أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

محددات التحول:

كيف ستتعامل الحكومة الجزائرية الجديدة مع التحديات الاقتصادية الراهنة؟

30 مايو، 2017


تضع الحكومة الجزائرية التي شكلت مؤخرًا برئاسة عبدالمجيد تبون على قائمة أولوياتها التعامل مع العديد من الصعوبات الاقتصادية والمالية التي تواجهها البلاد منذ عام 2014. فمع استمرار تراجع الأسعار العالمية للنفط خلال العامين الماضيين واجهت الجزائر تصاعدًا في عجز الموازنة العامة بجانب تراجع معدلات النمو الاقتصادي. ومع اتخاذ الحكومة السابقة العديد من التدابير التقشفية لمعالجة الأوضاع الاقتصادية المتردية، اندلعت العديد من الاحتجاجات الاجتماعية في بعض المدن، ولا سيما في المناطق الشرقية.

وعلى ما يبدو، فإن إعلان الحكومة الجديدة مؤخرًا عن نيتها المضى في إجراء التحول الاقتصادي اللازم لفك ارتباط الاقتصاد بالنفط قد ينطوي على ثلاثة ركائز رئيسية للتغيير في الفترة المقبلة، وهى تبني نموذج جديد للنمو، وتمكين القطاع الخاص، وأخيرًا إعادة تشكيل العقد الاجتماعي، وهى الركائز نفسها التي سعت إلى تنفيذها العديد من الحكومات السابقة، بيد أن محاولاتها لم تحقق نتائج بارزة. 

ويمكن القول إن آفاق الاقتصاد الجزائري ستتوقف على جملة الإصلاحات الهيكلية التي ستقودها الحكومة الجديدة في سبيل تنويع الاقتصاد وإجراء الإصلاحات المالية والنقدية والتجارية اللازمة لدعم النمو الاقتصادي، وبما قد يؤدي، على المدى المتوسط، إلى اقتصاد أكثر ديناميكية. وفي المقابل، يمكن أن يتسبب تباطؤ الإصلاحات في صعوبات أكبر للاقتصاد خلال الفترة القادمة. 

تحديات عديدة:

يأتي تشكيل حكومة جزائرية جديدة برئاسة عبدالمجيد تبون في ظل العديد من التحديات الاقتصادية التي واجهتها البلاد خلال الفترة الماضية، والتي يمكن تناولها على النحو التالي: 

1- تراجع الأداء الاقتصادي: تسبب استمرار تراجع الأسعار العالمية للنفط منذ منتصف عام 2014 في صعوبات اقتصادية ومالية للبلاد. وبحسب البنك الدولي، فقد تحول فائض الموازنة العامة في السنوات الماضية إلى عجز بداية من عام 2014 وليصل إلى ذروته في عام 2015 بنسبة 16.2% من الناتج المحلي الإجمالي، بيد أنه انخفض إلى 12.2% في عام 2016 مع مواصلة الحكومة تنفيذ تدابير عدة لضبط أوضاع المالية العامة في العامين الماضيين. 

وعلى المستوى الكلي أيضًا، ورغم أن معدل النمو الاقتصادي ظل قويًا نسبيًا خلال الأعوام الثلاثة الماضية بنسبة قاربت 3.8%، وذلك بسبب قوة تعافي إنتاج النفط والغاز وزيادة الإنفاق العام، إلا أن وتيرة النمو الاقتصادي لا زالت دون مستوياتها السابقة والتي تعدت 5% في العقد الماضي. كما تبدو آفاق النمو الاقتصادي غير مستقرة في المستقبل، إذ من المتوقع أن يتراجع معدل نمو الاقتصاد في الأمد المتوسط لنسبة تصل إلى 1.2% في المتوسط خلال الفترة من عام 2017 وحتى عام 2019، وذلك في ظل التوقعات القائمة بانحسار نمو إنتاج النفط والغاز في الفترة السابقة.

2- احتجاجات اجتماعية: اندلعت العديد من الاحتجاجات الاجتماعية في الجزائر خلال الأشهر الماضية، في ظل ما اتخذته الحكومة من تدابير تقشفية على غرار زيادة معدلات الضرائب على السلع الاستهلاكية وخفض الدعم المقدم لبعض السلع الاستراتيجية مثل الوقود، بجانب خطط حكومية لكبح التوظيف في الشركات والمؤسسات العامة. 

وفي هذا السياق، شهدت بعض المدن العديد من الاحتجاجات الاجتماعية والإضرابات العمالية وأشدها تأثيرًا الاحتجاجات التي اندلعت في مدينة بجاية بشرق البلاد في يناير 2017، اعتراضًا على ارتفاع أسعار السلع الرئيسية، والتي امتد نطاقها فيما بعد لمدن أخرى مثل البويرة وغيرها بشرق البلاد أيضًا. 

