أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

الانتخابات المنسية:

هل ينجح الديمقراطيون في السيطرة على الكونجرس الأمريكي؟

03 نوفمبر، 2020


رغم أهمية انتخابات الرئاسة الأمريكية التي سيبدأ الاقتراع النهائي فيها، يوم الثلاثاء 3 نوفمبر، إلا أن هناك انتخابات أخرى تجري بالتوازي معها في الوقت نفسه، حيث تضم أوراق الاقتراع المرشحين الرئاسيين، والمرشحين في هذه الانتخابات الموازية، وهي انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي رقم 117، والتي تجري لإعادة انتخابات كافة أعضاء مجلس النواب، وثلثي أعضاء مجلس الشيوخ. وتشير التقديرات الأولية إلى احتمال انتزاع الديمقراطيين مجلس الشيوخ من الجمهوريين، وهذا السيناريو إذا تحقق فعليًّا، وفي ظل احتمالات صعود إدارة ديمقراطية في البيت الأبيض، فهذا يعني أننا إزاء تركيبة حكم جديدة ومختلفة في واشنطن، ستحدد الكثير من السياسات الداخلية والخارجية للولايات المتحدة الأمريكية

تشكيل الكونجرس:

الكونجرس هو الهيئة التشريعية في النظام السياسي الأمريكي، ويتشكل من مجلسين، النواب والشيوخ، والفروق بين المجلسين تتعلق بعدد الأعضاء، ومدة العضوية، وتركيبة الأعضاء، والصلاحيات المخولة لكل مجلس، وطبيعة رئاسة المجلس، وذلك على النحو التالي:

1- عدد الأعضاء: يبلغ عدد أعضاء الكونجرس الأمريكي 535 عضوًا في المجلسين. ويضم مجلس النواب 435 نائبًا، بينما مجلس الشيوخ 100 سيناتور. ووفقًا للنظام الانتخابي الأمريكي، يختلف وزن الولايات وتمثيلها في مجلس النواب عن الشيوخ، فتمثيل الولايات في مجلس النواب يعتمد على عدد سكان كل ولاية، حيث إن بعض الولايات لها عدد أعضاء أكبر من الأخرى (على سبيل المثال ولاية كاليفورنيا لديها 55 نائبًا، في حين أن ولاية نيويورك لديها 29 نائبًا)، بينما كل ولاية يمثلها 2 سيناتور في مجلس الشيوخ، بغض النظر عن عدد السكان في هذه الولاية.

2- مدة العضوية: يتم انتخاب جميع أعضاء مجلس النواب كل سنتين، ويتم انتخابات أعضاء مجلس الشيوخ على ثلاث مراحل، لولاية مدتها 6 سنوات، حيث يتم تجديد ثلثي الأعضاء كل عامين. وتجري انتخابات التجديد النصفي للكونجرس كل عامين في منتصف ولاية الرئيس، وفي نهايتها، وفيها يتم إعادة انتخاب كل أعضاء مجلس النواب وثلثي أعضاء مجلس الشيوخ. وقد جرت انتخابات التجديد النصفي الأخيرة في 4 نوفمبر 2018.

3- تركيبة العضوية: تختلف التركيبة العمرية للأعضاء في مجلس النواب عن الشيوخ، فالدستور ينص على ضرورة أن يبلغ المرشح لمجلس النواب 25 عامًا على الأقل، بينما ينص على أن يبلغ المرشح لمجلس الشيوخ 30 عامًا على الأقل، وتقليديًّا فإن التركيبة العمرية للنواب تعتبر أصغر سنًّا من التركيبة العمرية للسيناتور. ووفقًا للإحصائيات الخاصة بانتخابات التجديد النصفي نوفمبر 2018، هناك زيادة في عدد النواب الذين تم انتخابهم من الفئات العمرية الأصغر، فوفقًا لتحليل "معهد بيو" سيكون هناك على الأقل 26 نائبًا من النواب من جيل الألفية الذين وُلدوا في الفترة ما بين عام 1981 إلى 1996.

