أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

مؤشرات متداخلة:

أسباب وتداعيات هجوم "الحى الدبلوماسي" في كابول

07 يونيو، 2017


يبدو أن أفغانستان مقبلة على مرحلة جديدة من عدم الاستقرار الأمني، وذلك على خلفية العمليات الإرهابية التي تصاعدت حدتها في الفترة الأخيرة، وكان آخرها الهجوم الذي استهدف الحى الدبلوماسي بالعاصمة كابول في 31 مايو 2017، وأسفر عن مقتل حوالي 90 شخصًا وإصابة ما يقرب من 400 آخرين، والذي طرح دلالات عديدة ترتبط بمسارات العلاقة وتوازنات القوى بين التنظيمات الإرهابية التي سعت إلى تكريس نفوذها وتوسيع نطاق نشاطها داخل أفغانستان في المرحلة الماضية.

فرغم أن كابول وجهت اتهامات لشبكة "حقاني"، المرتبطة بحركة "طالبان"، بالمسئولية عن العملية بالتنسيق مع جهات أمنية باكستانية، إلا أن ذلك لم يمنع بعض الأطراف من توجيه اتهامات مماثلة إلى تنظيم "داعش" ليس فقط لسعيه في الفترة الأخيرة إلى رفع مستوى عملياته الإرهابية داخل أفغانستان كرد على تراجع دوره في مناطق سيطرته في كل من سوريا والعراق، ولكن أيضًا لتشابه أسلوب تنفيذ العملية مع الآليات التي يتبعها التنظيم في هذا السياق. كما لم تستبعد اتجاهات أخرى تورط حركة "طالبان" في العملية، بسبب حرصها على تأكيد نفوذها باعتبارها التنظيم الإرهابي الرئيسي على الساحة الأفغانية، في ظل تصاعد حدة التنافس بينها وبين تنظيم "داعش" الذي تمكن من استقطاب بعض قادتها وكوادرها خلال الفترة الماضية. 

اعتبارات متباينة:

استندت الاتجاهات التي رجحت فرضية مسئولية شبكة "حقاني" عن الهجوم، إلى بعض المؤشرات التي يتمثل أبرزها في أن هذه العملية لا تبدو تقليدية، حيث يعتبر التفجير الضخم الذي وقع في "المنطقة الخضراء" بالحى الدبلوماسي في العاصمة كابول، واحدًا من أكثر الهجمات الإرهابية التي أسفرت عن سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى، منذ الإطاحة بحركة "طالبان" عقب وقوع أحداث الحادى عشر من سبتمبر عام 2001.

إذ أن أسلوب تنفيذ الهجوم يشير إلى أن الجهة المسئولة عنه تمتلك قدرات كبيرة ومعلومات مهمة حاولت عبرها اختراق التحصينات الأمنية فى تلك المنطقة، إلا أنها لم تصل، على ما يبدو ووفقًا لما أشارت إليه تقارير عديدة، إلى هدفها الرئيسي في الحى الدبلوماسي بسبب الإجراءات التي اتبعها رجال الأمن الأفغان. 

فضلا عن ذلك، فإن الهجوم الأخير ربما يكون، وفقًا لتلك الرؤية، رسالة من الشبكة للحكومة بـأن إقدام الأخيرة على إعدام بعض كوادرها وعناصرها ومن بينهم نجل مؤسسها أنس حقاني بعد صدور أحكام قضائية بحقهم، سوف يدفعها إلى رفع مستوى عملياتها الإرهابية لدرجة غير مسبوقة، خاصة في ظل الدور الذي مارسه أنس حقاني في تكوين وإدارة الشبكة قبل اعتقاله من قبل السلطات الأفغانية منذ سنوات عديدة.

كما أن هذه الاتجاهات أشارت أيضًا إلى أن ما يزيد من احتمال تورط الشبكة في العملية هو أن بعض التنظيمات الأخرى نفت علاقتها بها، رغم أنها كانت حريصة في الفترة الماضية على رفع مستوى عملياتها الإرهابية، مثل حركة "طالبان" التي بدأت في شن ما أطلقت عليه "هجمات الربيع"، واستهدفت من خلالها قوات الجيش والشرطة الأفغانية، على غرار الهجوم الذي نفذته داخل معسكر تابع للجيش في مزار شريف، في 21 إبريل 2017، وأسفر عن مقتل ما يقرب من 130 شخصًا، بشكل دفع كلا من وزير الدفاع ورئيس الأركان إلى تقديم استقالتيهما.

