أخبار المركز
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (المعضلة الروسية: المسارات المُحتملة لأزمات الانتخابات في جورجيا ورومانيا)
  • إسلام المنسي يكتب: (جدل الوساطة: هل تخلت سويسرا عن حيادها في قضايا الشرق الأوسط؟)
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)

أرصدة الفساد:

تحديات استعادة الأموال العربية المنهوبة بالخارج

27 مايو، 2021


تصاعد توجه رسمي في عدد من الدول العربية لاستعادة الأموال المنهوبة بالخارج، التي تورط فيها رؤساء ورؤساء حكومات ووزراء ورجال أعمال ومسئولون محليون، محسوبون على النظم السابقة، والتي تعرف بـ"العهد البائد"، بما يؤدي إلى تعزيز شرعية نظم الحكم الجديدة، ودعم المؤسسات المالية والرقابية، وتحسين الأوضاع الاقتصادية الداخلية، وتوافر الإرادة السياسية للدول المنهوب أموالها وأملاكها وآليات المساعدة من قبل بعض الدول العربية. 

غير أن هناك تحديات تواجه الجهات الرسمية المعنية باستعادة تلك الأموال، ومنها غياب الخريطة المعلوماتية "شبه الكاملة" بشأن أموال وأملاك كبار مسئولي النظم السابقة بالخارج، وتعدد مستويات التعامل مع الجهات المعنية باستعادة الأموال بما يجعلها عملية معقدة، وغياب آلية التصرف في الأموال التي يتم استعادتها، وثقل التأثيرات الانتشارية لجائحة كورونا التي تسهم في تعطيل إجراءات استعادة الأموال لاسيما في ظل تزايد حالات الإصابة في العديد من الدول.

إن التيار الرئيسي في الأدبيات يشير إلى أن عملية استرداد الأموال أو الأصول المنهوبة بالخارج هي "مجموعة التدابير والإجراءات القضائية وغير القضائية والجهود المبذولة من الدول لاستعادة الأموال التي نهبت من ثرواتها ومواردها والمتأتية من عمليات الفساد والتي هُرِّبت إلى دول أجنبية". وهنا يلاحظ أن هذا التعريف يقتصر على الأموال المهربة إلى الخارج وليست الأموال الباقية داخل الدول نفسها. وفي هذا السياق، يتم التمييز بين نوعين من الاسترداد: استرداد داخلي وآخر خارجي (أو دولي). 

أهداف مترابطة:

على الرغم من أن عملية مكافحة الفساد كانت تدخل ضمن اختصاصات حكومة كل دولة، لكنها صارت شأناً دولياً لدرجة أن إحدى دول الإقليم (العراق) تطالب بتشكيل تحالف دولي لمكافحة الفساد مثلما تشكل هذا التحالف لمحاربة الإرهاب. وقد ظهرت توجهات وتزايدت تحركات الأجهزة الرسمية في كل من مصر والسودان وتونس والجزائر وموريتانيا والعراق لاستعادة الأرصدة المنهوبة بالخارج، لتحقيق عدد من الأهداف على النحو التالي:

1- تعزيز شرعية نظم الحكم الجديدة: يتمثل أحد المداخل التفسيرية لوضع الأجهزة الرقابية في عدد من الدول العربية استعادة الأموال المنهوبة بالخارج على أجندتها في البحث عن قضايا تمثل أولوية رئيسية لدى قطاعات واسعة من الرأى العام، لاسيما أن الفساد كان أحد المُحرِّكات الرئيسية لانهيار دول وطنية وسقوط نظم سياسية في المنطقة. ومن ثم، أدركت نظم الحكم الجديدة أن افتقارها إلى التأييد الشعبي يجعلها في مهب الريح، لاسيما في البلاد التي تمر بمرحلة انتقال (السودان) أو لازال الحراك الجماهيري نشط بها (الجزائر). 

