أخبار المركز
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)
  • شريف هريدي يكتب: (مخاطر الانفلات: خيارات إيران للرد على استهداف قنصليتها في دمشق)

تسوية مهددة:

اتجاهات الحوار التركي– الأمريكي حول المنطقة الآمنة بشمال سوريا

28 يوليو، 2019


انطلقت في أنقرة أولى اللقاءات الأمنية التي تجري بين المسئولين الأمريكيين والأتراك، وتهدف إلى احتواء التصعيد بين تركيا وميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) على خلفية تهديد أنقرة بإقامة منطقة آمنة شمال شرقى سوريا بالقوة العسكرية، وهو ما مثل الدافع إلى عقد تلك اللقاءات على الرغم من التوتر الذي تشهده العلاقات التركية– الأمريكية على الجانب الآخر بسبب حصول تركيا على صفقة صواريخ "S-400" الروسية. وتكشف نتائج المباحثات التي أجريت في الفترة من 22 إلى 24 يوليو 2019، بمشاركة المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري، عن وجود عقبات عديدة تحول دون تقليص مساحة الخلافات، على نحو يفرض حدودًا معينة لأية تسوية محتملة قد يتم التوصل إليها بين الأطراف المعنية.

معطيات جديدة: 

يبدو أن هناك اتفاقًا مبدئيًا على انعقاد تلك المباحثات، بشكل يمكن أن يجنب الأتراك والأكراد خوض معركة عسكرية، رغم إصرار تركيا على التلويح بالخيار الأخير في حالة ما إذا لم تصل المباحثات إلى نتائج إيجابية في النهاية، على نحو انعكس في تصريحات وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو التي قال فيها: "سنطلق عملية في شرق الفرات إذا لم تتأسس المنطقة الآمنة المزمعة في سوريا، وإذا استمر تهديد تركيا"، مضيفًا أنه "يأمل في التوصل إلى اتفاق بخصوص المنطقة الآمنة بعد المحادثات مع جيفري".

كذلك، فإن الولايات المتحدة ربما تتجاوز بدورها فكرة ممارسة دور الوساطة بين الطرفين، خاصة في ظل تراجعها عن قرار سحب قواتها من شمال سوريا وفقًا للإعلان السابق من جانب الرئيس دونالد ترامب، حيث أكد وزير الدفاع الجديد مارك اسبر على أن بلاده ستبقى على قوات في سوريا، وقال، خلال جلسة استماع في الكونجرس في منتصف يوليو الجاري، أن "القوات المسلحة الأمريكية المتبقية في شمال شرقى سوريا ستبقى هناك كجزء من القوة متعددة الجنسيات لمواصلة الحملة ضد داعش"، مضيفًا: "حرصًا على أمن العمليات لن أناقش عدد القوات أو المواعيد النهائية للإجلاء".  

وقد فسرت اتجاهات عديدة حديث اسبر حول تشكيل "قوة متعددة الجنسيات" باعتباره يشير إلى أن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) بصدد إعادة هيكلة الوجود العسكري في سوريا، وسط ترجيحات بأن تلك القوات ستتمركز في مناطق الأكراد بشمال شرق سوريا التي يجرى التفاوض حولها. 

عقبات محتملة: 

يمكن القول إن ثمة عقبات رئيسية ثلاث سوف تواجه استمرار هذا الحوار، تتمثل في:

1- مفاوضات تحت التهديد: تتعجل أنقرة نتائج الحوار سعيًا إلى تشكيل منطقة آمنة طبقًا للشروط التي تتبناها، وتضغط باتجاه اجتياح المناطق الكردية. ووفق تقارير محلية، فإن الميليشيا الكردية بدأت الانسحاب من بعض النقاط الحدودية منذ 19 يوليو الجاري على خلفية مواصلة أنقرة حشد قواتها العسكرية مع شن هجمات جوية، في بعض الأحيان، على مدن مختلفة مثل الحسكة والقامشلي. في حين تشير تقارير ميدانية روسية إلى أن تركيا لم تكتف بتلك المناطق وإنما تعزز انتشارها على طول الحدود المشتركة، بالتوازي مع إرسالها مدرعات عسكرية إلى مدينة أغجقلة.

