أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

التصعيد في أفغانستان:

ثلاثة تداعيات محتملة لتغيير قيادة طالبان

30 مايو، 2016


أعلنت "حركة طالبان" الأفغانية رسمياً تعيين الملا هيبة الله أخوندزاده زعيماً جديداً لها، يوم 25 مايو الجاري، بعد أيام من مقتل زعيمها السابق الملا أختر محمد منصور في غارة أمريكية، وهو ما يؤكد احتفاظ الحركة بقدر من التماسك التنظيمي على الرغم من الانقسامات التي عصفت بها خلال فترة قيادة الملا منصور.

وبوصول المولوي هيبة الله لقيادة طالبان، فإن الحركة تكون قد جمعت بين استعادة التوافق بين الفصائل المختلفة داخلها، وتصعيد مرجعية فكرية تحظى بقبول عام داخل صفوفها، ما يرجح اتباع نهج تصعيدي من جانب طالبان في مواجهة الحكومة الأفغانية الفترة المقبلة، خاصةً أن الملا منصور كان قد استجاب للضغوط الباكستانية، وأرسل وفداً للتفاوض في إسلام آباد قبل أن يتم استهدافه من جانب الولايات المتحدة.

إشكالية القيادة في طالبان

شهدت حركة طالبان الأفغانية العديد من الخلافات بعد إعلان وفاة قائدها الملا محمد عمر في يوليو 2015، لاسيما بعد أن تم تداول شائعات عن أن مساعده حينها الملا أختر منصور هو من قام باغتياله، الأمر الذي نفاه بعض قيادات الحركة، مؤكدين أن الوفاة كانت طبيعية. وازدادت حدة هذه الشائعات بعد أن تم تعيين منصور قائداً لطالبان؛ حيث وُجهت له اتهامات بإخفاء خبر وفاة الملا عمر لمدة عامين لكي يتمكن من إدارة الحركة بشكل منفرد لصالح الحكومة الأفغانية وبعض الحكومات الأجنبية، وبرر منصور إخفاءه الوفاة بأنه كان بهدف الحفاظ على وحدة وتماسك طالبان.

وفي ذلك التوقيت، رفض بعض قادة الحركة حضور مجلس الشورى الذي تم فيه تعيين الملا أختر منصور، والذي حاول، من جانبه، تدارك هذه الخلافات؛ فقام بالتواصل مع عائلة الملا عمر وحصل على البيعة منهم، وقام بتعيين بعضهم في مناصب قيادية بالحركة. وعلى الرغم من هذه المحاولات لرأب الصدع، فإن عدداً من القيادات المركزية أعلنوا الانشقاق، وتأسيس جماعات موازية لطالبان.

وفي ظل هذه الظروف، اعتقد البعض أن حركة طالبان على وشك الانهيار، وعزز من هذه الفرضية المعارضة التي لاقتها قرارات الملا أختر منصور من قِبل بعض القيادات التنظيمية، مثل رفض قيامه بالتفاوض مع الحكومة، وهو الأمر الذي كان نادر الحدوث في عهد الملا عمر، بالإضافة إلى قيام بعض أعضاء حركة طالبان بمخالفة الأوامر التي تصدر لهم من جانب قيادات الحركة. فعلى سبيل المثال، رفض بعض المقاتلين الانصياع لأوامر قيادتهم باستمرار القتال في فصل الشتاء على خلاف المعتاد، مُفضلين العودة إلى منازلهم.

بيد أن الوضع تغير كلياً بعد قيام طائرات أمريكية بدون طيار باغتيال الملا منصور في جنوب غرب بلدة أحمد وال قرب الحدود الباكستانية، يوم 21 مايو 2016. وبعد إنكار لم يدم طويلاً من جانب طالبان لاستهداف قائدها، أكدت الحركة مقتل الملا منصور وتعيين المولوي هيبة الله أخندزاده بعد إجماع من قادة الحركة عليه.

