أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

تضخيم التهديد:

رؤية أمريكية للدمج الصيني بين الصناعات المدنية والعسكرية

03 مارس، 2021


عرض: إيمان فخري - باحثة دكتوراه بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة

كان قطاع الصناعات الدفاعية الصينية، على مدار الثلاثين عامًا الماضية، تحت سيطرة الشركات المملوكة للدولة والتي ظلت معزولة عن ممارسات الاقتصاد التجاري "المدني" الصيني؛ إلا أنه يبدو أن بكين تسعى إلى تعميق التكامل بين التكنولوجيا المستخدمة في المجالات المدنية من الاقتصاد من ناحية، وتطوير هذه التكنولوجيا على الصعيد العسكري من ناحية أخرى، وذلك من خلال السماح للمؤسسات الدفاعية والاقتصادية المدنية بتبادل الموارد والابتكارات وتطويرها لخدمة الأغراض العسكرية. وهو أمر أثار تخوفات إدارة "ترامب" وأعضاء الكونجرس الأمريكي، وأصبح هذا التخوف هو الذريعة الرئيسية لتبرير انتهاج إدارة "ترامب" لاستراتيجية متشددة تجاه الصين، والدعوة إلى الانفصال الأمريكي عن الصين من خلال إعادة تشكيل سلاسل التوريد والتعاون التكنولوجي بين البلدين.

وفي هذا الصدد، نشر مركز الأمن الأمريكي الجديد، تقريرًا بعنوان "الأساطير والوقائع في استراتيجية الاندماج العسكري والمدني في الصين"، أعده "إلسا كانيا"، زميل برنامج التكنولوجيا والأمن القومي بالمركز، و"لوراند لاسكاي"، باحث زائر بمركز جورج تاون للأمن والتكنولوجيا الناشئة، في يناير الماضي. 

وينطلق التقرير من فرضيتين أساسيتين؛ الفرضية الأولى هي أنه رغم محاولات النظام الصيني الحثيثة لتقليل الحواجز بين الشركات الدفاعية والشركات الاقتصادية المدنية؛ إلا أن هناك نسبة ضئيلة فقط من الشركات الصينية المدنية التي شاركت في مشروعات لتطوير التقنيات العسكرية الخاصة بالجيش الصيني. 

أما الفرضية الثانية، فمفادها أن عدم تطوير الولايات المتحدة لاستراتيجية دقيقة لمواجهة التحدي الصيني في هذا المجال، سيؤدي إلى تعزيز القدرات الابتكارية للصين في مجال الصناعات العسكرية والدفاعية، مما قد يؤثر على التوازن العسكري العالمي في المستقبل.

لذا، يرى التقرير أنه يتعين على الولايات المتحدة التعامل مع السعي الصيني للدمج بين اقتصادها المدني والعسكري بحذر شديد؛ حيث إن أي سوء تقدير من جانبها حيال مدى التقدم الذي تُحرزه الصين في هذا المجال سينتج عنه اتباع سياسات خاطئة قد تضر بصورة الولايات المتحدة وتنافسيتها.

وقد استشهد الكاتبان بالأمر التنفيذي الذي أصدرته إدارة "ترامب" في مايو 2020 برفض أو إلغاء تأشيرات الطلاب والباحثين الصينيين من الجامعات المتورطة في أنشطة التكامل المدني-العسكري الصيني، وذلك دون وضع أطر محددة لماهية هذه الأنشطة، مما أظهر إدارة "ترامب" بأنها تتخذ قرارات تعسفية تجاه الطلاب الصينيين.

وفي هذا السياق، يقوم كاتبا التقرير بتفنيد وتصحيح بعض التصورات الأمريكية الخاطئة حول مساعي الصين لدمج التكنولوجيا المدنية في الصناعات الدفاعية، مما سيساهم في قيام إدارة "بايدن" بتطوير استراتيجية أكثر دقة وفعالية للتعامل مع الصين في هذا الشأن.

فشل المحاولات السابقة

يُشير التقرير إلى أن الرغبة الصينية في الاستفادة من التقنيات التكنولوجية المدنية في تطوير الصناعات الدفاعية، لم تقترن بصعود الرئيس الصيني "تشي جين بينغ"، بل هي رغبة يرجع تاريخها إلى أوائل الثمانينيات، حيث حاول الرئيس الصيني الأسبق "دينغ شياو بينغ" إحداث تكامل بين أوجه التنمية الاقتصادية والتحديث العسكري.

