أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)
  • شريف هريدي يكتب: (مخاطر الانفلات: خيارات إيران للرد على استهداف قنصليتها في دمشق)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (زلزال انتخاب فاي.. اتجاهات التغيير القادم في السنغال)

الصين بعيون عربية:

مستقبل الصين بعد تعزيز القيادة وتجديد النخبة

14 نوفمبر، 2022


بعد أسبوع حافل بالمناقشات المعمقة والاجتماعات المكثفة، انتهت في الثاني والعشرين من أكتوبر 2022، بالعاصمة الصينية بكين، فعاليات المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني، الذي يُعقد كل خمس سنوات. وقد تمخض المؤتمر عن نتائج وقرارات مهمة، وكشف عن رسائل ودلالات ليس للداخل الصيني فحسب، وإنما أيضاً للعالم الخارجي.

رسائل داخلية مهمة:

حملت نتائج المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني رسائل مهمة موجهة للشعب الصيني، لعل أهمها ما يلي:


1- ترسيخ المكانة الجوهرية للرئيس شي جين بينغ، والدور الإرشادي لفكره السياسي داخل الحزب الشيوعي الصيني، وذلك عبر مصادقة الجلسة الكاملة الأولى للجنة المركزية الـ 20 للحزب على انتخاب الرئيس شي أميناً عاماً للحزب، مما يرسخ موقعه كأقوى حاكم لجمهورية الصين الشعبية منذ ماو تسي تونغ، كما تم انتخابه أيضاً رئيساً للجنة العسكرية المركزية للحزب، وهو ما يمهد الطريق إلى انتخاب شي رئيساً للصين لفترة ثالثة خلال الاجتماع السنوي للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني المقرر في مارس 2023.

2- ضخ دماء جديدة في شرايين الهيكل القيادي للحزب الشيوعي الصيني، ما يعكس حرص الحزب على توحيد الصف الداخلي والسعي للتجديد والتطوير فيما يتصل بعملية صُنع القرار. فقد تم انتخاب أربعة أعضاء جدد باللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني، الذي يتكون من سبعة أعضاء، وذلك بنسبة تغيير تقترب من 60% من إجمالي أعضائها، مما يجعل عملية صنع القرار في الصين خلال الخمس سنوات القادمة أكثر كفاءة من ذي قبل، حيث تعتبر اللجنة الدائمة للمكتب السياسي النواة الحقيقية لصنع السياسات داخل الحزب، وهي تقوم بعمل اللجنة المركزية للحزب في حال عدم انعقادها. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أبرز ملامح السيرة الذاتية للأعضاء الأربعة الجدد باللجنة الدائمة، وهم كالآتي:

أ- لي تشيانغ: من قومية الهان، ولد في يوليو 1959، وانضم إلى الحزب الشيوعي الصيني في أبريل 1983، وحاصل على درجة الدراسات العليا من مدرسة الحزب المركزية، وماجستير في إدارة الأعمال. وهو عضو في المكتب السياسي للجنة المركزية الـ 19 للحزب الشيوعي الصيني، وسكرتير لجنة الحزب بشانغهاي، ومؤيد قوي للرئيس شي، ويُعد من أكثر المرشحين لتولي رئاسة مجلس الدولة (رئاسة الوزراء) بعد تقاعد لي كه تشيانغ في مارس 2023، وبذلك سيصبح مُكلفاً بإدارة ثاني أكبر اقتصاد في العالم. ويرى مجتمع الأعمال أنه زعيم ليبرالي يجيد مناقشة الصفقات التجارية بدلاً من السياسية.

ب- تساي تشي: من قومية الهان، ولد في ديسمبر 1955، والتحق بالحزب الشيوعي الصيني في أغسطس 1975، وتخرج في كلية الاقتصاد والقانون بجامعة فوجيان وتخصص في الاقتصاد السياسي، وحاصل على شهادة الدراسات العليا ودرجة الدكتوراه في الاقتصاد، وعضو في المكتب السياسي للجنة المركزية الـ 19 للحزب الشيوعي الصيني، وسكرتير لجنة الحزب لبلدية بكين. ويُتوقع أن يكون مسؤولاً عن جهازي الدعاية والرقابة التابعين للحزب.

