أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)

فهم روسيا:

لماذا يستبعد التاريخ حرباً باردة جديدة؟

04 أغسطس، 2015


إعداد: مروة صبحي


يفرض التاريخ نفسه على العلاقات الحالية بين روسيا والغرب، حيث احتفلت أوروبا العام الماضي بمرور 25 عاماً على سقوط سور برلين, كذلك تم الاحتفال في العام الحالي بذكرى مرور 70 عاماً على نهاية الحرب العالمية الثانية. وفي هذا الإطار، يتساءل المسؤولون والخبراء حول ما إذا كان التدهور الحالي في العلاقات بين روسيا والغرب يهدد باندلاع "حرب باردة جديدة" أو "حرب باردة ثانية"؟

من هذا المنطلق، تأتي الدراسة المُعنونة: "الحرب الباردة الجديدة: إساءة استخدام التاريخ وسوء فهم روسيا"، والتي أعدها "أندرو موناغان" Andrew Monaghan، الباحث البارز في برنامج روسيا وأوراسيا بالمعهد الملكي للشؤون الدولية "شاتام هاوس" في لندن، حيث يؤكد على أنه قد حان الوقت للتفكير فى العلاقة بين روسيا والغرب وفقاً للمصطلحات الجديدة للقرن الحادي والعشرين، وهذا أمر ضروري إذا كان الغرب يريد فهم التحديات والفرص المتاحة في علاقته مع روسيا.

وتتناول هذه الدراسة ثلاث نقاط رئيسية، أولها: استكشاف إمكانية تكرار التاريخ وآثاره، حيث تجاهل الفكر الغربي حول روسيا بزوغ "الصدام الأوروبي - الأوروبي" الذي يتميز بخلافات حول البنية الأمنية الأوروبية الأطلسية. وثانيها: التركيز على إشكالية إساءة فهم التاريخ، وأخيراً: محاولة تفسير الأحداث الحالية من منظور الحرب الباردة, لاختبار الحلول القديمة.

وتؤكد الدراسة على أهمية الحرب الباردة كحدث هام لفهم علاقة الغرب مع روسيا اليوم، إلا أنها ترفض إعادة تبني مفاهيم الحرب الباردة وإعادة استخدام استراتيجيات قد عفى عليها الزمن.

الغرب وروسيا ومفهوم "الحرب الباردة الجديدة"

لا يعد الجدال حول مفهوم "الحرب الباردة الجديدة" أمراً جديداً, بل إنه كان سمة متكررة في النقاش الغربي على مدار عقد مضى، حيث تكرر نفس الجدال خلال أزمة الطاقة بين أوكرانيا وأوروبا وروسيا في عام 2006, وكذلك خلال الحرب الروسية - الجورجية في عام 2008. كما أكد العديد من المراقبين الأوربيين أن ولاية "بوتين" الثانية تعد دليلاً على أن "الحرب الباردة الجديدة" هي في طور التكوين، حيث عكس خطاب الرئيس الروسي "بوتين" السنوي أمام الجمعية الاتحادية، والذي وصف فيه "انهيار الاتحاد السوفيتي بأنه أعظم كارثة جيوسياسية في القرن العشرين"، وجود نية لدى موسكو لعودة الاتحاد السوفيتي.

ويفترض الكاتب بالتالي أن استخدام مفهوم "الحرب الباردة الجديدة" مُضلل لأكثر من سبب، منها أنه لا يوجد حالياً صراعات جوهرية للمصالح أو صراعات أيديولوجية صارخة تُقسم الغرب وروسيا كما كانت في النصف الثاني من القرن العشرين. وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذا المفهوم يتجاهل تأرجح العلاقات الروسية - الغربية بين التحسن تارة والتدهور تارة أخرى على مدار العقد الماضي.

نحو صراع أوروبي – أوروبي

تُثار العديد من الخلافات بين الغرب وموسكو على تمثيل روسيا في منظومة الأمن الأوروبي, في ظل رغبة موسكو فى الحصول على صوت أعلى داخل تلك المنظومة. وتتضح هذه الخلافات بين الطرفين من خلال محاولات موسكو المستمرة لإطلاق النقاش حول الأمن الأوروبي, واقتراحها مبادرة معاهدة جديدة، حيث أكدت القيادة الروسية معارضتها للبنية الأوروبية الأطلسية الحالية.

