أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

صراع متجدد:

هل ستدفع الأوضاع المتأزمة بين كوسوفو وصربيا نحو حرب جديدة؟

04 يناير، 2023


أمر الرئيس الصربي، ألكسندر فوتشيتش، يوم 25 ديسمبر 2022، الجنرال ميلان مويسيلوفيتش، قائد القوات الصربية، بالتوجه إلى الحدود مع كوسوفو، في موازاة إعلان وزير الدفاع، ميلوس فوسيفيتش، يوم 26 ديسمبر 2022، بأن الجيش الصربي في حالة تأهب قصوى، مضيفاً أن الرئيس ألكسندر أمر أيضاً بتعزيز القوات المسلحة الخاصة من 1500 إلى 5 آلاف. ورداً على هذا، قامت الشرطة الكوسوفية بإغلاق معبر ميردار، أكبر معبر حدودي مع الجارة الصربية في 28 ديسمبر 2022.

تفسيرات متعددة:

يمكن تفسير التوترات الراهنة بين صربيا وكوسوفو في ضوء مجموعة من العوامل، على النحو التالي:

1- تجدد الصراع القديم: يعد التوتر الراهن امتداداً للنزاع التاريخي بين صربيا وكوسوفو، والتي كانت إقليماً صربياً يتمتع بالحكم الذاتي، وتسكنه أغلبية ألبانية مسلمة، ولكن بعد انهيار يوغسلافيا، أراد السكان الحصول على الاستقلال، فردت صربيا بشن حرب دموية خلال عامي 1998 و1999، انتهت بتدخل الناتو، ثم أعلنت كوسوفو استقلالها عن صربيا عام 2008، غير أن بلجراد ترفض الاعتراف بها، بل وتحض 120 ألف صربي يعيشون في كوسوفو، خاصة في الشمال حيث يشكل الصرب الأغلبية، على تحدي سلطات بريشتينا والمطالبة بإنشاء منطقة خاصة بهم تتمتع بالحكم الذاتي وتكون شبه مستقلة عن كوسوفو.

وازداد التوتر بين بلجراد وبريشتينا في 31 أكتوبر 2022، حينما أصدر البرلمان الكوسوفي قانوناً يمنع استخدام لوحات أجنبية للسيارات، ويلزم جميع السكان بوضع لوحات سيارات معتمدة من الحكومة في بريشتينا، وأعطى مهلة حتى 21 نوفمبر 2022 لتنفيذ القرار، لكن الصرب رفضوا القانون، وقاموا بإجراءات تصعيدية، وقدموا استقالات جماعية من كل الوظائف العامة، فضلاً عن إعلان رجال الشرطة من الصرب العصيان المدني، وقيامهم بخلع زيهم الرسمي بحضور الصحفيين وأمام الكاميرات، وهو ما أدى لتعليق تنفيذ القرار من قبل بريشتينا. ومع ذلك استمر إضراب الموظفين ورجال الشرطة الصرب ما أحدث فراغاً أمنياً في كوسوفو.

وتجددت التوترات من جديد مرة أخرى يوم 10 ديسمبر 2022، عندما قام المئات من الصرب بإغلاق الطرق في مناطق شمال كوسوفو، احتجاجاً على اعتقال شرطي سابق يشتبه في تورطه في هجمات ضد ضباط شرطة من ألبان كوسوفو، مما تسبب بشل حركة المرور عند معبرين حدوديين.

وازداد التوتر بصورة أكبر عندما حددت كوسوفو 18 ديسمبر 2022 كموعد لإجراء انتخابات في بلديات ذات غالبية الصربية، ولكن الحزب السياسي الصربي الرئيسي أعلن مقاطعته، مما أجبر السلطات في كوسوفو على تأجيل الانتخابات إلى إبريل 2023.

2- فتح جبهة نزاع جديدة: ربط عدد من الخبراء تجدد التوترات بين صربيا وكوسوفو بالحرب الروسية – الأوكرانية، إذ إن هناك مزاعم ترى أن موسكو تسعى لتأجيج الأوضاع عبر دعم صربيا لإيجاد بؤرة جديدة للتوتر ضد الغرب في منطقة البلقان، وذلك لتخفيف الضغط عليها في أزمة أوكرانيا، خاصة أن لدى كل من روسيا والدول الغربية نفوذ في البلقان، إذ إن صربيا تحظى بدعم موسكو، في حين أن كوسوفو تحظى بدعم غربي.

