أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

مواصلة التطبيع:

وساطة روسية تعيد سوريا إلى محيطها العربي والإقليمي

28 مارس، 2023


أجرى الرئيس السوري بشار الأسد، في 14 مارس 2023، زيارة رسمية إلى العاصمة الروسية موسكو، على رأس وفد رفيع المستوى يضم وزير الخارجية، فيصل المقداد، ووزير شؤون رئاسة الجمهورية، منصور عزام، ووزير الاقتصاد والتجارة الخارجية، سامر الخليل، ووزير الدفاع، العماد علي عباس، ووزير المالية، كنان ياغي.

وكان في استقبال الوفد الممثل الخاص للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ونائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوجدانوف، وسفير روسيا لدى دمشق، ألكسندر يفيموف، وسفير سوريا لدى موسكو، بشار الجعفري.

تأهيل سوريا إقليمياً 

سعت موسكو ودمشق لتحقيق عدد من الأهداف من هذه الزيارة، يمكن تفصيلها على النحو التالي:

1- بحث استئناف العلاقات السعودية السورية: ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، في 23 مارس 2023، أن السعودية وسوريا اقتربتا من التوصل لاتفاق لاستعادة العلاقات الدبلوماسية بعد مفاوضات بوساطة روسية، وأن هذا الموضوع كان على جدول أعمال المناقشات بين بوتين والأسد أثناء زيارة الأخير لموسكو. 

كما أن موسكو والرياض استضافتا جولات من المناقشات في الأسابيع الأخيرة حول هذا الموضوع، وهي الوساطة التي تجيء بعد الوساطة الصينية بين الرياض وطهران، وهو ما يكشف عن تصاعد دور روسيا والصين في صياغة التفاعلات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط بعيداً عن الولايات المتحدة الأمريكية. 

وأكدت قناة "الإخبارية" السعودية الحكومية صحة هذه التسريبات، والتي كشفت عن أن هناك خطوات عملية تم اتخاذها في هذا الإطار، إذ أشارت إلى مصدر بوزارة الخارجية السعودية، والذي كشف بدوره عن بدء مباحثات مع وزارة الخارجية السورية لاستعادة الخدمات القنصلية بين البلدين، والذي برره المصدر على أساس "حرص المملكة على تقديم الخدمات القنصلية الضرورية للشعبين".

ويلاحظ أن استعادة العلاقات بين الرياض ودمشق برعاية روسية سوف تُحقق هدفاً استراتيجياً لموسكو، وهو ضمان انفتاح الدول العربية على دمشق، بما يساعدها في النهاية على استقطاب استثمارات عربية تسهم في جهود إعادة الإعمار السورية بعد الحرب، وهو الأمر الذي سوف يضعف السياسة الأمريكية تجاه دمشق، خاصة بعدما باتت واشنطن تعتمد على الأكراد وحدهم، في ضمان وجودها هناك، وافتقدت التنسيق مع حلفائها الإقليميين، خاصة تركيا، والتي تخلت تماماً عن هدف إسقاط الحكومة السورية. 

ونظراً لأن الاستراتيجية الأمريكية كانت تقوم على إضعاف الحكومة السورية، ومحاولة توظيف العقوبات الاقتصادية، والعزلة الإقليمية، للضغط عليها لتقديم تنازلات للمعارضة السياسية، فإنه من الواضح أن واشنطن افتقدت الدعم الإقليمي لهذه الجهود، وباتت سياستها تسعى لتحقيق هدف يبدو صعب المنال، خاصة بعد الانفتاح التركي السعودي الأخير. 

2- مناقشة التقارب التركي السوري: تأتي تلك الزيارة في الوقت الذي تم إرجاء الاجتماع الرباعي بين نواب وزراء خارجية تركيا وسوريا وروسيا وإيران، والذي كان من المقرر عقده يومي 15 و16 مارس 2023، وهو الاجتماع الذي يأتي في إطار جهود روسيا للدفع بالتقارب بين أنقرة ودمشق. 

وأكد الرئيس السوري، في تصريحات صحفية على هامش زيارته لموسكو، شرط سوريا للمشاركة في هذا الاجتماع، وهو أن يكون هناك اتفاق بين الأطراف المشاركة على وضع جدول أعمال واضح يقوم على انسحاب القوات التركية من مناطق شمال سوريا، مشيراً إلى أن هدف أنقرة من عقد الاجتماع هو لأغراض انتخابية بسبب قرب الانتخابات التركية التي ستجرى في 14 مايو 2023. 