ج- دينغ شويه شيانغ: من قومية الهان، ولد في سبتمبر 1962، وانضم إلى الحزب الشيوعي الصيني في أكتوبر 1984، وخريج كلية الإدارة بجامعة “فودان”، وعضو المكتب السياسي للجنة المركزية الـ 19 للحزب، وسكرتير أمانة اللجنة المركزية للحزب، ومدير المكتب العام للجنة المركزية، ومدير مكتب الرئيس. ومن المحتمل أن يصبح النائب الأول لرئيس مجلس الدولة.

د- لي شي: من قومية الهان، ولد في أكتوبر 1956، والتحق بالحزب الشيوعي الصيني في يناير 1982، وعضو في المكتب السياسي للجنة المركزية الـ 19 للحزب الشيوعي الصيني، وسكرتير لجنة الحزب في مقاطعة قوانغدونغ.

3- حرص الحزب الشيوعي الصيني على تطوير وتحديث فكره، لمواكبة التطورات التي تؤثر على أدائه. ومن هنا، يأتي إقرار الحزب عدة تعديلات على دستوره، ولعل أبرز ما أجازه المؤتمر بالإجماع فيما يخص مشروع تعديل دستور الحزب الذي طرحته لجنة الحزب المركزية الـ 19 بعد النظر فيه، الآتي:

أ- إدراج التطورات الجديدة لأفكار شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد منذ المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب ضمن دستوره.

ب- إضافة مضامين إلى دستور الحزب تشمل المثابرة على بناء الجيش سياسياً وتقويته عبر الإصلاح والعلوم والتكنولوجيا وإدارته طبقاً للقانون، وبناء الجيش الشعبي ليكون جيشاً من الدرجة الأولى في العالم، والتطبيق الشامل والمحكم لمبدأ “دولة واحدة ونظامان” بثبات لا يتزعزع، ومعارضة وكبح استقلال تايوان بكل حزم، وتعميم القيم المشتركة للبشرية جمعاء والتي تشمل السلام والتنمية والإنصاف والعدالة والديمقراطية والحرية.

ج – إدراج المضامين المتعلقة بـ “تطوير روح النضال وتعزيز كفاءته” في دستور الحزب، وتتحلى إضافة هذه المضامين بقدر بالغ من الأهمية بالنسبة لتشجيع أعضاء الحزب على ترسيخ ثقتهم الذاتية في تاريخ كفاح الحزب، والتمكن من فهم الخصائص التاريخية للنضال العظيم الجديد، بغية توحيد وقيادة أبناء الشعب من القوميات كافة في أنحاء البلاد لتحقيق انتصارات جديدة للاشتراكية ذات الخصائص الصينية.

د-  إدراج مضامين في دستور الحزب مثل “الحزب هو أعلى قوة قيادية سياسية”، والتمسك بقيادة الحزب الشاملة وتعزيزها والذي سيساعد على إظهار دور النواة القيادية للحزب في السيطرة على الوضع العام والتنسيق بين مختلف الأطراف بصورة مستفيضة، وتجسيد قيادة الحزب في شتى المجالات والنواحي والحلقات الخاصة بقضايا الحزب والدولة.

ويرى الأعضاء المشاركون في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني أن هذه الإضافات ستساعد على تحفيز الحزب كله للحفاظ دائماً على روح الثورة الذاتية، وتطبيق المبادئ الاستراتيجية لإدارة الحزب بانضباط صارم وعلى نحو شامل، ودفع تنفيذ المشروع العظيم الجديد لبناء الحزب في العصر الجديد بصورة معمقة، وضمان أن يصير الحزب أكثر صموداً وقوة من خلال الصقل الثوري ويظل نواة قيادية قوية لقضية الاشتراكية ذات الخصائص الصينية.

