أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

فتور مُؤقت:

انعكاسات الحرب في غزة على العلاقة بين تركيا وإسرائيل

22 نوفمبر، 2023


وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في كلمة له خلال اجتماع للكتلة البرلمانية لحزبه العدالة والتنمية، في 16 نوفمبر 2023، إسرائيل بـ"دولة إرهابية"، وقال إنها تنفّذ المجازر والإبادة والتطهير العرقي بحقّ الفلسطينيين. وأضاف أردوغان أن الأطراف الداعمة لإسرائيل في حربها على الفلسطينيين، هي شريكة في كلّ المجازر الإسرائيلية، بحسب تعبيره. 

مؤشرات مُتعددة: 

ثمّة مؤشرات تُدلل على تصاعد الخطاب التركي تجاه إسرائيل خلال الأيام الماضية، وهو عكس ما كان خلال الأيام الأولى لاندلاع التصعيد في قطاع غزة بين حركة حماس وإسرائيل، ويمكن الوقوف على أبرز تلك المؤشرات على النحو التالي:

1. استدعاء السفراء: أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، إن حكومة بلاده أمرت بعودة الممثلين الدبلوماسيين من تركيا، وذلك رداً على التصريحات اللاذعة التي وجهها أردوغان إلى تل أبيب على خلفية الأحداث في غزة، والتي وصف فيها إسرائيل بـ"مجرمة حرب"، كما أعلن أنه سيقطع اتصالاته مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على خلفية ما ترتكبه القوات الإسرائيلية في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023. وتمثل تلك الخطوة تراجعاً كبيراً في العلاقات الثنائية بين البلدين؛ والتي تمت استعادتها بالكامل عام 2022، بعد انقطاع دام أكثر من عقد من الزمن. 

وفي المقابل، فقد أعلنت تركيا، في 4 نوفمبر 2023، استدعاء سفيرها في إسرائيل للتشاور على خلفية رفض إسرائيل الموافقة على وقف لإطلاق النار في غزة. وجدير بالذكر أن هذا الاستدعاء لا يمثل قطعاً للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين، إلا إنه يُنظر إليه على أنه تخفيض لمستوى التعاون، وتعبير عن الفتور الذي حلّ في العلاقة بينهما. 

2. إلغاء الزيارات: أعلن أردوغان، في 25 أكتوبر 2023، إلغاء زيارته التي كان مُخططاً لها إلى إسرائيل، مُؤكداً أن بلاده ترفض ما وصفها بـ"الفظائع التي ترتكبها إسرائيل" بحق المدنيين في غزة. كما أعلن وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار، إلغاء زيارته إلى إسرائيل، والتي أعلن عنها قبيل حرب غزة بيومين فقط. فضلاً عن ذلك، فقد دعا مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، جميع الإسرائيليين المقيمين في تركيا للمغادرة في أسرع وقت ممكن، وأعلنت شركات الطيران التركية تعليق رحلاتها إلى إسرائيل.

3. رفض أنقرة توصيف حماس بـ"الإرهابية": رفض الرئيس التركي، في 25 أكتوبر 2023، وصف حماس بـ"منظمة إرهابية"، وأصرّ على نعتها بـ"حركة تحرير تخوض معركة لحماية أرضها". وقد حاولت أنقرة أداء دور الوسيط بين إسرائيل وحماس، خلال التصعيد الأخير بينهما، وترسيخ نفسها كوسيط للسلام الإقليمي، إلا أن ذلك قد قُوبل بالرفض من جانب إسرائيل، والتي رأت أن تركيا تتخذ موقفاً مُسانداً لحماس. وقد أعلنت السفيرة الإسرائيلية لدى تركيا إيريت ليليان، في 8 أكتوبر 2023، عدم قبول بلادها الوساطة التركية، مُبررة ذلك بأن أنقرة تستضيف قيادات في حركة حماس، ومنهم صالح العاروري، مُطالبة بضرورة ألّا يكون لحماس أي أنشطة في تركيا. 

