لطالما ارتبط اسم سويسرا بموقفها المحايد في الشؤون الدولية، إلى جانب شهرتها بالخدمات المصرفية والمناظر الطبيعية الجبلية، فالحالة السويسرية هي المثال الأكثر نموذجية للحياد السياسي على مستوى العالم، لكن توجهاً جديداً يبدو أنه في طور التشكل بالنظر إلى الخطوات والتوجهات غير المعهودة التي أقدمت عليها الدولة الأوروبية خلال الفترة الأخيرة.
وقد حافظ السويسريون على حياد بلادهم على مدار قرون من الزمان، إلا أن هذا التقليد العريق بات محل بحث ونظر على وقع حالة الاستقطاب الدولي المتزايدة، وظهر ذلك أيضاً بشكل لافت في المواقف السويسرية المُستجدة تجاه قضايا الشرق الأوسط، وكان أحدثها قرار البرلمان السويسري، في 17 ديسمبر 2024، بحظر حزب الله اللبناني.
مواقف مُستجدة:
جاء قرار البرلمان السويسري بحظر نشاط حزب الله اللبناني في 17 ديسمبر الجاري، وكذلك حركة حماس قبله بأسبوع؛ ليثير تساؤلات عن سر تتابع هذه المواقف المُستجدة التي لم يسبق اتخاذها تجاه قضايا منطقة الشرق الأوسط، والانحياز بشكل واضح إلى أحد طرفي الصراع. فحتى وقت قريب جداً، لم تكن سويسرا تحظر سوى تنظيمي القاعدة وداعش فقط، حيث اكتفت بتبني العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة على المنظمات الإرهابية.
ويترتب على القرارين الأخيرين ضد حزب الله اللبناني وحماس حظر الأنشطة التي تخص أياً من الجماعتين على الأراضي السويسرية، واتخاذ إجراءات قانونية ضد أي أفراد مرتبطين بهما، وينطبق ذلك أيضاً على الأرصدة والتعاملات المالية. وأتى ذلك التوجه مع ارتفاع صوت التيار المؤيد لإسرائيل في البرلمان السويسري، خاصةً مع صعود حزب الشعب السويسري اليميني. وبالرغم من تصنيف الاتحاد الأوروبي الذراع العسكرية لحزب الله على لوائح الإرهاب منذ عام 2013، وتتابع الدول الأوروبية في تصنيف الحزب بجناحيه كحركة إرهابية؛ ظلت سويسرا على الحياد، حتى قررت ألمانيا تصنيف الحزب كمنظمة إرهابية عام 2020، وحينها مارست إسرائيل ضغوطاً كبيرة على سويسرا جعلتها تطلق تحقيقاً لتقييم الأمر.
وبعد عامين من التحقيقات، صدر التقرير النهائي في نوفمبر 2022، وقررت حكومة برن عدم حظر أنشطة حزب الله أو تصنيفه إرهابياً لأنه لا يستغل القطاع المالي بها لجمع الأموال، ولا يقوم بغسل الأموال غير المشروعة لدعم جناحه العسكري. وأشار التقرير إلى أنه بالرغم من وجود عدد قليل من الأفراد الذين يمكن اعتبارهم قريبين، سياسياً أو عائلياً، من حزب الله في سويسرا، لم يتم الاستدلال على أي نشاط تم تنفيذه بتوجيه من حزب الله، وأن المراكز الدينية المرتبطة به أيديولوجياً قليلة جداً، وأنشطتها في جمع التبرعات لاستمرار عملها محدودة، ولا تُجند الأعضاء، بل تقتصر على الخطابات المعادية لإسرائيل، والتهديد الذي يشكله حزب الله على سويسرا منخفض للغاية، سواء على المستوى السياسي أم الأمني، ولا يُرجح أن ينفذ أي عمليات على أراضيها.