ويُعد ذلك خلافاً لما ادّعته تركيا بأن سبب تأجيل هذا الاجتماع هو وجود مشكلات فنية، رغم وصول الوفد التركي إلى موسكو برئاسة نائب وزير الخارجية التركي، بوراك أكجابار، في 15 مارس. لذا فإن الزيارة تأتي في إطار مناقشة موسكو للشروط السورية للدفع بالتقارب بين الجانبين، خاصة وأن هناك اتفاقاً من حيث المبدأ على انسحاب القوات التركية من سوريا، وإن كان لا يزال هناك خلاف حول كيفية تطبيق ذلك.

ويبدو أن موسكو نجحت في مسعاها لاستعادة المفاوضات بين دمشق وأنقرة، وهو ما وضح في تأكيد نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوجدانوف، في 27 مارس 2023، أن المشاورات الرباعية على مستوى نواب وزراء خارجية روسيا الاتحادية وسوريا وتركيا وإيران قد تعقد في موسكو في أوائل إبريل المقبل، وأن هذا اللقاء سوف يكون تمهيدياً للتحضير للاجتماع على مستوى وزراء خارجية الدول السابقة. 

3- تعزيز الوجود العسكري الروسي: جاءت الزيارة لتؤكد الحضور العسكري الروسي في سوريا، إذ التقى وزيرا دفاع البلدين، وهو ما يكشف عن مناقشة الجانبين لقضايا عسكرية. ورحّب الرئيس السوري، بشار الأسد، على هامش الزيارة، بأي مُقترحات تطرحها روسيا لإقامة قواعد عسكرية جديدة مع إمكانية تطوير القواعد العسكرية الحالية لتكون مجهزة بالكامل للتصدي لأي هجمات مُحتملة مُستقبلاً، أو لزيادة القوات الروسية في سوريا، مؤكداً أن الوجود العسكري الروسي في سوريا لا يتعين عليه أن يكون مرتبطاً بمكافحة الإرهاب، لأن هذا الأخير أمر مؤقت، بل يجب أن يكون هذا الوجود دائماً.

وبرر الأسد ذلك بأن الهدف من وجود روسيا في سوريا يرتبط بتحقيق توازن القوى الدولي، على أساس أن ذلك يمنح روسيا الفرصة في الوجود على سواحل البحر المتوسط، وكذلك الجناح الجنوبي لحلف "الناتو"، في إطار الصراع الروسي مع الغرب على خلفية الحرب الأوكرانية. 

كما أن تصريحات الأسد تلك، تعكس رغبة دمشق في الحفاظ على المظلة الأمنية الروسية لمواجهة الانتشار العسكري الأمريكي في شرق سوريا، في مناطق سيطرة الأكراد، والذي تنظر إليه دمشق باعتباره احتلالاً غير مشروع. 

4- تعزيز التعاون الاقتصادي: جاءت زيارة بشار الأسد إلى موسكو بعد كارثة الزلزال الذي وقع في شمال سوريا، في 6 فبراير 2023، والذي خلّف العديد من التداعيات السلبية على الاقتصاد السوري المُنهك بسبب الاضطرابات والحرب الأهلية التي شهدتها البلاد بعد عام 2011، والعقوبات المفروضة على دمشق. 

وكشف الأسد، على هامش زيارته لموسكو، عن أن هناك خططاً لتنفيذ نحو 40 مشروعاً روسياً في سوريا بمجالات الطاقة والكهرباء والنفط والنقل والإسكان وفي المجالات الصناعية وفي مجالات مختلفة أخرى كثيرة. 

