أجرى وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في 29 مارس 2023، زيارة إلى العاصمة الروسية، موسكو، على رأس وفد يضم مسؤولين من وزارة الخارجية ونائباً برلمانياً، التقى خلالها نظيره الروسي، سيرجي لافروف، وبحث معه سُبُل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين والقضايا ذات الاهتمام المُشترك.
أهداف الزيارة
سعت طهران من جراء تلك الزيارة إلى تحقيق عدد من الأهداف، يمكن استعراض أبرزها على النحو التالي:
1- بحث المفاوضات النووية: سعت إيران، من خلال تلك الزيارة، إلى بحث جهود إحياء الاتفاق النووي، إذ أكد عبد اللهيان، لدى وصوله موسكو، على أن نافذة المفاوضات لا تزال مفتوحة، محذراً من إنها لن تظل كذلك للأبد، ومشيراً إلى خطة ينوي البرلمان الإيراني مناقشتها لتحديد سقف المفاوضات النووية، كما أبدى لافروف تأييده لعودة الأطراف للاتفاق النووي ومعارضته العقوبات المفروضة على إيران.
ويتزامن ذلك مع زيارة قام بها كبير المفاوضين الإيرانيين في المباحثات النووية علي باقري كني، في 23 مارس 2023 إلى العاصمة النرويجية أوسلو، حيث التقى مديرين سياسيين من الدول الأوروبية الثلاث المُشاركة في المفاوضات النووية مع إيران (ألمانيا وبريطانيا وفرنسا).
وعلى الرغم من تضارب الروايات الإيرانية والغربية بشأن ما إذا كان اللقاء قد تضمن مناقشة المفاوضات النووية أم لا، فإن اللقاء ذاته يؤشر إلى رغبة من جانب طهران في حلحلة جمود المفاوضات مع الغرب، مُستغلة في ذلك التفاهمات التي توصلت إليها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتي تسمح بزيادة عمليات التفتيش على مواقع نووية إيرانية، بعد الكشف عن تخصيبها اليورانيوم بمستويات شبة عسكرية في فبراير 2023.
ويلاحظ أن تلك المساعي مشكوك في نجاحها، وذلك بالنظر إلى استمرار موقف طهران المتعنت، إذ رفضت، في السابق، المسودة التي تقدم بها الوسيط الأوروبي في المفاوضات في أغسطس الماضي، وتمسكت بشروط ترى واشنطن والأطراف الأوروبية صعوبة تحقيقها، ما أدى إلى توقف المفاوضات منذ سبتمبر 2022.
2- محاولة إتمام التعاون الاستراتيجي: هدفت طهران من الزيارة إلى حث الجانب الروسي على الانتهاء من توقيع اتفاق التعاون الاستراتيجي طويل الأمد والممتد لـ20 عاماً، حيث أشار عبد اللهيان إلى الوصول إلى المراحل النهائية من المباحثات حول الاتفاق، داعياً نظيره الروسي إلى زيارة طهران قريباً بهدف التوقيع على الوثيقة النهائية.
ومن جهة أخرى، بحث الجانبان مجالات التعاون الاقتصادي والتجاري، وأشار عبد اللهيان إلى أن حجم التبادل التجاري بينهما قد ارتفع ثلاثة أضعاف ونصف خلال العام ونصف الماضي، حيث أشارت مصادر إيرانية إلى إنه وصل إلى 4.9 مليار دولار في العام 2022. كما ناقش الجانبان مستجدات ممر "شمال – جنوب" الدولي، وهو الممر الذي تعوّل عليه روسيا لإيجاد ممر جديد لتصدير منتجاتها إلى جنوب آسيا، هذا إلى جانب تأكيد الجانبين ضرورة تسريع استكمال الإجراءات اللازمة لانضمام إيران إلى منظمة شانغهاي للتعاون، والتي وقعت على مذكرة انضمامها لها في سبتمبر 2022.