وفي حين قادت المبادرة في عام 2020، النائبة عن حزب الشعب الديمقراطي المسيحي (حزب الوسط حالياً)، ماريان بيندر-كيلر، فإن القرار الذي صدر مؤخراً جاء نتيجة لجهد النائب عن حزب الشعب، ديفيد زوبربوهلر، الذي قاد حملة من أجل حظر حزب الله في المجلس الوطني (النواب)، بدعم من بيندر-كيلر أيضاً. وأقر المجلس الوطني القرار بأغلبية 126 صوتاً، مقابل 20 صوتاً معارضاً، وامتناع 41 عن التصويت، وسبق أن وافق مجلس الولايات (الشيوخ) على اقتراح مماثل بأغلبية 31 صوتاً مقابل صوت واحد، مع امتناع عشرة أعضاء. وبذلك صار قراراً نافذاً يتوجب على المجلس الاتحادي (الحكومة) صياغة مشروع قانون لتنفيذه.
وكانت سويسرا علقت مساهمتها في تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" ثم عادت وألغت التعليق. وفي ديسمبر 2023، أيدت أغلبية المجلس الوطني قراراً بوقف تمويل "الأونروا" تماماً، لكن مجلس الولايات أوقف تمرير القرار بفارق صوتين فقط؛ إذ تُشترط موافقة كلا المجلسين، ثم تم خفض مساهمة عام 2024 من 20 مليون فرنك سويسري (23 مليون دولار) إلى النصف.
وما زالت المساعي متواصلة لوقف تمويل "الأونروا"؛ ففي 9 سبتمبر الماضي، وافق المجلس الوطني على مقترح حزب الشعب اليميني بوقف صرف الأموال المخصصة للوكالة الأممية لاتهامها بالتواطؤ مع حركة حماس، وأصبحت الكرة الآن في ملعب المجلس الأعلى للبرلمان (الولايات)، بينما تتخذ وزارة الخارجية موقفاً معارضاً لهذه الخطوة وتحذر من عواقبها. وفي شهر ديسمبر الجاري، وافق المجلس الوطني على اقتراح آخر، تقدم به النائب زوبربوهلر أيضاً، لإزالة بند تمويل "الأونروا" من ميزانية المساعدات الإنمائية السويسرية، وأرجأ مجلس الولايات البت في القرار، بينما نظمت لجنة الشؤون الخارجية جلسات استماع حول الموضوع.
ولا يقتصر نشاط المجموعات الداعمة لإسرائيل في سويسرا على الجهود التشريعية، بل شهد العام الماضي الإطاحة بجان دانييل روش، المرشح لتولي منصب وزير الدولة للسياسة الأمنية، قبل أن يتولى منصبه الذي تم استحداثه على خلفية الصراع في أوكرانيا، لاتهامه بالارتباط بحركة حماس، بسبب لقاء أجراه عام 2012، مع خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي للحركة حينها، خلال أدائه لمهمة دبلوماسية رسمية. وتصدر تلك الحملة ألفريد هير، عضو البرلمان عن حزب الشعب السويسري اليميني، بدعم من السلطات الإسرائيلية، وفقاً لدبلوماسيين سويسريين. وكان حزب الشعب يريد توسيع الحظر على حركة حماس ليشمل منظمات غير تابعة لها لكن عملها وفكرها يتشابه معها، لولا أنه لاقى معارضة أعاقت هذا المسعى.
إعادة تعريف الحياد:
يُنظر إلى الحياد السويسري عموماً على أنه أحد أقوى أشكال الحياد في العالم. فبعد مؤتمر فيينا في عام 1815، اعترفت القوى الكبرى بهذا الوضع الخاص لسويسرا، وبمرور الزمن أصبح هذا التقليد الراسخ عنصراً أساسياً في الهوية الوطنية. وكان لتجربة النجاة بسلام من نيران حربين عالميتين، تأثير عميق في النفسية الوطنية، حيث أقنعت أجيالاً من السويسريين بأن سياسة الحياد كانت صائبة لحماية سُبل عيشهم داخل دولة صغيرة، وأصبح ذلك في حد ذاته قيمة وهوية يجب الحفاظ عليها.
