، لحمايتها من أى عدوان مسلح يستهدف قوت الشعب الليبي".

فقر أنقرة النفطي:

2-رغبة أنقرة في السيطرة على النفط الليبي: يتمثل أحد الدوافع الرئيسية من وراء تدخل تركيا في الصراع الليبي ودعم حكومة الوفاق، في حصول أنقرة على جزء من عائدات النفط الليبي، خاصة مع معاناتها من نقص مصادر الطاقة، ناهيك عن استهلاكها 500 ألف برميل يومياً، وفقاً لأحد التقديرات. ولعل ذلك يفسر الدعم الشعبي والحراك القبائلي المطالب بمنع تصدير النفط الليبي، بهدف حرمان حكومة الوفاق من توظيف عائداته لجلب قوات تركية ومرتزقة موالين لها إلى الأراضي الليبية. وعبر عن ذلك رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح في كلمته أمام الجلسة الثانية لدور الانعقاد الرابع للبرلمان العربي، في 15 يناير الجاري، قائلاً: "إن الاتفاق التركي مع السراج يهدف إلى دعم الميلشيات المسلحة، ونهب ثروات ليبيا".  

وقد اتضح ذلك جلياً أيضاً بصدور بيان الحراك الشعبي لأهالي وأعيان منطقة الهلال النفطي في 16 يناير الجاري، والذي دعا إلى إغلاق صمامات تصدير النفط وحقوله بمنطقة الزويتينة والبريقة، احتجاجاً على ما وصفه بـ"الدعم الذي تقدمه مؤسسة النفط، الموالية لحكومة السراج، للميلشيات التابعة لها". غير أن المؤسسة رفضت تلك الدعوة، وهو ما برز في بيان صادر عن رئيس مجلس إدارتها مصطفى صنع الله جاء فيه: "إن قطاع النفط والغاز هو شريان الحياة بالنسبة للاقتصاد الليبي، وهو أيضاً مصدر الدخل الوحيد للشعب الليبي"، مشدداً على أن المنشآت النفطية هى "ملك للشعب الليبي، ولا يجب استخدامها كورقة للمساومة السياسية". 

مواجهة ميلشيا الحوثي:

3-اتخاذ الحكومة اليمنية الشرعية تدابير لزيادة إنتاج النفط: وذلك لمواجهة الإجراءات الحوثية ضد العملة والاقتصاد، حيث عقد المجلس الاقتصادي الأعلى اجتماعاً برئاسة رئيس الحكومة معين عبدالملك، في 14 يناير الجاري، لدراسة المتطلبات الخاصة بزيادة إنتاج وتصدير النفط الخام، بما يؤدي إلى تخفيف معاناة المواطن اليمني من تداعيات الحرب المستمرة منذ خمس سنوات، وتنمية الموارد المحلية، والحفاظ على استقرار سعر العملة الوطنية، ومواجهة التداعيات الكارثية لإجراءات الحوثيين بمصادرة ومنع تداول العملة الوطنية، ودفع رواتب الموظفين في مناطق سيطرة ميلشيا الحوثي، واستقرار أسعار السلع والمواد الأساسية.

وقد أقر المجلس الاقتصادي اليمني المقترحات الخاصة بتفعيل وتطوير الأداء التشغيلي لمصفاة عدن، وكلف وزيرى النفط والمالية باتخاذ الإجراءات اللازمة باستكمال تمويل المراحل الأخيرة من محطة الطاقة الخاصة بالمصفاة، ووضع جدول زمني لتشغيلها، بما يضمن استعادتها لدورها الاقتصادي الفاعل.

ملء فراغ "داعش": 

4-تقاسم القوى الدولية والإقليمية السيطرة على النفط في شمال شرق سوريا: وافقت الحكومة السورية على تقديم عقود جديدة، في بداية عام 2020، تضمنت استثناءات وامتيازات خاصة، لشركات روسية وأخرى مدعومة من إيران للتنقيب عن النفط والغاز وتطوير شبكات نقل استراتيجية من غرب العراق إلى غرب سوريا على البحر المتوسط، مع الأخذ في الاعتبار أن معظم آبار النفط ومصانع الغاز تقع حالياً تحت سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" في شرق الفرات، المدعومة من الولايات المتحدة، الأمر الذي يشير إلى صراع أمريكي- روسي- إيراني للسيطرة على النفط في تلك المنطقة والأراضي التي كان يهيمن عليها "داعش".

كما أقر مجلس الشعب السوري، في جلسته الـ34 من الدورة العادية 11 للدور التشريعي الثاني في 16 ديسمبر 2019، ثلاثة مشاريع قوانين تتضمن التصديق على عقود للتنقيب عن النفط والغاز مع شركتى "ميركوري" و"فيلادا" الروسيتين. وفي هذا السياق، قال وزير النفط علي غانم: "إن عقود التنقيب تهدف لزيادة عمليات الإنتاج وإدخال مناطق جديدة بالخدمة وتأتي ضمن التوجه الحكومي للدول الصديقة التي وقفت إلى جانب سوريا وعلى رأسها روسيا وإيران وهى تحقق أفضل الشروط التجارية قياساً بالعقود التي أبرمت خلال السنوات الماضية من النواحي الفنية والقانونية".

انتهاء تمرد الخرطوم:

5-استعادة قوات الجيش السوداني حقلى سفيان وحديد: وهما الحقلان اللذان حاولت مجموعة من قوات هيئة العمليات التابعة لجهاز الأمن والمخابرات المؤسسة من قبل النظام السابق السيطرة عليهما، وذلك في منتصف يناير الجاري. وجاءت تلك الخطوة عقب انتهاء التمرد الذي شهدته هذه الهيئة احتجاجاً على عملية إعادة الهيكلة وعدم تسلم الاستحقاقات المالية الخاصة بالضباط والجنود السابقين. وفي هذا السياق، أشار وزير الطاقة والتعدين عادل إبراهيم، في بيان صحفي، إلى "وجود تخطيط وتنسيق مسبق لهذه العمليات"، مضيفاً: "لم تحدث أى أضرار في حقول النفط التي تنتج 7 آلاف برميل يومياً"، وتم استئناف عمليات الإنتاج. 

مركزية عامل النفط:

خلاصة القول، إن النفط يمثل حالة كاشفة، بأنماط مختلفة، للتطورات التي يشهدها إقليم الشرق الأوسط، في بداية عام 2020، من زاوية مركزيته في تفاعلات بؤر الصراعات المسلحة العربية، سواء فيما يتعلق بالصراع بين الأطراف المحلية (الجيوش النظامية في مواجهة الجماعات المتطرفة) و(الحكومات الشرعية في مقابل الميلشيات المسلحة) و(الحكومات الانتقالية ضد القوى المتمردة) أو ما يتصل بتقاسم السيطرة بين الأطراف الدولية والقوى الإقليمية، وهو مسار من المتوقع أن يستمر خلال المرحلة المقبلة لغياب السياقات المُحفِّزة لانتهاء تلك الصراعات أو فرملة التدخلات الخارجية في الشئون الداخلية أو إدماج رموز النظم السابقة في بنى النظم الجديدة.