كما قامت القوات التركية بعمليات حفر في بعض المناطق وإزالة بعض الأجزاء في الساتر الحدودي في مناطق أخرى، على نحو يشير إلى تصميم أنقرة على ترسيم المنطقة الآمنة من خلال ممارسة الضغوط وتوجيه التهديدات، في مؤشر على أنها قد تنفذ تلك التهديدات حال لم يتم التوصل إلى اتفاق.

2- غياب الضمانات: يراهن الأكراد على الدور الأمريكي بالنظر إلى طبيعة العلاقة بين الجانبين، والتي تطورت بشكل ملحوظ خلال الشهور الأخيرة وفقًا لمؤشرات عديدة، إلا أن تلك المؤشرات لم تتضمن دعمًا عسكريًا مقابلاً لمواجهة التعزيزات العسكرية على الحدود مع تركيا، وهو ما يمكن تفسيره في إطار اعتبارات عديدة، منها أن الولايات المتحدة تعتمد على تسليح قواتها في تلك المنطقة دون تسليح مقابل للأكراد، وأنها لا تريد التصعيد مع تركيا في ظل التوترات القائمة بينهما.

ويبدو أن ذلك هو ما دفع الميليشيا الكردية إلى إصدار بيان يشير إلى أنها تتبنى الحل السلمي وليس التصعيد في ظل إدراكها للتداعيات التي يمكن أن يفرضها هذا التصعيد خاصة بعد تجربة الصدام في عفرين والتي خسرتها واحتلتها قوات تركية، بما يعني أنها لا تريد مزيدًا من الخسائر الميدانية، لكن على الرغم ذلك يتضح أنه لا توجد ضمانات على أن أى اتفاق يمكن أن يحد من الصدام على الجانبين. 

3- الملفات المؤجلة: لا يبدو أن التفاهمات التي يمكن الوصول إليها تتسع لتشمل كل الملفات الخلافية، حيث يتوقع في حال إنجاز تلك التفاهمات أن تتوقف على مشروع تأسيس منطقة آمنة بين الأتراك والأكراد ولا تمتد إلى النقاش حول طبيعة الصراع المعقد بين الجانبين. إذ لن تتخلى تركيا عن اتهامها للأكراد بأنهم "جماعة إرهابية محظورة"، فيما لن يتراجع الأكراد عن مشروعهم في الداخل السوري، والذي سيظل على صدام مع تركيا وفواعل آخرين في الداخل.

واللافت للانتباه أن النظام السوري ظل بعيدًا عن تلك المباحثات الثنائية وما ستفرضه من ترتيبات، لكن ذلك لا ينفي أنه يتابع المسارات التي يمكن أن تتجه إليها التفاهمات التي تجري حول ترتيبات الوضع شرق الفرات، خاصة أن الميلشيا الكردية تتبنى رؤية قائمة على ترتيب الأوضاع لصالحها مع ضمان وجود قوات غربية بقيادة أمريكية، الأمر الذي لن يوافق عليه النظام الذي يسعى إلى تكريس نفوذه في تلك المناطق.

إلى جانب ذلك، فإن ملف التغيير الديموغرافي في مناطق شمال وشرق الفرات يحظى باهتمام خاص في تلك المباحثات، حيث تثير تركيا قضية عودة السوريين إلى بلادهم بالتوازي مع الحوار، وهو ما يعنى أنها لن تكتف فقط بالمنطقة الآمنة، حيث لا تريد سيطرة كاملة للأكراد في تلك المناطق.  

في النهاية، تشير محصلة التطورات الحالية الخاصة بالملف الكردي إلى أن التفاهمات التي يمكن التوصل إليها سوف تظل مؤقتة ومحفوفة بمخاطر التصعيد، في ظل الصدام بين المشروعين الكردي والتركي، حيث لا تمثل عملية تأسيس منطقة آمنة سوى بندًا واحدًا في قائمة طويلة من الخلافات بين الجانبين، والتي ستبقى متغيرًا رئيسيًا في تحديد اتجاهات العلاقة بينهما في المستقبل.