طرح تصديق الحكومة الإسرائيلية، في 31 يوليو 2022، على اقتراح رئيس الوزراء، يائير لابيد، ووزير التعاون الإقليمي، عيسوي فريج، لتسريع مشروع "بوابة الأردن" الذي يمثل منطقة صناعية مشتركة بين كل من تل أبيب وعمّان، تساؤلات بشأن الأهداف التي قامت من أجلها إسرائيل بإعادة إحياء هذا المشروع المتوقف منذ توقيع اتفاق السلام بين البلدين في وادي عربة عام 1994، والعوائد التي يجنيها البلدان من ورائه، وانعكاساته على مسار التعاون بينهما.
دوافع مشتركة:
كان ملفتاً أن المشروع المشترك جرى الإعلان عنه من جانب واحد، وهو الجانب الإسرائيلي فقط، فيما اكتفى الجانب الأردني بتصريح لمصدر مسؤول بوزارة الاستثمار قال فيه إن "المشروع عبارة عن منطقة حرة خاصة تعود فكرة إنشائها إلى عام 1998، ويديره القطاع الخاص، وإن الإعلان الإسرائيلي قد يكون خطوة أولية نحو استكمال المشروع الذي ننتظر لمعرفة المزيد من التفاصيل بشأنه عبر القنوات الرسمية"، وهو ما يعبر وضوح عن أن الإعلان عن المشروع في هذا الوقت جاء لتحقيق أهداف إسرائيلية في المقام الأول، يمكن قراءتها في التالي:
1- أهداف انتخابية: تُقبل إسرائيل مطلع نوفمبر المقبل على انتخابات مبكرة هي الخامسة في غضون نحو ثلاث سنوات ونصف على أثر أزمة سياسية محتدمة أفضت إلى توافق كل من نفتالي بينيت، ويائير لابيد على حل الكنيست على أن يتولى الأخير رئاسة الحكومة حتى إجراء الانتخابات.
ومن هذا المنطلق تبدو الأهداف الانتخابية واضحة وراء سعي لابيد إلى طرح هذا المشروع في هذا التوقيت، وذلك من خلال السعي إلى تحقيق اختراقات في ملفات خارجية يجري تسويقها للإسرائيليين بوصفها إنجازات، ومن ثم تسهم في زيادة رصيد حزب "هناك مستقبل" الذي يتزعمه لابيد وحزب "يمينا" الذي يتزعمه نفتالي بينيت اللذين كوّنا الائتلاف الحكومي الحالي، في مقابل حزب الليكود الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، والذي تشير تقديرات إلى أن عدم عودته إلى رئاسة الوزراء في إسرائيل يمكن أن يكون هدفاً مشتركاً ما بين الأردن والحكومة الحالية؛ بالنظر إلى حجم الضرر الذي أصاب العلاقات الإسرائيلية – الأردنية في عهد نتنياهو، خاصة إبان حقبته الأخيرة في رئاسة الوزراء.
2- ترميم العلاقة مع الأردن: تضررت العلاقات الإسرائيلية – الأردنية بشكل كبير في عهد بنيامين نتنياهو على أثر أكثر من ملف، يأتي في مقدمتها ملف الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية في القدس والخلافات التي دارت بين البلدين بشأن هذه الوصاية، وصولاً إلى أزمة الحارس الإسرائيلي الذي تسبب في مقتل مواطنين أردنيين اثنين في العاصمة الإسرائيلية بعمّان ثم، استقباله من جانب نتنياهو في مقر رئاسة الوزراء، ما أثار توترات حادة بين البلدين، وهو الأمر الذي أشار إليه بينيت بقوله إنه كان هناك انفصال حاد في العلاقة مع الأردن بسبب نتنياهو.
وتظهر اللقاءات التي عقدها كبار المسؤولين الإسرائيليين بدءاً من الرئيس إسحاق هرتسوج مروراً برئيسي الوزراء بينيت ولابيد وصولاً إلى وزير الدفاع، بيني جانتس، مع الملك عبد الله الثاني أن ملف ترميم العلاقات مع الأردن كان على رأس قائمة أولويات تل أبيب خلال الفترة الراهنة.
