أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

موجات متتالية:

لماذا تجددت الاحتجاجات في إيران؟

05 فبراير، 2018


بعد فترة وجيزة من الهدوء النسبي الذي شهدته المحافظات والمدن الإيرانية المختلفة، تجددت الاحتجاجات مرة أخرى، في مدن شيراز ونجف اباد وبندر عباس وكرمان، منددة بسياسات النظام ورافعة شعارات "الموت للديكتاتور"، وذلك بعد شهر تقريبًا من اندلاع موجتها الأولى في مدينة مشهد في 28 ديسمبر 2017، على نحو يشير إلى أن النظام لم يتمكن بعد من احتواءها أو تقليص الزخم الذي حظيت به، وساهم في انتقالها من محافظة إلى أخرى ورفع سقف مطالبها التي تطورت من تحسين الأوضاع المعيشية وتخفيض معدلات البطالة والتضخم والفقر إلى وقف الاستنزاف المالي والعسكري في الخارج، رغم مجمل الإجراءات التي اتخذها في الفترة الماضية.

اعتبارات عديدة:

مع أن الاحتجاجات الأخيرة لم تصل إلى المرحلة التي يمكن أن تفرض تهديدات جدية للنظام، إلا أن استمرارها يطرح دلالات عديدة تفيد أن النظام لم ينجح في إحكام سيطرته على الساحة الداخلية، وأن ما يحدث في الفترة الحالية من تظاهرات قد تتطور إلى مستويات تفرض ضغوطًا أكبر يشير إلى أن الدوافع الحقيقية لاندلاعها وتجددها ما زالت قائمة، وهو ما يمكن تفسيره في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- إصرار النظام على اتباع نفس السياسات: خاصة على الصعيد الخارجي، حيث بدا واضحًا أن النظام يحاول توجيه رسائل مباشرة إلى القوى الإقليمية والدولية المعنية بالأزمات المختلفة في المنطقة بأن الأزمة الداخلية التي واجهها بسبب الاحتجاجات لن تدفعه إلى التراجع عن مواصلة تقديم الدعم إلى حلفائه الإقليميين من الأنظمة والتنظيمات الإرهابية المختلفة، على غرار نظام الرئيس السوري بشار الأسد وحزب الله وحركة الحوثيين وميليشيا الحشد الشعبي والجماعات الطائفية الأخرى العابرة للحدود التي قام "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري بتكوينها وتدريبها في الفترة الماضية من أجل دعم الجهود التي بذلتها إيران للتمدد في المنطقة.

هذا الإصرار انعكس في التصريحات التي أدلى بها مستشار المرشد للعلاقات الدولية علي أكبر ولايتي، في أول فبراير 2018 بالتوازي مع بداية الاحتفالات بالذكرى الـ39 للثورة، وقال فيها أن "نفوذ إيران في المنطقة حتمي"، مضيفًا أن "إيران لا تعتزم التخلي عن الدول المضطهدة في المنطقة. وجودنا في سوريا والعراق وفلسطين ولبنان هو بالتنسيق مع حكوماتها".

وقد أشارت اتجاهات عديدة إلى أن التداعيات التي انتهت إليها الاحتجاجات الأخيرة ربما توجه رسائل قد يفهمها النظام بشكل مختلف، على نحو يدفعه إلى الإمعان في مواصلة سياساته التدخلية في المنطقة وليس العكس، رغم أن التراجع عن تلك السياسات كان أحد العناوين الرئيسية لهذه الاحتجاجات، وهو ما بدا واضحًا في المطالبة بالتركيز على معالجة المشكلات الداخلية بدلاً من التدخل في سوريا ولبنان والأراضي الفلسطينية.

2- تبني نظرية المؤامرة: من خلال الحرص على ربط الاحتجاجات بوجود مخططات خارجية لتقويض دعائم النظام، على نحو بدا جليًا في الاتهامات التي وجهها المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي إلى المحتجين بـ"تنفيذ مشروع تمرد للإطاحة بالنظام"، وهو ما يعني أن النظام لم يقر بعد بالأسباب الحقيقية التي أدت إلى اندلاع تلك الاحتجاجات، وخاصة فيما يتعلق بإهمال التعامل مع المشكلات المعيشية اليومية التي يواجهها الإيرانيون على المستويات المختلفة، وهو ما أدى إلى تفاقمها وتقييد قدرة الحكومات المتعاقبة على الوصول إلى حلول لها، بالتوازي مع انتشار ظواهر مثل الفساد وعمليات غسيل الأموال وتجارة المخدرات وغيرها.

