أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

إشكالية لاسعانود:

فرص نجاح صوماليلاند في استيعاب احتجاجات المعارضة

10 يناير، 2023


شهدت مدينة لاسعانود، عاصمة منطقة سول بجمهورية أرض الصومال "صوماليلاند" الانفصالية، احتجاجات واسعة ضد حكومة هرجيسا خلال الأيام الأخيرة، وهو ما أسفر عن مقتل أكثر من 20 شخصاً وإصابة العشرات، وعلى الرغم من مناشدة وزير الإعلام بأرض الصومال، صليبان على كور، للمتظاهرين بوقف الاحتجاجات والتفاوض مع الحكومة، بيد أن التصعيد لا يزال مستمراً في المدينة.

اضطرابات متزايدة: 

تستمر المواجهات العنيفة بين قوات الشرطة والجيش التابعين لصوماليلاند والمحتجين المناهضين للحكومة في مدينة "لاسعانود" بجنوب شرق البلاد، على بعد 500 كيلومتر شرق عاصمة صوماليلاند هيرجيسا، حيث أعادت هذه الاحتجاجات تأجيج الأزمة السابقة في المدينة، والتي يمكن عرض ملامحها على النحو التالي: 

1- منطقة متنازع عليها: تشكل مدينة لاسعانود أحد المدن الواقعة في المناطق الحدودية الفاصلة بين صوماليلاند، والتي أعلنت انفصالها بشكل منفرد عن الصومال منذ عام 1991، وولاية بونتلاند، أحد الولايات الصومالية الخمس. وكان الطرفان قد دخلا في صراعات متكررة على هذه المدينة وغيرها من المناطق الحدودية.

وفي ديسمبر 2022، قامت بونتلاند وصوماليلاند بحشد قواتهما على الحدود المتنازع عليها بينهما، عند بلدة بوهودلي بمنطقة توغدير، حيث تمكنت قوات صوماليلاند من الاستيلاء على هذه المنطقة التي كانت تسيطر عليها بونتلاند سابقاً، وذلك بعد أسابيع قليلة من تمكن هرجيسا من الاستيلاء على بلدة بوامي، القريبة من لاسعانود. 

2- مطالبة بالانفصال: طالبت الاحتجاجات في لاسعانود بتخلي صوماليلاند عن المدينة لصالح بونتلاند، متهمين القوات الأمنية لهرجيسا بالفشل في تحقيق الاستقرار والأمن بالمدينة، خاصةً في ظل سلسلة الاغتيالات السياسية التي شهدتها المدينة خلال الآونة الأخيرة، وكانت الاحتجاجات قد بدأت، في 27 ديسمبر الماضي، على وقع اغتيال أحد السياسيين من قبل عناصر مسلحة.

وأشارت تقارير محلية في صوماليلاند إلى أن القوات الحكومية عمدت إلى استخدام القوة ضد المحتجين، واعتقال العشرات منهم، فضلاً عن قطع خدمة الإنترنت والهاتف عن المدينة، وأسفرت الممارسات الحكومية عن مقتل العشرات. وفي المقابل، لوح رئيس جمهورية أرض الصومال الانفصالية، موسى بيهي عبدي، في 3 يناير الجاري، بأن قوات صوماليلاند مستعدة لصد أي هجمات محتملة من قبل قوات بونتلاند المجاورة لمدينة لاسعانود.

3- تنديد داخلي وخارجي: نددت قوى المعارضة في أرض الصومال بالعنف الحكومي ضد المحتجين في لاسعانود، ومن ذلك تصريحات رئيس حزب الوداني المعارض، عبد الرحمن عرو، والذي أشار كذلك إلى أنه في 31 ديسمبر 2022 فقط قُتل أكثر من عشرة أشخاص، فضلاً عن إصابة أكثر من 50 آخرين، وهو الموقف ذاته الذي عبّر عنه نائب رئيس ولاية بونتلاند، أحمد علمي عثمان كرش.