ولذلك تمثل إعادة إحياء هذا المشروع من جديد فرصة لترميم العلاقات بين تل أبيب وعمّان، ونقلها إلى مستوى استراتيجي أكثر تقدماً مما جرت عليه منذ توقيع اتفاقية وادي عربة عام 1994، والتي اقتصرت في جزئها الأكبر على الجوانب الأمنية والتنظيمية الخاصة بالمقدسات الإسلامية في القدس، خاصة أن الإعلان عنه جاء بعد اللقاء الذي تم بين رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد والعاهل الأردني عبد الله الثاني بن الحسين في 27 يوليو 2022 في عمّان، والذي أعلن لابيد أنه تم التطرق خلاله إلى التفاصيل النهائية للمشروع ما من شأنه تعزيز العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية وتعزيز السلام والصداقة بين البلدين.
علاوة على أن هذا المشروع يأتي بعد توقيع إعلان النوايا المهم في نوفمبر 2021 بين تل أبيب وعمّان. وينص على أن يعمل الأردن على توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية لصالح إسرائيل التي ستعمل من جانبها على تحلية المياه لصالح الأردن، وقبله الاتفاق، في أكتوبر 2021، على مضاعفة إمدادات المياه السنوية من إسرائيل إلى الأردن، ما يعني وجود نوايا لدى البلدين لنقل العلاقات بينهما إلى مستوى أكثر تقدماً.
3- أهداف اقتصادية مشتركة: تجمع إسرائيل والأردن أهداف وعوائد اقتصادية ستترتب على هذا المشروع المشترك، يأتي في مقدمتها أن المشروع –القائم على إنشاء منطقة صناعية مشتركة على أراضٍ أردنية بمنطقة الأغوار بمحافظة إربد مزودة بجبهة لوجستية إسرائيلية للشحن والنقل ــ سيسهم في تعزيز الصادرات الإسرائيلية والأردنية من خلال الموانئ الإسرائيلية، خاصة ميناء حيفا، وبالاستفادة من مميزات اتفاقيات التجارة الحرة التي تربط كلاً من إسرائيل والأردن من جانب بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول العربية وغيرها من الدول التي قد تمثل أسواقاً للبضائع المنتجة في هذه المنطقة الصناعية من جانب آخر.
وإلى جانب ذلك، سيوفر هذا المشروع الآلاف من فرص العمل لمواطني البلدين، خاصة أن هناك توجهاً لزيادة التعاون بين البلدين في مجالات التوظيف، وهو ما يمكن قراءته في إعلان سلطة الحدود والهجرة والسكان الإسرائيلية، في 1 أغسطس، السماح بدخول نحو ألفي عامل أردني إلى إيلات من العقبة للعمل في صناعة الفنادق بإيلات، واستثنائهم من القيود المفروضة بسبب فيروس كورونا المستجد.
4- تعزيز اندماج إسرائيل إقليمياً: يتمثل الهدف الاستراتيجي لإسرائيل في الاندماج بشكل كامل وطبيعي في محيطها العربي والإقليمي بوجه عام، ومن شأن إتمام هذا المشروع مع الأردن البناء على خطوات سابقة اتخذتها إسرائيل لتحقيق هذا الهدف، من أهمها إقامة علاقات سياسية مع عدد من الدول العربية، والبدء في مسار تعاون اقتصادي مع بعضها، علاوة على اتخاذ خطوات متقدمة في العلاقات مع دول أخرى، مثل السعودية، تتمثل في سماح المملكة بعبور الطائرات الإسرائيلية مجالها الجوي. ويصب هذا المشروع في اتجاه طموح إسرائيل لأن تصبح مركزاً إقليمياً للتجارة عبر الاستغلال الأمثل لموانئها، خاصة ميناء حيفا.
