أخبار المركز
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)
  • شريف هريدي يكتب: (مخاطر الانفلات: خيارات إيران للرد على استهداف قنصليتها في دمشق)

استحقاقات مؤجلة :

نتائج الجولة الأولى من الحوار الأمريكي- العراقي

17 يونيو، 2020


انتهت الجولة الأولى من الحوار الاستراتيجي الذي عقد بين الولايات المتحدة الأمريكية والعراق، في 11 يونيو الجاري، بنتائج غير حاسمة لا تعكس حسابات الطرفين وأهدافهما من هذا الحوار، في ظل تشابك الملفات وتعقدها وانخراط أطراف محلية وإقليمية فيها. وهنا، يمكن القول إن ما سوف يؤول إليه هذا الحوار في النهاية سوف يرتبط بمتغيرات عديدة، على غرار المسارات المحتملة للحرب ضد "داعش"، والتصعيد المتواصل بين طهران وواشنطن، في ظل التوازي الملحوظ بين انعقاد الحوار وإطلاق صواريخ "كاتيوشا" على بعض القواعد التي توجد بها قوات أمريكية.

معطيات عديدة: 

فرضت الجولة الأولى من الحوار مجموعة من المعطيات التي سوف يكون لها تأثير مباشر على الجولات الأخرى من الحوار والقضايا التي سوف تطرح فيها، حيث أنها انتهت إلى ما يلي: 

1- استمرار الجدل حول توقيت خروج القوات الأمريكية: رغم أن البيان الأمريكي- العراقي المشترك أشار إلى اتفاق واشنطن وبغداد على مواصلة الأولى تخفيض عدد قواتها الموجودة في العراق في ضوء التقدم الملحوظ بشأن التخلص من تهديد تنظيم "داعش"، ومع أنه أكد كذلك على أنها لا تسعى إلى إقامة قواعد دائمة أو تواجد عسكري دائم في العراق، إلا أنه أقر بقاء جزء من القوات الأمريكية بعد إجراء حوار بشأنها بين الجانبين الأمريكي والعراقي، وبما يتماشى مع تركيز البلدين على تطوير علاقة أمنية طبيعية تقوم على المصالح المشتركة وعلى أساس الاتفاقات المتبادلة.

وهنا، يمكن القول إن واشنطن سعت عبر ذلك إلى تأكيد استمرار حضورها العسكري في العراق، رغم الدعوات والضغوط المستمرة التي تمارسها أطراف داخلية عديدة بشأن تنفيذ قرار البرلمان العراقي بشأن إخراج القوات الأجنبية من العراق، في مقابل الالتزام بوضع سقف زمني لهذا الحضور، عبر تأكيد عدم تأسيس قواعد دائمة.

ولذا، فإن السؤال الأهم الذي تطرحه اتجاهات عديدة داخل العراق يتعلق بالتوقيت الذي يمكن أن يصل فيه الطرفان إلى توافق حول أن مهمة القضاء على "داعش" انتهت بما لا يدع له فرصة للعودة من جديد، ومن ثم تنفيذ الاستحقاق الأهم الذي سيلي ذلك ويتعلق بخروج ما تبقى من قوات أمريكية من العراق. وبالطبع، فإن هذا السؤال ما زال بلا إجابة في ضوء النتائج غير الحاسمة التي انتهت إليها تلك الجولة.

2- الحصول على تعهدات عراقية بحماية القوات الأمريكية: أكد البيان المشترك التزام الحكومة العراقية بحماية القوات العسكرية للتحالف الدولي، والمرافق العراقية التي تستضيفها، بما ينسجم مع القانون الدولي والترتيبات المعنية بخصوص وجود تلك القوات وبالشكل الذي سيتم الاتفاق عليه بين البلدين. 

وهنا، فإن استمرار إطلاق الصواريخ بعد انتهاء تلك الجولة كان بمثابة تحدياً للحكومة العراقية، التي سارعت إلى تأكيد جديتها في تنفيذ ذلك عبر الإشارة، في 15 يونيو الجاري، إلى أن الجيش العراقي امتلك أول دليل يمكن أن يوصل إلى الجهات التي وقفت طول الفترة الماضية وراء إطلاق الصواريخ على السفارة الأمريكية أو القواعد العسكرية.

3- منع "أمننة" الحوار: حرص الطرفان على توسيع نطاق الحوار، ليشمل ملفات عسكرية واقتصادية وسياسية وثقافية، وهو ما جعل الشق العسكري جزءاً من الحوار. فبجانب العلاقات العسكرية، تضمن الحوار ملفات أخرى يتمثل أبرزها في: 

أ‌- آليات تطوير العلاقات الاقتصادية: كان للأزمتين الاقتصادية والصحية تأثير مباشر على ما انتهى إليه الحوار بين واشنطن وبغداد. إذ بحث الطرفان سبل تقديم الدعم للحكومة العراقية من أجل مواجهة الأزمتين اللتين تعودان إلى انتشار فيروس "كورونا" وانخفاض أسعار النفط. 

ب‌- دعم إجراءات الحكومة العراقية: بدا لافتاً أيضاً أن الاستحقاقات التي يطالب بها الحراك الشعبي العراقي كانت حاضرة في هذا الحوار، على نحو انعكس في إشارة البيان المشترك إلى أن الولايات المتحدة أعربت عن وقوفها إلى جانب العراق من خلال دعمها لحكومتها الجديدة، وتطبيق برنامجها الإصلاحي بالشكل الذي يلبي طموحات الشارع، بما في ذلك مواصلة الجهود الإنسانية، واستعادة الاستقرار، وإعادة إعمار البلاد، وتنظيم انتخابات حرة وعادلة ونزيهة. 

تحركات متوازية: 

توازى انتهاء الجولة الأولى من الحوار مع بعض التطورات التي يمكن أن تؤثر على مساراته القادمة في ظل الضغوط التي تفرضها. فقد حرصت بعض الميليشيات العراقية على توجيه تهديدات جديدة ضد الوجود الأمريكي في العراق، على غرار ميليشيا "كتائب حزب الله" التي جددت، في 13 يونيو الجاري، تهديدها باستهداف القوات الأمريكية داخل الأراضي العراقية إذا لم تنسحب من البلاد، وقالت في بيان أن "العراقيين كانوا ينتظرون من المعنيين تنفيذ قرار إجلاء القوات خلال مدة محددة، ولم يتوقعوا الرضوخ لرغبات الإدارة الأمريكية بإجراء الحوار وفق توقيتات وآليات وشروط وُضعت وفُرضت تحت وقع التهديد"، وأضافت أن "على أمريكا أن تدرك جيداً أنها إذا حاولت الالتفاف على قرار البرلمان العراقي فإن ذلك سيكلفها الكثير".

كما حرصت كل من تركيا وإيران على توجيه ضربات ضد مواقع كردية في شمال العراق، في 16 يونيو الجاري، بشكل يوحي بأنهما تسعيان إلى توجيه رسائل بأن مواقفهما إزاء مخرجات الحوار بين واشنطن وبغداد سوف تتوقف على مدى توافقها مع حساباتهما ومصالحهما. 

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن الحضور العسكري الأمريكي في العراق سوف يكون متغيراً رئيسياً له دور في تحديد اتجاهات التطورات السياسية والأمنية وأنماط التفاعلات بين القوى والميليشيات المنخرطة في المشهدين السياسي والأمني في العراق، فضلاً عن القوى الإقليمية المعنية بما يجري داخلها، خلال المرحلة القادمة.