أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

تصفية بوتين:

تداعيات محدودة لمحاولة أوكرانيا الفاشلة للهجوم على الكرملين

08 مايو، 2023


أعلنت روسيا، في الساعات الأولى من فجر الأربعاء، الموافق 3 مايو 2023، إسقاط طائرتين مسيّرتين استهدفتا الكرملين أطلقتهما أوكرانيا. ووصف بيان للكرملين هذه العملية بأنها "عمل إرهابي ومحاولة لاغتيال رئيس روسيا الاتحادية". وبالمقابل، نفت الرئاسة الأوكرانية أي علاقة لكييف بالهجوم الذي أعلنت عنه موسكو. 

أبعاد الحادث 

تمكنت القوات الروسية من إسقاط طائرتين مسيرتين كانتا قد استهدفتا مبنى الكرملين، مقر الحكومة الروسية، دون أن يتسبب ذلك في حدوث أي أضرار أو إصابات، ويمكن توضيح أبرز ملابسات الحادث في التالي: 

1- اتهام روسي لأوكرانيا: ألقى الكرملين باللوم على أوكرانيا، ووصف الهجوم المزعوم بطائرتين مسيرتين بأنه "محاولة لاغتيال بوتين"، غير أن المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، أكد أنه لم يكن في المبنى وقت وقوع الهجوم. وطالب الرئيس الروسي السابق، دميتري مديفيديف، والمسؤول الثاني مجلس الأمن الروسي، بالتخلص من الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، وأعوانه في كييف رداً على محاولته اغتيال بوتين.   

وأكد وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، في 5 مايو، أن بلاده سترد بإجراءات على الهجوم على الكرملين، مشدداً على أن "صبرنا محدود"، ومؤكداً أن الهجوم الأوكراني ما كان ليحصل من دون أن تكون واشنطن على علم به. ويعني ما سبق تحميل واشنطن مسؤولية الهجمات المارقة لأوكرانيا، خاصة في ظل وجود ادعاءات أمريكية متواترة بأن كييف لا تنسق معها دوماً، خاصة فيما يتعلق بالهجمات التي تستهدف مناطق حساسة في روسيا، وذلك في محاولة لنفي الاتهام الروسي عنها بأنها طرف مباشر في الصراع. 

2- نفي أوكراني للتورط: نفى زيلينسكي، في 4 مايو، مهاجمته بوتين، أو موسكو، زاعماً أن بلاده لا تمتلك ما يكفي من الأسلحة للقيام بذلك، ومحاولاً الادعاء بأن الاتهام الروسي له يرجع إلى إخفاق موسكو في تحقيق انتصارات عسكرية في أوكرانيا، وذلك على الرغم من تمكن الجيش الروسي من تحقيق انتصارات عسكرية بطيئة على نظيره الأوكراني في عدة مواقع على طول الجبهة، خاصة باخموت، والتي تمكنت روسيا من تطويقها، وباتت تسيطر على ما يزيد على 90% منها، كما أصبحت جميع الطرق المؤدية إليها الآن تحت سيطرة نيران مدفعية الجيش الروسي. 

3- غموض أمريكي: جاء الموقف الأمريكي أكثر حذراً، إذ أكد وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، أنه لا يستطيع إثبات صحة اتهام روسيا بأن أوكرانيا حاولت اغتيال الرئيس الروسي في هجوم بطائرتين مسيرتين، غير أنه أكد، في المقابل، أن واشنطن تتعامل "بحذر كبير مع كل ما يصدر من الكرملين"، في محاولة للتشكيك في صدقية الاتهام الروسي لأوكرانيا، بالإضافة إلى تأكيد جهلها بالحادث، ومن ثم استبعاد تورطها فيه.