وفي هذا السياق، أعلن الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في 16 مايو الجاري عن إطلاق صندوق خاص بالأموال والأملاك المنهوبة المصادرة في إطار قضايا مكافحة الفساد. وطالب الحكومة بإدراجه ضمن أحكام قانون الموازنة التكميلي لعام 2021. كما قال الرئيس تبون في مقابلة تلفزيونية مع وسائل إعلام محلية في 5 أبريل 2021 أن "بلاده تمكنت من استرجاع ما لا يقل عن 44 عقاراً من بينها قصور وشقق في فرنسا ضمن عملية استرجاع الأموال المنهوبة والمحوّلة نحو الخارج"، مؤكداً أنه "ملتزم بقراره لاستعادة هذه الأموال فور صدور الأحكام النهائية في حق المتورطين في قضايا الفساد". 

وأشار تبون إلى أنه على دول الاتحاد الأوروبي مساعدة لمساعدة الجزائر في هذا المسعى، خصوصاً أن "بعض الشركات الأوروبية كانت متورطة في كثير من قضايا الفساد وتحويل الأموال الجزائرية واستثمارها في أوروبا". وذكر في نهاية حديثه: "لن أتخلى عن تعهداتي باستعادة الأموال المنهوبة"، شريطة صدور أحكام نهائية من المحكمة النهائية بشأن المتورطين في قضايا الفساد. لذا، يرى اتجاه رئيسي في الكتابات أن إحراز مؤسسات الدولة الجزائرية تقدماً في ملف استعادة الأموال المنهوبة بالخارج يكون بمثابة الحلقة التي بإمكانها إعادة جسور الثقة مع قطاع واسع من الرأي العام الجزائري.

كما أن نظام الحكم الجديد في موريتانيا قد يعمل خلال المرحلة المقبلة على تعزيز شرعيته بالبحث في ملف الأموال المنهوبة بالخارج، حيث تظاهر نشطاء سياسيون في 19 أبريل 2021 لمطالبة الجهات القضائية باسترداد الأموال المنهوبة خلال فترة حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، وإن كان الأخير يشير إلى أن ملاحقته تجرى وفقاً لحسابات سياسية، ويتم تضخيم ممتلكاته بشكل مبالغ فيه. 

2- دعم المؤسسات المالية والرقابية: وجّه الرئيس العراقي برهم صالح كلمة إلى الشعب العراقي، في 23 مايو الجاري، بمناسبة تقديم رئاسة الجمهورية مشروع قانون هو الأول من نوعه بعد سقوط نظام صدام حسين إلى البرلمان لغرض تشريعه، ويهدف إلى استرداد أموال العراق التي تم نهبها وتهريبها للخارج، حيث قال أن "مشروع القانون يتضمن خطوات لاحقة لاستعادة أموال الفساد، ويتضمن دعم المؤسسات المالية والرقابية وتفعيل أدواتها"، مضيفاً أن "150 مليار دولار هُرِّبت من صفقات الفساد إلى الخارج منذ 2003". وأكد صالح أن "مشروع القانون يتضمن إجراءات عملية استباقية رادعة، وخطوات لاحقة لاستعادة أموال الفساد". 

3- تحسين الأوضاع الاقتصادية الداخلية: تسهم عودة الأموال المنهوبة بالخارج في معالجة نسبية للأزمات التي تواجهها بعض الدول العربية مثل احتواء الحراك المتصاعد الداعي لحل أزمات التنمية. إذ أوضح الرئيس العراقي برهم صالح في كلمته إلى الشعب العراقي، أن "هذه الأموال المستباحة كانت كفيلة بأن تضع البلد في حال أفضل، ولا يمكن التعامل معها في الإطار المحلي". وذكر في موضع آخر من كلمته: "نأمل من مجلس النواب مناقشة المشروع، وإقراره للمساعدة في كبح جماح هذه الآفة الخطيرة التي حرمت أبناء شعبنا من التمتع بثروات بلدهم لسنوات طويلة".

