أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

خيارات تصعيدية:

لماذا أجرت إيران تجربة صاروخية جديدة؟

18 ديسمبر، 2018


لم تكتف إيران بتأكيد قيامها بإجراء تجربة جديدة على صاروخ باليستي، في بداية ديسمبر 2018، وإنما حرصت أيضًا على الإشارة إلى أنها تقوم بإجراء ما بين 40 إلى 50 تجربة سنويًا، معتبرة أن ذلك يدخل ضمن استراتيجيتها الدفاعية. ويبدو أن ذلك يرتبط بمتغيرات عديدة فرضتها التطورات التي طرأت على الساحتين الداخلية والخارجية في الفترة الأخيرة، على غرار الجدل الواسع داخل إيران حول الانضمام إلى بعض المعاهدات الدولية، مثل اتفاقية مكافحة تمويل الإرهاب، وإجراء مشاورات جديدة بين الأطراف اليمنية في السويد انتهت بالتوصل إلى اتفاق جديد، والتصعيد الإسرائيلي الأخير ضد ما يسمى بـ"أنفاق حزب الله" في جنوب لبنان.

ارتباك مستمر:

كان لافتًا أن الولايات المتحدة الأمريكية هى أول طرف أعلن عن قيام إيران بتجرية صاروخية جديدة، حيث قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو على حسابه على موقع "تويتر"، في 1 ديسمبر الجاري، أن النظام الإيراني أطلق للتو صاروخًا باليستيًا متوسط المدى يمكنه حمل عدة رؤوس حربية، معتبرًا أن ذلك يمثل خرقًا لقرار مجلس الأمن رقم 2231.

ويبدو من هذه المعطيات أن إيران حاولت إجراء هذه التجربة دون الإعلان عنها، في إطار إصرارها على مواصلة أنشطتها الصاروخية دون أن تمنح واشنطن فرصة استغلالها لاتهامها بعدم الالتزام بالاتفاق النووي والالتفاف على قرار مجلس الأمن، حيث أنها كانت تتعمد في الفترة الماضية فرض تغطية إعلامية واسعة على مثل هذه الأنشطة، إلا أن الإعلان الأمريكي عنها أربك، في الغالب، حساباتها ودفعها إلى تغيير موقفها.

إذ لوحظ، على سبيل المثال، أن المسئولين الإيرانيين الذين حاولوا الرد على تصريحات وزير الخارجية الأمريكي ركزوا على تكرار الادعاءات الإيرانية نفسها التي تقوم على أن الأنشطة الصاروخية الإيرانية دفاعية بحتة ولا تمثل انتهاكًا لقرار مجلس الأمن رقم 2231، باعتبار أنها ليست، حسب رأيهم، مصممة لحمل أسلحة نووية، وذلك دون أن ينفوا أو يؤكدوا صحة هذه التصريحات. واستغرقت إيران أكثر من أسبوع للكشف عن إجراء هذه التجربة بالفعل، وهو ما أعلنه قائد القوة الجوفضائية التابعة للحرس الثوري امير علي حاجي زاده، في 11 ديسمبر الجاري، الذي حاول الإيحاء بأن التصريحات الأمريكية تكشف عن مدى اهتمام القوى الدولية بالأنشطة الصاروخية الإيرانية.

أهداف عديدة:

ربما يمكن تفسير تعمد إيران تأكيد الإعلان عن تلك التجربة الصاروخية الجديدة، في هذا التوقيت في ضوء اعتبارات عديدة يمكن تناولها على النحو التالي:

1- رسائل مزدوجة: يحاول الحرس الثوري، عبر تلك الخطوة، الرد على الجهود الحثيثة التي تبذلها حكومة الرئيس حسن روحاني، خلال الفترة الحالية، من أجل تمرير مشروعها الخاص بالانضمام إلى اتفاقية مكافحة تمويل الإرهاب، التي أبدى مجلس صيانة الدستور تحفظات عديدة تجاهها، على نحو حظى بتجاوب واضح من جانب نواب تيار المحافظين الأصوليين داخل مجلس الشورى، الذين اعتبروا أن هذه الاتفاقية سوف تضر بمصالح إيران، خاصة أنها سوف تمنح، في رؤيتهم، الفرصة للقوى الدولية من أجل مراقبة مصادرها المصرفية، وهو ما انعكس في تصريحات خطيب جمعة طهران، كاظم صديقي، في 14 ديسمبر 2018، والتي تكتسب أهميتها انطلاقًا من أن خطيب جمعة طهران يعتبر ممثلاً للمرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، الذي يقوم بتعيينه في منصبه، بما يعني أنها تعبر إلى حد كبير عن موقف خامنئي ذاته.

