أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

توقعات 2020:

المخاطر العشرة الأكثر تأثيرًا في التفاعلات الدولية

18 ديسمبر، 2019


عرض: د. إسراء أحمد إسماعيل - باحثة في الشئون الدولية

يتطلب الاستعداد للمستقبل إجراء تقييم متعمق للمخاطر المحتملة، خاصة في ضوء الثورة التكنولوجية المتسارعة، والتغيرات المناخية المتلاحقة، وعدم الاستقرار المتزايد على الصعيد الدولي، مما يتسبب في تنامي الصعوبات التي تواجه صناع القرار في المجال السياسي والاقتصادي، وكذلك أصحاب المصالح والأفراد، في توقع التغييرات والتحديات والفرص القادمة.

وفي ضوء ذلك، اهتمت شركة التأمين العالمية (أكسا) AXA بالتعاون مع الجمعية الأوروبية الآسيوية، بإجراء مسح حول المخاطر الناشئة، حيث يتم إجراء دراسة استقصائية كل عام لمعرفة اتجاهات وديناميات المخاطر الناشئة، وإصدار تقرير بشأنها.

وقد عرّف التقرير في نسخته الأخيرة التي صدرت في أكتوبر 2019 المخاطر الناشئة على أنها مخاطر جديدة أو متطورة، قد يكون لها تأثير كبير خلال الفترة القادمة من (5 - 10 سنوات)، ويمثل تحديد خصائصها وتأثيرها المحتمل تحديًا كبيرًا بسبب طبيعتها غير المؤكدة.

أهم المخاطر والتطورات

سلط التقرير الضوء على تصورات الخبراء للمخاطر المستقبلية من خلال إجراء مسح استقصائي شمل 1726 خبيرًا في 58 دولة، تم اختيارهم لخبرتهم في مجال المخاطر، تتراوح أعمارهم ما بين 20 و76 عامًا. وحدد الخبراء المخاطر العشرة الرئيسية التالية بالترتيب: التغيرات المناخية في المرتبة الأولى، ثم مخاطر الأمن السيبراني، وعدم الاستقرار الجغرافي السياسي (الجيوسياسي)، وعدم الرضا المجتمعي والصراعات المحلية، وإدارة الموارد الطبيعية، والذكاء الاصطناعي والبيانات الكبيرة، والتلوث، والأوبئة والأمراض المعدية، وتهديدات أمنية جديدة، وأخيرًا مخاطر الاقتصاد الكلي.

وقد جاءت مخاطر تغير المناخ، ومخاطر الأمن السيبراني، وعدم الاستقرار الجيوسياسي، في قمة ترتيب المخاطر، كما أن المخاطر الأخرى مرتبطة بها أيضًا، إذ تعد ناشئة عن المخاوف المتعلقة بالبيئة، والتقنيات التكنولوجية الجديدة، والمشهد الاجتماعي والسياسي العام. وبالنسبة للمخاطر المتعلقة بالاقتصاد والتمويل وبيئة العمل، فقد عادت إلى المراكز العشرة الأولى -بعد خروجها عام 2018- بعد مرور عشر سنوات على الأزمة المالية. ويبدو الاهتمام بمخاطر الاقتصاد الكلي منخفضًا نسبيًّا، ولكنها متضمَّنَة في مخاطر أخرى، وخاصة عدم الاستقرار الجيوسياسي، كما جاءت المخاطر المتعلقة بالصحة في المرتبة الثامنة، مع ارتفاع خطر الأوبئة والأمراض المعدية. ويدل استمرار المخاطر الثلاثة الرئيسية الكبرى على مدى السنوات الخمس الماضية، على اقتناع الخبراء بآثارها المدمرة على المجتمعات.

المخاطر البيئية

جاءت التغيرات المناخية باعتبارها أعلى المخاطر العالمية الناشئة بنسبة 67٪ من آراء الخبراء الذين شملهم الاستقصاء، حيث أكدوا أن تغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، وتدهور البيئة، تعتبر أمورًا مرتبطة ببعضها بعضًا، كما أن الاتجاهات الديموجرافية ستزيد من الضغط على الموارد الطبيعية، وتساهم في تدهور البيئة، وأن معظم المخاطر البيئية تظهر وتتفاقم بسبب الأنشطة البشرية. فعلى سبيل المثال، فإن انتشار الحرائق في الولايات المتحدة نتج عن التغيرات المناخية إلى جانب الأنشطة البشرية، وهذه الشبكة من عوامل الخطر المعقدة والمتصلة ببعضها تجعل البيئة معرضة بشكل متزايد للخطر، مع احتمال وقوع خسائر كبيرة في الأعمال، بالإضافة إلى الأضرار في الممتلكات، وانخفاض التنوع البيولوجي للغابات.