وعلى الرغم من أهمية ذلك التعاون، فإنه لا يمكن التعويل على روسيا وحدها لتقديم حلول اقتصادية لسوريا في ضوء ما تتعرض له موسكو من عقوبات اقتصادية غربية نتيجة للحرب الأوكرانية، فضلاً عن انشغالها بهذه الحرب، بالإضافة إلى العقوبات الدولية على سوريا. ويمكن للبلدين أن يتغلبا على هذه العوائق من خلال إيجاد خط نقل شحن مباشر بين ميناء اللاذقية ونوفوروسيسك وبالعكس، لنقل البضائع والمنتجات فيما بينهما، غير أن موسكو سوف تحتاج في النهاية إلى دول أخرى للمساعدة في جهود إعادة إعمار سوريا بعد الحرب، وهو ما يكشف عن أحد أسباب الحرص الروسي على دعم الانفتاح الإقليمي والعربي على دمشق. 

انعكاسات ممتدة 

تُشير تلك الزيارة إلى عدد من الدلالات، يمكن الإشارة إلى أبرزها على النحو التالي:

1- تأكيد الحضور الدولي لدمشق: تُدلل الزيارة على رغبة روسيا في إعادة سوريا إلى المجتمع الدولي، خاصة وأنها تأتي بالتزامن مع عودة الاتصالات الدولية والإقليمية مع الحكومة السورية عقب كارثة الزلزال الأخيرة. 

ومما يعزز ذلك الاتجاه، إجراء الأسد زيارة رسمية إلى سلطنة عُمان في 20 فبراير 2023، أي قبل زيارته لموسكو، والتي أعقبها أيضاً بزيارة إلى دولة الإمارات، في 19 مارس، بالإضافة إلى الكشف عن مساعي دمشق والرياض لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما في وقت لاحق.

وفي هذا السياق، أشار وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، في 9 مارس 2023، إلى تحسن العلاقات الدبلوماسية بين دمشق ودول المنطقة في أعقاب الزلزال. ولا تزال الولايات المتحدة تناوئ هذه التوجهات، وهو ما وضح في إصدار الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا بياناً مُشتركاً أكدت فيه موقفها الرافض لأي تطبيع مع الحكومة السورية، أو مساعدتها في جهود إعادة الإعمار، حتى يتم إحراز تقدم حقيقي في الحل السياسي.

2- استمرار الحضور الروسي في سوريا: تأتي تلك الزيارة في الوقت الذي تصاعد فيه الحديث في وسائل الإعلام الغربية عن تراجع الوجود العسكري الروسي في سوريا، على خلفية الاهتمام بالعمليات العسكرية في أوكرانيا، غير أن الواقع العملي كشف عن أن ما تم هو مجرد تدوير للقوات، وأن حجم القوات الروسية في سوريا لم يطرأ عليه أي تغيير كبير. ولعل الاستثناء الوحيد على ذلك هو سحب منظومة واحدة للدفاع الجوي الروسي "أس 300" من سوريا. ولذا تؤشر الزيارة إلى استمرار تمسك موسكو بخياراتها وبمواقفها السياسية تجاه سوريا، باعتبارها حليفة لها في المنطقة لن تتخلى عنها.

ومن جهة أخرى، فإن تلك الزيارة تمثل رداً من جانب دمشق وموسكو على الزيارة التي أجراها رئيس هيئة الأركان الأمريكية إلى القواعد الأمريكية في سوريا، في 4 مارس 2023، وذلك بهدف إظهار قوة التحالف الروسي السوري في مواجهة الوجود العسكري الأمريكي في سوريا.

وفي التقدير، يمكن القول إن تلك الزيارة، ورغم إنها ليست الأولى لبشار الأسد لموسكو، بل سبقها زيارات عمل عدّة في أكتوبر 2015، ونوفمبر 2017، ومايو 2018، وسبتمبر 2021، كانت تجرى غالباً في إطار سري، إلا إن تلك الزيارة تختلف توقيتاً وشكلاً ومضموناً، خاصة في ظل التحولات التي يشهدها المسرحان الإقليمي والدولي، ولاسيما بعد الاتفاق السعودي الإيراني، الذي وُقع برعاية صينية، علاوة على التغير في الموقف من الحكومة السورية بعد كارثة الزلزال، واقتراب موعد الانتخابات التركية، وما ستسفر عنه من نتائج تؤثر في مسار هذه التحولات، لذا فإن هذه الزيارة تحمل رسالة مفادها أن روسيا لن تتخلى عن أصدقائها، ولاسيما سوريا، بما تحمله من أهمية استراتيجية لها، وأن سوريا ستعود، بوساطة روسية، إلى محيطها العربي والإقليمي.