أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

حول «البريكسيت» والديمقراطية

20 نوفمبر، 2018


يثير الجدل المحتدم الراهن في المملكة المتحدة حول الخروج من الاتحاد الأوروبي قضية بالغة الأهمية حول ما يُسمى متاعب الديمقراطية. فلا جدال في أن الديمقراطية هي أفضل نظم الحكم، لكن هذا لا يعني أنها بلا عيوب أو أن تطبيقها لن يفضي إلى مشكلات. ويرتبط أبسط الأمثلة في هذا الصدد بحالة المجتمعات المنقسمة سياسياً وعرقياً وطائفياً، وكيف يمكن أن تنتج عن الانتخابات النزيهة في هذه المجتمعات حالة انقسامية قد تؤدي إلى شلل في مؤسسات الدولة يمتد لزمن طويل ويؤثر بالسلب على أدائها، سواء من منظور التوصل إلى تركيبة وزارية ترضي الجماعات المتناحرة أو عمل هذه التركيبة بسلاسة بعد التوصل العسير لها خاصة عندما تكون الثقافة والتقاليد الديمقراطية غير متأصلة الجذور بما يكفي لإيجاد التسامح بين القوى السياسية المتنافسة. ولنا في ما حدث ويحدث في لبنان والعراق وغيرهما أمثلة كافية، غير أن ثمة آلية ديمقراطية غير الانتخابات تثير بدورها مشاكل حقيقية تتعلق بقضايا مصيرية، وهي آلية اللجوء إلى استفتاء الشعب بخصوص هذه القضايا، كما في تقرير المصير والانضمام إلى كيان سياسي معين أو الانفصال عنه أو الموافقة على معاهدات سلام أو اتفاقيات دولية تتضمن تنازلات إقليمية وهكذا، وفي الظاهر فإن اللجوء إلى استفتاء الشعب يُعَد أسمى صور الديمقراطية، لكن لا تخفي المهازل التي تُرتكب باسم الاستفتاءات الشعبية في النظم غير الديمقراطية. وحتى في النظم الديمقراطية التي لا شك في نزاهة تطبيق آليات الديمقراطية فيها، يثور تساؤل حقيقي حول ما إذا كان الشعب مؤهلاً للحكم الرشيد على قضايا تنطوي على تعقيدات ظاهرة، ولا يحمل هذا التساؤل أي استخفاف بالشعب أو إهانة له أو نزعة «أوليجاركية». وإنما يتعلق برشادة صنع القرار التي تتطلب توفر المعلومات الكافية عن القضية موضع الاستفتاء وبحث البدائل المختلفة بشأنها، وهي متطلبات تنطبق حتى على قادة الدول عندما يُطلب منهم اتخاذ قرار بشأن قضايا معقدة لا علم لهم بتفاصيلها.

وقد انعكس كل ما سبق على حالة الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي «بريكسيت»، فقد كان هناك معارضون لبقاء بريطانيا فيه ليس فقط بسبب مشكلات ترتبت عليه وعانت منها قطاعات محددة من الشعب البريطاني وإنما أظن أن الأمر كانت له علاقة بوهم وضع القوة العظمى الذي تمتعت بريطانيا به في مرحلة تاريخية معينة وظل يلازمها رغم تلاشي مقوماته، وكان لهذا الوهم منذ البداية أثره في تأخر انضمامها للخطوات الأولى التي أفضت لاحقاً للاتحاد، وفي رأيي أن رئيس الوزراء البريطاني السابق أخطأ عندما وعد أنصار الخروج في حملته الانتخابية الأخيرة بإجراء استفتاء حول القضية، وأنه كان ينبغي عليه بالمقابل إعادة طرح القضية لحوار عام حقيقي. لكن من الواضح أنه فضّل أن يكسب أصوات أنصار الخروج بهذا الوعد، ولعله كان واثقاً من التصويت لصالح البقاء، وهكذا طُرحت القضية للاستفتاء دون التبصير الكافي بأبعادها والإشكاليات التي يمكن أن تترتب على الخروج مقابل المزايا المتوقعة منه، ثم كانت المفاجأة وصوتت أغلبية ضئيلة لصالح الخروج، وهذه معضلة أخرى تترتب على بعض الآليات الديمقراطية وتتمثل في وجود أغلبية هي في واقع الأمر تعكس انقساماً شديداً في قضية مصيرية. وبمجرد ظهور نتيجة الاستفتاء وما أدت إليه من تداعيات، بدأ البعض يعترف بأنه لم يكن ملماً على نحو كافٍ بالأبعاد الكاملة للقضية، ومن ثم تفجر جدل واسع كان يفترض أن يتم قبل إجراء الاستفتاء وليس بعده. وهكذا وصلنا للأزمة الراهنة التي أدت إلى تفكك مجلس الوزراء وحديث أثناء كتابة هذا المقال عن طرح الثقة بزعامة رئيسة الحكومة لحزبها وكذلك عن إجراء انتخابات جديدة، بل ويطرح البعض كما هو معلوم إجراء استفتاء جديد. فهل يستوعب الجميع الدروس داخل بريطانيا وخارجها كي نحسن التعامل مع آليات الديمقراطية؟

*نقلا عن صحيفة الاتحاد