إلا أن اتجاهات أخرى أشارت إلى أن حرص الحركة على نفى مسئوليتها عن الهجوم لا يمكن أن يقلص من احتمالات تورطها في العملية بالفعل، باعتبار أنها تسعى في المرحلة الحالية إلى توجيه رسالة سواء إلى الحكومة الأفغانية أو إلى التنظيمات الإرهابية الأخرى على غرار تنظيم "داعش"، بقدرتها على تنفيذ عمليات إرهابية نوعية، رغم الضربات القوية التي تعرضت لها في الآونة الأخيرة، والتي أسفرت عن مقتل عدد من قادتها الرئيسيين، مثل الملا عبد السلام أخوند قائد الحركة في ولاية قندوز والذي كان يطلق عليه "فاتح قندوز"، في 26 فبراير 2017، بعد غارة شنتها طائرة أمريكية من دون طيار. 

تداعيات عديدة:

ربما يفرض الهجوم الأخير الذي وقع في الحى الدبلوماسي بالعاصمة كابول تأثيرات عديدة، يمكن تناولها على النحو التالي:

1- تصاعد حدة المواجهات بين الحكومة وشبكة "حقاني": خاصة بعد القرار الذي اتخذه الرئيس أشرف غني، في 1 يونيو 2017، أى بعد يوم واحد فقط من وقوع الهجوم الإرهابي الأخير، بإعدام 11 من عناصر حركة "طالبان" وشبكة "حقاني" من بينهم أنس حقاني. إذ تسعى الحكومة من خلال اتخاذ مثل تلك القرارات إلى احتواء تصاعد حدة الاستياء الداخلي تجاه إجراءاتها الأمنية التي لم تسهم، وفقًا لتقارير عديدة، في تقليص حدة العمليات الإرهابية المستمرة منذ فترة ليست قصيرة.

2- اتساع نطاق التوتر بين أفغانستان وباكستان: وذلك على خلفية الاتهامات التي وجهتها الأولى إلى الثانية بدعم شبكة "حقاني" التي أشارت إلى أنها الجهة المسئولة عن تنفيذ العملية الأخيرة، بشكل سوف يفرض تداعيات سلبية على الجهود التي بذلت في الفترة الماضية من أجل توسيع نطاق التنسيق الأمني بين الطرفين، الذين حرصا على عقد اجتماعات بين مسئولين أمنيين في 12 مايو 2017، للاتفاق على تعزيز التعاون العسكري وتبني إجراءات لإعادة بناء الثقة، وذلك بعد مقتل بعض الأشخاص بسبب إطلاق نار متبادل وقع على الحدود المشتركة بين الدولتين في بداية الشهر نفسه.

3- تزايد الاهتمام الدولي بمحاربة الإرهاب في أفغانستان: خاصة أن التنظيمات الإرهابية ربما تتجه إلى رفع مستوى استهدافها لقوات حلف الناتو الموجودة في أفغانستان خلال المرحلة المقبلة، بشكل بات يدفع الحلف إلى الدعوة لزيادة عدد القوات غير القتالية في أفغانستان إلى بضعة آلاف، من أجل المشاركة في جهود مكافحة تلك التنظيمات.

وفي النهاية، ربما يمكن القول إن الحكومة الأفغانية تواجه تحديات لا تبدو هينة خلال الفترة الحالية، سواء بسبب تصاعد حدة العمليات الإرهابية التي تقع في مناطق عديدة داخل أفغانستان، أو بسبب اتساع نطاق التنافس بين التنظيمات الإرهابية المختلفة التي تسعى إلى إجراء تغييرات في توازنات القوى فيما بينها بما يتوافق مع مصالحها، بشكل بات يفرض تبني إجراءات غير تقليدية ورفع مستوى التعاون الأمني مع القوى المعنية بالحرب ضد الإرهاب للتعامل مع تهديدات هذه التنظيمات في المرحلة القادمة.