ومن ناحية أخرى، أصدرت مجموعة دول "شركاء الصومال الدوليين" بياناً مشتركاً، في مطلع يناير 2023، عبروا خلاله عن قلقهم البالغ إزاء الاضطرابات الراهنة بشرق صوماليلاند، وطالبوا الأطراف كافة بضبط النفس وتجنب التصعيد، مطالبين الحكومة في هرجيسا بضرورة منع العنف وحماية المدنيين، والعمل على حلحلة الأزمة من خلال الحوار، وتضم مجموعة دول شركاء الصومال بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وهيئة الإيجاد وجامعة الدول العربية، إلى جانب عدد من القوى الدولية، على غرار الولايات المتحدة والصين وروسيا والمملكة المتحدة، وكذا عدد من القوى الإقليمية، كمصر وتركيا وقطر وكينيا وإثيوبيا.

متغيرات مهمة:

يأتي التصعيد الراهن بمدينة لاسعانود في إطار جملة من المتغيرات التي شهدتها مقديشو وهرجيسا خلال الفترة الأخيرة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي: 

1- توتر بين الحكومة والمعارضة: نظمت المعارضة في صوماليلاند احتجاجات في أغسطس 2022، ضد عبدي، اعتراضاً على قراره بتأجيل الانتخابات الرئاسية المقرر لها نوفمبر 2022. ولاتزال التوترات قائمة بين حزبي المعارضة، "أوعد" و"الوطني" من جانب، وحزب "كلمية" الحاكم في هرجيسا من جانب آخر، خاصة مع إعلان المعارضة عدم اعترافها بشرعية عبدي المنتهية ولايته بعد نهاية فترة حكمه في 13 نوفمبر 2022.

وعلى الرغم من إعلان الأخير، في ديسمبر 2022، بدء تسجيل الناخبين استعداداً للاستحقاقات الرئاسة في الإقليم، والتي يتوقع اجراؤها في يونيو 2023، فإن التوترات بين حزبي المعارضة والحكومة في هرجيسا لا تزال قائمة، مع عدم استبعاد تصاعد حدتها خلال الفترة المقبلة.

2- وساطة مطروحة بين مقديشو وهرجيسا: أجرى وفد نرويجي – تركي زيارة إلى صوماليلاند، مطلع ديسمبر 2022، التقى خلالها بالرئيس عبدي، وذلك لتسهيل إجراء جولة جديدة من المفاوضات مع الحكومة الصومالية. وأعلنت هيرجيسا في أعقاب هذه الزيارة ترحيبها بالمفاوضات مع مقديشو، لكنها وضعت جملة من الشروط المسبقة، والتي تتضمن أن تدخل صوماليلاند هذه المفاوضات باعتبارها دولة مستقلة ذات سيادة، مع ضرورة وجود وسيط دولي لمراقبة عملية تنفيذ أي اتفاق يتم التوصل إليه.

وكان الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، قد التقى مطلع ديسمبر 2022، بعبدي في جيبوتي، على هامش حفل زفاق ابنة رئيس جيبوتي، اسماعيل عمر جيلي، وهو اللقاء الأول بينهما منذ وصول شيخ محمود للسلطة منتصف العام الماضي، وهو ما عزز من احتمالية استئناف المفاوضات بين مقديشو وهيرجسيا، لاسيما مع إعلان الرئيس الصومالي جديته إعادة المفاوضات مع أرض الصومال، وإن كانت مطالب بيهي تقف عائقاً أمام ذلك التقارب. 

3- توترات بشأن التنقيب عن النفط: تجددت التوترات بين مقديشو وهرجيسا خلال الأيام الأخيرة، على خلفية تحذير الحكومة الصومالية لشركة "جنرال إنرجي" البريطانية من التنقيب عن النفط في صوماليلاند الانفصالية، بعد إعلانها التوصل إلى اتفاق للتنقيب هناك، فيما نددت وزارة البترول في مقديشو بشروع الشركة البريطانية بالتنقيب عن النفط في هرجيسا، كونها لم تحصل على تراخيص من الحكومة الصومالية، في ظل عدم اعتراف الأخيرة باستقلال صوماليلاند، واعتبارها جزءاً من جمهورية الصومال الفيدرالية.