وعلى الرغم من كون الحياد غير مُضمن دستورياً؛ فإن هذه السياسة التي تمت صياغتها لاحقاً فيما عُرف بمبدأ "بيندشيدلر" (bindschedler)، سارت على خطاها أجيال من صُناع السياسة الخارجية السويسرية، وشكلت منهجاً مُتبعاً يحظى بالاحترام.
واتخذت المنظمات الدولية من الأراضي السويسرية مقراً لها، فقد استضافت مدينة جنيف مقر منظمة عصبة الأمم، والذي أصبح حالياً أحد المكاتب الرئيسية الأربعة للأمم المتحدة. ولم تنضم سويسرا إلى الاتحاد الأوروبي حفاظاً على موقفها، وظلت عازفة عن الانضمام للأمم المتحدة حتى عام 2002، وحافظت استطلاعات الرأي على معدلات موافقة فلكية على الحياد باستمرار. ومنذ نهاية الحرب الباردة، يجري مركز الدراسات الأمنية في زيورخ استطلاعات رأي سنوية حول قضايا أمنية مختلفة، تُظهر موافقة الأغلبية الكاسحة على الحفاظ على الحياد.
وأدت الحرب الروسية في أوكرانيا في فبراير 2022 إلى زعزعة استقرار الإطار الأمني في أوروبا، وبدأت سويسرا تتشكك في هويتها، ووجدت نفسها مضطرة لإعادة شرح سياساتها مراراً وتكراراً لشركائها الغربيين، وقد أكسبتها تصريحاتها المتناقضة قدراً هائلاً من الانتقادات، وبات يُنظر إليها على أنها "راكب مجاني" لا يتعاون مع الدول الأوروبية، وظهرت أصوات تقول إنها إذا كانت ترغب في الاستفادة من مساعدة شركائها الأوروبيين، فعليها أن تعطي شيئاً في المقابل.
وتباينت آراء ومواقف الساسة في سويسرا حيال قضية الحياد في الآونة الأخيرة، فبينما أبدى المجلس الاتحادي السويسري، الذي يدير البلاد، استعداده للتعاون مع حلف شمال الأطلسي "الناتو" والاتحاد الأوروبي فيما يتصل بالأمن والدفاع، كان موقف حزب الشعب السويسري (أكبر حزب في البلاد) على النقيض من ذلك، وكذلك أحزاب اليسار.
وفي أغسطس 2024، دعا تقرير، أعدته لجنة مكلفة من وزيرة الدفاع السويسرية، إلى زيادة التعاون مع حلف "الناتو"، دون استبعاد إمكانية مشاركة جنود سويسريين في تدريبات عسكرية مشتركة خارج حدودهم في المستقبل؛ مما يشير إلى أن الأمور بدأت تتغير في سويسرا وأن التفسير الصارم للحياد ربما تتم مراجعته؛ إذ كان مجرد ذكر مثل هذا الاحتمال أمراً لا يمكن تصوره في العام الماضي مثلاً. وأثار هذا التقرير جدلاً واسعاً حتى قبل نشره، حيث وجهت أحزاب المعارضة تُهماً لفيولا أمهيرد، الرئيسة الحالية للاتحاد السويسري، بتعيين المؤيدين المتحمسين لـ"الناتو" والاتحاد الأوروبي بشكل رئيسي في لجنة الخبراء المكلفة بإعداد التقرير.
