يبدي رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي اهتماماً خاصاً بتطوير العلاقات مع إقليم كردستان، حيث قام بزيارة الإقليم في 12 سبتمبر الجاري، وهو ما يسعى من خلاله إلى رفع مستوى التعاون بين الطرفين في مواجهة خلايا تنظيم "داعش"، والعمل على تبني سياسة جديدة لتنمية الموارد المالية العراقية، فضلاً عن تعزيز الجهود التي تبذل لإجراء الانتخابات المبكرة. ومع ذلك، فإن ثمة عقبات عديدة لا يمكن تجاهلها في هذا السياق، يتمثل أهمها في غياب الاتفاق الواضح الذي يقدم حلاً نهائياً للملفات العالقة، والانتقادات الشيعية لجدوى الحوارات.
أهداف عديدة:
سعى الكاظمي إلى تحقيق جملة من الأهداف من خلال زيارته لإقليم كردستان، ويتمثل أبرزها في:
1- تعزيز مساعي حل الخلافات العالقة مع الإقليم: أشار الكاظمي، في 10 سبتمبر الجاري بحسب بيان للحكومة العراقية، إلى أن زيارته للإقليم دلالة على الاستعداد لحل المشاكل العالقة، موضحاً أن نجاح أى جزء من العراق هو نجاح للبلاد بأسرها. وأكد الكاظمي أن زيارته للإقليم تأتي في إطار بذل الجهود للتكامل ما بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم في جميع المجالات. كما شدد الكاظمي ونيجيرفان بارزاني خلال لقائهما على أهمية اعتماد الحوار المتبادل والدستور كخيمة جامعة لحل كل الملفات.
جدير بالذكر أن زيارة الكاظمي للإقليم جاءت في أعقاب مباحثات اختتمها وفد حكومة إقليم كردستان برئاسة نائب رئيس الوزراء قوباد طالباني، في 9 سبتمبر الجاري، مع الحكومة الاتحادية. وكشف قوباد طالباني خلالها عن استعداد إقليم كردستان للاتفاق مع الحكومة الاتحادية على مسألة عائدات النفط والمنافذ الحدودية والعائدات غير النفطية.
2- دعم جهود إجراء الانتخابات المبكرة: كان ملف إجراء الانتخابات المبكرة أبرز الملفات الحاضرة خلال مباحثات الكاظمي مع المسئولين الأكراد. جدير بالذكر أن هذا الهدف لا ينفصل عن المسعى الحالي من جانب الكاظمي والرئيس العراقي برهم صالح لتشكيل قائمة مشتركة استعداداً لخوض الانتخابات التشريعية المبكرة، وذلك بحسب ما أشارت تقارير عديدة في 11 أغسطس الفائت.
3- تطوير مستوى التعاون بين الجيش العراقي والبيشمركة ضد "داعش": ركزت مباحثات الكاظمي مع المسئولين الأكراد على رفع مستوى التنسيق ضد تنظيم "داعش". ويبدو في هذا الإطار أن الكاظمي حاول البناء على التعاون النادر، والذي تحقق مؤخراً بين الجيش العراقي والبيشمركة في المناطق المتنازع عليها، خاصةً بعد اتفاق الجانبين على إنشاء مراكز تنسيق مشتركة في هذه المناطق، واللقاءات الحالية المكثفة بين الجانبين لبحث كيفية تعزيز الأمن في تلك المناطق. وتتمثل أهمية هذا التعاون في كونه الأول من نوعه منذ تمكن الجيش العراقي في أكتوبر 2018 من استعادة السيطرة على الجزء الأكبر من المناطق المتنازع عليها بعد سيطرة البيشمركة عليها في عام 2014 إثر تقدم تنظيم "داعش" في البلاد.
4- تنمية الموارد المالية للعراق عبر المعابر الحدودية لإقليم كردستان: ففي مبادرة هى الأولى لرئيس وزراء عراقي، تفقد الكاظمي خلال الزيارة منفذ إبراهيم الخليل الحدودي مع تركيا في قضاء زاخو بمحافظة دهوك واطلع على سير العمل والإجراءات الجمركية والضريبية وآلياتها المتبعة فيه، وتفقد كذلك منفذ باشماخ في محافظة السليمانية. ويأتي ذلك اتساقاً مع إدراك الكاظمي بأن المنافذ الحدودية في عموم العراق يمكن أن تُدر أموالاً طائلة لخزينة الدولة حال تمت السيطرة عليها والتخلص من الفساد المستشري بداخلها.
عقبات مختلفة:
من الملاحظ أن ثمة تقدماً إيجابياً مبدئياً في المفاوضات المكثفة التي تجريها بغداد وأربيل. ورغم ذلك يعترض مسار تطوير العلاقات بين بغداد وأربيل بعض التحديات، التي يمكن تناولها على النحو التالي:
1- غياب اتفاق واضح يقدم حلاً نهائياً للملفات العالقة: رغم جولات التفاوض المكثفة التي جرت بين بغداد وأربيل على مدار الأشهر الأربعة الماضية، إلا أنه لم يتم حتى الآن توقيع اتفاق نهائي يحسم الملفات الخلافية بين الجانبين، وهو تحدٍ يراه البعض مماطلة من الجانبين ودليل على استمرار أزمة الثقة بينهما. وعلى سبيل المثال، ورغم الزخم الكبير الذي أُحيط بزيارة الكاظمي للإقليم وكثافة الملفات التي تم بحثها خلالها، إلا أن البيان الختامي للزيارة لم يشر إلى أى اختراق يُذكر في ملفات عوائد النفط والمنافذ الحدودية والرواتب، واكتفى البيان بالحديث عن المزيد من التنسيق والتشاور وتوحيد المواقف.
2-الانتقادات الشيعية لجدوى الحوارات المكثفة بين بغداد وأربيل: تصاعدت في الفترة الأخيرة الانتقادات الشيعية للحكومة العراقية بسبب أسلوبها في التعامل مع إقليم كردستان. فعلى سبيل المثال، ترى ميليشيا "عصائب أهل الحق" أن حكومة الاقليم تتعامل مع حكومة بغداد كند لها، وأن القوانين التي تُشرَّع في بغداد لا تُطبق في الإقليم. كما سبق وعبر تحالف "الفتح" عن استياءه من الزيارات المتبادلة بين الحكومة الاتحادية والإقليم لرؤيته أنه لا توجد إجراءات حقيقية بين حكومتى بغداد وأربيل لحل الخلافات العالقة، وأن هذه الزيارات تأتي ضمن الاتفاقات الروتينية الصورية.
3- قضية المناطق المتنازع عليها: ستظل تشكل المناطق المتنازع عليها أحد أبرز الملفات التي تعرقل أى حوار حقيقي بين بغداد وأربيل، خاصة مع رفض بغداد تسليم تلك المناطق مجدداً لقوات البيشمركة، باستثناء السماح المؤقت لتلك القوات بالتعاون داخل هذه المناطق مع الجيش العراقي للتصدي لنشاط تنظيم "داعش". وستلتزم بغداد بموقفها بضرورة ثبات قوات البيشمركة عند الخط الأزرق والذي يشير إلى المناطق التي كان يسيطر عليها الأكراد حتى الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
ختاماً، من الواضح أنه رغم النوايا الإيجابية والرغبة الفعلية من جانب الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان في حسم الخلافات العالقة بينهما، إلا أن المهمة قد لا تبدو سهلة، باعتبار أن تلك الخلافات ليست ثانوية، خاصة أنها تتزامن مع الضغوط التي تمارسها بعض الأطراف المناوئة للتقارب الحالي.