وعلى النقيض من أسلافه، لم يُعرف المولوي هيبة الله بتاريخه العسكري والميداني؛ إذ إنه بالأساس زعيم ديني ومتخصص في العلوم الشرعية، ويحمل لقب مولوي الذي يشير إلى مرتبة دينية أعلى من الملا.

وسبق أن تولى المولوي هيبة الله منصب رئيس المحكمة الإسلامية العليا عندما بسطت طالبان سيطرتها الكاملة على أفغانستان. وفي عام 2011 أصبح رئيساً لمجلس علماء حركة طالبان، بالإضافة إلى توليه إدارة مدرسة دينية في مدينة كويتا بباكستان، وهو ما يجعله يحظى باحترام وقبول شديدين داخل الجماعة، ويدعمه في ذلك علاقته القوية بأعضاء مجلس شورى الجماعة. يُضاف إلى ذلك، انتماء المولوي هيبة الله لقبيلة نورزاي التي توجد بشكل أساسي في إقليم قندهار وتتمتع بنفوذ قوي، وهو ما قد يُقوي العلاقة بين طالبان والقبائل من جديد.

ومن ثم، يمكن القول إن طالبان تشهد التحول نحو مرحلة القيادة الفكرية التي ستعمل على تجنب التدخل في الأمور التنظيمية، مع السير على خُطى الملا عمر في الرجوع المستمر إلى مجلس شورى الحركة.

الجدل حول مقتل الملا منصور

أثار مقتل الملا منصور جدلاً واسع النطاق، لاسيما أنه تم استهدافه في غارة أمريكية، ليعلن الرئيس أوباما بعدها، يوم 25 مايو 2016، "أن مقتل زعيم طالبان يسهم في دفع عملية السلام داخل البلاد ويقلل الحاجة من اللجوء إلى التصعيد العسكري"، وذلك على الرغم من أن الملا منصور كان أقل تشدداً من سلفه الملا عمر من حيث التفاوض مع اللجنة الرباعية المكونة من ممثلين عن أفغانستان وباكستان والولايات المتحدة والصين.

ويتأكد ذلك بالنظر إلى تفاصيل الخلافات المسربة بين الملا منصور وعدد من القيادات المركزية في الحركة، مثل خلافه مع عبدالقيوم ذاكر، رئيس المجلس العسكري السابق في طالبان، بسبب ميل منصور إلى خيار التفاوض دون موافقة الحكومة الأفغانية على كافة شروط طالبان، بما فيها انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان.

ومع تصاعد الخلافات داخل طالبان، مال الملا منصور إلى إرسال وفد من طالبان إلى باكستان للتفاوض، يوم 26 أبريل الماضي، مع استمرار "الحملة العسكرية الربيعية" داخل الأراضي الأفغانية لتحسين موقفه التفاوضي. ويبدو أن هذا الوفد قد تم إرساله دون علم كافة قيادات الحركة، حيث أكد المتحدث باسم طالبان قاري يوسف أنه ليس لديه أدنى علم بهذه الزيارة. وبسبب استمرار "الحملة العسكرية الربيعية"، التي تضمنت واحداً من أكبر التفجيرات التي شهدتها أفغانستان منذ سنوات وهو تفجير كابول في يناير 2016، رفضت الحكومة الأفغانية العودة إلى طاولة المفاوضات. وبالتالي ربما تكون الولايات المتحدة قد رأت أن استمرار النهج التصعيدي والتفاوض في الوقت ذاته، يمثل تلاعباً من جانب طالبان، ولن يؤدي إلى حدوث أي نوع من عمليات السلام، لذا قررت اغتيال الملا منصور.