دلالات الاعتداء 

يلاحظ أن الاعتداء الذي وقع ضد الكرملين كان ذو طبيعة رمزية، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي: 

1- اعتداء رمزي: يلاحظ أن الهجوم، الذي تم في الساعات الأولى من الصباح كان ذو طبيعة رمزية، إذ أن الطائرتين المسيرتين كانتا تحملان حمولة متفجرة محدودة للغاية، وهو ما يعني أن فرصهما في تصفية الرئيس الروسي كانت شبه معدومة، خاصة وأن الهجوم تم في الساعات الأولى من الصباح، ومن المعروف أن الرئيس بوتين لا ينام في مكتبه في الكرملين، كما أنه تم إسقاط المسيرتين بالقرب من قبة مبنى الشيوخ الروسي، أحد غرفتي البرلمان الروسي. 

ويبدو أن أوكرانيا كانت تسعى من خلال هذا الهجوم إلى تأكيد قدرتها على اختراق أحد أكثر المؤسسات الروسية تأميناً، ومن ثم تجاوز الدفاع الجوي الروسي، وبالتالي التشكيك في فاعليته، غير أنه من الملاحظ أن بعض التحليلات العسكرية المتخصصة أشارت إلى أن الطائرتين المسيرتين كانتا صغيرتي الحجم، ومن ثم فإنه من المستبعد أن يكون قد تم إطلاقها من داخل أوكرانيا، بل على الأرجح، تم تهريبها إلى داخل روسيا، حيث تم إطلاقها بالقرب من موسكو. ومن جهة ثالثة، فإن الهجوم وقع قبل أيام من العرض العسكري الضخم في يوم الاحتفال بالنصر فيما يعرف روسياً بـ "الحرب الوطنية العظمى"، والمقرر له 8 مايو 2023، وبالتالي، قد تكون أوكرانيا سعت لتأكيد قدرتها على استهدف هذا العرض، ومن ثم محاولة الضغط على روسيا لإلغائه. 

2- تورط أوكراني: سعت كييف لنفي الاتهام مع الإيحاء بأن الهجوم الفاشل ما هو إلا عملية روسية كاذبة إما لحشد الرأي العام، أو تصعيد التعبئة العسكرية الروسية ضد أوكرانيا، غير أنه من الملاحظ أن هذا الادعاء لا يتمتع بوجاهة كبيرة، وذلك بالنظر إلى ما يتم الترويج له في مختلف وسائل الإعلام الغربية والأوكرانية بأن موعد الهجوم الأوكراني المضاد قد اقترب، وهو ما يعني أن الجيش الروسي يستطيع تصعيد هجماته ضد أوكرانيا، وتبريرها على أنها تستهدف إحباط مثل هذا الهجوم القادم. 

ومن جهة أخرى، سبق وأن قامت أوكرانيا بعمليات تصفية ضد مواطنين روس لتبنيهم وجهة نظر الكرملين، وذلك على غرار تصفية داريا دوغين، ابنة المفكر الروسي القومي، ألكسندر دوغين، في أغسطس 2022، وهو الهجوم الذي كشفت واشنطن أن المخابرات الأوكرانية نفذته من دون علمها. كما قامت أوكرانيا باغتيال المدون العسكري الروسي، فلادلين تتارسكي، والمقاتل السابق في جيش الانفصاليين الأوكرانيين، في مقهى في سان بطرسبرغ. ويلاحظ أن أوكرانيا كانت تنفي مثل هذه الاتهامات عنها. 

وأكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيير، في 4 مايو 2023، أن الولايات المتحدة لا تشجع أوكرانيا على شن ضربات خارج حدودها، وهو ما يعني ضمناً إقراراً أمريكياً بتورط أوكرانيا في الهجوم الأخير. 

3- التغطية على الانكسارات الأوكرانية: بات من الواضح أن أوكرانيا بصدد خسارة مدينة باخموت الاستراتيجية، والتي استماتت في الدفاع عنها، وذلك على الرغم من تكبد الجيش الأوكراني لخسائر فادحة، وهو ما يرجع في جانب منه إلى أن تمكن موسكو من السيطرة عليها سوف يمكنها من السيطرة على مدن رئيسية أخرى في إقليم دونيتسك، وهو ما يعني مضي روسيا تدريجياً في تحقيق أهدافها العسكرية في أوكرانيا.