4. تعليق التعاون الطاقي: أشارت وكالة بلومبرغ، في 26 أكتوبر 2023، إلى أن أنقرة قد علقت جميع اتفاقات الطاقة وجميع خطط التعاون في مجال الطاقة مع إسرائيل، بما فيها مشروع أكبر حقل بحري للغاز في إسرائيل، الأمر الذي ترى فيه بعض التقديرات أنه سيعود بالضرر على إسرائيل لكون الخيار التركي هو الأنسب والأقل تكلفة، بعد أن طلبت تل أبيب الاستعانة بأنقرة، كشريك ثانٍ، بعد القاهرة، لنقل الغاز إلى أوروبا، عبر أنابيب تمر في تركيا، وكذلك استخدام هذا الغاز لتلبية الاحتياجات المحلية لتركيا، إذ تشير التقارير إلى أن إسرائيل لديها نحو 750 مليار متر مكعب من احتياطيات الغاز المؤكدة وحوالي 50 مليون برميل من النفط، وتخطط لنقل نحو 10 مليارات متر مكعب سنوياً من حقل غاز ليفياثان إلى السوق الأوروبية. 

أسباب دافعة: 

ثمّة أسباب أسهمت في أن يتبلور الموقف التركي إزاء الأحداث في غزة على النحو الأخير، ويمكن استعراض أبرز تلك الأسباب على النحو التالي:

1. تزايد الضغط الشعبي: تصاعد الرأي العام داخل تركيا في التنديد بالممارسات الإسرائيلية بحق المدنيين في قطاع غزة، خاصة مع استمرار عمليات القصف، والتي طالت منشآت ومبانٍ مدنية مثل المستشفيات والأحياء السكنية. إذ عمّت المظاهرات مناطق عدّة داخل تركيا، خاصة في ولايات أنقرة وإسطنبول وأضنة وأنطاليا وديار بكر وأردهان وغازي عنتاب وقهرمان مرعش وملاطية وغيرها. 

ومن جهة أخرى، فقد التقى أعضاء حزب هدى بار (الدعوة الحرة)، وهو حزب سياسي إسلامي مُتحالف مع حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان، مع المسؤول الكبير في حماس، باسم نعيم، وعقدوا مؤتمراً صحفياً له داخل البرلمان التركي. وتجلى الضغط الشعبي على أردوغان في المسيرات الشعبية المؤيدة للقضية الفلسطينية، التي وصلت لحد الدعوة إلى الاحتجاج حول القاعدة الجوية الأمريكية في جنوب شرق تركيا والقنصلية الإسرائيلية في إسطنبول. 

ومنذ الانتخابات الرئاسية الماضية التي أجريت في مايو 2023، لم تشهد تركيا تجمعاً سياسياً بحجم وأهمية "تجمع فلسطين الكبير" الذي أُقيم في 28 أكتوبر 2023، في ساحة مطار "أتاتورك الدولي"، فضلاً عن ذلك، فقد اتسع خلال الأيام الأخيرة، حجم الدعوات التركية الشعبية لمقاطعة السلع الإسرائيلية والشركات العالمية التي تدعم إسرائيل.

2. قُرب موعد الانتخابات البلدية: تستعد تركيا للانتخابات المحلية المقررة في مارس 2024، وقد عقد أردوغان مؤتمراً عاماً استثنائياً لحزبه "العدالة والتنمية"، وهو الرابع من نوعه منذ تأسيسه عام 2001، إذ أُعيد انتخابه رئيساً للحزب بأغلبية ساحقة. وأشارت بعض التقديرات إلى أن محاولات التوازن التي سعى أردوغان لاتخاذها في بداية التصعيد في غزة، لم تلق استحساناً أو قبولاً من جانب بعض الأوساط في تركيا، الأمر الذي دفعه للعودة لدور الشعبوية، ولاسيما وأنه وحزبه على أعتاب انتخابات بلدية خلال 2024، فهو على يقين بأن الدعم الشعبي سيكون معه إذا اختار زيادة التوترات مع إسرائيل في مواجهة الممارسات الإسرائيلية ضد قطاع غزة واتساع نطاق الصراع في المنطقة. خاصة وأن النتائج الأخيرة للانتخابات الرئاسية، توضح بلا شك، أن شعبية أردوغان وحزبه في تراجع مُستمر، إذ لم يحصد أردوغان سوى 52% من أصوات الناخبين في الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في مايو 2023، وكذلك حزبه الذي حصل على نتائج هي الأقل في تاريخه في الانتخابات البرلمانية. 

