أخبار المركز
  • مصطفى ربيع يكتب: (إخفاقات متكررة: هل تنجح استطلاعات الرأي في التنبؤ بالفائز بالرئاسة الأمريكية 2024؟)
  • د. رامز إبراهيم يكتب: (الحل الثالث: إشكاليات إعادة توطين اللاجئين بين التسييس وإزاحة الأعباء)
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (التكنولوجيا العمياء: كيف وظفت إسرائيل الذكاء الاصطناعي في حرب غزة ولبنان؟)
  • د. أيمن سمير يكتب: (خمسة سيناريوهات للتصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران)
  • مهاب عادل يكتب: (رسائل الإصلاح: كيف انعكست أزمات الشرق الأوسط في الدورة الـ79 للأمم المتحدة؟)

حسابات بكين:

معوقات توصُل روسيا والصين لاتفاق نهائي بشأن مشروع "قوة سيبريا 2"

31 أغسطس، 2024


في مؤشر جديد على حجم المعوقات التي تحيط منذ فترة ليست بالقصيرة بإنجاز اتفاق نهائي بين روسيا والصين على تأسيس خط أنابيب جديد هو مشروع "قوة سيبيريا 2"، والذي تُعد دولة منغوليا طرفاً رئيسياً فيه؛ أزالت حكومة منغوليا الائتلافية الجديدة، يوم 16 أغسطس الجاري، المشروع بشكل غير مُتوقَّع من خطتها التنموية طويلة الأجل حتى عام 2028؛ ما يعني أنه من المُستبعَد أن يبدأ تنفيذ هذا المشروع خلال الفترة القصيرة المقبلة، بعد أن كان متوقعاً أن يبدأ التنفيذ في النصف الثاني من العام الجاري 2024، وأن ينتهي بحلول عام 2030 تقريباً.

مُقترَح مشروع خط أنابيب "قوة سيبيريا 2":

يُعد مشروع "قوة سيبيريا 2" امتداداً للتعاون الروسي الصيني في مجال الطاقة؛ إذ تعتمد الصين على روسيا بشكل كبير في استيراد النفط، فقد بلغت واردات الصين من النفط الخام الروسي 60.64 مليار دولار في عام 2023؛ بما يشكل حوالي 47% من إجمالي الصادرات الروسية إلى الصين من حيث القيمة. كما استحوذت روسيا على 19% من إجمالي واردات النفط الخام الصينية في عام 2023 من حيث الحجم؛ مما يجعلها أكبر مُورِّد للنفط إلى الصين. وبالنسبة للغاز الطبيعي، ارتفعت صادرات روسيا من الغاز الطبيعي إلى الصين بشكل هائل في عام 2023؛ إذ زادت بنسبة 62% على أساس سنوي لتصل إلى 6.4 مليار دولار.

ويعود ارتفاع صادرات الغاز الروسي إلى الصين إلى خط أنابيب "قوة سيبيريا 1"، الذي تم الاتفاق على إنشائه بين الدولتين في عام 2012، وتم افتتاحه في أواخر عام 2019؛ وهو أكبر خط أنابيب لنقل الغاز من شرقي سيبيريا في الأراضي الروسية إلى المستهلكين الروس في أقصى شرقي البلاد وإلى الصين، ويبلغ طوله نحو 3800 كيلومتر، وتصل طاقة الخط الإجمالية إلى 61 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً.

وبسبب هذا الخط أصبحت الصين في عام 2022 أكبر مشترٍ لموارد الطاقة الروسية بعدما كانت ألمانيا تحتل المرتبة الأولى؛ إذ بلغت شحنات الغاز الروسي إلى الصين عَبْر هذا الخط أعلى مستوى لها في هذا العام، وهو 15.5 مليار متر مكعب، ثم زاد الرقم إلى 22.7 مليار متر مكعب في عام 2023. ويُتوقَّع أن تزيد الشحنات بنهاية عام 2025 لتصل إلى 38 مليار متر مكعب سنوياً؛ وهو الرقم المُستهدَف منذ توقيع الاتفاقية.