والأهم من ذلك, أن المصالح المشتركة بين الجانبين الروسي والغربي ذاتها أصبحت موضع توتر. فعلى سبيل المثال, ثمة مصالح مشتركة للغرب وروسيا في مواجهة الإرهاب الدولي أو منع انتشار أسلحة الدمار الشامل, لكن هذه المصالح باتت فارغة من أي معنى هادف، حيث يُعرف كل طرف أسباب وطبيعة وحجم أزمة الإرهاب الدولي بشكل مختلف, ولكل منهما أفكار مختلفة للتصدي له. وواقعياً, تكون مواقف الطرفين الغربي والروسي متناقضة, حيث يلوم كل طرف الآخر في التسبب في اندلاع الأزمات، أو اعتبار أن الحلول المقدمة من الطرف الآخر ستفاقم من حدتها.

وأحد الأمثلة على ذلك, مواجهة تهديد "داعش"، فرغم كونه يبدو مصلحة مشتركة لكلِ من روسيا والغرب, في ظل التهديدات الخطيرة التي يمثلها هذا التنظيم, فإنه ليس من الواضح أن حلول مواجهة هذا الخطر متوافقة بين الطرفين.

وتؤكد الدراسة أن مصطلح "الصراع الأوروبي- الأوروبي" لا يعني إغفال الدور النشط لروسيا فى آوراسيا، أو استبعاد الولايات المتحدة من البنية الأمنية الأوروبية الأطلسية، كما يتعين إعطاء مزيد من الانتباه إلى الأهمية المتزايدة للعلاقات الروسية – الصينية.

صعوبة المقارنة بين الحرب الباردة الجديدة والقديمة

رغم أن القرن الحادي والعشرين يُمثل تحدياً أمام بنية الأمن الأوروبي, فإن الجدل الحالي حول روسيا يُظهر اتجاهاً معاكساً من خلال تحويل الانتباه إلى أحداث وتحديات القرن الماضي. ويقود ذلك إلى مشكلة ثانية تتعلق بالجدل حول "الحرب الباردة الجديدة", إذ أنه يستدعي تاريخاً استثنائياً لأوروبا والعالم في محاولة لتوضيح الوضع الراهن, وهذا يوفر القليل من الوضوح لاستخلاص الدروس.

وقد يرجع جزء من ذلك الجدل إلى عدم تحديد ماذا نعني بالحرب الباردة من الأساس؟ حيث يسمح الغموض المفاهيمي لمساحة من المناورة أمام مجموعة كبيرة ومتنوعة من التفسيرات, مما يُقصر فكرة "الحرب الباردة الجديدة" على عدد من التشابهات السطحية بين الزمنين. ولا يعد ذلك سوى سوء استخدام للتاريخ.

وتشير الدراسة إلى أن العديد من أسرار الحرب الباردة لم يحل بعد, ومن ثم فإن هذه الصورة المشوشة تجعل من الصعوبة بمكان إجراء مقارنات مباشرة بين زمن الحرب الباردة والفترة الراهنة.

خطأ التفكير بمقاييس الحروب السابقة

يتعلق نقاش "الحرب الباردة الجديدة" بخطأ آخر يرتكبه الساسة والجنرالات الغربيون حول التفكير والتخطيط العسكري بمقاييس الحروب السابقة. ويمثل ذلك منهجاً مألوفاً عند التفكير في الشأن الروسي. وفي هذا الصدد تشير الدراسة إلى ما ذكره Goerge Kennan الدبلوماسي الأمريكي أثناء الحرب الباردة بأنه "كان من الصعب ردع وزارة الدفاع الأمريكية عن تصوير ستالين بأنه هتلر آخر, أو من إعادة استخدام تكتيكات الحروب السابقة في خططها للحروب الجديدة، حيث لم يستطع الاستراتيجيون الأمريكيون تحرير أنفسهم من صورة هتلر"، وهذا نفس الخطأ الذي يُعاد ارتكابه حالياً.

وتثير الدراسة في هذا السياق نقطتين أساسيتين، هما:

1- إذا كانت فكرة "الحرب الباردة الجديدة" هي جزء من مناشدة البعض لإعطاء الأولوية للتهديدات الروسية, فإن المشهد الأمني والتحديات الأساسية التي تواجه الغرب حالياً تختلف بشكل كبير عن تلك التي كانت سائدة إبان الحرب الباردة. ومن الضروري وضع روسيا وبشكل جلي على الأجندة الأمنية والسياسية الغربية، لأسباب منها أن موسكو تُبدي عدم رضاها عن البنية الأمنية الأوروبية, ولكن هذا ليس سوى جزء من صورة دولية أكثر تعقيداً.