3- مناقشة القضايا الإقليمية: حاولت إيران استغلال الزيارة لتأكيد انخراطها في ترتيبات التقريب بين تركيا وسوريا، والذي يجرى برعاية روسية، إذ تم استبعاد طهران من هذه المحاولات سابقاً، إلى أن وافقت روسيا وتركيا على إشراكها فيها.
وفي هذا السياق، أعلن عبد اللهيان أن اجتماعاً يضم نواب وزراء خارجية سوريا وتركيا وإيران وروسيا سيعقد خلال الأسبوع المقبل، وأشارت المصادر التركية إلى أن الاجتماع سيعقد بين 3 و4 إبريل 2023 في موسكو. وكان هذا الاجتماع قد تأجل منذ منتصف مارس الجاري، على خلفية تمسك دمشق بأن يكون هناك اتفاق واضح حول انسحاب القوات التركية من مناطق الشمال السوري.
وبالإضافة لذلك، تسعى طهران إلى استغلال نفوذ روسيا في منطقة القوقاز من أجل الدفع بالتهدئة بين أذربيجان وأرمينيا، خاصة مع تجدد التوتر بينهما أخيراً حول ممر لاتشين الذي يربط أرمينيا بمرتفعات ناغورني قره باغ والواقعة داخل حدود أذربيجان. وأبدى وزير الخارجية الإيراني رفضه لأي تغيير في الجغرافيا السياسية لمنطقة القوقاز، داعياً إلى التهدئة بين الطرفين الأذربيجاني والأرميني.
وتتخوف طهران من أن تمارس أذربيجان ضغوطاً على أرمينيا للموافقة على إقامة ممر زانجيزور الحدودي مع إيران، ومن ثم عزل الأخيرة عن أرمينيا.
4- استبعاد توقيع صفقات عسكرية: أشارت المصادر الإيرانية إلى أن الزيارة التي أجراها عبد اللهيان إلى روسيا تأتي في إطار تأكيد التعاون العسكري بين الجانبين، والذي أخذ منحى تصاعدياً منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية، على خلفية إمداد طهران لموسكو الطائرات المسيرة، فضلاً عمّا أشارت إليه تلك المصادر من إبرام اتفاق مع الجانب الروسي بشأن الحصول على مقاتلات من طراز "سوخوي – 35".
وكان من المفترض، وفقاً لوسائل الإعلام الإيرانية، تسليم أول دفعة منها بنهاية مارس 2023، وهو ما لم يتم، كما أنه بمراجعة الوفد المرافق لعبد اللهيان، يلاحظ أنه يخلو من أي مسؤولين عسكريين، حيث اقتصر الوفد على المتحدث باسم وزارة الخارجية ناصر كنعاني، ونائب وزير الخارجية لشؤون الدبلوماسية الاقتصادية مهدي صفري، وعدد من مديري الوزارة، والممثل الخاص لرئيس الجمهورية والقائم بأعمال السفارة الإيرانية في أفغانستان، حسن كاظمي قمي، وعضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بمجلس الشورى، علي علي زادة، فضلاً عن عدم ذكر أي من الوزيرين في المؤتمر الصحفي الذي جمعهما ما يخص تلك الصفقة.
ومن جهة أخرى، زعمت تقارير أمريكية بأن روسيا تساعد إيران في اكتساب قدرات مراقبة رقمية متقدمة، تسمح لها باختراق الأنظمة والهواتف، وذلك بعد أن كانت موسكو ترفض من قبل مشاركة تلك القدرات في الماضي.
انعكاسات ممتدة
تُشير تلك الزيارة إلى عدد من الدلالات، يمكن استعراضها على النحو التالي:
1- مواجهة الضغوط الغربية: تسعى طهران من تلك الزيارة إلى إيصال رسالة إلى واشنطن والغرب مفادها أن تعاونها مع روسيا مستمر، رغم تزايد الانتقادات الغربية الموجهة لهذا التعاون في الوقت الذي يتصاعد فيه التوتر بين الغرب وروسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية.