كما أن الحكومة الانتقالية في السودان تحتاج إلى الأموال المنهوبة من قبل رموز نظام الإنقاذ الذي حكم البلاد على مدى ثلاثة عقود، والتي يمكن تحصيلها عبر جهود لجنة "إزالة آثار التمكين لنظام البشير ومحاربة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة" برئاسة عبدالله حمدوك، نظراً للظروف الاقتصادية المتردية التي تواجه البلاد، مع الأخذ في الاعتبار أنه تم استعادة أموال وعقارات وشركات منهوبة بالداخل. 

وفي الإطار نفسه، اعتمد مجلس حقوق الإنسان، في ختام دورته العادية 46، وبأغلبية أصوات الدول الأعضاء، في جنيف في 24 مارس الماضي، مشروع القرار المتعلق باستعادة الأموال المنهوبة إلى بلدانها الأصلية، والذي دعمته مصر وليبيا وتونس. فقد أكد السفير د. أحمد إيهاب جمال الدين، مندوب مصر الدائم في جنيف، على أن تدفقات الأموال المتأتية من مصادر غير مشروعة تحرم البلدان من الموارد اللازمة لإعمال حقوق الإنسان، بما في ذلك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، خاصة الحق في التنمية، بما يهدد الاستقرار والتنمية المستدامة للدول ويقوض قيم الديمقراطية وسيادة القانون، مضيفاً أن "هذه الأموال مطلوبة بشكل عاجل أكثر من أي وقت مضى من أجل تطوير وإعمال جميع حقوق الإنسان، خاصة في البلدان التي تمر بمراحل انتقالية".

ووفقاً لبيان وزارة الشئون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، فإن "مشروع القرار يأتي في إطار حشد المجهودات الوطنية والإقليمية والدولية على مستوى التعاون متعدد الأطراف، للتأكيد للمجموعة الدولية على أهمية استرجاع هذه الأموال، وحق الشعوب في تقرير مصيرها في ثرواتها بما يساعدها على إنفاذ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية"، إذ تعاني تونس أزمة سياسية واقتصادية حادة قد تُعرِّضها للإفلاس في لحظة ما، وفقاً لأسوأ سيناريو محتمل. 

4- توافر الإرادة السياسية للدول المنهوب أموالها وأملاكها وآليات المساعدة من قبل بعض الدول العربية: وهو أحد العوامل المُحفِّزة لقيام الجهات المعنية في الدول التي هُرِّبت أموالها إلى الخارج لمواصلة عملها، في الوقت الذي واجهت اللجان المكلفة من قبل دول بعينها على مستوى العالم بتعقيدات لا أول لها من آخر. ولعل ذلك ينطبق على السودان التي كانت تريد الخروج من القائمة الأمريكية لرعاية الإرهاب واتخاذ خطوات في اتجاه محاربة غسيل الأموال، الأمر الذي يساعدها في استعادة الأموال المنهوبة. 

وفي هذا الإطار، قالت وكيل وزارة العدل السودانية ورئيس اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب سهام عثمان محمد، في اجتماع مجموعة العمل المالي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا (مينافاتف) الذي عقد عن بعد، في 20 نوفمبر 2020، بحضور مراقبين من صندوق النقد والبنك الدوليين ومجلس التعاون الخليجي ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة أن "مصر وتونس أعلنتا وضع كامل خبراتهما لمساعدة السودان حتى تتمكن من تحديد وتعقب ومصادرة الأموال المنهوبة".

إشكاليات ضاغطة:

تواجه استعادة الدول العربية الأموال المنهوبة بالخارج حزمة من التحديات، يتمثل أبرزها في:

1- غياب الخريطة المعلوماتية "شبه الكاملة" بشأن أموال وأملاك كبار مسئولي النظم السابقة بالخارج: لا تتوافر في بعض الدول العربية بطاقة معلوماتية تحصر أموال وأملاك المسئولين السابقين، حيث يعتمدوا على التحايل والشركات الوهمية التي تؤسس بأسماء مستعارة. علاوة على عدم معرفة هوية الدول التي تم تهريب أموال إليها. كما أن العديد من البنوك العالمية ترفض الكشف عن حسابات عملائها حفاظاً على مبدأ السرية والخصوصية. 