كذلك من أبرز المنظومات التي من المرجح أن تتأثر سلبًا بسبب التغيرات المناخية والتدهور البيئي هي سلاسل التوريد، حيث يمكن أن يؤدي نقص المواد الخام والموارد الطبيعية إلى رفع قيمة التكاليف، وتراجع الطاقة الإنتاجية، مما يؤدي بدوره إلى وقوع مجموعة من الاضطرابات الاقتصادية والتجارية المتنوعة. 

وفي هذا الإطار، فقد حالت القيود الجيوسياسية والصراعات السياسية الداخلية في العديد من الدول دون استجابة عالمية كافية ومنسقة لمواجهة قضية تغير المناخ والمخاطر البيئية الأخرى، ومن المرجح أن يظل التعاون الدولي في هذا الشأن محدودًا. ويوضح التقرير أن الاستجابة المثلى لمشكلة التغير المناخي تحتاج إلى التحرك في مسارين بالاعتماد على: إجراءات التكيف، والتخفيف من آثار التغيرات المناخية في الوقت نفسه، بحيث يكملان بعضهما بعضًا.

المخاطر التكنولوجية

تحتل مخاطر الأمن السيبراني المركز الثاني في مؤشر المخاطر للسنة الرابعة على التوالي، ولطالما كانت المخاطر السيبرانية مصدر قلق كبير للخبراء بالنظر إلى التأثير الاقتصادي السلبي المحتمل للهجوم السيبراني الناجح. وتتمثل المخاطر الرئيسية في إيقاف الخدمات الأساسية، وتعطيل البنية التحتية، إلى جانب الجرائم الإلكترونية المختلفة، خاصة وأن التكنولوجيا تتطور بسرعة، وترتبط بشكل متزايد بالمخاطر الجيوسياسية والمجتمعية. وتؤكد دراسات الحالة حول مستقبل تنظيم البيانات، وتحديات الذكاء الاصطناعي وآفاق تكنولوجيا الكم "كوانتم تكنولوجي" Quantum Technology، أهمية السياق الجيوسياسي في تحديد المخاطر التكنولوجية الناشئة، حيث تؤدي المنافسة على التقنيات الحديثة إلى مزيدٍ من سلاسل التوريد المفتتة، مما يؤدي إلى ارتفاع التكاليف التي تتكبدها الشركات، ومن شأن هذه التطورات أن تخلق مخاطر جديدة، إلى جانب التهديدات التي قد تتعرض لها الحوسبة الكمية Quantum Computing.

ويسعى الاتحاد الأوروبي لتطبيق اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR)، والتي تؤثر على قوانين خصوصية البيانات في العديد من الدول، حيث يهدف إلى دمج المبادئ الأخلاقية في عملية تطوير ونشر الذكاء الاصطناعي، ومع ذلك يمكن أن يؤدي التعارض بين توطين البيانات بين الدول أو التنظيم المفرط لها، إلى الحد بشكل كبير من التدفق الحر للبيانات، مما يؤثر سلبًا على أعمال الشركات، ويخنق الابتكار في مجال التطبيقات التكنولوجية المختلفة التي تعتمد على البيانات.

المخاطر السياسية

ازداد القلق بشأن عدم الاستقرار الجيوسياسي، حيث يخشى الخبراء من العواقب الاجتماعية والاقتصادية المترتبة على مشكلة تراجع التعددية، التي وصفها التقرير بأنها تعد بمثابة "ركود جيوسياسي"، فتصبح النتيجة هي انخفاض قدرة الحكومات على مراقبة المخاطر الناشئة، وتخفيفها، وإدارة الأزمات عند وقوعها. كما تواجه الحكومات في معظم أنحاء العالم أيضًا سخطًا اجتماعيًّا متزايدًا، واضطرابًا سياسيًّا، مدفوعًا بمجموعة متنوعة من العوامل، بما في ذلك تزايد الشعبوية، وعدم الرضا عن عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية، وعدم كفاية شبكات الأمان الاجتماعي، والمطالبات بزيادة التمثيل الديمقراطي.