من جانب آخر، كشف مقتل الملا منصور عن طبيعة العلاقة بين طالبان وكل من إيران وباكستان؛ إذ تم العثور بجوار جثة منصور على جواز سفر باكستاني مزور كان يستخدمه للتنقل، خاصةً بين مدينة كراتشي الباكستانية وإيران، وأكدت التحقيقات أنه توجه إلى زيارة إيران قبل مقتله بأيام قليلة وبالتحديد في 25 أبريل 2016. وقد صرح مسؤولون من طالبان، بعد العثور على هذا الجواز، بأن الحركة قد أنشأت عدة مكاتب لها في إيران، واعتاد الملا منصور زيارتها لهذا الغرض.

ولا ينفصل ذلك عن إعلان باكستان، في مارس 2016، أنها وفرت ملجأ لعناصر حركة طالبان الأفغانية الذين أُجبروا على الفرار بعد الإطاحة بهم من السلطة في عام 2001. ولكن ثمة من يرجح أن الأمر تجاوز مجرد توفير ملاذ آمن، ليتضمن هويات وجوازات سفر لتسهيل التنقل على غرار جواز سفر الملا منصور.

تداعيات تغيير قيادة طالبان

جاء قرار تعيين المولوي هيبة الله أخندزاده في ظل مرحلة حرجة من تاريخ حركة طالبان التي تمر بعدة انقسامات داخلية، مع مبايعة المنشقين لجماعات مضادة لحركة طالبان مثل تنظيم "داعش" الذي نجح في استقطاب عدد من الأعضاء المنشقين عن الحركة، بل وعدد من القيادات التنظيمية السابقة. يُضاف إلى ذلك، استمرار الاختلاف داخل الحركة حول خيار المفاوضات من عدمه، فضلاً عن تصاعد المعارك بين طالبان والحكومة الأفغانية التي تقوم بشن غارات مكثفة على الأماكن التي كانت تُوصف بالملاذات الآمنة في وقت سابق.

وثمة توقعات بأن يكون لتغيير رأس قيادة طالبان تأثيره البارز على تطور الأحداث في الداخل الأفغاني، حيث تتحدد أبرز هذه التداعيات المتوقعة في الآتي:

1- استعادة التماسك التنظيمي:

كان التحدي الرئيسي بالنسبة لطالبان بعد استهداف الملا منصور هو تخطي انقساماتها، والتوافق على قيادة قادرة على تحقيق المصالحة داخل الحركة. وفي هذا الإطار، تم تداول عدة أسماء كانت مرشحة لتحل محل منصور، مثل الملا يعقوب نجل الملا عمر لكن تم التحفظ عليه لصغر سنه (25 عاماً فقط)، كما رُشح الملا عبدالغني برادار الذي عاون الملا عمر في تأسيس الحركة وكان أحد أقرب معاونيه، والملا قيوم الذي كان قريباً من الملا عمر وقام بمعارضة تولي الملا منصور القيادة لفترة طويلة.

وتعكس مراجعة هذه الترشيحات أنه كانت ثمة رغبة لدى قيادات الحركة في إعادة استنساخ نموذج الملا عمر من جديد، وعم تكرار فترة الملا منصور التي تميزت باحتدام الخلافات داخل طالبان.

وفي النهاية، تم التوافق على اختيار المولوي هيبة الله الذي يحظى باحترام شديد داخل طالبان، بسبب مكانته الدينية وتمسكه الفكري بتعاليم الملا عمر. ومن المتوقع أن يؤدي هذا الاختيار إلى تماسك الحركة على مستوى القيادات، نظراً لأن قرار تولي هيبة الله القيادة لم يحظ بمعارضة تُذكر، بالإضافة إلى قُربه من أعضاء مجلس شورى الحركة. من ناحية أخرى، كانت البرجماتية الشديدة للملا منصور سبباً في انشقاق عدد من أعضاء طالبان على المستويين المتوسط والقاعدة، واصفين الحركة بأنها باتت تمثل خروجاً على تعاليم الدين الإسلامي، وسيعالج تولي المولوي هيبة الله ذو المرجعية الدينية هذه الإشكالية.