سيناريوهات مُستقبلية: 

قد يلقي موقف تركيا إزاء إسرائيل، بتداعياته على مُستقبل عملية تطبيع العلاقات بين البلدين، والتي قد تتخذ أحد السيناريوهات التالية:

1- أزمة دبلوماسية مع استمرار التعاون الاقتصادي: يفترض هذا السيناريو أن العلاقات بين البلدين لن تصل إلى حد القطيعة الكاملة، على أن يقتصر التوتر بينهما على مستوى استدعاء الدبلوماسيين. ويستند ذلك إلى رغبة تركية في الحفاظ على المصالح مع الجانب الإسرائيلي، خاصة ما يتعلق بالمصالح الاقتصادية، ويستشهد هذا السيناريو بأن التبادل التجاري لم ينقطع خلال فترات التوتر والقطيعة السياسية والدبلوماسية بين البلدين، والتي استمرت سنوات قبل أن تعود في عام 2022. 

2- قطيعة تامة: يرجح هذا السيناريو انتهاء التقارب التركي مع إسرائيل، وذلك في ضوء استمرار الانتقادات التركية لموقف إسرائيل تجاه الحرب على حماس وقطاع غزة، الأمر الذي وصل بتوجيه وزارة العدل التركية بفتح قضية جنائية ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتهمة ارتكاب أعمال "الإبادة الجماعية" في القطاع. كما يُرجح أن تُسهم الضغوط الشعبية المُتزايدة في تعزيز القطيعة وتجميد العلاقات بين البلدين.

3- فتور مُؤقت: من المُحتمل وفق هذا السيناريو، أن يكون الفتور في العلاقات بين أنقرة وتل أبيب مُؤقتاً، مع تصاعد الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، ورغبة أردوغان في استرضاء القاعدة الشعبية المنددة بتلك الممارسات. فحتى خطاب أردوغان الذي كان سبباً رئيسياً في التصعيد بينهما، ركّز على أن الطريقة الوحيدة لإنهاء هذه الحرب هي تحويلها إلى فرصة لتحقيق سلام تاريخي بين الفلسطينيين والإسرائيليين. إذ دعا أردوغان إلى تنظيم "مؤتمر سلام فلسطيني إسرائيلي دولي" تشارك فيه جميع الدول الفاعلة والمؤثرة في المنطقة.

وفي التقدير، يمكن القول إنه ورغم تصعيد حدّة الخطابات بين تركيا وإسرائيل، على خلفية الأحداث في غزة، فإن هناك حرصاً مُشتركاً من جانب كلا البلدين على الحفاظ على المصالح المتبادلة بينهما. إذ من المُرجح أن تمثل تلك اللهجة العنيفة، مجرد مساحة من حرية الحركة لدى كل طرف لإظهار استقلالية أو موقف حاد أمام الرأي العام الداخلي، ولكن دون التأثير الكبير في مُستقبل العلاقات بينهما، لذلك فعلى الأرجح قد يمثل التوتر بين البلدين فتوراً مُؤقتاً دون قطع تام للعلاقات الدبلوماسية، ولاسيما في خضم مصالحهما الاقتصادية المشتركة والتي قد تحفزهما على استكمال عملية التطبيع الكامل للعلاقات.