4- الصلاحيات التي ينفرد بها كل مجلس: يتشارك مجلسا النواب والشيوخ في سلطات تشريعية واسعة، منها إقرار الميزانية، لكن مجلس النواب ينفرد وحده بحق طرح مشروعات القوانين الخاصة بفرض الضرائب والقوانين الخاصة بالإنفاق العام، ويختص مجلس الشيوخ بإقرار ترشيحات المسؤولين الكبار والمعاهدات الدولية التي يوقعها الرئيس، بينما مجلس النواب له الحق في إقرار القوانين الخاصة بزيادة الواردات الأمريكية من الخارج، ومجلس النواب له سلطة توجيه الاتهام للرئيس في البتّ في إجراءات عزله، بينما مجلس الشيوخ له وحده سلطة الموافقة على عزل الرئيس، حيث إن الموافقة على الاتهام يجب أن تتم بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ. 

5- رئاسة كل مجلس: رئيس مجلس النواب يجري انتخابه من قبل أعضاء المجلس، وعمليًّا رئيس المجلس هو رئيس حزب الأغلبية، أما رئيس مجلس الشيوخ، فهو نائب الرئيس الأمريكي، ولا يصوت إلا عند حصول تعادل في الأصوات.

العلاقة بين الرئيس والكونجرس:

يقوم النظام السياسي الأمريكي على مبدأ توازن السلطات بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، وذلك من خلال أن الرئيس أعلى شخص في السلطة التنفيذية، والكونجرس السلطة تشريعية، وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى ما يلي:

1- صلاحيات الكونجرس: حددت المادة الأولى من الدستور الأمريكي كافة الجوانب المرتبطة بالكونجرس بمجلسيه، بداية من طريقة انتخابات كل مجلس، مرورًا بالصلاحيات المخولة له، وانتهاء بالعلاقة بين المجلسين، وبينهما وبين الرئيس. وبشكل عام تتركز سلطات الكونجرس في تشريع القوانين، وإقرار الميزانية، والموافقة على قرار الدخول في الحروب الخارجية، والموافقة على المعاهدات الخارجية، وإقرار تعيين المسؤولين في المناصب العليا.

2- صلاحيات الرئيس: استنادًا إلى نصّ الفقرتين الثانية والثالثة من المادة الثانية من الدستور، يضطلع الرئيس الأمريكي بعدد من المهام، أبرزها أنه القائد الأعلى للقوات المسلحة، وله سلطة تعيين القائد العام للقوات المسلحة، وعقد المعاهدات الخارجية، وتعيين السفراء وقضاة المحكمة الدستورية العليا والموظفين في المناصب الهامة، ومنح العفو في الجرائم، ويزود الكونجرس من وقت لآخر بمعلومات عن حالة الاتحاد والسياسات الداخلية والخارجية للبلاد. 

3- التوازن بين الرئيس والكونجرس: تعتبر سلطة سن القوانين إحدى أهم السلطات الرئيسية للكونجرس، ويشترك الرئيس مع الكونجرس في عملية التشريع، من خلال السلطات المخولة له بالموافقة على القوانين، ورفضها. ويضطلع الكونجرس بمهمة إقرار الميزانية السنوية للولايات المتحدة الأمريكية. والكونجرس هو الجهة الوحيدة في النظام السياسي المخولة بقرار شن الحرب. ورغم ذلك فإن قرارات الحرب والدخول في عمليات عسكرية خارجية يقوم بها الرئيس في الكثير من الأحيان دون الرجوع إلى الكونجرس. ويتشارك الكونجرس مع الرئيس مع بعض الجوانب المتعلقة بالسياسة الخارجية، ومن بين هذه الجوانب، التشاور بشأن المعاهدات الخارجية التي سيوقع عليها الرئيس مع الدول الأخرى، والتي يجب أن تحظى بموافقة مجلس الشيوخ. كما يختص المجلس بسلطة الموافقة على الترشيحات التي يقدمها الرئيس للمناصب الكبرى مثل تعيين الوزراء، وقضاة المحكمة الدستورية العليا، والسفراء، والموظفين في المناصب الفيدرالية الرئيسية.

