أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

ماذا يعني ضم 6 دول جديدة إلى تجمع "بريكس"؟

28 أغسطس، 2023


عُقدت القمة الخامسة عشرة لتجمع دول "بريكس" (BRICS) الخمس، وهي (البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا) في مدينة جوهانسبرغ، في الفترة من 22 إلى 24 أغسطس 2023، تحت شعار "بريكس وإفريقيا: شراكة من أجل النمو المتسارع والتنمية المستدامة والتعددية الشاملة المتبادلة". وشارك في أعمالها جميع رؤساء دول المجموعة، عدا الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي اعتذر عن عدم إمكانية المشاركة شخصياً، بعد مشاورات بين بريتوريا وموسكو تم الإعلان بعدها على التوافق حول مشاركته افتراضياً، وهو ما أزال صداعاً كبيراً عن حكومة البلد المضيف، ارتباطاً بالضغوط الأمريكية المطالبة باعتقال بوتين حال وصوله جنوب إفريقيا تنفيذاً لمذكرة توقيف صدرت ضده من المحكمة الجنائية الدولية في مارس الماضي ارتباطاً بالحرب في أوكرانيا.

ووفقاً لتصريحات وزيرة خارجية جنوب إفريقيا، ناليدي بلندور، دعيت 67 دولة، تمثل جميع قارات ومناطق الجنوب العالمي، و20 منظمة دولية بما فيها الأمم المتحدة، لحضور القمة، أكدت 34 دولة منها مشاركتها. وصدر عن القمة إعلان تضمن 94 بنداً، تناولت المجالات الأساسية للتعاون المشترك فيما بين الدول الأعضاء "والقيم والمصالح المشتركة من وراء هذا التعاون، القائم على المنافع المتبادلة للدول الخمس". وكان اليوم الأخير للقمة قد خُصص لإجراء مباحثات مع قادة الدول الأخرى الساعية إلى الانضمام لـ"بريكس".

نتائج القمة:

أعلن رئيس جنوب إفريقيا، سيريل رامافوزا، في مؤتمر صحفي، صباح يوم 24 أغسطس الجاري، نتائج القمة الـ15 لـ"بريكس"، وأبرزها ما يلي:

1- توصل القادة إلى اتفاق بشأن "المبادئ التوجيهية والمعايير والإجراءات الخاصة بعملية توسع البريكس". ولم يشر رئيس جنوب إفريقيا إلى ماهيتها، مضيفاً: "لدينا توافق في الآراء بشأن المرحلة الأولى من عملية التوسع هذه، وستتبعها مراحل أخرى. وقد قررنا دعوة جمهورية الأرجنتين وجمهورية مصر العربية وجمهورية إثيوبيا الديمقراطية الاتحادية وجمهورية إيران الإسلامية والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إلى أن يكونوا أعضاء كاملي العضوية في مجموعة بريكس، وسيدخل ذلك حيز النفاذ بدءاً من أول يناير 2024".

وارتباطاً بما تقدم، يجدر التنويه إلى أن الإعلان الصادر عن القمة في البندين 90 و91 منه، أشار إلى "تقدير قادة القمة للاهتمام الكبير الذي أبدته بلدان الجنوب العالمي بعضوية المجموعة"، وأنه "وفاءً لروح بريكس والتزامها بالتعددية الشاملة، توصلت دول البريكس إلى توافق في الآراء بشأن المبادئ التوجيهية والمعايير والإجراءات لعملية التوسع". وبدوره، لم يشر الإعلان إلى ماهية تلك المبادئ والمعايير والإجراءات.

2- أشار رامافوزا إلى أنه تم تكليف وزراء خارجية الدول الخمس بمواصلة تطوير "نموذج الدول الشريكة" (Partner Countries Model) المهتمة ببناء شراكة مع "بريكس"، وقائمة بــ"الدول الشريكة المُحتملة" (prospective partner countries)، وتقديم تقرير في هذا الشأن بحلول القمة المقبلة.

3- توافقت رؤى قادة المجموعة على أنها "مناصرة لاحتياجات واهتمامات شعوب الجنوب العالمي"، وأن هناك حاجة إلى النمو الاقتصادي المفيد والتنمية المستدامة وإصلاح النظم المتعددة الأطراف. وفي هذا السياق، أكد قادة المجموعة مجدداً التزامهم بتعددية الأطراف الشاملة والتمسك بالقانون الدولي، بما في ذلك مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة.