فقد دعم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، صربيا، إذ لا يعترف باستقلال كوسوفو، كما يتهم الغرب بـازدواجية المعايير، وذلك نظراً لاعترافهم باستقلال بريشتينا ورفضهم استقلال الدونباس من أوكرانيا، وهو ما يلقى استحساناً كبيراً لدى الشارع الصربي، خاصة لدى المتطرفين القوميين الصرب، الذين احتفوا بالهجوم الروسي على أوكرانيا حيث خرجت مسيرات داعمة لبوتين هاتفةً بالنصر لـروسيا الأم، كما قاومت صربيا العقوبات الغربية ضد روسيا، إذ أبرم الصرب في مايو 2022 على عقد لاستيراد الغاز من روسيا لمدة ثلاث سنوات.

وخلال التوتر الأخير، دعمت روسيا بلجراد، إذ أكد المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أن بلاده "لديها علاقات وثيقة جداً مع صربيا كحليفين، تاريخية وروحية"، موضحاً أن موسكو تتابع "بانتباه شديد ما يحصل في كوسوفو وكيفية ضمان حقوق الصرب" في الإقليم الصربي السابق، مضيفاً أن بلاده تدعم بلجراد في الخطوات التي تتخذها في إشارة إلى إعلان تأهب الجيش الصربي.

ويمكن القول إنه من المبالغ فيه القول إن روسيا تسببت في التصعيد الأخير، والذي يرتبط بشكل أساسي بصراع تاريخي بين البلدين، وبدأ في 31 أكتوبر 2022، حين أصدر البرلمان الكوسوفي قانوناً يمنع استخدام لوحات صربية للسيارات، ويلزم جميع السكان بوضع لوحات سيارات معتمدة من الحكومة في بريشتينا، وأعطى مهلة حتى 21 نوفمبر الماضي لتنفيذ القرار، وهو ما ساهم في تصاعد التوتر، إذ ترغب كوسوفو في تأكيد سيادتها على شمال البلاد، وفك الارتباط بين الأقلية الصربية القاطنة هناك وبين بلجراد. كما أنه من الواضح أن موسكو على استعداد لرعاية تسوية سلمية بين الجانبين، إذا ما وجد قبول غربي بدورها، وهو أمر مستبعد تماماً في الوقت الحالي. 

3- فشل مساعي الاتحاد الأوروبي: فشلت مساعي الاتحاد الأوروبي على مدار السنوات الماضية في تسوية الصراع بين البلدين، بدايةً من عدم قدرته على الضغط على صربيا، المرشحة لعضوية الاتحاد، للاعتراف بكوسوفو، مروراً بانعدام ثقة المسؤولين في كوسوفو بالاتحاد الأوروبي، نظراً لعدم اعترافه بها كدولة مستقلة، كما أن هناك دول أعضاء في الاتحاد ترفض ذلك، مثل قبرص واليونان ورومانيا وسلوفاكيا، وكذلك إسبانيا التي تخشى أن يمهد اعترافها باستقلال المقاطعة الصربية السابقة للاعتراف باستقلال مقاطعة كتالونيا.

أضف إلى ذلك، تردد الاتحاد الأوروبي في رفع متطلبات التأشيرة عن مواطني كوسوفو لدخول منطقة "شنجن"، وذلك في حين أن جميع البلدان الأخرى في غرب البلقان ومن ضمنها صربيا تدخل الاتحاد بلا تأشيرة، وهو ما يزيد شعور سكان كوسوفو بالاستبعاد. ولكن في المقابل، بدأ الاتحاد الأوروبي يعدل عن سياسته تلك، حين أعلن في 6 ديسمبر 2022، حين عقد الاتحاد الأوروبي اجتماع قمة في ألبانيا، اعتماد إعلان تيرانا الذي يدعم تطلعات دول غرب البلقان للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وساوى إعلان تيرانا بين كوسوفو الانفصالية وصربيا، حيث ذكر أن كلتا الدولتين تقفان على المسار الأوروبي، وهو ما أثار غضب صربيا، والتي لاتزال ترفض أن تعترف رسمياً بانفصال كوسوفو عنها.

4- استدراج أمريكي لموسكو: أشارت بعض التحليلات إلى أن التوترات الراهنة ما هي إلا أحد أنواع وآليات الاستدراج الغربي والأمريكي للجانب الروسي في صربيا، وفتح جبهات جديدة تشتت القوات الروسية عبر الضغط على أحد أهم حلفائها في المنطقة، وهي صربيا، ومن ثم إظهار روسيا كدولة عاجزة عن حماية حلفائها، وذلك من خلال دفع حكومة بريشتينا لاستفزاز الأقلية الصربية ببعض القوانين والإجراءات، وهو ما يتطلب رداً من جانب صربيا وحليفتها روسيا، وفي حالة تخلف موسكو عن تقديم الدعم، فإن صربيا قد تعيد النظر في علاقاتها بموسكو، أو على الأقل إدراك أن الاعتماد عليها وحدها سوف تكون تكلفته مرتفعة على مصالحها، وهو ما يصب في النهاية في صالح الغرب الراغب في تأكيد نجاح جهوده لعزل موسكو عالمياً، وإفقادها قدرتها على الحركة في الساحة الدولية. 