وتبنت الحكومة السويسرية نفس العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا بسبب حرب أوكرانيا عام 2022، معتبرة أن هذا لا ينافي الحياد، فقد سبق أن طبقت الدولة العقوبات عدة مرات كما حدث في عام 2014 رداً على ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، لكن التطبيق السويسري للعقوبات على موسكو لم يكن صارماً كبقية دول الاتحاد الأوروبي. ويعارض حزب الشعب السويسري هذا التوجه من الأساس، ويستشهد بتصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن في 2022 عن العقوبات، حين قال إن "حتى سويسرا" انضمت إليها؛ لذا يرى الحزب أن مصداقية الحياد مهددة؛ لأن الحياد القانوني لا يكون فعالاً عندما يتم الالتفاف عليه عبر العقوبات الاقتصادية. لذلك، أطلق حزب الشعب مع أطراف من اليسار دعوة لاستفتاء على قضية العقوبات في شكل تعريف دستوري جديد للحياد السويسري. وفي بداية عام 2024، تم جمع 100 ألف توقيع لتأييد إجراء استفتاء، من المُتوقع أن يتم عام 2028 على الأكثر، للفصل فيما إذا كانت العقوبات الاقتصادية تنافي الحياد السويسري أم لا؟
وقد خطت الدولة السويسرية خطوات غير مسبوقة في هذا الصدد منذ اندلاع الحرب الأوكرانية، فلأول مرة حصلت سويسرا على مقعد في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في الفترة 2023-2024، كما تخطط الحكومة لزيادة إنفاقها الدفاعي بنسبة تصل إلى 19% على مدى السنوات الأربع المقبلة، بالرغم من خفض الإنفاق الشامل بنسبة 1.4% في الإدارات الحكومية الأخرى. وفي 10 إبريل الماضي، أعلن المجلس الاتحادي السويسري موافقته على مشاركة البلاد في مبادرة درع السماء الأوروبية التي أطلقتها ألمانيا في أعقاب الحرب الأوكرانية، وتهدف إلى بناء نظام متكامل للدفاع الجوي والصاروخي في أنحاء أوروبا؛ مما أثار جدلاً واسعاً في سويسرا، بالرغم من تأكيد حكومة برن أن المشروع متوافق مع الوضع المحايد للبلاد لأنه لا يحتوي على أي التزامات ولا يزال بإمكانها أن تقرر أين تشارك وإلى أي مدى، وبمقدورها أيضاً سحب تعاونها إذا تورط أحد الأعضاء في حرب.
ومن ثم فإن النقاش في سويسرا يدور بين توجهين رئيسيين؛ الأول يرى اتخاذ خطوات في السياسة الخارجية أكثر انحيازاً لإسرائيل، والثاني يرى اتخاذ مواقف أكثر صرامة ضد روسيا، وكلاهما يتهم الآخر بمخالفة سياسة الحياد، ويتمسك بلافتة الحياد كحجة لإعاقة خطوات الطرف الآخر. وهذا المشهد جزء من الاتجاه الأوسع في القارة الأوروبية المتمثل في صعود تيارات اليمين المتطرف المشككة في أي تعاون مع الاتحاد الأوروبي، وسويسرا ليست استثناءً من هذا السياق بالرغم من خصوصية حالتها.
التأثير في الوساطة:
تُلقي التوجهات الجديدة لسويسرا بظلال من الشك على قدرتها على الاستمرار في أداء أدوار الوساطة خاصةً في منطقة الشرق الأوسط وفيما يخص الأزمة الأوكرانية. فقد حافظت الدبلوماسية السويسرية طويلاً على سياسة إبقاء الباب مفتوحاً تحت شعار "التحدث مع الجميع". وواصلت برن أداء تقليد دبلوماسي ممتد يتمثل في تقديم قنوات تواصل بين الدول التي قطعت العلاقات مع بعضها، كما حدث بعد قطع العلاقات بين واشنطن وطهران منذ عام 1980، والدور المحوري الذي اضطلعت به الدبلوماسية السويسرية على مدار أكثر من أربعة عقود قادت فيها عملية التواصل بين الطرفين وحققت نتائج مهمة.
لذلك عارض المجلس الاتحادي السويسري قرار حظر حزب الله اللبناني، وحذر وزير العدل، بيات يانس، من أن مصداقية سويسرا كدولة محايدة "يمكن أن تساعد في بناء الجسور" أصبحت على المحك بسبب هذا القرار.