4- وافق القادة على تكليف وزراء مالية "بريكس" و/ أو محافظي البنوك المركزية، حسب الحاجة، بالنظر في مسألة العملات المحلية وأدوات ومنصات الدفع، وتقديم تقرير لقادة "بريكس" بحلول القمة القادمة.

تقييم المخرجات:

تقييماً لنتائج هذه القمة، يمكن الإشارة إلى النقاط التالية:

1- يمثل قرار قمة "بريكس" قبول 6 أعضاء جدد، تحولاً تاريخياً بالغ الأهمية في عمل المجموعة. وأساس ذلك أن مسألة توسيع العضوية فرضت نفسها منذ بدايات إطلاق "بريكس"، عندما انضمت جنوب إفريقيا عام 2010، الأمر الذي دفع دولاً كثيرة إلى السعي للانضمام، دون جدوى. وقد تم تفسير هذا الموقف المُتحفظ سابقاً من قِبل الأعضاء المؤسسين بعدد من التحديات الجيوسياسية، منها الآتي:

أ- عدم التجانس الحالي بين دول "بريكس"، حيث توجد فروق دقيقة من حيث كيفية ارتباط أعضائها بالنظام الليبرالي الدولي، وتباين علاقات الأعضاء مع الغرب ما بين موقف روسي أكثر تشدداً، وآخر صيني أكثر حذراً، وثالث هندي يكتنفه الغموض. وكان بوسع المراقب لردود فعل الدول الأعضاء إزاء الغرب وعالمه أحادي القطب، أن يخرج بنتيجة مفادها أنه لا ينطوي دائماً على رؤية واضحة ومتسقة لنظام متعدد الأقطاب. 

ب- الاختلافات الواضحة، الملحوظة، في السياسات الخارجية لأعضاء "بريكس". فالهند، على سبيل المثال، وعلى خلاف الصين، لا ترغب في توسيع عضوية التجمع، خوفاً من أن يدعم الأعضاء الجدد بكين. كما أن نيودلهي، ذات التطلعات الجيوسياسية العالمية الخاصة، لن تكون سعيدة بالاضطلاع بدور صغير في تشكيل وصياغة سياسات المجموعة. وبالنظر إلى الاصطفاف التاريخي للهند مع الغرب وعضويتها في التحالف الرباعي "كواد"، يبقى التوتر المتأصل في العلاقة مع الصين مستمراً؛ حيث الصراع على الحدود، وانعدام الثقة حول التكنولوجيا الصينية. أما بالنسبة لروسيا، فإن انضمام أعضاء جدد لـ"بريكس" يبدو مفيداً، حيث سيُنظر إليه على أنه دليل على فشل سياسة عزل موسكو من قِبل الغرب.

2- يثور التساؤل حول الأسباب التي أسست عليها القمة قرارها التاريخي بدعوة ست دول لعضويتها، من بين 23 دولة تقدمت رسمياً بطلبات للانضمام إلى المجموعة، وفقاً لبيان وزيرة خارجية جنوب إفريقيا في 7 أغسطس الجاري، بجانب العديد من الطلبات غير الرسمية الأخرى. فمن الواضح أن دول "بريكس" رغبت في الاحتفاظ بسلطة تقدير واسعة في هذا الشأن، والتوافق على صفقة دعوة الدول الست، آخذة في الاعتبار خليطاً من الاعتبارات الجيوسياسية والجيواقتصادية. وفي هذا الصدد، يمكن الإشارة إلى الأسباب التالية:

أ- التحولات الكبرى التي طرأت على البيئة الدولية، والتي صار يحكمها التنافس الشرس والمفتوح ومحاولات الاستقطاب الحاد من قِبل الولايات المتحدة والحلفاء، خاصة منذ بدء الحرب في أوكرانيا في فبراير 2022، وما أدت إليه من تداعيات كارثية تصاعدت معها عمليات الحشد والعسكرة، خاصة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. فقد دفع هذا المناخ المسموم أغلبية دول "بريكس"، وخاصة الصين، إلى التحمس لقبول أعضاء جدد، وتحديداً تلك التي اتسمت مواقفها بالسعي إلى نوع من الاستقلالية في سياستها الخارجية، من خلال الحفاظ على توازن صعب في علاقاتها الدولية في ضوء ما فرضته هذه الحرب من تحديات وضغوط. وفي هذا السياق، رفضت الدول الست الجديدة توظيف العقوبات الاقتصادية ضد روسيا.