وقد احتل السخط الاجتماعي والصراعات المحلية المركز الرابع في تقرير المخاطر في تصنيف هذا العام، فما يقرب من نصف الخبراء الذين شملهم الاستطلاع يعتبرون عدم المساواة في الدخول والتفاوت الاقتصادي مصدر القلق الأكثر أهمية. كما سلط التقرير الضوء على الأزمات المتعلقة بالهجرة، وأكد أنه لن يكون هناك أي جزء من العالم بمنأى عن هذه المخاطر، وركز على مجموعة من التحديات السياسية الداخلية والجيوسياسية لثلاث من المناطق الاقتصادية الرئيسية في العالم، وهي: أوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية:

• تواجه أوروبا تحديات متصاعدة من القوى الاقتصادية والسياسية الداخلية، إضافة إلى ما يتعلق بتحديد مكانتها العالمية، في عالم يتعرض بشكل متزايد لخطر الانقسام بين كتلتين تقود إحداهما الولايات المتحدة، بينما الأخرى تقودها الصين.

• يتمثل التحدي الرئيسي بالنسبة لآسيا، في موازنة النهوض الاقتصادي والتجاري والدبلوماسي للصين، مع علاقاتها بالقوى العالمية الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة وأوروبا.

•بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، يمكن توضيح المخاطر المحتملة من خلال اتجاهين رئيسيين: دور الولايات المتحدة المتغير في العالم، والتغيرات في السياسة الأمريكية التي تهدد نجاح عملية إدارة الأزمات وصنع السياسات داخل الدولة.

المخاطر الصحية

على الرغم من أنها ليست في قمة المخاطر، إلا أن العديد من المخاطر الصحية ترتبط بشكل مباشر بالتطورات البيئية والتكنولوجية والسياسية، فالتعرض للملوثات البيئية يتداخل مع التدهور البيئي، كما تجدر الإشارة إلى تضاعف خطر الأوبئة، خاصة في بعض الدول نظرًا للصراعات السياسية والتدهور الاقتصادي، فضلًا عن أن المنافسة التكنولوجية المتزايدة قد تعيق التقدم الطبي المنشود. وعلى الرغم من تقدم التكنولوجيا الحيوية والتي من المتوقع أن تحدث ثورة في مجال الطب، إلا أن الابتكار في هذا المجال يتعرض للخطر بسبب عدد من المخاطر:

أولًا- في ظل شيوع مناخ سياسي أكثر توجهًا للقومية والشعبوية، فهناك خطر من تخصيص الموارد للدفاع بدلًا من البحث العلمي.

ثانيًا- ظهور حواجز أخلاقية كبيرة مرتبطة بالابتكارات الحديثة في مجال الرعاية الصحية.

ثالثًا- التوترات السياسية والتجارية الدولية المتنامية: على سبيل المثال، ساهمت التوترات بين الولايات المتحدة والصين في خفض الاستثمارات في مجال التكنولوجيا الحيوية في واشنطن. 

رابعًا- الاستخدام المزدوج للتطبيقات التكنولوجية الحديثة، كما هو الحال في حالة هجوم إرهابي بيولوجي.

التركيبة السكانية

يشعر الخبراء الذين يعيشون في أوروبا وآسيا بقلق أكبر من نظرائهم في المناطق الأخرى من العالم، بسبب الديناميات الديموجرافية الناجمة عن انخفاض معدلات المواليد وزيادة متوسط العمر المتوقع في هذه المناطق، حيث ستؤدي شيخوخة السكان خاصة في الدول المتقدمة إلى انخفاض القدرة التنافسية والنشاط الاقتصادي، وستؤدي الأمراض المزمنة المرتبطة بالعمر إلى ارتفاع التكاليف الطبية، مما يمثل تحديًا أمام ميزانيات التأمين الصحي، وبالتالي فإن النمو السكاني، وطول العمر، وزيادة عدد سكان الطبقة الوسطى الذين يتوقعون مستويات معيشية أعلى، يؤدي إلى زيادة معدلات الاستهلاك، ويشكل تحديًا كبيرًا.