ومن هنا، يمكن القول إن الحرس الثوري تعمد إجراء تلك التجربة الجديدة، ثم الإعلان عنها بعد أسبوع، لتوجيه إشارات إلى حكومة الرئيس حسن روحاني والقوى الدولية المعنية بمتابعة التزام إيران بالاتفاق النووي، بأنه لن يتوانى عن ممارسة الأنشطة نفسها، التي تعتبرها تلك القوى انتهاكًا لقرار مجلس الأمن رقم 2231، وأن الاتفاقيات الدولية التي توقع عليها الحكومة لن تفرض عليه قيودًا في هذا السياق، مثلما لن تدفعه إلى إيقاف، أو على الأقل تخفيض، دعمه المالي والعسكري للتنظيمات الإرهابية في الخارج، خاصة في لبنان وسوريا والعراق واليمن.

 وبمعنى آخر، فإن هذه الخطوة تمثل إشارة استباقية من جانب "الباسدران" تفيد أن توقيع إيران على مثل هذه الاتفاقيات، في حالة تمريرها، لن يفرض عليها التراجع عن الأدوار التي تقوم بها في الخارج.

2- قلق واضح: رغم أن إيران حرصت على الترحيب بنتائج المشاورات التي أجريت بين وفدى الحكومة الشرعية وحركة "أنصار الله" الحوثية في السويد وأسفرت عن الوصول إلى اتفاق في 13 ديسمبر الجاري يتضمن انسحاب الحوثيين من مدينة الحديدة وموانئها على مرحلتين وفك الحصار الحوثي على تعز من خلال تشكيل لجنة مشتركة تتمثل مهمتها في وقف إطلاق النار وفتح المعابر أمام المساعدات الإنسانية مع ترحيل الملفات الخلافية الأخرى إلى الجولة القادمة من المشاورات التي ستعقد في نهاية يناير 2019، إلا أن ذلك لا ينفي أنها تبدي قلقًا واضحًا تجاه المعطيات التي قد تفرضها الجهود التي تبذل في الوقت الحالي من أجل الوصول إلى تسوية للأزمة في اليمن، خاصة أن موافقة الحوثيين على هذا الاتفاق مثل نتيجة مباشرة للعمليات العسكرية التي شنتها قوات التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن. فضلاً عن أن أى تسوية تقضي باستعادة الشرعية الدستورية وإنهاء التمرد الحوثي تعني في المقام الأول إضعاف حضور إيران في اليمن، على نحو يفاقم من الضغوط الإقليمية التي تتعرض لها في المرحلة الحالية بسبب الأدوار التخريبية التي تقوم بها داخل دول الأزمات.

وعلى ضوء ذلك، يبدو أن الحرس الثوري سعى عبر تلك التجربة الجديدة التي أرفقها بتأكيد قيامه بإجراء ما يتراوح بين 40 و50 تجربة في العام، إلى الإيحاء بأنه لن يتراجع عن ممارسة تلك الأدوار رغم هذه الضغوط، على نحو يشير إلى أنه قد يحاول عرقلة الجهود المبذولة حاليًا للوصول إلى تسوية للأزمة اليمنية، ومواصلة تقديم دعمه المالي والعسكري للمتمردين الحوثيين.

3- دعم حزب الله: تراقب إيران بشكل واضح التصعيد الحالي الذي تقوم به إسرائيل في جنوب لبنان، بعد كشفها عن الأنفاق التي قام حزب الله بحفرها، في هذه المنطقة، وتهديدها باتخاذ خطوات قوية للرد عليها، بعد أن ألمحت إلى أن طهران تحاول نقل ساحة المواجهة من سوريا إلى لبنان مجددًا، على ضوء التطورات الميدانية التي شهدها الصراع في سوريا خلال الفترة الماضية.

وبالطبع، فإن إيران لا تبدو معنية بالدخول في مواجهة مفتوحة مع إسرائيل، خاصة في الوقت الحالي، الذي تتعرض فيه لضغوط دولية وإقليمية وعقوبات أمريكية لم تنجح حتى الآن في التعامل معها. لكنها في الوقت نفسه حريصة على مواصلة دعمها لحلفائها، والإيحاء بأنها لن تتوانى عن التدخل في حالة انخراط الأطراف المناوئة لها في مواجهة محتملة معهم رغم الكلفة العالية التي قد يفرضها ذلك في الظروف الحالية.

وفي النهاية، يمكن القول إن مثل هذه الخطوات التي يقوم بها الحرس الثوري، بضوء أخضر من جانب القيادة العليا ممثلة في المرشد علي خامنئي، سوف تفرض خيارات محدودة أمام إيران خلال المرحلة القادمة، خاصة أنها يمكن أن تساهم في تقليص مساحة الخلافات القائمة حاليًا بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، على نحو بدا جليًا في الإدانات الواضحة التي أبدتها الأخيرة تجاه التجربة الصاروخية الأخيرة، بشكل سوف يؤثر على فرص استمرار العمل بالاتفاق النووي خلال المرحلة القادمة، خاصة أن إيران بدأت في الاستعداد للاستحقاقات التي يمكن أن يفرضها هذا الاحتمال، وهو ما انعكس في تعمدها إجراء تجربة صاروخية جديدة.