ب- ارتباطاً بما تقدم، فإن الدول الست التي دُعيت للانضمام لـ"بريكس"، تتمتع، بدرجات متفاوتة، بعلاقات تعاون اقتصادي وتجاري، بجانب تعاون عسكري وأمني، لا يُستهان به مع دول التجمع الخمس. فعلى سبيل المثال، تتمتع مصر بشراكة استراتيجية شاملة مع كل من الصين وروسيا وأخيراً الهند. وينصرف الأمر نفسه إلى دولة الإمارات وكذلك السعودية. وفي حالة مصر والإمارات، هناك نوع من الرابطة المؤسسية مع "بريكس"، بحكم عضوية الدولتين في "بنك التنمية الجديد" التابع للتجمع. فضلاً عن ذلك، ومنذ عام 2017، انخرطت مصر في تعاون متنوع مع المجموعة من خلال صيغة "بريكس+" التي ابتدعتها الصين، خلال قمة شيامن كنموذج لتعاون منفتح على الدول النامية ومنصة للتعامل معها. ويمكن القول إن تعميق صيغة "بريكس+" كان عاملاً مهماً في تسارع عملية توسع المجموعة بفضل الصين، الأكثر حماساً لتوسيع التجمع.

وفي حالة دولة مثل إيران، فقد وصلت علاقاتها مع روسيا إلى مرحلة "الشراكة الدفاعية الكاملة"، وفقاً لتقديرات أمريكية رسمية. ومما لا شك فيه أن رعاية بكين لاتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران في مارس الماضي قد جعل من الممكن دعوة الدولتين ومعهما الإمارات لعضوية "البريكس"، وهو ما يضع الدول الثلاث – ولأول مرة – كأعضاء كاملي العضوية في تجمع واحد، الأمر الذي لم يكن من الممكن تصوره قبل ذلك، بسبب التوترات في علاقات إيران مع جوارها في الخليج.

وفيما يتعلق بالأرجنتين، والتي ما تزال تُلقي باللوم على إيران في سلسلة من الهجمات الإرهابية التي ارتكبت على أراضيها في سنوات ماضية، فقد أثار طلب عضويتها – في وقت سابق - انقساماً في وجهات نظر دول التجمع. بيد أنه من الواضح أن الصين، بصفة خاصة، كانت وراء دعم الطلب الأرجنتيني، بسبب الروابط التجارية والمالية معها، وشراكة الحزام والطريق، بجانب المبادلات التجارية المتنامية مع الهند، وأيضاً لإحداث التوازن في التمثيل الجغرافي لدول الجنوب العالمي في المجموعة: دولتان من أمريكا الجنوبية، وثلاث من إفريقيا، وخمس من آسيا وروسيا.

ج- إن انضمام الدول الست لعضوية "بريكس" من شأنه أن يُسهم في إعادة صياغة التعاون الدولي متعدد الأطراف من عدة أوجه. فعلى سبيل المثال، فإن انضمام كل من الأرجنتين والسعودية لعضوية التجمع يرفع عدد أعضاء "بريكس" في مجموعة العشرين إلى سبعة أعضاء. وستعقب الرئاسة الهندية الحالية لمجموعة العشرين، والتي ستعقد قمتها في 9 و10 سبتمبر المقبل، كل من البرازيل (2024)، وجنوب إفريقيا (2025). واقترحت الهند أخيراً منح الاتحاد الإفريقي عضوية دائمة في مجموعة العشرين، وهو الأمر المتوقع أن تدعمه كل دول "بريكس".

من ناحية أخرى، وتعليقاً على نتائج انضمام الدول الست لعضوية "بريكس"، قال الرئيس البرازيلي، إيناسيو لولا دا سيلفا، في مؤتمر صحفي في ختام القمة: "الآن ترتفع بريكس لتستحوذ على نسبة 37% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي من حيث تعادل القدرة الشرائية (32% حالياً)، و46% من حيث عدد سكان العالم (42% حالياً)". أما الرئيس الصيني، شي جين بينغ، فقد ذكر أن التوسع هو "نقطة انطلاق جديدة للتعاون بين دول بريكس.. وسيجلب قوة جديدة لآلية تعاون بريكس، مما يزيد من تعزيز قوة السلام والتنمية العالميين". واعتبر رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، أن "توسيع وتحديث بريكس ينطوي على رسالة مفادها أن البيئة الدولية المتغيرة تفرض على جميع المؤسسات في العالم تشكيل نفسها وفقاً لذلك".

