أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

المصري اليوم:

محمد خلفان الصوافى يكتب: كيف يرى الخليج التعزيزات العسكرية الأمريكية فى المنطقة؟

19 أغسطس، 2023


وسط حالة الشد والجذب السائدة حاليًا بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، تسعى واشنطن لتعزيز وجودها العسكرى في المنطقة لمراقبة الممرات المائية الرئيسية، حيث أعلنت- في شهر يوليو الماضى- أنها ستنشر مدمرة وطائرات حربية من طراز «إف-35» و«إف-16». كما ظهرت تقارير في الأسبوع الأول من أغسطس الجارى تفيد بأن الولايات المتحدة بصدد نشر جنود من المارينز على السفن التجارية التي تمر في مضيق هرمز. أيضًا، أعلن الأسطول الخامس الأمريكى، يوم 7 أغسطس الجارى، وصول أكثر من 3 آلاف بحار وجندى أمريكى إلى الشرق الأوسط.

وعلى مدار العقود الأربعة الماضية، كانت التعزيزات العسكرية والمناوشات جزءًا من مظاهر التوتر الأمريكى الإيرانى، حيث تتصاعد وتيرته وتتراجع حسب طبيعة العلاقات بينهما، لكن التطور هذه المرة يبدو مختلفًا في أحد مؤشراته، والذى يتعلق بسابقة تتمثل في نشر قوات أمريكية على متن السفن التجارية. وكل ذلك يثير تساؤلات حول دوافع وتداعيات تعزيز واشنطن حضورها العسكرى في المنطقة، وموقف دول الخليج من هذه التطورات.

تفسيرات متعددة:

ثمة دوافع عديدة يمكن من خلالها تفسير الإجراءات العسكرية الأمريكية في المنطقة خلال الفترة الأخيرة، ومنها الآتى:

1- مراجعة أمريكية متأخرة: هناك زوايا عدة يمكن بها تفسير إرسال واشنطن مزيدًا من القوات العسكرية وإمكانية نشر جنود فوق السفن التجارية العابرة في الخليج. ومن وجهة النظر الخليجية، فإن الزاوية التي يتعين النظر منها تتعلق بما إذا كانت إدارة الرئيس جو بايدن قد بدأت في مراجعة سياساتها التي انتهجتها مع دول مجلس التعاون الخليجى، بعدما تأكد للإدارات الأمريكية المتعاقبة أن دول الخليج الست بدأت تشارك منافسى النفوذ الأمريكى العالمى في رسم السياسات الدولية، بل إنها أثبتت قدرتها على احتواء الخطر الإيرانى، وصارت طهران مشاركة معها في العمل من أجل تنمية المنطقة، بعد الاتفاق التاريخى بين السعودية وإيران برعاية الصين في مارس الماضى.

2- حرب نفسية على إيران: ليس هناك جديد في إرسال حشود عسكرية لتعزيز الأسطول الأمريكى الخامس الموجود في البحرين، بما فيها السفن الهجومية، خاصة عندما تتصاعد هجمات قوارب الحرس الثورى الإيرانى على السفن وناقلات النفط. ودائمًا ما تتبنى واشنطن خطابًا سياسيًا تقليديًا فحواه أن الهدف هو طمأنة دول الخليج الحليفة بشأن الحفاظ على أمن المنطقة. لكن هذا الخطاب سبق اختباره في مواقف عديدة تعرضت لها دول الخليج، خاصة في فترات الإدارات الديمقراطية الأمريكية، وكانت النتيجة «ثقة مهزوزة» في واشنطن. ومن هذه المواقف، تجاهل الولايات المتحدة لمصالح الخليج في المفاوضات مع إيران، ثم إبرام الاتفاق النووى معها عام 2015، فضلًا عن موقفها السلبى من تهديد الميليشيات المسلحة لأمن الخليج. وبالتالى، من المُرجح أن التحركات الأمريكية قد لا تتعدى كونها أوراق ضغط على طهران لتحريك الملف النووى، فالخبرة التاريخية للإدارات الديمقراطية في مواجهة إيران أثبتت أنها تتعامل معها بحذر.