ومن الجدير بالذكر أن الدراسات المعنية بالنظام السياسي الأمريكي تشير إلى أن الرئيس يمارس دوره بشكل معقد، فممارسة الصلاحيات المنصوص عليها في الدستور يعتمد على قدرة كل رئيس على فهم وتطبيق هذه الصلاحيات، وكيف يتعامل مع الظروف السياسية الداخلية التي تمثل قيودًا عليه. ويقوم المحللون بتقييم أداء الرئيس وتطبيقه لصلاحياته وعلاقته مع الكونجرس، وفقًا لمعايير تشمل قدرته على التواصل العام، والقدرات التنظيمية لديه، ومهاراته ورؤيته السياسية، والفريق الرئاسي الذي يعمل معه، وأسلوب القيادة الذي يعتمده.

الكونجرس (117):

الكونجرس الأمريكي الحالي هو الكونجرس رقم 116 في الحياة السياسة الأمريكية، وبدأ مهام عمله في 3 يناير 2019 وستنتهي فترته يوم 3 يناير 2021، والسيطرة عليه موزعة بين الديمقراطيين الذين لديهم الأغلبية في مجلس النواب 232 مقعدًا من أصل 435 مقعدًا، وبين الجمهوريين 197 مقعدًا، وبقية المقاعد للأحزاب الصغيرة والمستقلين. وفي المقابل، يسيطر الجمهوريون على مجلس الشيوخ بـ53 مقعدًا من أصل 100 مقعد، و45 مقعدًا للديمقراطيين، والمقعدان المتبقيان للمستقلين. 

وبالتوازي مع انتخابات الرئاسة الأمريكية 2020، سيجري التصويت أيضًا في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس 2020 لاختيار الكونجرس الأمريكي الجديد رقم 117، حيث تتضمن بطاقة الاقتراع في الانتخابات الرئاسية أسماء المرشحين الرئاسيين، وأيضًا أسماء المرشحين في انتخابات مجلسي النواب والشيوخ. وسيتولى هذا الكونجرس المهام التشريعية في الفترة من 4 يناير 2021 إلى 3 يناير 2023، حيث ستكون انتخابات التجديد النصفي القادمة في نوفمبر 2022. 

وتشير التقديرات الأولية واستطلاعات الرأي إلى احتمال سيطرة الديمقراطيين على مجلس الشيوخ، وفي الوقت نفسه استمرار سيطرتهم على مجلس النواب، وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى ما يلي: 

1- انتخابات مجلس الشيوخ 2020: تجري الانتخابات لتجديد ثلثي مقاعد المجلس، والحزب الذي سيسيطر على المجلس يحتاج لأن يكون لديه 51 مقعدًا في المجلس، والسباق في انتخابات 2020 يجري على 35 مقعدًا، بينها 23 مقعدًا يشغلها أعضاء جمهوريون، و12 مقعدًا يشغلها ديمقراطيون. ويحتاج الديمقراطيون لانتزاع السيطرة على المجلس لضمان الحفاظ على مقاعدهم الـ12 والفوز بـ3 أو 4 مقاعد جديدة. وبشكل عام، ووفقًا للتقديرات الأولية واستطلاعات الرأي، فإن الديمقراطيين في وضع جيد، ويمكنهم حصد المقاعد المطلوبة للسيطرة على المجلس، فمن بين الـ12 مقعدًا التي لديهم وستجري عليها الانتخابات، لديهم 10 مقاعد مضمونة، ومقعد في ولاية ميشيغان تشير الترجيحات إلى أن اتجاهات التصويت عليه تميل نحو الديمقراطيين، وهناك مقعد واحد فقط في ولاية ألاباما تميل اتجاهات التصويت عليه نحو الجمهوريين، ومن الممكن أن يفقده الديمقراطيون. لكن -في المقابل- فإن المنافسة على مقاعد الجمهوريين قد تجري في صالح الديمقراطيين، فهناك مقعدان من مقاعدهم تشير اتجاهات التصويت عليها إلى أنها تميل للديمقراطيين، وتحديدًا في ولاية أريزونا، هذا بالإضافة إلى أن هناك 7 مقاعد من مقاعد الجمهوريين الـ23 عليها منافسة في ولايات مثل: كولورادو، وجورجيا، ومين، ومونتانا، ونورث كارولينا، وساويث كارولينا. إجمالًا، يمكن القول إنه إذا صدقت توقعات استطلاعات الرأي في الولايات التي تجري فيها المنافسة، ربما ينجح الديمقراطيون في انتزاع السيطرة على المجلس. 