د- عند الحكم على الوزن السياسي والاقتصادي لـ"بريكس"، عادة ما يُنظر إليه على أنه ثقل موازن لمجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى، والتي تنتمي، عدا اليابان، إلى الحضارة الغربية. والتطور الأكثر أهمية هنا هو أنه من بين الدول الست الأعضاء الجدد، توجد أربع دول عربية إسلامية (مصر والإمارات والسعودية، بجانب إيران). ويتسق هذا التطور غير المسبوق مع الشعارات التي ترفعها المجموعة، من حيث السعي إلى خلق عالم أكثر عدالة وإنصافاً وتمثيل كافة الحضارات والثقافات العالمية، بما فيها منظومات القيم والتقاليد المتنوعة، وأن الحضارة الغربية ليست سوى واحدة منها.

وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قد لفت في مقال نشرته مجلة "أبونتو" الجنوب إفريقية، يوم 21 أغسطس الجاري، إلى "أن دول بريكس مستعدة للاستجابة لطلب أن تكون إحدى ركائز نظام عالمي جديد أكثر عدلاً ومتعدد المراكز"، مضيفاً أن ذلك هو سبب عملية توسيع المجموعة، وأن "انضمام مصر والسعودية والإمارات سيثري المجموعة بسبب ما لهذه الدول من إرث حضاري عربي وإسلامي". 


مستقبل "بريكس":

يمكن الإشارة إلى عدد من النقاط التي قد تحدد مستقبل "بريكس"، بعد انضمام 6 دول جديدة إلى هذا التجمع بدءاً من أول يناير 2024، كالتالي:

1- التباينات بين الدول الأعضاء: مما لا شك فيه أن التباينات السياسية والاقتصادية فيما بين الدول الأعضاء في "بريكس" وتضارب مصالحها ومواقفها تجاه قضايا عديدة، أسهم في محدودية نجاح المجموعة. فعلى سبيل المثال، على الرغم من أن تجارتها الدولية تمثل 16% من إجمالي التجارة العالمية، فإن التجارة البينية فيما بين الدول الأعضاء في "بريكس" تبقى منخفضة نسبياً بسبب عدم وجود اتفاق تجارة حرة بين هذه الدول. وعلى صعيد الاستثمارات، شهدت دول "بريكس" ارتفاعاً في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من غير الدول الأعضاء، بمعدل سنوي بلغ أكثر من أربعة أضعاف ما بين عامي 2001 – 2021. وبالرغم من هذه الزيادة، فإن عمليات الاستثمار البيني ما زالت ضعيفة، وتمثل أقل من 5% من إجمالي حجم الاستثمار الأجنبي المباشر الداخلي عام 2020.

وفي هذا السياق، اعترفت بوسي مابوزا، رئيس مجلس أعمال "بريكس"، في تقريرها السنوي المقدم لقمة المجموعة، بهذه الحقيقة. وقالت: "نحن ندرك التحديات التي تفرضها الحواجز الجمركية، والتدابير غير الجمركية والتعقيدات التنظيمية التي تعوق الإمكانات الكاملة لقدراتنا التجارية والاستثمارية".

2- واقعية أهداف "بريكس": كان لافتاً حرص رئيس جنوب إفريقيا، في معرض عرضه نتائج القمة الأخيرة، على تأكيد أن "بريكس نفسها هي مجموعة متنوعة من الدول.. إنها شراكة متساوية بين البلدان التي لديها وجهات نظر مختلفة، ولكن لديها رؤي مشتركة لعالم أفضل". ويُلاحظ في هذا السياق أن تصريحات القادة وكبار مسؤولي الدول الأعضاء اتسمت بقدر كبير من الواقعية حول أهداف "بريكس"، ومدى ما تمثله من تحدٍ للنظام الدولي الراهن. 

