بدأت إيران، بحسب العديد من الاتجاهات، في اتخاذ تدابير عديدة لبيع نفطها بالأسواق الدولية على الرغم من العقوبات الأمريكية المفروضة على قطاع الطاقة منذ نوفمبر الماضي، ويتمثل أبرزها في تخزين النفط في مستودعات خارجية على أمل بيعه في المستقبل للمشترين، إلى جانب تهريبه بحرًا عبر الناقلات المملوكة لها، أو برًا من خلال الدول المجاورة، بالتوازي مع إجراء تخفيضات لأسعاره من أجل تحفيز عملائها لشراءه. ورغم ذلك، يبدو أن هذه المحاولات لن تكون فعّالة بسب الضغوط القوية التي تمارسها الإدارة الأمريكية على المشترين لوقف استيراد النفط الإيراني.
ضغوط قوية:
بدأت وزارة الخارجية الأمريكية، في 7 مارس 2019، في إجراء محادثات مع ثماني دول معفاة من حظر شراء النفط الإيراني، بموجب العقوبات الاقتصادية الأمريكية المطبقة على إيران منذ نوفمبر الماضي، وذلك في خطوة تستهدف التوصل إلى اتفاق حول تمديد هذه الإعفاءات أو وقفها قبل حلول الموعد المخصص لذلك في مايو المقبل.
وبشكل عام، تتمسك الإدارة الأمريكية بفرض مزيد من القيود على صادرات النفط الإيراني للأسواق الدولية من أجل إيصالها إلى المستوى صفر إن أمكن، وذلك بهدف تصعيد حدة الضغوط الاقتصادية على طهران لدفعها إلى قبول إعادة التفاوض على الاتفاق النووي، مع وقف تطوير برنامج الصواريخ الباليستية الذي يواجه انتقادات غربية شديدة.
واللافت للانتباه أنه رغم الإعفاءات الأمريكية السابقة، إلا أن بعض الدول، مثل إيطاليا واليونان وتايوان، أحجمت عن شراء النفط الإيراني، بما يشير إلى قوة الضغوط التي تمارسها الإدارة الأمريكية على شركاء إيران الاقتصاديين لوقف التعاون معها في كافة المجالات بما فيها النفط، وذلك في الوقت الذي توجد فيه بدائل عديدة لشراء النفط مع فائض من المعروض النفطي عالميًا.
وبناءً عليه، تراجعت الصادرات الإيرانية من النفط إلى نحو 1.2 مليون برميل يوميًا في يناير 2019، وبما يقل بأكثر من النصف عن مستوى ذروته البالغ 2.5 مليون برميل يوميًا في إبريل 2018، وذلك في الوقت الذي أظهرت البيانات أن المشترين الآسيويين (الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية) استوردوا نحو 710.6 ألف برميل يوميًا في الشهر نفسه، بانخفاض 49% عن الشهر ذاته من عام 2018.
محاولات الالتفاف:
رغم العقوبات الأمريكية على قطاع الطاقة، أكد المسئولون الإيرانيون، في أكثر من مناسبة، قدرة طهران على تسويق النفط دوليًا. وفي هذا الصدد، قال وزير النفط بيجن زنجنه، في 7 مارس الجاري، أن طهران صاغت برامج وخططًا للالتفاف على العقوبات الأمريكية.
ومن هذا المنطلق، رجحت اتجاهات عديدة تبني إيران بعض التدابير: يتمثل أولها، في تحويل شحنات كبيرة الحجم من النفط لتخزينها بالخارج، وذلك على غرار ما فعلته في أكتوبر الماضي عندما قامت شركة الناقلات الوطنية الإيرانية بتحميل شحنة بحمولة تصل إلى 22 مليون برميل إلى ميناء داليان الصيني لتخزينها هناك على أمل بيعها لاحقًا إلى مشترين آخرين.