كما أن مثل هذا الانتصار سوف يجيء في ظل تصريحات لوزير الدفاع الأوكراني، أليكسي ريزنيكوف، أكد فيها أن هناك تضخيماً في تقدير سقف التوقعات من الهجوم الأوكراني المضاد ضد الجيش الروسي، والذي تأمل من خلاله الدول الغربية في أن تحقق كييف انتصارات حاسمة ضد روسيا، وتتمكن من استرداد مناطق واسعة لسيطرتها، بل ويعتبر محللون غربيون أن أي إخفاق أوكراني في هذا الهجوم سوف يدفع الدول الداعمة لأوكرانيا لمراجعة دعمها لها، بل وسيكون الخيار البديل أمام أوكرانيا هو التسوية السياسية مع روسيا، والتي ستعني تقديم تنازلات مذلة لكييف. 

وعلى الجانب الآخر، فإن نتائج هذه المعركة لن تكون قاصرة على أوكرانيا وحدها، بل ستمتد إلى الداخل الأمريكي، خاصة في ظل الاستعداد المبكر للانتخابات الرئاسية، التي ستجري العام المقبل، بين الجمهوريين والديمقراطيين، وتململ الجمهوريين من دعم بايدن لأوكرانيا، والمطالبة بخفضه. 

وعلى الرغم من أن تصريحات وزير الدفاع الأوكراني يجب التعامل معها بحذر شديد، لأنها قد تأتي في إطار التضليل الإعلامي الأوكراني ضد الكرملين، في محاولة من كييف إخفاء استعداداتها لشن هجوم مضاد ضد روسيا، فإنه من المؤكد أن المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس الروسي سوف تمثل تغطية لخسارة أوكرانيا المتوقعة لمدينة باخموت الاستراتيجية. 

4- انتقام روسي: يلاحظ أن تهديدات أغلب المسؤولين الروس جاءت عامة، عدا مديفيديف، الذي دعا إلى تصفية زيلينسكي. وفي المقابل، تمثلت أغلب ردود الفعل الانتقامية الروسية ضد أوكرانيا في تكثيف الاستهداف الروسي لمواقع حيوية داخل أوكرانيا. 

وشهدت أوكرانيا يومي، 7 و8 مايو 2023، ضربات صاروخية، فقد استهدفت ضربات 7 مايو مدن خاركيف وخيرسون وميكولايف وأوديسا وسومي. وألحقت الضربات ضد كييف أضراراً بمستودع وقود وبنية تحتية في المدينة. وفي 8 مايو، نفذ الجيش الأوكراني هجمات واسعة، استهدفت كذلك أوديسا وخيرسون وكييف، وشهدت الأخيرة أكبر هجوم بالطائرات المسيرة منذ اندلاع الحرب الروسية ضد أوكرانيا في فبراير 2022. وليس من الواضح بعد ما إذا كانت هذه الهجمات جاءت انتقاماً من محاولة استهداف بوتين، أم أنها تأتي في إطار استعدادات روسيا لاحتفالات يوم النصر، أم لتحقيق أهداف عسكرية غير معلنة.

وفي الختام، يمكن القول إن أوكرانيا سعت من خلال إرسال طائرتين مسيرتين إلى الكرملين إلى تحقيق انتصار معنوي ضد موسكو، إذ أن فرص تصفية الرئيس الروسي كانت شبه معدومة. وكان من الواضح أن أوكرانيا تسعى لتوظيف الهجوم إعلامياً لتأكيد قدرتها في الوصول إلى قلب موسكو، وتهديد الاستعدادات العسكرية الروسية ليوم النصر في 8 مايو، غير أنه في المقابل، اتجه الكرملين للرد على ذلك من خلال توجيه ضربات مكثفة ضد أوكرانيا، من دون أن يعني ذلك أن موسكو سوف تكتفي برد الفعل هذا بالضرورة.