3- التحضير للانتخابات الأمريكية 2024: بفضل التحولات الكبرى الحاصلة في الإقليم، تم تخفيف حدة واحدة من أكثر الأزمات المعقدة، وتتعلق بعودة العلاقات بين الرياض وطهران، والتى انعكست سلبًا، بلا شك، على صورة الديمقراطيين في الداخل الأمريكى، وعلى دور واشنطن في الشرق الأوسط. وبناءً عليه، ربما يحاول الرئيس بايدن رفع شعبيته قبل انطلاق سباق الانتخابات الرئاسية المُقرر إجراؤها في نوفمبر 2024، فهو يريد من جانب أن يؤكد للناخب الأمريكى أن بلاده مستمرة في استراتيجية التفوق العالمى، ويحاول من جانب آخر تصحيح الإشارات الصادرة عن واشنطن لتقول إنها ملتزمة بتعهداتها في مواجهة الخطر الإيرانى بالمنطقة. وهذا أمر مرتبط أيضًا بالعملية الانتخابية، نظرًا لموقف إسرائيل واللوبى الموالى لها في الداخل الأمريكى، والذى يمثل عاملًا ضاغطًا على إدارة بايدن، خصوصًا في ظل فتور العلاقة مع الحكومة الإسرائيلية الحالية بقيادة بنيامين نتنياهو، الذي ربما يبذل جهدًا في تحريض جماعات الضغط اليهودية على بايدن وإدارته.

تصعيد محسوب:

يمكن الإشارة إلى عدد من التداعيات المُحتملة لتعزيز القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، بهدف ردع التهديدات الإيرانية للسفن التجارية وغيرها، ومن هذه التداعيات ما يلى:

1- استبعاد المواجهة العسكرية المباشرة: هناك احتكاكات تاريخية بين القوات الأمريكية الموجودة في المنطقة والحرس الثورى الإيرانى، وتذكرنا الخطوات الأمريكية الجديدة بحرب الناقلات النفطية أثناء الحرب العراقية الإيرانية خلال الثمانينيات من القرن الماضى. ومن غير المُرجح أن تتحول المواجهة الحالية بين واشنطن وطهران إلى حرب عسكرية، حيث إن وجود سفن حربية أو قوات عسكرية لا يعنى مواجهة شاملة، خاصة بعد أن بدأت واشنطن عام 2018 في تخفيف وجودها العملياتى في المنطقة.

في المقابل، تحرص إيران على تجنب احتمالية المواجهة العسكرية المباشرة مع الجانب الأمريكى، وهذا ما تم اختباره من قبل في ردة الفعل الإيرانية على مقتل الجنرال قاسم سليمانى، قائد فيلق القدس، ونائبه أبومهدى المهندس، في يناير 2020، حيث لم يتعد رد طهران حينها التصعيد الخطابى والتهديد، مع بعض المناوشات الخفيفة، مثل قصف صاروخى محدود القوة و«مجهول المصدر» لقاعدة عسكرية عراقية يتمركز بها جنود أمريكيون. وهذا ما يفيد بأن الطرفين الأمريكى والإيرانى لا يحبذان التصعيد الفعلى، ويتجنبان عمليًا المواجهة المباشرة.

2- زيادة التوتر في المنطقة: الأرجح هو تصاعد الشحن السياسى والعسكرى واستخدام لغة التهديدات المتبادلة بين الطرفين الأمريكى والإيرانى، مع إمكانية تحريك الولايات المتحدة المعارضة الإيرانية الداخلية والخارجية، بهدف الضغط على المفاوض الإيرانى. ومن غير المُستبعد أن ترد طهران باستفزازات للسفن الأجنبية في المنطقة، واختطاف رعايا دول أجنبية، وربما أيضًا تصدير بعض القلاقل لدول الأزمات في الإقليم.

وتُدرك واشنطن وطهران تكلفة الحرب على الجانبين، ومثلما يكون التفاهم بينهما في الأوقات العادية معقدًا نتيجة للاختلافات في ملفات كثيرة، فإن هذا التعقيد سيزداد في حالة وقوع حرب بينهما. وتُدرك الإدارة الأمريكية أن العودة إلى حرب الناقلات في المنطقة تعنى تعميق الأزمة النفطية التي يعيشها العالم حاليًا. وهذا من شأنه زيادة حالة الغضب العالمى، وكذلك الغضب الأوروبى على الحليف الأمريكى، وربما الغضب الداخلى في الولايات المتحدة، وهو ما قد يؤثر في مصير الحزب الديمقراطى وبايدن في انتخابات العام المقبل.