وتتماشى الخطوة السابقة مع استعداد ناقلات إيرانية أخرى لشحن حمولات كبيرة متوقفة في سواحلها البحرية لنقلها في الفترة المقبلة للمشترين. ولإخفاء مسار تحركها، تقوم إيران في العادة بتغيير هويات السفن أو تسجيلها في دول أخرى وتعطيل أجهزة تحديد المواقع أو نقل الشحنات إلى سفن أصغر حجمًا في عرض البحار، جنبًا إلى جنب مع إتباع مسارات بحرية غير مكشوفة، وهو ما يتوازى مع تخطيطها لنقل مركز تصدير النفط من ميناء جزيرة خرج إلى بندر جاسك على خليج عمان.
فيما ينصرف ثانيها، إلى إجراء تخفيضات على مبيعات النفط بالخارج، أى بيعه للمشترين بأسعار أقل من الأسعار السوقية، بجانب منحهم فترات سماح تصل إلى 60 يومًا لسداد المدفوعات، كما تضطلع شركة الناقلات الوطنية الإيرانية بمهمة نقل شحنات النفط لعملائها بدلاً من الشركات الدولية، وذلك في الوقت الذي يرجح فيه أن تعرض طهران على بعض الدول الأخرى مقايضة النفط مقابل استيراد السلع اللازمة لأسواقها، مثلما فعلت في فترة تشديد العقوبات (2011-2015).
ويتعلق ثالثها، بتهريب النفط عبر مسارات برية تصل إلى الدول المجاورة مثل باكسان وأفغانستان والعراق. وبالفعل في الأعوام الماضية، جرى، حسب بعض التقديرات، نقل ما يزيد عن 20 ألف برميل يوميًا بعضها مهرب في شاحنات عبر الحدود البرية لهذه الدول. وعلى سبيل المثال، يعد طريق صادق أباد (إيران) وزاهربير (باكستان) أحد المسارات البرية الأساسية لتهريب النفط الإيراني، والتي تنطوي على العديد من المستودعات لتخزينه، حيث ينقل لاحقًا لتوزيعه واستهلاكه بالأسواق المحلية.
مواجهة محتملة:
لكن هذه المحاولات تواجه عقبات عديدة. إذ لا يمكن استبعاد أن تتدخل بعض الأطراف من أجل منعها. وفي هذا السياق، هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في 7 مارس الجاري، بقيام البحرية الإسرائيلية باتخاذ إجراءات ضد تهريب إيران للنفط، داعيًا القوى الدولية إلى تبني إجراءات مماثلة لصد محاولات طهران تفادي العقوبات الأمريكية.
كما أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تواصل ممارسة ضغوط على المشترين للنفط الإيراني، أو الوسطاء الآخرين، لتجنب تعزيز قدرتها على بيعه بالأسواق الدولية. وقد حذرت الإدارة الأمريكية بالفعل من أى محاولة لمساعدة طهران على تجنب العقوبات الأمريكية عن طريق شراء النفط وإعادة بيعه من جديد على أنه ذا منشأ مختلف.
فضلاً عن ذلك، فإن استخدام التكنولوجيا المتطورة في رصد السفن الإيرانية، والتي تعتمد على التعقب المدعوم من الأقمار الصناعية والذكاء الاصطناعي، من شأنه تقليص فعالية الإجراءات الإيرانية، خاصة أن هذه التكنولوجيا أصبح بإمكانها التعرف على مسارات الناقلات البحرية بدقة بجانب توفير معلومات أخرى حول حمولتها ووجهاتها النهائية. وعلى سبيل المثال، فقد تعرفت شركة "ويند وارد" الإسرائيلية على مسار ثلاث ناقلات إيرانية خرجت من إيران في سبتمبر 2018 وتتبعتها على الرغم من إغلاق إشاراتها اللاسلكية.
ومن هنا، يمكن القول في النهاية إن إيران قد تتعرض لضغوط اقتصادية أكبر خلال المرحلة القادمة، على ضوء التراجع المحتمل في تأثير الآليات التي تستخدمها للتعامل مع العقوبات الأمريكية الجديدة.