فعلى سبيل المثال، أكدت ديلما روسيف، رئيس بنك التنمية الجديد التابع للمجموعة، في مقابلة مع صحيفة "فايننشال تايمز"، يوم 23 أغسطس الجاري، أن العملات المحلية ليست خياراً بديلاً للدولار، بل هي عملية لتجاوز النظام الأحادي القطب المهيمن في العالم وحلول نظام متعدد الأقطاب محله. أما وزير الخارجية الروسي، فقد ذكر في مقاله السابق الإشارة إليه أنه "ليس لدى المجموعة هدف استبدال الآليات المتعددة الأطراف القائمة، ناهيك عن أن تصير قوة مهيمنة جماعية جديدة". كذلك لم يفت رئيس جنوب إفريقيا أن ينوه، في مؤتمره الصحفي حول نتائج القمة، بما لاحظه قادة التجمع من "أن هناك زخماً عالمياً لاستخدام العملات المحلية والترتيبات المالية البديلة ونظم الدفع البديلة"، مُبدياً استعداد المجموعة لاستكشاف الفرص لتحسين استقرار وموثوقية وعدالة الهيكل المالي العالمي.

وفي تقدير خبراء كثر، بما فيهم من دول "بريكس"، فإن الإنجازات الملموسة للتجمع تتجسد أساساً في إنشاء بنك التنمية الجديد. أما الحديث عن إنشاء عملة مشتركة لتحدي هيمنة الدولار، أو سعي دول المجموعة لإيجاد بديل عنه، من خلال زيادة استخدام العملات المحلية في المعاملات التجارية بينها؛ فتبقى طموحات تنتظر التحقيق في المدى المتوسط والطويل.

3- السعي إلى تغيير المؤسسات الدولية: لا يمكن تجاهل حقيقة أن مجموعة "بريكس" عملت خلال السنوات الأخيرة على تعزيز التعاون العملي في مجالات الحد من الفقر، والأمن الغذائي، ومكافحة الأوبئة وتطوير وتعميم اللقاحات، وتمويل التنمية، ومواجهة التغير المناخي، ودفع التنمية الخضراء، وتطوير التصنيع والاقتصاد الرقمي. وبغض النظر عن التباينات بين الأعضاء المؤسسين إزاء علاقاتهم بالغرب، حيث لا يبدو الإسقاط المُعادي للغرب مفيداً لجميع الأعضاء مثل الهند؛ إلا أن الكثير من بنود إعلان جوهانسبرغ الصادر عن القمة تعكس بوضوح الصوت الجماعي حول الحاجة إلى تغيير المؤسسات الدولية، وخاصة المؤسسات المالية الدولية مثل البنك وصندوق النقد الدوليين ومنظمة التجارة العالمية.

4- الموقف الأمريكي من "بريكس": من المُهم الإشارة إلى أن مسؤولين أمريكيين قللوا من احتمال ظهور "بريكس" كمنافس جيوسياسي، واصفين المجموعة بأنها كيان متنوع للغاية من الدول التي تضم أصدقاءً ومنافسين على حد سواء. ومع ذلك، عكست تحليلات وتصريحات أمريكية عديدة قدراً واضحاً من القلق إزاء جاذبية المجموعة والاعتقاد المشترك لأعضائها بأن النظام العالمي تهيمن عليه دول ومؤسسات غربية بشكل لا يخدم مصالح الدول النامية.

ختاماً، فإن هذا الإقبال الكبير على الانضمام لعضوية "بريكس"، والذي أكسب قمة جنوب إفريقيا أهمية أكبر بالمقارنة بقمم "بريكس" السابقة، يُفسر بواقع أن العديد من الدول التي تطلعت في السابق إلى تحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي، ثم اصطدمت بحقائق نظام عالمي جائر، صارت تبحث عن بدائل أخرى لإقامة شراكات اقتصادية. وقد رأى العديد من هذه الدول في "بريكس" المُخلص والسبيل لتعافي اقتصاداتها، خاصة أن المجموعة قدمت بعض الاستراتيجيات الاقتصادية، بجانب بنك التنمية الجديد الذي يبلغ رأس ماله نحو 100 مليار دولار ويساعد في تمويل مشاريع البنية التحتية في الدول الأعضاء وغير الأعضاء. ولا شك في أن انضمام الدول الست إلى "بريكس"، بدءاً من يناير 2024، ليصير عدد دولها 11 دولة، سيُكسب المجموعة جاذبية أقوى وسيحقق نتائج تعاون أفضل وأكثر، مما يجعل منها قوة رئيسية في دفع التغيير الإيجابي لنظام الحوكمة العالمي الذي تدافع عنه الاقتصادات الناشئة والدول النامية.