شكل رقم (1) خريطة توضيحية حول موقف الديمقراطيين والجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشيوخ


2- انتخابات مجلس النواب 2020: تجري الانتخابات على كافة مقاعد المجلس الـ435، ويحتاج الحزب الذي سيسيطر على المجلس إلى الفوز بـ218 مقعدًا في الانتخابات، ووفقًا للتقديرات الأولية واستطلاعات الرأي فإن الديمقراطيين يمكنهم الفوز بـ232 مقعدًا في المجلس، وأن الجمهوريين لديهم فرصة للفوز بـ182 مقعدًا، وإذا صدقت هذه التقديرات واستطلاعات الرأي فذلك يعني أن الديمقراطيين وضعهم جيد في انتخابات مجلس النواب، وربما لن يواجهوا تهديدًا حقيقيًّا بخسارة السيطرة على المجلس.

شكل رقم (2) خريطة توضيحية حول موقف الديمقراطيين والجمهوريين في انتخابات تجديد مجلس النواب 2020



دلالات رئيسية:

إذا صدقت التقديرات واستطلاعات الرأي حول قدرة الديمقراطيين على السيطرة على مجلس الشيوخ، واحتفاظهم بمجلس النواب، فهذا التطور يعني أننا إزاء كونجرس ديمقراطي بالكامل، وفي ظل افتراض نظري بأن التقديرات التي تُشير إلى احتمال انتزاع الديمقراطيين للبيت الأبيض، فهذا يعني أننا أمام تركيبة حكم ديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية في جناحي الحكم (الكونجرس، والبيت الأبيض)، الأمر الذي يؤشر إلى أن الرئيس القادم الديمقراطي لن يجد معارضة تذكر لسياساته الداخلية والخارجية في الكونجرس. 

ومع الوضع في الاعتبار سيناريو مفترض بعدم نجاح الديمقراطيين في انتزاع البيت الأبيض من الجمهوريين، فهذا يعني أننا أمام تركيبة حكم، تشمل إدارة جمهورية في البيت الأبيض، وكونجرس ديمقراطي. وفي هذا الإطار سيكون هناك توتر مستمر بين جناحي الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية. 

ختامًا، بالتوازي مع انتخابات الرئاسة الأمريكية 2020 التي تنعقد لاختيار الرئيس رقم 46، تجري انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي 2020، وذلك لاختيار أعضاء الكونجرس 117، الذي سيبدأ مهامه قبل تولي الرئيس الجديد مهام منصبه بعدة أيام. ومع افتراض صحة التقديرات واستطلاعات الرأي التي تتنبأ بنجاح الديمقراطيين في السيطرة على مجلس الشيوخ، واحتفاظهم بمجلس النواب، فقد نشهد تركيبة جديدة للحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، يسيطر فيها الديمقراطيون على جناحي الحكم، البيت الأبيض والكونجرس معًا.