ففي هذا السياق، زعم خامنئي وجود "خطط" تم إعدادها منذ أشهر برعاية من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ومنظمة مجاهدي خلق من أجل تعزيز فرص اندلاع احتجاجات قوية في مواجهة النظام تنتقل تدريجيًا من المدن الصغيرة إلى العاصمة طهران.

وهنا، قد يتجه النظام إلى الرد على ذلك بتبني سياسة تصعيدية في المنطقة، خاصة على مستوى عرقلة أى جهود قد تبذل للوصول إلى تسويات سياسية للأزمات الإقليمية المختلفة، التي كانت التدخلات أحد أهم أسباب تفاقمها.  

وقد بدأت وسائل الإعلام الرئيسية الموالية للنظام في إضفاء وجاهة خاصة على تلك المزاعم، وهو ما اتضح في مقال رئيس تحرير صحيفة "كيهان" (الدنيا) حسين شريعتمداري، في 23 يناير 2018، بعنوان "مسمار جحا"، وادعي فيه وجود تنسيق بين أطراف خارجية، في إشارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية تحديدًا، وجماعات داخلية بعضها شارك في الاحتجاجات، يقوم على استغلال السلطة التي يمتلكها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ويتخذ من خلالها قرارًا كل أربعة أشهر بتعليق العقوبات المفروضة على إيران أو إعادة فرضها، من أجل الإبقاء على ارتفاع أسعار السلع المحلية وعرقلة الجهود التي تبذلها الحكومة بهدف استقطاب مزيد من الاستثمارات الخارجية، بشكل يُبقي، في رؤيته، على الأسباب الحقيقية لاندلاع الاحتجاجات ويهدد بتجددها كل فترة.

وهنا، فإن النظام يحاول من خلال ذلك تجاهل أو تقليص أهمية الدوافع الرئيسية للاحتجاجات التي ترتبط بالسياسات العامة التي يتبعها، سواء على صعيد انتهاكاته المستمرة للاتفاق النووي، أو على مستوى تدخلاته السلبية في الشئون الداخلية لدول المنطقة ودعمه للإرهاب.

3- تدوير الزوايا: يبدو أن المحتجين قد اعتبروا أن الإجراءات الاقتصادية التي قامت بها الحكومة لم تكن كافية لتلبية مطالبهم. إذ اكتفت الأخيرة بوقف فرض رسوم أو ضرائب جديدة وتجميد رفع الدعم عن الوقود، دون أن يكون هناك مساس بالمخصصات المالية سواء للحرس الثوري أو للمنظمات الدينية التي تستخدمها إيران في دعم الجهود التي تبذلها للتمدد في الخارج.

ومن هنا، رأت اتجاهات عديدة أن النظام يحاول توسيع هامش المناورة وحرية الحركة المتاحة أمامه للتعامل مع الضغوط التي فرضتها الاحتجاجات دون أن يكون هناك استعداد حقيقي لاستيعاب الدوافع الحقيقية التي أدت إلى اندلاعها.

4- تقسيم أدوار: لم تكتسب التحذيرات التي وجهها الرئيس حسن روحاني إلى المرشد الأعلى للجمهورية والحرس الثوري بضرورة العمل على تجنب مواجهة مصير الشاه من خلال الاهتمام بمعالجة المشكلات الحياتية التي يعاني منها الإيرانيون، اهتمامًا ملحوظًا على الساحة الداخلية، إذ اعتبرت اتجاهات عديدة أنها تدخل في إطار "تقسيم الأدوار" بين مؤسسات النظام بهدف إضعاف زخم الاحتجاجات وتعزيز قدرة النظام على احتواءها.

وبعبارة أخرى، فإن تلك الاتجاهات باتت ترى أنه لا يوجد فارق شاسع في مواقف الرئيس عن سياسات القيادة العليا في النظام والحرس الثوري، لا سيما بعد أن بدا روحاني حريصًا على عدم فتح الملفات الخلافية مع الأطراف الأخرى في النظام، وعلى عدم توجيه انتقادات للإجراءات الأمنية التي اتخذها الأخير تجاه المحتجين.

وعلى ضوء ذلك، ربما يمكن القول إن تجدد الاحتجاجات مرة أخرى في مواجهة النظام يشير إلى أن مكامن الخلل التي أدت إلى اندلاعها في الأساس ما زالت قائمة، بشكل يزيد من احتمالات نشوب أزمة أقوى في المستقبل قد لا يستطيع النظام التعامل معها بالآليات نفسها التي يتبناها في المرحلة الحالية.