وقد أتاحت سياسة الحياد لسويسرا في السابق أداء دور الوسيط في القضية الفلسطينية والتواصل مع حركة حماس خاصةً بعد عام 2006، وتحدث وزير العدل عن إمكانية مواصلة الحديث مع حماس بالرغم من قرار الحظر الأخير بشأنها، إلا أن نيكولاس والدر، النائب البرلماني عن حزب الخضر، حذر من أن سويسرا لن يمكنها استضافة أي مفاوضات بين حماس وإسرائيل بعد الحظر، وأن الثقة في برن من جانب الدول العربية آخذة في التآكل، حيث يُنظر إليها على أنها منحازة بشكل متزايد فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وكان تقرير للمجلس الاتحادي السويسري صدر في أكتوبر 2022، حذر من أن حظر حزب الله من شأنه أن يضعف التزام سويسرا الإنساني في لبنان وقد يضر بمصداقيتها كدولة محايدة. لكن النائب زوبربوهلر، الذي قاد حملة حظر حزب الله، دافع عن فكرة أن سويسرا لا يمكن أن تكون وسيط سلام حقيقي وموثوق؛ إذا غضت الطرف عن "معاداة السامية"، والإرهاب، على حد قوله؛ مبرراً بذلك التوجه نحو الانحياز في قضايا يرى أنها تتفق مع هوية سويسرا ولا تتعارض معها.
وترى الحكومة السويسرية أن ثقافة الحظر لا مكان لها في السياسة الخارجية للدولة، وأن فرض حظر على حزب الله مثلاً يثير تساؤلات عن كيفية رسم الخط الفاصل بين ما يستحق الحظر وما لا يستحق؛ مما يوقع السياسة الخارجية السويسرية في إشكاليات غير مسبوقة؛ الأمر الذي قد يعني إعادة صياغة دورها في الشرق الأوسط.
ومن اللافت بالفعل أن وزارة الخارجية السويسرية باتت تبدي شغفاً أقل للقيام بدورها التقليدي في ملف الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ففي عام 2022، قررت الانسحاب مالياً من "مبادرة جنيف" بحلول نهاية عام 2023؛ وهي خطة تدعم حل الدولتين تم إعدادها تحت إشراف أكاديمي سويسري في السابق، كما أن الدور السويسري في هذا الملف صارت جدواه محلاً للتساؤل بشكل متزايد بعد السابع من أكتوبر 2023.
في الختام، يمكن القول إن الحرب الروسية في أوكرانيا، والسياق الجيوسياسي المتغير؛ أدى إلى زعزعة رؤية سويسرا للعالم ومكانتها فيه كجزء من سياق إقليمي يتسم بالاستقطاب المتزايد، بالإضافة إلى حالة الانقسام الدولي عقب أحداث السابع من أكتوبر وما تلاها من اصطفاف غربي رسمي لدعم إسرائيل، وهكذا تجد سويسرا نفسها مضطرة لإعادة مراجعة سياستها الخارجية وسط هذه التغيرات.
ومن المقرر أن تشهد الفترة المقبلة جدالات وصراعات داخلية في سويسرا حول تفسير الحياد، خاصةً بين فريق يريد تطويعه ليتسع للتقارب مع حلف "الناتو" في مواجهة روسيا، وفريق آخر يريد تطويعه ليتسع للتقارب مع توجهاته، ولاسيما فيما يتعلق بالمواقف الإسرائيلية في الشرق الأوسط، بينما يرغب اتجاه ثالث في تضييق المفهوم بشكل حقيقي ليعني الحفاظ على صرامة تطبيق هذا التقليد الراسخ.
ووسط هذا الجدل تبدو مكانة سويسرا كوسيط دولي على المحك؛ وذلك بالنظر إلى تحولها من طرف محايد مقبول من جميع الجهات إلى فاعل له انحيازات واضحة في الصراعات المختلفة. ومع ذلك، فإن التغييرات الأساسية لمفهوم الحياد لا تزال موضع بحث ونقاش، ولا يحمل أي منها تحولاً جذرياً للدور السويسري أو قطيعة تامة مع هذا التقليد العريق.