لكن خلال التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان من الصعب على الشركات المدنية الصينية تخصيص رأس مال، أو التمتع بالقدرات اللازمة للانخراط في التعاون العسكري، خاصة وأن جيش التحرير الشعبي الصيني طوال هذه الفترة ظل معتمدًا على الشركات الصينية الدفاعية المعتاد التعاون معها لتصنيع الأسلحة والتقنيات العسكرية، مما جعل مساهمة الشركات الصينية الخاصة مساهمات محدودة.

ومن ثم فإن المساعي الحثيثة للرئيس الصيني الحالي للدمج بين التكنولوجيا المدنية في تطوير القدرات العسكرية الصينية، تعكس مخاوف القادة الصينيين بسبب فشل المحاولات السابقة في تقليص الحواجز بين المؤسسات العسكرية والشركات الصينية غير العاملة في المجال الدفاعي.

صعوبات تحقيق الاندماج

تتناقض الرغبة الصينية في بناء استراتيجية وطنية متكاملة للدمج بين التكنولوجيا المدنية والعسكرية، مع السياسات المحلية غير المتسقة لتشكيل هذه الاستراتيجية، وهو ما يحاول النظام الصيني معالجته. فمنذ عام 2015، تم إنشاء أكثر من 35 صندوقًا للاستثمار في الشركات المرتبطة بتعزيز الاندماج التكنولوجي المدني-العسكري، ويُقدر إجمالي ميزانية هذه الصناديق بأكثر من 68.5 مليار دولار أمريكي؛ إلا أن طريقة عمل هذه الصناديق تفتقر للشفافية، مما يجعل من الصعوبة بمكان تقييم نتائج استثماراتها في تعزيز الاندماج المدني-العسكري.

وتواجه الشركات المدنية صعوبات جمة في الانخراط في التعاون الدفاعي، ولا سيما فيما يتعلق بصعوبة وتعقيد عملية الحصول على متطلبات الترخيص والسرية التي يطلبها الجيش الصيني، مما يعني أنه لخلق نظام شراكة فعّال بين الجيش والشركات الصينية المدنية فإنه يتعين على الجيش الصيني تغيير بعض اللوائح الحاكمة لعملية المشتريات والشراكات مع الشركات المدنية، وهو ما سيتطلب وقتًا وجهدًا طويلًا، خاصة في ظل نظام مركزي مثل النظام الصيني.

وتتمثل العقبة الأكبر في سيطرة الشركات المملوكة للدولة على مجال الصناعات الدفاعية في الصين، مما يُعطي مجالًا محدودًا للشركات الخاصة، وهو ما يثير مشكلة أخرى يعاني منها الرئيس الصيني الحالي، وهي إحكام سيطرته على الفساد المستشري في الشركات المملوكة للدولة. وهي عملية ستستغرق أيضًا وقتًا طويلًا وستظل من أهم العوائق الهيكلية أمام تعزيز الاندماج بين التكنولوجيا المدنية والعسكرية. 

لذا، من الصعب تقييم مدى نجاح الصين في تطبيق استراتيجية الدمج بين التكنولوجيا المدنية لخدمة الأغراض العسكرية، لأن هذا الدمج هو في مراحله الأولى، وبالتالي لا يمكن التنبؤ بإمكانية تفوّق بكين على الولايات المتحدة التي تتمتع بسجل حافل في تحقيق التكامل المدني-العسكري.

وما يُعزز ذلك الرأي هو أن الصين تقوم بمحاكاة النظام الأمريكي في تحقيق هذا التكامل، حيث يقيم الجانب الصيني المسابقات لتقديم الاختراعات الخاصة بتقنيات الاستخبارات العسكرية، كما تم إنشاء مجموعة مصغرة للاستجابة السريعة للابتكار العلمي والتكنولوجي للدفاع الوطني في مدينة شينجن الصينية، وذلك بهدف الاستفادة من التقنيات التجارية في التطبيقات العسكرية، وهي جميعها آليات اعتمدت عليها في السابق وكالة مشروعات البحوث الدفاعية المتقدمة الأمريكية.

وقد أشار التقرير إلى أن الصين لن تتمكن من استخدام العنصرين الأكثر أهمية في نموذج الاندماج المدني-العسكري الأمريكي، وهما: سيادة القانون، والمساءلة العامة، حيث وفّر هذان العنصران أساسًا قويًا للتعاون بين القطاعين العام والخاص في الولايات المتحدة، مما مكن الباحثين والشركات الخاصة من الابتكار دون خوف من تدخل الحكومة، أو قيام كيان مملوك للدولة بالهيمنة على التكنولوجيا الخاصة بهم، وهو أمر غير متوفر في الصين نظرًا لطبيعة النظام الصيني المركزي.