وفي هذا السياق، أكد عبد اللهيان في المؤتمر الصحفي الذي جمعه بنظيره الروسي، أن رد إيران على الطرف الأمريكي في سوريا كان حازماً وواضحاً، في إشارة إلى الهجمات التي شنتها المليشيات الموالية لإيران ضد القاعدة الأمريكية في شمال شرق سوريا، في 24 مارس 2023، رداً على القصف الأمريكي لمنشأتيْن تابعتيْن للحرس الثوري، بالقرب من محافظة دير الزور بشرق سوريا، وهو القصف الذي أتى على خلفية هجوم بطائرة مسيرة نفذتها مليشيات إيران على قاعدة التحالف الدولي قرب الحسكة، وأسفرت عن مقتل متعاقد أمريكي وإصابة ستة آخرين، إلا إنه سعى للتقليل من تأثير الهجمات، بالتأكيد أن طهران لا تسعى للمواجهة مع الولايات المتحدة.
2- تأكيد دور وزارة الخارجية: تأتي تلك الزيارة في وقت تتزايد فيه الضغوط على وزارة الخارجية الإيرانية وعبد اللهيان نفسه، سواءً بسبب الانتقادات الموجهة له في طريقته في التعاطي مع المفاوضات النووية، أو المشككين في مؤهلات عبد اللهيان في قيادة الجهاز الدبلوماسي الإيراني، ولاسيما بعد صعود نجم أمين عام مجلس الأمن القومي، علي شمخاني، بعد توقيعه اتفاقاً مع الجانب السعودي، في 10 مارس بالعاصمة الصينية بكين، يقضي باستعادة العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين، والتوصل لتفاهمات مع أبوظبي وبغداد. هذا إلى جانب قيام رئيس لجنة العلاقات الاستراتيجية، كمال خرازي، بزيارة إلى دمشق ولبنان، دون وجود عبد اللهيان كذلك.
كما يُعزز ذلك، ما كشفت عنه مصادر سياسية ودبلوماسية إيرانية، من توجيه المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، نائب وزير الخارجية الإيراني ورئيس الفريق المفاوض الإيراني السابق في عهد حكومة الرئيس الإيراني السابق، حسن روحاني، عباس عراقجي، بالتوجه إلى أوسلو، وإجراء لقاء مع ممثلين عن ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، للتمهيد لحلحة تعثر المفاوضات النووية، وفي حال صحة تلك المزاعم، فإنها تؤشر إلى استبعاد فريق المفاوضات الحالي، والذي يرأسه علي باقري كني، من المفاوضات، في حال عودتها.
وفي التقدير، يمكن القول إن الزيارة تأتي في إطار التعاون البراغماتي بين إيران وروسيا، وهو التعاون الذي تسعى إيران للترويج له على أنه تحالف بين الجانبين، مستغلة في ذلك التوتر الروسي مع الغرب على خلفية الأزمة الأوكرانية، إلا أن الواقع يُشير إلى عكس ذلك، إذ أن روسيا لم توقع على الاتفاق الاستراتيجي مع إيران، حتى الآن، كما لا توجد أي مؤشرات على استلام إيران مقاتلات "سو – 35"، هذا إلى جانب استمرار التنسيق الروسي مع الجانب الإسرائيلي في سوريا، وهو ما يبدو في تكرار القصف الإسرائيلي على مواقع تابعة لمليشيات إيران في سوريا. كما أنه من غير الوارد أن تقوم روسيا بدور في حلحلة جمود المفاوضات النووية، في ضوء تصاعد الخلاف مع الغرب، من جهة، ومن جهة أخرى فإن موسكو لا ترغب في أن تتوصل إيران لاتفاق مع الغرب، يجعل موسكو تقف منفردة في مواجهة الضغوط الغربية ضدها.