رسائل قوية للخارج:

لم تقتصر الرسائل المهمة التي تضمنتها نتائج المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني على الداخل الصيني فحسب، وإنما انطوت أيضاً على رسائل مهمة وحازمة للخارج، لاسيما لبعض الأطراف والقوى الدولية الكبرى، وكذلك بالنسبة لمسألة تايوان، فضلاً عن الانفتاح الاقتصادي على العالم الخارجي، وذلك على النحو التالي:

1- مواجهة القوى الدولية بما فيها الولايات المتحدة: شدد الرئيس شي جين بينغ، في تقريره أمام المؤتمر، على المعارضة الحازمة للصين لجميع أشكال الهيمنة والسياسات القائمة على القوة، وكذلك معارضتها لعقلية الحرب الباردة والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، علاوة على رفضها سياسة ازدواجية المعايير. وقد تضمنت تصريحات الرئيس الصيني خلال لقاء مع الصحافة الأجنبية والمحلية قراءة متوازنة لموقف بكين والحزب الشيوعي الصيني إزاء التطورات في آسيا والعالم، مؤكداً في هذا الصدد أن الحزب “لن ترهبه الرياح العاتية، أو المياه المتقلبة أو حتى العواصف الخطيرة، لأن الشعب سيكون دائماً داعماً له ويمنحه الثقة”، مُتعهداً بالعمل مع الشعوب من جميع الدول الأخرى على تعزيز القيم الإنسانية المشتركة مثل السلام، والتنمية، والإنصاف، والعدالة، والديمقراطية، والحرية لحماية سلام العالم ودفع تنميته.

2- تأكيد موقف الصين بشأن تايوان: تعتبر تايوان من أكثر قضايا الأمن والسيادة حساسية بالنسبة للصين، فقد عكست نتائج المؤتمر العشرين توجيه رسالة صارمة للسلطات الحاكمة في تايوان وكذلك للقوى الساعية إلى ما يسمى “استقلال تايوان”، مفادها عدم التخلي عن استخدام القوة فيما يتعلق بقضية تايوان. كذلك، أكدت التعديلات التي تم إقرارها على دستور الحزب الشيوعي الصيني، على النص – لأول مرة – على “معارضة وكبح استقلال تايوان بكل حزم”، وهو ما يقطع الطريق على أية محاولة من جانب تايوان للانفصال عن الوطن الأم. كما تضمنت تعديلات دستور الحزب الشيوعي الصيني مصطلح “النضال” أو “الروح القتالية” في ميثاق الحزب، وذلك في إطار التأكيد على “صيننة تايوان”. وهذه التعديلات لا شك أنها قد تزعج الولايات المتحدة الأمريكية.

3- انفتاح الاقتصاد الصيني على العالم الخارجي: أكدت نتائج المؤتمر عزم بكين على تسريع تشكيل نمط تنموي جديد، واستمرار سعيها إلى تحقيق تنمية عالية الجودة، حيث أكد الرئيس شي ضرورة “تطبيق الفكر التنموي الجديد بصورة كاملة وشاملة، والتمسك باتجاه الإصلاح في اقتصاد السوق الاشتراكي والانفتاح العالي المستوى على الخارج، على أن يتخذ النمط التنموي الجديد الدورة الاقتصادية الكبرى المحلية قواماً له ويتميز بالتعزيز المتبادل بين الدورتين الاقتصاديتين المحلية والدولية”، مضيفاً أنه لا يمكن لبلاده أن تتطور من دون العالم، والعالم يحتاج أيضاً إلى الصين.

ختاماً، من الواضح أن توقيت الخطاب الصيني للعالم يحمل الكثير من المضامين والرسائل التي ستكون لها تأثيرات مباشرة في رسم ملامح خريطة المرحلة المقبلة سياسياً واقتصادياً على الساحة الدولية، فقد عكس المشهد الرئيسي للمؤتمر الوطني العشرين رسم حقيقة تؤكد أن الصين الجديدة لا يمكن تجاوزها عند إعادة قراءة الحسابات الجيواستراتيجية، في ظل ما حققته بكين كنموذج اقتصادي واجتماعي وسياسي وعسكري مغاير للنماذج المتعارف عليها.

*لينك المقال في الصين بعيون عربية*