2- تعدد مستويات التعامل مع الجهات المعنية باستعادة الأموال: يعد المسار الذي يتم فيه تحديد وتجميد وإعادة هذه الأموال للبلدان التي كانت ضحية لهذا الفساد أقرب إلى عملية معقدة ومتعددة المستويات، على نحو قد يحدث تضارباً نتيجة غياب التنسيق بين الجهات المعنية باستعادة الأموال المنهوبة بالخارج. لذا، يطالب البعض بدعم التنسيق المحلي بين الجهات المختصة بعملية استرداد الأموال المنهوبة مما ينتج عنه إنشاء فرق عمل محلية تمثل الأطراف الشريكة من جهات رقابية وقضائية وقانونية ودبلوماسية واستخباراتية واستشارية ومالية وبنوك مركزية وغيرها. فلابد أن يكون هناك تكامل بين مختلفة الدوائر ذات العلاقة.  

3- غياب آلية التصرف في الأموال التي يتم استعادتها: ترتبط إحدى القضايا الإشكالية التي تؤثر في عملية الاسترداد وإن لم تكن أحد عناصرها، بآلية التصرف في الأموال والأرصدة المعادة رغم أن العديد من الاتفاقيات الدولية والاقليمية قد وضعت بعض الضوابط التي يمكن الاهتداء بها لمعالجة ما قد ينشأ بين كل من الدولتين الطالبة والمتلقية من نزاعات حول التصرف بشأن تلك الموجودات. وفي هذا السياق، يطالب البعض بتعزيز أطر إدارة الأموال المُستردة (مثل إنشاء حساب بنكي مركزي أو صندوق مركزي محلي وذلك لتلقي الأصول المصادرة في الداخل والخارج، مع تحديد أوجه التصرف فيها مع ضمان الشفافية الكاملة في إدارة هذا الحساب أو الصندوق).

4- ثقل التأثيرات الانتشارية لجائحة كورونا: امتدت تداعيات الجائحة إلى إجراءات استعادة الأموال المنهوبة بالخارج، حيث أكد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في حديثه التلفزيوني السابق الإشارة إليه أن "كل الدول الأوروبية أبدت رغبتها في التعاون مع الجزائر لاسترجاع الأموال المنهوبة"، مشيراً إلى أن "جائحة كورونا ساهمت في تعطيل إجراءات استعادة تلك الأموال المهربة". كما قال تبون في رده على سؤال أحد الصحفيين: "نحن لن نغامر بكوادرنا لإرسالهم إلى أوروبا، حيث لا يزال مُعدل الإصابات في دولها مُرتفعاً جداً".  

معركة متواصلة:

خلاصة القول، إن ثمة توجهات حاكمة وتحركات متوازية تقودها دول عربية عديدة لاستعادة الأموال والأملاك المنهوبة في الخارج، غير أن هناك ضعفاً في الاستجابة الدولية لآليات الاستعادة المتبعة من قبل الدول العربية، رغم التوقيع والتصديق على اتفاقيات دولية وإقليمية خاصة بمكافحة الفساد وتعزيز التعاون مع المنظمات الدولية المتخصصة مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي ومبادرة "ستار"، وهى شراكة بين البنك الدولى ومكتب الأمم المتحدة المعنى بالمخدرات والجريمة، وتهدف إلى مساعدة الدول في استرداد أموالها المنهوبة والمهربة إلى بلدان أخرى، والحد من جرائم غسل عائدات جرائم الفساد. 

غير أن هناك عوائق أخرى تتصل بقوة تحالفات لوبيات النظم السابقة وإدخال أموالها في صورة مشروعات واستثمارات أجنبية ضخمة في دول متفرقة وتحت أسماء وعناوين مستعارة، واختلاف طريقة تطبيق الدول الموجودة بها الأموال المنهوبة للائحة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي تم المصادقة عليها في عام 2005، وإن كانت هناك خطوات ناجحة نسبياً في بعض الدول، لكنها لا تمثل إجمالي أموالها المنهوبة.