كذلك فإن الطريقة التي تم بها اغتيال الملا منصور تُدعم موقف طالبان أمام التنظيمات المناوئة، مثل "داعش" الذي يتهم الحركة بعمالتها لحكومات أجنبية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة.

2- تعثر مسار المفاوضات:

رأت الولايات المتحدة أن استهداف الملا منصور يمهد لها الطريق أمام محادثات السلام، وكذلك اعتقدت الحكومة الأفغانية أنه أصبح بإمكانها الضغط على حركة طالبان وتهديدها للعودة إلى طاولة المفاوضات دون شروط. لكن ربما تنطوي هذه الحسابات على أخطاء، إذ لا يُتوقع أن يصبح المولوي هيبة الله أكثر مرونة من سلفه، بل على العكس فإن اختياره يعكس ميل الحركة إلى التشدد ورفض المفاوضات مع حكومة كابول.

وثمة مؤشرات على ميل طالبان إلى التصعيد، ومن ذلك تعهدها بالثأر للملا منصور ومعرفة الجهة التي قامت بتسريب معلومات عنه وعن تحركاته للولايات المتحدة والانتقام منها، كذلك أعلنت الحركة عن استمرار "الحملات العسكرية الربيعية". ومن المتوقع أن تتجه القيادة الجديدة إلى معالجة أزمة الانقسامات الداخلية في طالبان، ثم تتفرغ بعدها إلى الانتقام لمقتل الملا منصور لكي تحافظ على مصداقيتها وشعبيتها لدى أعضاء الحركة.

3- تصاعد الانكشاف الأمني:

لطالما مثلت باكستان أحد الملاذات الآمنة لطالبان، خاصةً أن الحركة كانت تعتمد في تحركاتها على وجود علاقات وثيقة مع بعض الأجهزة الاستخباراتية والأمنية في إسلام آباد. وأفادت هذه العلاقة طالبان في إصدار وثائق هوية وجوازات سفر باكستانية لعدد من قيادات الحركة وكوادرها، بما سمح لهم بحرية التنقل عبر الحدود، وتمثيل طالبان في عدد من دول العالم، فضلاً عن قيام المؤسسات الأمنية الباكستانية باستضافة بعض قيادات طالبان الأفغانية وتوفير مأوى لهم في إطار سعيها للوساطة والتقريب بين الحركة وحكومة كابول.

غير أن مقتل الملا منصور على الأراضي الباكستانية قد حمل شكوكاً تجاه تورط باكستان في عملية مقتله، نتيجة ضغط الولايات المتحدة عليها. وما يرجح هذه الشكوك تصريح وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري"، في 23 مايو 2016، بأن واشنطن قد أخطرت المسؤولين في باكستان وأفغانستان بنية توجيه ضربة جوية ضد الملا منصور.

كذلك كانت إيران تمثل أحد الملاجئ الآمنة غير المعروفة لحركة طالبان الأفغانية، بيد أن عملية اغتيال الملا منصور أكدت أنه كان هناك رصد لتحركاته من إيران وصولاً إلى باكستان، وهو ما عزز من الشكوك حول احتمالية تورط طهران هي الأخرى في عملية الاستهداف.

إجمالاً، يمكن القول إن حركة طالبان الأفغانية تتجه إلى ما يمكن أن يُطلق عليه مرحلة "الزعامة الروحية"، التي تسعى إلى تحييد الخلافات ورأب الصدع في الحركة مع عدم التدخل المفرط في الأمور التنظيمية، مع صعود متوقع لدور مجلس شورى الحركة خلال الفترة المقبلة، وهو ما سوف يعزز من التماسك الداخلي لطالبان. كذلك يُتوقع أن تميل الحركة إلى التشدد فيما يتعلق بالتفاوض مع الحكومة الأفغانية، مع الاتجاه إلى تصعيد عملياتها العسكرية.