3- تباطؤ التحول الاقتصادي: رغم نوايا الحكومات السابقة في تنويع اقتصاد البلاد، إلا أن قطاع النفط ظل مهيمنًا على الأنشطة الاقتصادية وصادرات البلاد، ولم تنجح في إدارة التحول الاقتصادي اللازم للاتجاه نحو تنمية الصناعات الأخرى. ويعود تأخر عملية التحول، في جزء منه، إلى تباطؤ الإصلاحات الجارية على صعيد تمكين القطاع الخاص وتحسين مناخ الاستثمار. وفي هذا السياق أيضًا، يشار إلى أن الجزائر تحل في مرتبة متأخرة في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال الذي يصدره البنك الدولي، حيث جاءت في المرتبة 156 عالميًا. 

متغيرات مختلفة:

يتوقف نجاح الحكومة الجديدة في التغلب على التحديات السابقة على عدد من العوامل، التي يتمثل أبرزها في:

1- نموذج تنموي جديد: تضع الحكومة الجديدة على قائمة أولوياتها تنويع الاقتصاد بعيدًا عن النفط. وفي هذا الصدد، قال رئيس الوزراء عبدالمجيد تبون، في 26 مايو الجاري: "الأولوية الأخرى التي تفرض نفسها هى التحول الاقتصادي الذي باشره رئيس الحكومة السابق ... وهو تحول اقتصادي ضروري وعاجل حتى لا يبقى وضع الجزائر مرهونًا بتقلبات أسعار المحروقات". 

إلا أن إدارة التحول الاقتصادي تتطلب من الجزائر في البداية إعادة تشكيل نموذج النمو، بحيث يمكن صياغة رؤية اقتصادية جديدة تقوم على تنمية القطاعات الاقتصادية ذات الميزة التنافسية للاقتصاد، مثل السياحة والصناعات التحويلية وخصوصًا السيارات وغيرها، كما تتطلب أيضًا تحرير السياسات المالية والنقدية والتجارية تدريجيًا من أجل تشجيع نشاط القطاع الخاص. 

2- تمكين القطاع الخاص: من دون شك، فإن إجراء التحول الاقتصادي الذي تسعى إليه الجزائر يستوجب  بشكل أساسي تشجيع مساهمة القطاع الخاص في كافة الأنشطة الاقتصادية، وهو ما يعد أمرًا ضروريًا من أجل التخفيف من الأعباء المالية الكبيرة التي تحملتها الحكومة في السنوات الماضية. ولكن يبقى تمكين القطاع الخاص مرهونًا خلال الفترة المقبلة بإجراء مراجعات تشريعية وتنفيذية جوهرية تصب في صالح تشجيع نماذج استثمار الشراكة بين القطاع العام والخاص، وتعديل قانون الاستثمار الذي يضع قيودًا على حرية ممارسة الأعمال في العديد من القطاعات الاقتصادية بالبلاد. 

3- عقد اجتماعي جديد: يتمثل أحد أهم الركائز الأخرى لإجراء التحول الاقتصادي في إعادة النظر في العقد الاجتماعي الذي تبنته الدولة مع المواطنين في السنوات الماضية، والذي اعتمد على تقديم إعانات اجتماعية سخية بالإضافة إلى توفير فرص عمل في المؤسسات العامة. وخلال الفترة من عام 1999 وحتى عام 2012، بلغ مجموع ما قدمته الحكومة من إعانات اجتماعية نحو 156 مليار دولار. 

وفي هذه المرحلة، فإن الحكومة ستضطر، على ما يبدو، إلى توسيع القاعدة الضريبية، بجانب ترشيد الإنفاق الجاري من خلال تقليص الدعم الموجه للسلع والخدمات العامة والاجتماعية. لكن في الوقت نفسه ينبغي الحفاظ على الاستثمار في الصحة والتعليم وشبكات الأمان الاجتماعي.

آفاق مستقبلية:

رغم تباطؤ الإصلاحات الاقتصادية في الجزائر، إلا أن هناك عددًا من المؤشرات الإيجابية التي شهدتها الأشهر الماضية، والتي تكشف عن تحول تدريجي في المسار الاقتصادي، ولا سيما فيما يتعلق بتعزيز مشاركة القطاع الخاص داخل الاقتصاد.

ومن هذه المؤشرات، الصفقة الموقعة بين شركة "سوفاك" الجزائرية و"فولكسفاغن" الألمانية، في نوفمبر 2016، لتشييد مصنع للسيارات في الجزائر، بالإضافة إلى نجاح شركة "سوناطراك" الجزائرية في توقيع اتفاق مع شركة "توتال" الفرنسية، في إبريل 2017، لتسوية خلافاتهما السابقة حول تقاسم الأرباح، وهو ما يظهر مرونة أكبر من جانب الحكومة تجاه القطاع الخاص.

وعلى ما يبدو، فإن الآفاق المستقبلية للاقتصاد الجزائري ستعتمد كثيرًا على جملة الإصلاحات الهيكلية التي ستتخذها الحكومة الحالية لتشجيع القطاع الخاص والمستثمرين الأجانب، والتي ستقود في النهاية إلى تنويع آليات عمل الاقتصاد، وبما يتطلب في الوقت نفسه تمرير هذه الإصلاحات دون مخاطر اجتماعية كبيرة.