المبالغة في التقديرات الأمريكية

سبق أن صرّح كل من "مايك بنس"، نائب الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب"، و"مايك بومبيو" وزير الخارجية الأمريكي السابق، بأن القانون الصيني ينص على أنه يجب على الشركات والباحثين الصينيين أن يقوموا بمشاركة التكنولوجيا مع الجيش الصيني. بل إنّ بعض المسؤولين الأمريكيين الآخرين قد جادلوا بأن هناك تعديلًا للدستور الصيني بمقتضاه لا بد أن يتم مشاركة جميع الأبحاث التي أُجريت في الصين مع جيش التحرير الشعبي. بيد أن التقرير يشير إلى عدم دقة هذه التصريحات، وأن الخبراء الصينيين أنفسهم يصرحون بأن التطوير القانوني هو عقبة أمام تعزيز الاندماج التكنولوجي بين القطاعين المدني والعسكري. لا سيما وأن مشروع قانون تطوير الاندماج المدني-العسكري الذي تم اقتراحه عام 2015 في الصين، لا يزال تحت الدراسة ولم يتم إقراره بعد، وهو ما قد يعكس تردد النظام الصيني في إضفاء طابع قانوني ورسمي للدمج بين التقنيات المدنية في الصناعات العسكرية.

وفي الوقت ذاته، أكد كاتبا التقرير أن الرئيس الصيني الحالي يسعى إلى تأكيد سلطة الدولة والحزب الشيوعي على الشركات، وذلك من خلال اللجان الحزبية داخل شركات التكنولوجيا، واشتراط التمويل التفضيلي لخدمة أهداف الحزب، وأشكال أخرى من الإكراه الناعم الذي قد يزيد من قدرة الدولة على ضمان امتثال الشركات لرغبات النظام الصيني؛ إلا أن الإكراه للحصول على المعلومات والتقنيات لا يخلق بيئة محفزة ومستدامة لإحداث التكامل المدني-العسكري. 

إحجام الشركات الصينية الكبرى 

يشير التقرير إلى أنه خلال عام 2019، قدر الخبراء الصينيون أن 2% فقط من شركات التكنولوجيا الخاصة في الصين قد شاركت في أعمال تطوير التقنيات الدفاعية، وذلك يعد تقدمًا هامشيًا مقارنة بعام 2010 عندما قدر العلماء الصينيون أن أقل من 1% من الشركات الخاصة الصينية تنخرط في الأنشطة المتعلقة بالتقنيات الدفاعية.

ورغم وجود صلات بين كبرى الشركات الصينية والجيش الصيني، حيث شارك نائب رئيس شركة "علي بابا" في مؤتمر حول البيانات العسكرية تم تنظيمه من خلال أكاديمية العلوم العسكرية، كما تتمتع "هواوي" بتاريخ من الروابط مع الجيش الصيني بما في ذلك التعاون مع جامعة هندسة المعلومات التابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني حيال تقنيات شبكة الجيل الخامس؛ إلا أن كبرى الشركات الصينية تُحجم عن تعميق الانخراط بشكل كبير في أنشطة تطوير التقنيات العسكرية، وقد يُعزى ذلك إلى تخوف الشركات من أن يسبب ذلك جدلًا على الصعيد الدولي، وهو ما قد يزيد التشكك والريبة حيال هذه الشركات، مما قد ينعكس سلبًا على استثماراتها خارج الصين وتراجع أرباحها. في حين أنه على الصعيد الأمريكي، كانت شركات التكنولوجيا الأمريكية الرائدة أكثر نشاطًا وتنافسًا للحصول على فرص للعمل والتعاون عن كثب مع وزارة الدفاع الأمريكية. 

ختامًا، يوصي التقرير بأن تستمر إدارة "بايدن" والإدارات الأمريكية المتعاقبة في تطوير القدرات والخبرات لفهم الحوافز والآليات التي قد تستخدمها الصين لتعزيز قدرتها على الاستفادة من التقنيات الاقتصادية المدنية في الأغراض العسكرية. كما سيتعين على الجانب الأمريكي صياغة التدابير والسياسات الملائمة لإثناء الشركات والجامعات الصينية عن المشاركة في مبادرات الاندماج المدني-العسكري في الصين.

المصدر:

Elsa B. Kania and Lorand Laskai, Myths and Realities of China’s Military-Civil Fusion Strategy, 28 January 2021.