مسارات محتملة:

في إطار استمرار الاحتجاجات في شرق صوماليلاند، بالتوازي مع المتغيرات الراهنة في مقديشو وهرجيسا، يلاحظ أن هناك جملة من المسارات المحتملة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- تصعيد محتمل للتوترات في هرجيسا: تشير كثير من التقديرات إلى تزايد احتمالات تصاعد التوتر في صوماليلاند، مع ترجيح محاولة حزبي المعارضة توظيف الاحتجاجات الراهنة في مدينة لاسعانود لإعادة تنظيم احتجاجات جديدة ضد عبدي، الأمر الذي ينذر بتأجيج عدم الاستقرار في هرجيسا.

وعلى المنوال ذاته، تنذر التوترات الحدودية المتكررة بين صوماليلاند وبونتلاند باحتمالية تصاعد المواجهات بين الطرفين، لا سيما مع الاضطرابات الداخلية في كل منهما، إذ إن بونتلاند تشهد هي الأخرى تصعيداً من جانب قوى المعارضة ضد رئيس الولاية المنتهية ولايته، سعيد عبد الله ديني، وربما تنعكس الاضطرابات السياسية الداخلية في صوماليلاند وبونتلاند على تحفيز التصعيد بينهما في المناطق الحدودية المتنازع عليها لصرف الانتباه بعيداً عن المشاكل الداخلية. 

2- تحركات محتملة من شركاء الصومال: تبدي دول أوروبية والولايات المتحدة وبعض القوى الإقليمية اهتماماً بهرجيسا، ولذلك يرجح أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من التحركات الدولية للانخراط في الأزمة الراهنة في صوماليلاند لتجنب تفاقم الأوضاع الأمنية والسياسية هناك، خاصة مع حرص الولايات المتحدة على تعزيز الحضور في القارة الأفريقية. 

وفي هذا السياق، أصدر الرئيس الأمريكي، جو بايدن، قانون تفويض الدفاع الوطني، في نهاية ديسمبر 2022، والذي بموجبه ستتمكن صوماليلاند، لأول مرة، من المشاركة في البرامج العسكرية الأمريكية، ومن ثم تعزيز التعاون الأمني بين واشنطن وهرجيسا، وهو ما يحمل مؤشرات مهمة بشأن مدى الاهتمام الغربي والأمريكي بصوماليلاند، ومن ثم حرص الغرب على ضبط الأوضاع الأمنية في هرجيسا.

3- تعطل مفاوضات مقديشو وهرجيسا: على الرغم من المؤشرات الإيجابية التي عكستها تصريحات الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، بشأن الاستعداد لاستئناف التفاوض مع صوماليلاند، فضلاً عن التحركات الراهنة من قبل بعض الأطراف، على غرار تركيا والنرويج، للوساطة بين هرجيسا ومقديشو لبدء المفاوضات، بيد أن غالبية التقديرات ترجح احتمالية استمرار تعطل هذه المفاوضات على غرار الجولات الثمانية السابقة التي انطلقت منذ عام 2012، في ظل رغبة كلا الطرفين في استمرار الوضع القائم، فضلاً عن تخوف قادة مقديشو من تقديم أي تنازلات لهرجيسا تؤثر على موقفهم الداخلي، ناهيك عن الموقف الداخلي المأزوم الذي يواجهه رئيس صوماليلاند.

وفي الختام، على الرغم من اعتبار صوماليلاند من المناطق التي تشهد حالة من الاستقرار النسبي، فإن التوترات التي تشهدها خلال الفترة الأخيرة تنذر بتأجيج المشهد الداخلي، في ظل الاضطرابات السياسية الراهنة والتصعيد من قوى المعارضة السياسية هناك، فضلاً عن التزايد المضطرد في التوترات الحدودية مع بونتلاند، لذا فإن المعطيات الحالية تدفع نحو ترجيح سيناريو التصعيد، ما لم تتمكن الجهود الدولية والإقليمية من تجنب هذا السيناريو والعمل على تسوية الخلافات السياسية والأمنية.