فرص اندلاع حرب: 

أعاد هذا التوتر المتصاعد بين الجارتين أجواء الحرب الدامية التي وقعت قبل عقدين، وسط قلق وترقب من نشوب مواجهة جديدة، غير أنه يمكن القول إن هناك عدداً من العوامل التي تحد من فرص اندلاع حرب، وذلك على النحو التالي: 

1- تحاشي الدول الداعمة التصعيد: يلاحظ أن اندلاع حرب بين صربيا وكوسوفو يظل أمراً مستبعداً، نظراً لأنه ليس من مصلحة الدول الأوروبية اندلاع حرب جديدة في البلقان، إلى جانب الحرب الروسية – الأوكرانية، خاصة في ظل تورط أغلب الدول الأوروبية في دعم أوكرانيا عسكرياً، وبروز تحديات أمام مواصلة إمداد أوكرانيا بالذخيرة والأسلحة، بسبب نفاذ بعض المخزونات الغربية من السلاح، وهو ما يجعل الدول الغربية أكثر حذراً في فتح جبهة جديدة. وينطبق الأمر ذاته على روسيا، والتي تريد أن تركز كل مجهودها العسكري على السيطرة على إقليم الدونباس بالكامل، وطرد القوات الأوكرانية منه، وذلك على أساس أن ذلك يمثل أحد أهم أهداف عملياتها العسكرية في أوكرانيا. 

2- ارتفاع تكلفة الحرب على صربيا وكوسوفو: لا يبدو أن كل من صربيا وكوسوفو على استعداد لدفع تكلفة الحرب. فمن ناحية تسعى كوسوفو لبناء نفسها، وتنمية اقتصادها في ظل ندرة الموارد وضعف الهيكل الإداري بالدولة. أما صربيا، فإنها تتطلع إلى الانضمام للاتحاد الأوروبي؛ فاقتصادها ما زال منهكاً بسبب الحروب التي خاضتها أواخر القرن الماضي، ونتيجة للظروف العالمية المحيطة، ناهيك عن أن أي تدخل عسكري صربي صريح في كوسوفو سيعني صداماً مع قوات حفظ السلام التابعة لحلف شمال الأطلسي هناك، ولذا من غير المرجح أن تتحرك صربيا عسكرياً في كوسوفو. 

3- تأجيل صربيا الحسم: يلاحظ أن التصعيد العسكري الصربي تهدف من خلاله بلجراد إلى دفع الدول الغربية للضغط على كوسوفو من أجل التراجع عن إجراءاتها تجاه شمال كوسوفو، وتعطيل مسار انضمام الأخيرة إلى الاتحاد الأوروبي.  

فعلى الرغم من تأكيد الرئيس الصربي، ألكسندر فوتشيتش، استعداد جيش بلاده لحماية الأقلية الصربية في كوسوفو، واتهام رئيسة وزرائه، آنا برنابيتش، لنظيرها الكوسوفي، ألبين كورتي، بوضع المنطقة على حافة حرب أخرى، فإن بلجراد تدرك جيداً أنه ليس هناك حل عسكري للأزمة، فقد كشف رئيس صربيا، ألكسندر فوتشيتش، في 8 يناير 2023، أن قوات حفظ السلام بقيادة حلف شمال الأطلسي (ناتو) في كوسوفو، والبالغ عددها 4 آلاف جندي، رفضت طلب بلاده السماح لقواتها الأمنية بالعودة إلى الإقليم الانفصالي مع تصاعد التوتر بين الجانبين، كما طالب رئيس وزراء كوسوفو، ألبين كورتي، من قوات حفظ السلام التابعة لحلف الناتو فتح الطرق أمام قوات الأمن الكوسوفية، وهو ما لم يستجيب له الناتو كذلك. 

وفي الختام، يمكن القول إنه على الرغم من التلويح بالتصعيد العسكري من جانب صربيا ضد كوسوفو، فإن مثل هذا السيناريو يظل غير مرجح بدرجة كبيرة، بسبب كلفته المرتفعة على البلدين، فضلاً عن أن هدف صربيا من التلويح بالتصعيد هو تجميد الوضع القائم مع كوسوفو، وتعطيل انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي قبل أن يتم حلحلة القضايا الخلافية بين الجانبين، والتي أخفقت الجهود السابقة كافة في حلحلتها منذ العام 2013. وأخيراً يلاحظ تحاشي الداعمين الدوليين لطرفي الصراع خروج التوتر بينهما عن السيطرة، نظراً لانعكاس ذلك سلباً على تركيزهما على الحرب الروسية – الأوكرانية.