تحديات قائمة:
على الرغم من الأهداف والدوافع المتعددة التي تحفز إسرائيل والأردن على المضي قدماً في إتمام هذا المشروع المشترك لما سيحققه من عوائد على كليهما، فإن هناك عدداً من التحديات والعوائق، التي قد تمثل حائلاً دون إتمام هذا المشروع على المديين القريب والمتوسط، ويمكن إجمال بعضها في التالي:
1- عوائق إدارية: وُقعت الاتفاقية الخاصة بهذا المشروع بين البلدين بشكل أساسي عام 1998 وشهدت تعثراً ممتداً على مدار سنوات، على الرغم من إنجاز بعض الإجراءات التمهيدية، كما أن قرار الحكومة الإسرائيلية الأخير بتسريع العمل في المشروع قد سبقته قرارات وتصديقات مشابهة خلال هذه السنوات، ولذلك يمكن القول إن تنفيذ هذا المشروع ليس من السهولة بمكان، وإن العديد من العثرات الإدارية والتنفيذية قد تقف حائلاً دون إتمامه. وهو ما أشار إليه مصدر وزارة الاستثمار الأردنية بأن المشروع لم يُستكمل رغم وجود مصنعين عاملين حالياً يعودان للقطاع الخاص، وشهد تعثراً في استكماله لدى الجانب الإسرائيلي منذ عام 1998.
2- عودة نتنياهو: على الرغم من جهود لابيد وحليفه بينيت إلى الفوز بالانتخابات التشريعية المقبلة، تبقى حظوظ حزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو قائمة بصورة قوية في الفوز بالانتخابات أو على الأقل أن يتمكن نتنياهو من تشكيل ائتلاف حكومي يعود بمقتضاه إلى رئاسة الوزراء.
وبالنظر إلى التوتر الذي شاب العلاقات بين إسرائيل والأردن في عهد نتانياهو، تصبح احتمالات أن يتعثر المسار التعاوني بين تل أبيب وعمّان إذا فاز نتانياهو مطروحة وقائمة، ومن ثم تعثر تنفيذ مشروع بوابة الأردن.
3- الرفض الشعبي الأردني: يرتبط بهذا العامل أمران مهمان، أولهما أن إقامة منطقة صناعية مشتركة بين الأردن وإسرائيل ستتطلب وجود مستثمرين أردنيين لضخ استثمارات في هذه المنطقة، وانتقال أردنيين للعمل فيها بالشراكة مع إسرائيليين، وبينما قد تمثل الضغوط الاقتصادية في الأردن عاملاً محفزاً لأردنيين للعمل في هذه المنطقة أو للتعاون مع إسرائيل، فإن المواقف المبدئية برفض التطبيع مع إسرائيل قد تدفع كثيرين منهم إلى رفض ذلك. أما العامل الثاني فهو التركيبة الديموغرافية للمملكة الأردنية الهامشية، والتي يمثل فيها المواطنون من أصول فلسطينية نسبة كبيرة من عدد السكان، بما يعزز من الفرضية السابق ذكرها برفض التعاون مع إسرائيل.
4- التطورات في القدس: تبقى القضية الفلسطينية أحد أهم محددات السياسة الخارجية الأردنية، خاصة ملف المقدسات الإسلامية في القدس التي تتولى المملكة الوصاية عليها بموجب اتفاقية السلام مع إسرائيل. وقد كانت الاقتحامات المتوالية للقوات الإسرائيلية والمستوطنين الإسرائيليين لباحات المسجد الأقصى والاعتداءات على هذه المقدسات عامل توتر مستمراً بين الجانبين، ويمكن أن تؤدي أي تطورات سلبية مستقبلية في هذا الملف إلى عرقلة مسار التعاون بين الجانبين.
وفي الختام، تطمح إسرائيل وحكومة يائير لابيد على وجه الخصوص وبدوافع انتخابية واضحة إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية من وراء إعلانها تسريع مشروع بوابة الأردن، وهو ما يرتبط بشكل مباشر بالاستراتيجية الإسرائيلية للتعاون مع دول الإقليم، وتعزيز مكانتها الاقتصادية في المنطقة عبر بناء شراكات اقتصادية ذات عوائد مشتركة مع العديد من دول المنطقة.