ومع اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا، وما أعقبها من توقف خط أنابيب الغاز "نورد ستريم" في بحر البلطيق عن العمل تماماً في سبتمبر 2022، عملت روسيا على إعادة توجيه هذه الإمدادات من أوروبا إلى آسيا؛ خاصة الصين، وحاولت الإسراع في إنشاء خط أنابيب "قوة سيبيريا 2"، والذي كان تم الاتفاق عليه مبدئياً بين شركة "غازبروم" الروسية وشركة الصين الوطنية للنفط والغاز، في فبراير من العام نفسه، ولكن لم تتفق الحكومتان الروسية والصينية منذ ذلك التاريخ وحتى الآن بشكل نهائي لا على طريقة التنفيذ، ولا على توقيت بدء بناء الخط؛ وهو ما أدى إلى التشكيك في احتمال قيام الصين بالاتفاق نهائياً على هذا الخط مع روسيا؛ خاصةً وأنه تم الإعلان سابقاً، مرة في شهر مارس 2023، عن توصُّل روسيا والصين إلى اتفاق بشأن المشروع، ومرة أخرى في أكتوبر من العام نفسه، حينما صرح رئيس منغوليا أوخنانغين خوريلسوخ، أنه قد يتم البدء في بناء الخط في مطلع عام 2024؛ وهو ما لم يحدث واقعياً في المرتين.

وحين تم توقيع الاتفاق بشكل مبدئي في فبراير 2022، تم الإعلان عن أن الخط الجديد المزمع إنشاؤه يستهدف نقل الغاز من شبه جزيرة يامال في سيبيريا التي تضم أكبر احتياطيات للغاز في روسيا إلى شمالي الصين، مرواً بأراضي دولة منغوليا التي سيتم إنشاء ثلث طول الخط على أراضيها. وسوف يكون بمقدور الخط نقل حوالي 50 مليار متر مكعب إضافية سنوياً من الغاز الروسي إلى الصين؛ إذ سينقل هذا الخط الغاز مباشرة إلى المناطق الصينية الأكثر كثافة سكانية في شمال شرقي البلاد؛ ومن ثم تستهدف روسيا أن يسمح لها الخطان، "سيبيريا 1" و"سيبيريا 2"، بزيادة مبيعاتها من الغاز للصين إلى 38 مليار متر مكعب سنوياً بحلول عام 2025، ثم إلى 88 مليار متر مكعب بحلول عام 2030.

أسباب تأخر إطلاق المشروع:

تجنبت الصين منذ إعلان الاتفاق مبدئياً على مشروع "قوة سيبيريا 2" التصريح بأي التزام رسمي يؤكد التوصل لاتفاق نهائي أو تحديد جدول زمني، وذلك على الرغم من تعدُّد النقاشات بين الرئيس بوتين والرئيس شي، حول إجراءات البدء في انطلاق أعمال المشروع، ثم جاء إعلان حكومة منغوليا الأخير بشأن خطتها التنموية الجديدة، والتي لم تذكر شيئاً عن المشروع؛ ليضيف مزيداً من الشكوك بشأن عدم الاتفاق وتأجيل التنفيذ، بل وربما احتمال إلغاء فكرة المشروع؛ إذ أصبح القسم المنغولي، الذي كان من المُفترَض أن يغطي جزءاً كبيراً من مسار خط الأنابيب، موضع تساؤل جديد؛ إذ يشير البعض إلى تخوف الصين من احتمال تعزيز روسيا نفوذها في منغوليا على المدى الطويل؛ خاصة إذا تولت شركة غازبروم السيطرة الأحادية الجانب على هذا القسم، ويشير البعض الآخر إلى أنه يجب أن يتضمن الاتفاق إشراك الشركات الصينية في تطوير القسم المنغولي منذ البداية؛ وهو ما لم يحدث.

وبعيداً عن التساؤل السابق، والذي لا يُعد مشكلة حقيقية بل جانباً ثانوياً من القضية؛ فإن التأجيل وعدم الاتفاق يعود بالأساس لعدة أسباب تجارية ومالية محضة تتعلق بالصين، من أبرزها الخشية من اعتمادها المفرط على روسيا للحصول على موارد الوقود والطاقة، رغم التحالف القائم بين الدولتين، في ظل الدروس المستفادة من اعتماد أوروبا على واردات الطاقة الروسية وتأثرها بعد اندلاع الحرب الأوكرانية؛ ولهذا وقَّعت الصين سلسلة من صفقات الغاز الطويلة الأمد في جميع أنحاء العالم في السنوات الأخيرة، بينها اتفاق بقيمة 60 مليار دولار لمدة 27 عاماً مع قطر في نوفمبر 2022.