حسابات الخليج:

ثمة قاعدة تقليدية يرددها البعض حول العلاقات الخليجية الإيرانية، وهى أنها مرتبطة بالعلاقات الأمريكية الإيرانية. وكانت هذه القاعدة أقرب إلى الصحة قبل التفاهمات الخليجية مع إيران في الأشهر الماضية، لكن سيحاول البعض استدعاء تلك القاعدة مجددًا خلال هذه الأيام، خاصة بعد لقاء معالى الأستاذ جاسم البديوى، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الفريق براد كوبر، قائد القوات البحرية الأمريكية في القيادة المركزية والأسطول الخامس الأمريكى والقوات البحرية المشتركة، يوم 3 أغسطس الجارى. بيد أن عدم صدور تصريحات محددة من الجانبين بعد هذا اللقاء، وكون المسؤول الخليجى سياسيًا بحكم منصبه وليس عسكريًا، فضلًا عن أن مجلس التعاون الخليجى كمنظمة إقليمية لم يكن يومًا طرفًا في أي تحركات عسكرية أمريكية في الخليج، هذه عوامل تكاد تؤكد أنه لم يكن سوى لقاءً إجرائيًا، ولا صلة له بأى دور أو مشاركة خليجية فيما يمكن اعتباره «نيات» أمريكية في مواجهة إيران.

ويمكن القول إن دول الخليج تنأى بنفسها عن الخطوات أو الإشارات الأمريكية بالتصعيد في المنطقة، لأسباب عديدة، منها ما يلى:

1- الإدراك الخليجى لحقيقة الخطوات الأمريكية: إن الإجراءات العسكرية الأمريكية الجديدة في المنطقة، حسب القناعة الخليجية، لا تخرج عن كونها نوعًا من الضغط الدبلوماسى الأمريكى المُعتاد على إيران، لتحريك ملف ما. وهنا يأتى ملف المفاوضات النووية، على اعتبار أن أي نجاح فيه أو غيره سيمثل مكسبًا سياسيًا لإدارة بايدن الذي يستعد لخوض سباق الانتخابات الرئاسية، فإدارته تبحث عن تحقيق إنجازات حقيقية خارجية أو داخلية. وبالتالى تعى دول الخليج تمامًا حقيقة مواقف وإشارات واشنطن وحدود تحركها الفعلى في الإقليم.

2- عدم تغير النمط الأمريكى مع الخليج: هناك العديد من المواقف السابقة التي تؤكد وجود نمط أمريكى ثابت بشأن ترضية دول الخليج وكسب تأييدها لتحركات وسياسات واشنطن في المنطقة، وهو نمط لا يخرج عن تصريحات ومواقف سياسية لا أكثر، ومهما بلغت من حدة أو تشدد، تبقى محصورة في نطاق الدبلوماسية ولم تنتقل يومًا إلى دائرة العمل الفعلى، حتى في الأوقات التي كانت تتطلب، بل تحتم ذلك. فبخلاف الانسحابات الأمريكية المتكررة من المنطقة، لا يمكن للخليج أن ينسى «الصمت الأمريكى» عن الاستهداف الحوثى الإرهابى للسعودية والإمارات.

3- تغير النهج الخليجى: من يتتبع السياسة الخارجية الخليجية في السنوات الأخيرة، سيجدها تصالحية مع الجميع، أي «تصفير المشاكل» حتى مع إيران التي تحتل جزرًا إماراتية ثلاث (طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبوموسى)، وتتنازع مع السعودية والكويت على حقل الدرة. ويمكن تفسير هذا النهج الخليجى ببعدين هما:

أ- أن تقوية الجوانب الاقتصادية وتنمية مجالات ومسارات للتعاون مع إيران وغيرها، قد يكون سببًا في تفاهمات مستقبلية في المجالات الحساسة، بل الملفات الخلافية، سواءً سياسية أم أمنية.

ب- إثبات حسن النية الخليجية، واتباع سياسة النفس الطويل والتهدئة المتزنة، وهو ما يُعد مدخلًا مهمًا وفعالًا للتعامل مع النظام الإيرانى، الذي يرفع في الفترة الأخيرة شعار الانفتاح على الجوار العربى والرغبة في تحسين العلاقات. وبالتالى ليس هناك مبرر خليجى لإعلان مواقف أو تبنى خطوات قد تمنح طهران حججًا لتعطيل مسار التهدئة الإقليمية.

ختامًا، على الرغم من كل ما سبق، من غير المُحتمل أن تعزل دول الخليج نفسها أو تكون بعيدة عن أي تطورات فعلية في المنطقة، وتحديدًا في جوارها، فهى الأكثر تأثرًا بأى مُستجدات في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، سلبًا أو إيجابًا، خاصة أن طهران تتبع سياسة معاقبة واشنطن من خلال تهديد مصالحها وحلفائها في الإقليم.

*محمد خلفان الصوافي

  كاتب إماراتى

*لينك المقال في المصري اليوم*