وأكد التقرير أنه بدون وجود خطط تقاعد مستدامة تعيد توزيع الثروة، بحيث تأخذ في اعتبارها كبار السن، يمكن أن يصبح المتقاعدون فئة ضعيفة اقتصاديًّا، مما يُسهم في توسيع الانقسامات الاجتماعية. وبالإضافة إلى ذلك، قد تساهم الاختلافات الديموجرافية بين الدول المتقدمة والنامية في زيادة تدفقات الهجرة إلى الدول المتقدمة، مما يؤثر بدوره على البيئات السياسية والاجتماعية في الدول التي تعاني من الهجرة غير الشرعية إليها.

تداخل المخاطر ومواجهتها

لا يمكن دراسة وفهم المخاطر التي أوردها التقرير بمعزل عن بعضها بعضًا، فالكثير منها يؤثر على الآخرين أو حتى يؤدي إلى مخاطر جديدة. على سبيل المثال، يمكن للتغيرات المناخية أن تتسبب في زيادة الاستياء الاجتماعي، ونشوب الصراعات المحلية حول الموارد الطبيعية، وهو ما قد يؤدي إلى عدم استقرار جيوسياسي، ومن ثمَّ فإن فهم المخاطر وتحديدها يتطلب تبني نطاق أوسع من التحليل ودراسة الآثار غير المباشرة للتغيرات العالمية.

ويوضح الخبراء الذين شملهم الاستقصاء أن اتّباع نهج أحادي غير كافٍ، فقد يتسبب ذلك في ضعف الاهتمام بالآثار الثانوية والمركبة للمخاطر أو التقليل من شأنها، ولذلك فمن الضروري اعتماد نهج كلي للتصدي للتغيرات المناخية وفقدان التنوع البيولوجي وقضايا التلوث. 

ويشير التقرير إلى أن السلطات العامة تركز على المشكلات المجتمعية الحالية، وهذا أمر منطقي من أجل تلبية توقعات المواطنين على المدى القصير، لكن زيادة الوعي بالمخاطر الناشئة يمثل أولوية أيضًا، لأن تجاهلها سوف يتسبب في تفاقم المشكلات الحالية، ووفقًا له فإن 83٪ من الخبراء الذين شملهم الاستقصاء، أوضحوا أن السلطات العامة ليست مستعدة بما فيه الكفاية لمكافحة المخاطر الناشئة، حيث تتطلب مواجهتها وجود أطر تنظيمية وسياسات عامة يتم وضعها وتنفيذها بالتعاون بين الحكومات والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني. كما أنه ينبغي تطبيق الإدارة الاستباقية للمخاطر، تلك التي تأخذ في اعتبارها مدى تعقد المخاطر الناشئة، واتسامها بعدم اليقين، ولتحقيق ذلك يلزم إجراء حوار مستمر بين الخبراء من مختلف المجالات، كما أن التمتع بالمرونة يُعد شرطًا أساسيًّا لجميع الجهات، للحد من مخاطر الكوارث.

وختامًا، أكد التقرير أن طبيعة المخاطر الناشئة تجعل من الصعب التنبؤ بتوقيت تأثيرها، وحتى إذا تم تحديد المخاطر وتقييمها، فلا تزال هناك حالة من عدم اليقين حول سرعة تطورها، الأمر الذي قد يعوق بدوره التحرك لتخفيف المخاطر في الوقت المناسب وإدارتها، وتعتبر المخاطر التي يوجد عليها توافق في الآراء -تلك الموجودة في قمة الترتيب- أكثر إلحاحًا، مما يعني أنه من المرجّح أن يكون تأثيرها ملموسًا في أقل من خمس سنوات، مما يوضح أهمية الأفق الزمني عند تقييم المخاطر. ومع ذلك، يميل الخبراء بشكل عام إلى عدم الاتفاق بالإجماع على وتيرة زمنية محددة لظهور المخاطر، وهو ما يمثل تحديًا كبيرًا في المستقبل.

المصدر:

AXA & EURASIA GROUP, “Future Risks Report”, October 2019.