2- في ظل الظروف الصعبة والمتغيرة, يبدو أن الجدل حول "الحرب الباردة الجديدة" يُبنى على منهج مألوف ومُرحب به من قِبل الساسة والمراقبين الغربيين، متجاهلين تعقيد البيئة الحالية ونقص الرؤية في التعامل مع روسيا.

ويرى الكاتب أنه منذ نهاية الحرب الباردة, ذهب التفكير الأمني الغربي بعيداً عن الاهتمام بروسيا، وبدا ذلك من خلال تطورين: يتعلق الأول بتخفيض ميزانيات الدفاع في معظم الجيوش الغربية, وفقدان الذاكرة الغربية للتهديدات الروسية, وعدم الاستعداد لها على ما يُرام. والثاني، أنه في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 تركز اهتمام صانعي السياسات في الغرب على مكافحة الإرهاب والتمرد الدولي.

ومن ثم، فقد تم إعطاء القليل من الاهتمام بتطور الجيش الروسي في فترة ما بعد الحرب الباردة، وتراجع إدراك صُناع القرار الغربي لدوافع واستراتيجيات القيادة الروسية. وبالتالي، ليس أمام الغرب سوى إعادة التفكير والتخطيط لروسيا وسياستها الخارجية والأمنية، مع أهمية تجنب المقارنات السطحية لروسيا مع الاتحاد السوفيتى. وبدلاً من ذلك, يجب الأخذ في الاعتبار تطور الفهم الروسي الحالي للمسائل الاستراتيجية والأمنية.

ملاحظات ختامية

بناءً على ما سبق, تتوقع الدراسة أن تستمر موسكو في تحدي بنية الأمن الأوروبي الأطلسي فى أكثر من اتجاه، كالتالي:

- المبادرات الدبلوماسية الروسية, وذلك من خلال المحاولات المتجددة لإطلاق النقاش حول الأمن الأوروبي وفقاً للمصالح الروسية.

- مواصلة موسكو إعادة تجهيز وإعداد قواتها المسلحة، فمع استكمال الترسانة النووية الاستراتيجية, نشرت القيادة الروسية خططاً لتجديد وإصلاح قواتها المسلحة بما في ذلك تحديث 70% من المعدات العسكرية وحشد نصف مليون جندي بحلول عام 2020. وبالرغم من أنه من غير المرجح أن تكون روسيا منافساً للولايات المتحدة في هذة الفترة, إلا أنها ببلوغ تلك الأهداف تشكل تحدياً مختلفاً لحلف "الناتو" في أوروبا على المدى القريب.

مُجمل القول، تؤكد الدراسة على ضرورة تحليل التغيرات التي طرأت في الغرب وروسيا والعلاقة بين الجانبين منذ نهاية الحرب الباردة، حيث تغيرت القدرات الغربية إلى حد كبير من خلال تفكيك خبرتها المتعلقة بروسيا، وإعادة توجيهها لقضايا أخرى بعد الحرب الباردة.

وفي إطار النقاش حول فكرة "الحرب الباردة الجديدة"، ينصح الكاتب بالتوقف عن عقد مقارنات سطحية مع الماضي، مؤكداً أن الحرب الباردة كانت حدثاً هاماً في التاريخ, ولكن استخدامها في النقاش الحالي حول الأزمة الأوكرانية أو الموقف الجيوسياسي الأوسع لروسيا, يُعتبر شيء مجرد من المعنى. ومن ثم، فإن استعارة "الحرب الباردة الجديدة" لتحليل الوضع الحالي وعلاقة الغرب مع روسيا يُفسد فهم الغرب لسياسة روسيا حالياً. لذا، فقد حان الوقت لتنحية ذلك النقاش جانباً, والتكيف مع متغيرات الواقع الراهن.

 

* عرض مُوجز لدراسة بعنوان: "الحرب الباردة الجديدة: إساءة استخدام التاريخ وسوء فهم روسيا"، والصادرة عن المعهد الملكي للشؤون الدولية "شاتام هاوس"، في مايو 2015.

المصدر:

Andrew Monaghan, A "New Cold War"? Abusing History, Misunderstanding Russia (London, The Royal Institute of International Affairs "Chatham House", May 2015).