أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

العراق.. ضحية التدخلات الخارجية

05 يناير، 2020


فجر أول أمس تم اغتيال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني بطائرة مسيرة أميركية في العراق، صحيح أن لا دمع يستدره غياب سليماني نظراً لسجله المعروف.

والسؤال الذي لا محيص عن طرحه يتعلق بمدى استعداد الجيش والجمهور الأميركيين لصراع طويل الأمد قد يصبح مدمراً وقاتلاً ومكلفاً. ويتعين التفكير أيضاً في التأثير الإقليمي لهذا الهجوم والصراع الذي قد يتبعه. والتاريخ يعلمنا أنه يتعين الأخذ بعين الاعتبار العواقب غير المتوقعة للأعمال العدائية. 

والواقع أن إيران والولايات المتحدة في حالة حرب منذ سنوات. والإيرانيون يشعرون بوطأة العقوبات الأميركية على اقتصادهم، ويلعبون مباراة قاتلة تختبر ضبط الولايات المتحدة لنفسها. وسلوكهم المستفز في الخليج وتدخلهم في عدة دول عربية وهجومهم على منشآت نفطية سعودية، كل هذا لم يُقابل إلا برد فعل أميركي ضئيل للغاية. لكن اللعبة تغيرت الآن بعدما اغتيلت شخصية محورية في النظام الإيراني.

واحتمالات انتقام الإيرانيين تتساوى مع احتمالات عدم ردهم على هذا التحدي. ويتعين علينا الانتظار حتى نرى الكيفية التي سيردون بها والمكان الذي سينفذون فيه عمليتهم الانتقامية.


والهجوم وقع في العراق. فإذا كان هناك شيء واضح في استطلاع رأي أجراه مركز زغبي في الآونة الأخيرة في العراق فهو أن معظم العراقيين قد سئموا من استغلال بلادهم كملعب للصراع الإقليمي وخاصة الصراع بين أميركا وإيران. والواقع أن استطلاعنا للرأي أظهر أن العراقيين يتزايد قلقهم من الدور الذي تلعبه أطراف خارجية في بلادهم. والأغلبية ترى أن الولايات المتحدة وإيران هما أكبر المستفيدين من الحروب التي دمرتهم منذ الغزو الأميركي عام 2003. ولطالما كانت ميول العراقيين نحو الولايات المتحدة غير مؤيدة مع نسبة تقل عن عشرة في المئة لمعدلات التأييد لأميركا.

ومعدلات التأييد لإيران ليست أفضل حالاً. فقبل 2018، كانت معدلات التأييد لإيران أعلى نوعاً ما من تلك التي للولايات المتحدة. لكن في 2018 شهدنا تحولاً كبيرلً. فعلى سبيل المثال، حين سألنا العراقيين عن أكثر ما يثير قلقهم بشأن إيران، أخبرونا أنه دور إيران في بلادهم. وهذا التقييم السلبي لدور إيران لم يشارك فيه العرب السنة والأكراد فحسب بل شاركت فيه نسبة كبيرة من الشيعة العرب أيضاً. فقد سئم معظم العراقيين من التدخل الأجنبي في حياتهم. ولم يفض الكيل بالعراقيين من الولايات المتحدة وإيران فحسب، بل سئموا فيما يبدو أيضاً من قيادات فاسدة وجماعات طائفية عنيفة والنظام السياسي الطائفي المختل وظيفياً الذي فرضه عليهم الاحتلال الأميركي المدعوم من التدخل والتواطؤ الإيراني.

وأوضحت انتفاضة العراق في الآونة الأخيرة أن الشباب العراقيين وخاصة الشيعة منهم مستعدون للتضحية بحياتهم ليس فقط من أجل تحدي الزعماء الفاسدين في حكومتهم بل أيضاً لتحدي دور إيران في دعم هؤلاء الزعماء. وحين سألنا عراقيين عمن يتهمونه بارتكاب العنف ضد المحتجين الشبان، أشارت أغلبية منهم إلى «أيدٍ أجنبية خارجية».

والأسئلة التي يتعين التفكير فيها الآن هي: ما تأثير هذا الاغتيال على السياسة المحلية العراقية؟ هل سيُنظر إلى الولايات المتحدة، بأنها تستخدم، مثل قوى إقليمية أخرى، بلادهم باعتبارها أرضاً يتابعون فيها منافستهم القاتلة؟ هل ستصمد الوحدة الهشة بين الانقسامات الطائفية العراقية أم أنها ستتهاوى؟ وإذا وقع الرد في العراق، هل سيقود هذا إلى صراع طائفي في العراق مع ميليشيات مدعومة من الخارج، ليس في صورة هجوم مباشر على الولايات المتحدة لكن في هجمات ليست كبيرة لكنها قاتلة ومزعزعة لاستقرار الولايات المتحدة ومصالحها وحلفائها؟

أرجو أن يكون واضحاً للقراء أنني لطالما كنت من المعارضين للنظام القائم على تصدير الأيديولوجية الطائفية، والذي يتدخل في دول أخرى بطريقة تهدد استقرار المنطقة. ولطالما كنت أيضاً خصماً للسياسة الأميركية الخارجية في الشرق الأوسط. لقد كانت السياسة الأميركية هناك قصيرة النظر في مسعى تحقيق مصالحها الضيقة التي تسبب في معاناة هائلة للملايين. والولايات المتحدة لم تفكر قط في التأثير الإقليمي لسياستها أو عواقب أفعالها أو عدم تحركها، ولذا كانت مصدر كثير من عدم الاستقرار الكبير.

إنني عارضت حرب العراق تحديداً لأن صانعي السياسة الأميركية لم يفهموا قط ولم يكونوا مؤهلين للتعامل مع ما قد يحدث بعد سقوط نظام صدام. وللسبب نفسه عارضت تصرفات إدارة أوباما في ليبيا. ولهذا أخشى مغبة اغتيال سليماني. فهناك احتمال كبير لنشوب صراع موسع ما أراده أحد ولم يستعد له أحد. وكما قلت، لن أذرف دموعي على سليماني، بل سأدخرها للمآسي التي أخشى حدوثها لاحقاً.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد