أخبار المركز
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (ثورة "هوبفيلد": جائزة نوبل للذكاء الاصطناعي.. لماذا القلق من "الشبكات العصبية"؟)
  • سامية محمد عبدالسلام تكتب: (إلحاح المساعدات الدولية: كيف يؤثر التصعيد العسكري بالمنطقة في الاقتصادين اللبناني)
  • د. إبراهيم غالي يكتب: (الكابوس النووي القادم في آسيا والعالم)
  • د. محمود سلامة يكتب: (استجابة ثلاثية: بدائل تقليل الخسائر التعليمية في صراعات الشرق الأوسط)
  • مصطفى ربيع يكتب: (إخفاقات متكررة: هل تنجح استطلاعات الرأي في التنبؤ بالفائز بالرئاسة الأمريكية 2024؟)

من الجبال إلى تويتر:

صورة "طالبان الجديدة".. خطاب للتغيير أم المناورة؟

30 أغسطس، 2021


بعد 20 عاماً من الإطاحة بحكم طالبان في أفغانستان، عادت الحركة إلى السيطرة على البلاد، لكنها تحاول تقديم نفسها هذه المرة في صورة مغايرة عن سابقتها في تسعينيات القرن الماضي؛ وذلك أملاً في الحصول على الشرعية والاعتراف الدولي بالحركة في حكم أفغانستان، والتعاون معها في إعادة إعمار البلاد. فقد استبدلت طالبان مواقع التصوير في الجبال باستديو على قناة فضائية أمام صحفية أجنبية، مع التأكيد في خطابها الإعلامي على حقوق النساء والأقليات، ونشر مقاطع مصورة لمقاتليها على شبكات التواصل الاجتماعي وهم يمارسون نمط حياة مختلفاً عما اعتادوا عليه أو الذي ترسخ لدى الآخر عن الحركة.


رسائل إعلامية:

تتبنى حركة طالبان استراتيجية تقوم على التواصل المكثف مع وسائل الإعلام، وهو ما لا يقتصر فقط على الإدلاء بالتصريحات والمداخلات وعقد المؤتمرات الصحفية، وإنما أيضاً تقديم تغطيات للفعاليات غير المعتادة مثل حضور طالبان بطولة لكرة القدم وتسليم الكأس للفريق الفائز، أو اتباع أساليب تؤكد من خلالها انفتاحها، مثل المداخلة التي تفاجأت بها مذيعة من أصل أفغاني على الهواء كانت قد فرت مع أسرتها ولجأت إلى أستراليا.

وبرزت شبكات التواصل الاجتماعي، وتحديداً موقع تويتر، كوسيط نشط في نشر رسائل طالبان للداخل والخارج، لاسيما من خلال حسابات المتحدثين باسمها الذين يكتبون بالإنجليزية والبشتو، وهم ذبيح الله مجاهد، وقاري يوسف أحمدي، ومحمد نعيم، ومحمد سهيل شاهين.

ولا يقتصر الأمر على الحسابات الرسمية للحركة فحسب، وإنما تعد شبكات التواصل الاجتماعي ساحة لتداول صور وفيديوهات لمقاتلي طالبان في صورة مغايرة لا تلبث أن تحتل صدارة قوائم المحتوى الرائج، حيث يشاهدها ويتفاعل معها الملايين حول العالم، حتى أن ما يرتديه أحد عناصر طالبان أصبح حديث مستخدمي هذه المواقع الذين قدموا وصفاً تفصيلياً لتكلفة ملابسه التي تجاوزت الـ 4 آلاف دولار، وذلك في نمط حياة مغاير للمعيشة التقشفية التي مثلت جزءاً من صورة الجهادي الأفغاني لسنوات. وسواء كان المحتوى الإلكتروني الذي تقدمه طالبان رسمياً أم لا، فهو يعبر عن تحول في الاستراتيجية الإعلامية للحركة التي كانت تهشم أجهزة التلفاز وتحظر الإنترنت.


ركائز الخطاب الجديد:

من خلال تحليل التصريحات والبيانات الصادرة عن حركة طالبان بعد سيطرتها على أفغانستان في منتصف أغسطس 2021، يمكن الوقوف على 5 مقولات رئيسية تمثل الركائز الأساسية للخطاب الإعلامي لطالبان، وذلك كالتالي:

1- "الانتصار بالحرب" وليس بالتفاوض: تؤكد حركة طالبان أن انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان جاء بسبب ضغوط القتال ضد هذه القوات على مدار 20 عاماً، قائلة: "ليس هناك أدنى شك في أننا انتصرنا في الحرب"، وهو ما يعد مصدر الشرعية الجديدة التي تستمدها الحركة من مفهوم "انتصار المقاومة". وفي تأكيد على ذلك الانتصار، نشرت طالبان شريطاً دعائياً لكتيبة العمليات الخاصة، ظهر في إحدى لقطاته مقاتلون وهم يرتدون زي القوات الخاصة أثناء رفع علم الحركة، في خطوة تحاكي صورة النصر الأمريكية الشهيرة "إيو جيما" بالحرب العالمية الثانية.


2- تطبيق نظام إسلامي "يراعي وضع الشعب": على الرغم من إعلان كل من الولايات المتحدة وروسيا والصين وباكستان رفضهم إقامة إمارة إسلامية في أفغانستان في مؤتمر للسلام بموسكو يوم 18 مارس 2021، فإن حركة طالبان ما لبثت تؤكد تطبيق "نظام إسلامي أصيل سيكون الأفضل لحل مشكلات الأفغان كافة". وأعلنت الحركة رسمياً عبر حسابات متحدثيها على "تويتر"، إقامة إمارة أفغانستان الإسلامية في الذكرى الـ 102 للاستقلال عن الحكم البريطاني وبعد 4 أيام فقط من سقوط كابول. 

ولكن يظل تفسير ماهية الـ "إسلامي" محل غموض، ففي "أفغانستان الجديدة" – حسب وصفهم - نظام الحكم سيكون إسلامياً "بما يتناسب مع وضع البلد ويأخذ وضع الشعب واستقراره في الاعتبار"، كما صرح سهيل شاهين الذي صرح بإجابة شديدة العمومية عند سؤاله صراحة عن تطبيق الحدود الإسلامية، قائلاً إن "كل ما يأمرنا به الله سبحانه وتعالى فهو منهجنا ونبراس حياتنا، لن نبيع ديننا مهما كانت المغريات، ولن نسمح لأحد أن يغير عقيدة الشعب أو فكره الثقافي".

3- الانفتاح من أجل إعادة الإعمار: أعطت حركة طالبان رسائل مطمئنة للخارج عبر تأكيدها على انفتاحها على العالم، وتعهدها للصين بعدم التدخل في قضية مسلمي الإيغور، وعدم السماح باستخدام أراضيها ضد الآخرين، في إشارة إلى استضافتها بن لادن من قبل، فضلاً عن بناء جيش أفغاني مكوّن من كل الأطياف والعرقيات. ويبدو أن هذه التطمينات تتصل برغبة طالبان في اجتذاب الاستثمارات الأجنبية لاسيما مع حديثها المتكرر عن عمليات إعادة الإعمار في أفغانستان.

4- التأكيد على احترام حقوق المرأة: أرسلت طالبان تطمينات بأن حقوق المرأة ستُحترم في إطار الشريعة الإسلامية، وأن ارتداء البرقع بات اختيارياً مع التزام النساء بارتداء الحجاب على الأقل (يقصد غطاء الرأس). كما تفاجأ الكثيرون عندما وافق أحد كبار مسؤولي الحركة، وهو مولوي عبدالحق حمد، على محاورته من قِبل مذيعة قناة "تولو نيوز" الأفغانية، بهشتا أرغند، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها مسؤول من طالبان بذلك في استديو تلفزيوني، وهو ما يعد تحولاً كبيراً في قواعد الظهور الإعلامي لطالبان.


ولكن كل ذلك لم يطمئن الجميع بشأن احترام حقوق المرأة في أفغانستان، خاصة بعد اتخاذ طالبان ما سمته بـ "إجراءات قصيرة الأمد"؛ تضمنت إلزام النساء العاملات بالبقاء في المنازل مؤقتاً حتى يتم وضع الأنظمة المناسبة لضمان سلامتهن، فضلاً عن تدريب القوات الأمنية على التعامل مع النساء والتحدث إليهن حتى يصبح هناك أمن شامل، وهو ما لا يبدو أنه سيتحقق قريباً في ظل الاضطرابات التي تعم البلاد.

5- الضمان المشروط لحرية الإعلام: خلال السنوات التي تلت الإطاحة بطالبان منذ نحو 20 عاماً، نشطت عشرات المؤسسات الإعلامية في أفغانستان التي يعمل بها 8 وكالات أنباء على الأقل و52 محطة تلفزيونية و165 محطة إذاعية و190 دار نشر؛ تضم نحو 12 ألف صحفي، وفق ما أوردت منظمة "مراسلون بلا حدود". وسرعان ما أكدت "طالبان الجديدة" أن "الإعلام الخاص يمكن أن يستمر في أن يكون حراً ومستقلاً ولكن يجب ألا يعمل ضدنا"، وهو ما يعكس "المنظور الأداتي" للإعلام في خدمة مصالح الحركة، التي سبق لها أن أغلقت وسائل الإعلام كافة في التسعينيات عدا "إذاعة صوت الشريعة".


ثلاث ثنائيات:

اتساقاً مع تلك المقولات، يُقدم الخطاب الإعلامي لطالبان في ثلاث ثنائيات للمواجهة، تمنح كل منها الحركة صورة مميزة باعتبارها "خادمة الشعب"، و"مقاتلة المحتل"، و"الراغبة في التعايش" دون تفريط في مبادئ الإسلام، كالتالي:

1- طالبان في مواجهة قوى الداخل الأفغاني: تصور الحركة نفسها باعتبارها الطرف الأقوى الذي فرض سيطرته على كل أنحاء أفغانستان بالرغم من وجود مقاطعات مناوئة، وهي تتعامل بقوة مع المناهضين لها وتعفو من دون انتقام عن الجميع لصالح أفغانستان. كما تصور طالبان نفسها على أنها تقدم يد العون وتوفر الأمن والأمان للشعب الأفغاني، الذي لا يعنيها سوى مصالحه وتحقيق رغباته والحفاظ على تماسكه واستقلاله، تحت قيادتها بالتأكيد.

2- طالبان المنتصرة في مواجهة الغرب وتحديداً الولايات المتحدة: يتم تصوير طالبان على أنها حركة المقاومة التي أجبرت واشنطن على الانسحاب من أفغانستان، وسط تحذيرات من أن بقاء أي قوات أجنبية في البلاد بعد الموعد المحدد "سيجعلها معرضة للخطر بصفتها محتلة".

3- طالبان والعالم: تبدو الحركة راغبة في التعايش السلمي والتعاون مع دول الجوار التي تربطها بمعظمها "علاقات ليست مقلقة". وبالرغم من تصريح القيادي في طالبان سهيل شاهين بأنه "ليس لدينا حلفاء بكامل معنى الكلمة، لسنا أعضاء في أي حلف أو أي كتلة عسكرية"، فإنه وصف الصين بالشريك الرئيسي إلى جانب تركيا، وقال عن الأخيرة إن "إمارة أفغانستان الإسلامية تحتاج إلى الصداقة والدعم والتعاون معها أكثر من أي دولة أخرى"، الأمر الذي ينبئ عن وجود اقتصادي مستقبلي لأنقرة وبكين، ويبدو أنه سيكون في توسع.

وتلك الثنائيات الثلاث، تبعث من خلالها طالبان رسائل طمأنة وتأكيدات للهيمنة أيضاً، وذلك في خطاب يقدم مفهوماً غامضاً للحكم الإسلامي الذي تنوي الحركة تطبيقه، وهو ما يعد حلاً مؤقتاً لتجنب النزاعات مع أطراف داخلية أو فتح جبهات خارجية قبل أن تستتب الأمور لطالبان، مع طمأنة المجتمع الدولي لزيادة فرص الحركة في الاعتراف الدولي بها وتجنب عزلة خارجية كانت السبب في سقوط طالبان في التسعينيات من القرن الماضي. ويبدو أن الحركة تقدم نسخة أقل تشدداً في إطار ما سماه سهيل شاهين "الخبرة والنضج والبصيرة وليس العقيدة".

مأزق التغيير:

يبدو أن طالبان في مأزق حقيقي، بعدما خرجت من طور "القتال ضد الغزاة" إلى "حكم الدولة"، وسط شكوك إزاء مقولات خطابها الجديد، لاسيما في ظل التناقض بينه وبين بعض ما يحدث على الأرض بالفعل؛ وذلك بالنظر للاشتباكات المسجلة مع مسيرات للمدنيين والاتهام بتنفيذ الإعدامات، لنصبح أمام أحد احتمالين؛ إما أن الحركة تقدم خطاباً لمناورة الخارج وهو خطاب يتناقض مع سياساتها الفعلية، أو أنها لا تسيطر بشكل كامل على مقاتليها الذين تم شحنهم لسنوات طويلة بأفكار متشددة لا يمكن التراجع عنها ببساطة، حتى أن قياديي الحركة أنفسهم يعتقدون أن كوادرها بحاجة لـ" إعادة البرمجة" من أجل التعامل مع حياة عامة توجد بها النساء.

وتعد دوافع التغيير حتمية أمام طالبان، ليس فقط بسبب التحولات في محيطها الإقليمي والدولي، والخبرة التي اكتسبتها على مدار 20 عاماً ميدانياً وسياسياً؛ وإنما لتغيرات الجبهة الداخلية أيضاً ووجود جيل من الشباب الذين ولدوا بعد سقوط طالبان من قبل، ونشأوا في نظام مغاير أكثر انفتاحاً. ولكن طالبان أيضاً في مأزق بشأن التراجع عما قدمته لسنوات كـ "صحيح الإسلام"، من وجهة نظرها، أو تقديم صيغة براجماتية قد تضعها أمام احتمالات مظلمة للانشقاق والتمرد أو تآكل قاعدة التأييد التي تتمتع بها.