كما تعمل الصين على التوازن بين دخولها في اتفاق جديد طويل الأمد مع روسيا وبين دخولها في مشروعات مشتركة مع دول آسيا الوسطى، فبينما يقوم المشروع الروسي فقط على بيع وشراء الغاز؛ فإن الصين لا تشتري غاز آسيا الوسطى؛ بل تشارك في مشروعات إنتاجه في هذه الدول مثل تركمانستان؛ حيث يتم بناء نظام خطوط الأنابيب بأموال القروض الصينية؛ ولذلك لا تزال الصين تتلقى مدفوعات القروض من دول آسيا الوسطى على شكل واردات من الغاز، كما تتمتع بدخل إضافي من المشروعات في آسيا الوسطى.

وفيما يرتبط بمشروع قوة "سيبيريا 2" ذاته؛ فإنه يواجه تحديات مالية وتقنية واقتصادية هائلة؛ فهذا الخط سوف يتمتع بقدرة أكبر من سابقه، ويزيد طوله عن "خط سيبيريا 1" بنحو 1500 كيلومتر؛ ما يستلزم تكلفة أعلى للإنشاء؛ بسبب استخدام كمية أكبر بكثير من الفولاذ ومواد الإنشاء الأخرى. وهنا لم يتفق الجانبان الروسي والصيني على التمويل، والذي كان نقطة شائكة في مفاوضات خط أنابيب "قوة سيبيريا 1"، فقد أراد الروس من الصينيين تمويل المشروع، لكنهم استسلموا في نهاية المطاف وحصلوا على الغالبية العظمى من القروض بأنفسهم؛ ولهذا سوف تضطر روسيا لتحمل ديون ضخمة إذا تكرر الأمر في مشروع "سيبيريا 2".

من جانب آخر، تتمثل المشكلة الأساسية في خط أنابيب "سيبيريا 2" على المدى المتوسط في تدفقات الإيرادات المستقبلية غير المؤكدة بالنسبة لروسيا، فبينما يسعى الخط إلى تلبية الطلب على الغاز الطبيعي في شمالي الصين تحديداً، إلا أن الشمال هو أفضل موطن بالصين من حيث إمكانات الطاقة المتجددة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وسوف يتنافس خط الغاز الجديد في حال إنشائه مع هذه المصادر المتجددة والمضخات الحرارية الصينية، وربما يخسر بعد فترة ليست ببعيدة.

وتشير بعض التوقعات إلى أن النمو الضعيف للطلب على الكهرباء في الصين، إلى جانب "عوامل تمكين" طاقة الرياح والطاقة الشمسية مثل: البطاريات وتخزين الطاقة الكهرومائية التي يتم ضخها، قد يجعل الشمال الصيني بحلول عام 2030 يفيض بالكهرباء المتجددة؛ ومن ثم سوف يؤثر توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة المحلية في شمالي الصين في الطلب على الغاز الطبيعي؛ ولاسيما وأن أغراض التدفئة والاستخدام الصناعي -وليس توليد الكهرباء- تشكلان غالبية الطلب على الغاز الطبيعي في الشمال الصيني؛ ومن ثم فإن توليد الكهرباء المتجددة سوف يوفر البدائل.

ويعني ذلك أنه على المدى الطويل، سوف يواجه الطلب على الغاز الطبيعي في الصين ضغوطاً شديدة بسبب تزايد الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، وأنه إذا تم بناء خط الأنابيب الجديد، فقد تجد روسيا نفسها لا تحقق أهدافها من هذا الخط مع قلة استيراد الصين من الغاز الروسي، وقد تضطر روسيا إلى إعادة التفاوض على العقد بشروط أكثر سوف تكون غير مواتية. ويضاف لذلك وجود إمكانات هائلة للطاقة المتجددة في منغوليا، التي سوف يمر خط أنابيب "سيبيريا 2" عبر أراضيها.

وبالنظر إلى هذه العوامل السابقة، يمكن القول إن مشروع "قوة سيبيريا 2" يعاني بالمنطق التجاري من عيوب صارخة بالنسبة للصين، ولن يكون مفيداً لها كما كان الحال مع مشروع "قوة سيبيريا 1"، وإن الصين لن توافق بشكل نهائي على هذا المشروع وفق هذا المنطق التجاري وحده؛ بل سوف تكون اعتبارات التحالف مع روسيا والاعتبارات الجيوستراتيجية في منطقة شمال شرقي آسيا محددات مهمة تضاهي العوامل الاقتصادية والتجارية إذا ما قررت الصين المضي قدماً في إنجاز المشروع مستقبلاً.