أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

الحكومة الثانية:

فرص نجاح ابن عبدالرحمن في تحقيق الاستقرار بالجزائر

13 يوليو، 2021


تم الإعلان عن تشكيلة الحكومة الجزائرية الجديدة برئاسة الوزير الأول ووزير المالية أيمن بن عبدالرحمن في 7 يوليو 2021، وذلك بعد انتهاء مشاوراته مع رئيس الدولة عبدالمجيد تبون والأحزاب السياسية الفائزة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وقد ضمت تشكيلة الحكومة الجديدة 34 وزيراً من بينهم 17 وزيراً جديداً والإبقاء على باقي أعضاء الحكومة السابقة.

دلالات مهمة:

تكشف تركيبة الحكومة الجزائرية الجديدة برئاسة أيمن بن عبدالرحمن عن عدد من السمات والدلالات السياسية المهمة، وهو ما يمكن توضحيه على النحو التالي:

1- الحكومة الثانية: تعد الحكومة الجديدة هي الثانية من نوعها في عهد الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون منذ توليه السلطة في ديسمبر 2019، وذلك خلفاً للحكومة السابقة برئاسة عبدالعزيز جراد، والتي استقالت عقب إجراء الانتخابات البرلمانية بشكل مبكر في 12 يونيو الماضي بناءً على قرارات الرئيس تبون في هذا الخصوص.

2- حكومة تكنوقراط: تتسم تشكيلة الحكومة الجديدة بأن غالبية أعضائها من التكنوقراط، الذين اختارهم رئيس الدولة مع الوزير الأول المكلف أيمن بن عبدالرحمن، ولم يتم اختيار أعضائها من الأحزاب السياسية الفائزة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة إلا بشكل محدود. 

فقد تم إسناد ثماني حقائب وزارية فقط لأربعة أحزاب سياسية، هي جبهة التحرير الوطني التي تصدرت نتائج الانتخابات، وحصلت على ثلاث وزارات هي الصيد البحري والمنتجات الصيدية وتولاها هشام سفيان صلواتشي، والصناعة ويتولاها ياسين حمدي والبيئة وكانت من نصيب سامية مولافي. 

وفي المقابل، حصل حزب "التجمع الوطني الديمقراطي" على وزارتي الثقافة والفنون للوزيرة وفاء شعلان، والشباب والرياضة للوزير عبدالرزاق سبقاق، وكذلك جبهة المستقبل التي حصلت على وزارتي العلاقات مع البرلمان للويزرة بسمة أزارو، والانتقال الطاقوي والطاقات المتجددة للوزير بن عتو زيان، بينما حصلت حركة البناء الوطني (التيار الإسلامي) على وزارة التكوين المهني للوزير ياسين مرابي.

3- عدم محاصصة الوزارات السيادية: تم منح الوزارات السيادية للتكنوقراط المستقلين، مثل وزارة المالية التي احتفظ بها الوزير الأول أيمن بن عبدالرحمن لنفسه، واحتفظ الرئيس تبون بوزارة الدفاع وفقاً للنظام المعمول به منذ التسعينيات، كما تم الإبقاء على كمال بلجود في وزارة الداخلية، ومحمد عرقاب وزيراً للطاقة والمناجم. 

وتم إسناد حقيبة الخارجية للدبلوماسي المخضرم "مطان لعمامرة الذي يتولى منصب وزير الخارجية في الحكومة الجديدة لثالث مرة في تاريخ عمله الحكومي، فقد سبق له تولي الخارجية مرتين سابقتين في عهد الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، ويرجع اختياره إلى خبراته الدبلوماسية الكبيرة وشخصيته المتزنة، إلى جانب علاقاته مع عدد كبير من الدول التي احتك بها خلال عمله الدبلوماسي طوال السنوات الماضية.

4- استبعاد وزير الخارجية السابق: استبعدت الحكومة الجديدة وزير الخارجية السابق صبري بوقادوم على الرغم من كونه من المقربين من تبون، وهو ما يرجع إلى رغبته في توظيف الخبرات الكبيرة لدى وزير الخارجية الجديد لعمامرة، وذلك لتعزيز النفوذ الجزائري إقليمياً ودولياً وتجاه الأزمات في المنطقة، وعلى رأسها الأزمة الليبية.

5- احتواء الحراك الشعبي: تم تغيير وزير العدل بلقاسم زغماتي، في خطوة ربما تهدف إلى احتواء وتهدئة انتقادات قوى الحراك الشعبي التي اتهمت زغماتي بتوجيه اتهامات سياسية لنشطاء ورموز الحراك وتتبعهم قضائياً، واعتقال العشرات منهم، وهو ما أدى إلى زعزعة العلاقة بين الرئيس تبون وقوى الحراك. 

وربما يسهم تغييره في إنجاح جهود تبون لاحتواء الحراك، وضمان عدم تجدد المسيرات الأسبوعية خلال الفترة القادمة، بشكل يمكّن من الحفاظ على الاستقرار السياسي في البلاد. 

6- تقليص دور الإخوان المسلمين: شاركت حركة البناء الوطني في الحكومة بوزارة التكوين المهني، بينما رفضت حركة مجتمع السلم "حمس" المشاركة في هذه الحكومة بسبب اشتراط الرئيس تبون على الأحزاب التي ترغب في المشاركة في الحكومة الجديدة الالتزام بتطبيق البرنامج الانتخابي له، كما اشترط سقفاً محدداً للحقائب الوزارية لكل حزب مشارك في الحكومة الجديدة. 

وواجهت خطط "حمس" لتشكيل حكومة سياسية رفضاً رئاسياً، وهو ما مثل صدمة لحركة الإخوان المسلمين، والتي تملقت من الرئيس تبون في محاولة للحصول على عدد أكبر من المقاعد الوزارية، والحصول على منصب رئاسة البرلمان، غير أن ما حدث هو بقاؤها في صف المعارضة، خاصة بعد أن تم انتخاب النائب المستقل إبراهيم بوغالي رئيساً للبرلمان، والذي حصل على أصوات 295 نائباً، فيما حصل مرشح حركة "حمس" أحمد صادوق على 87 صوتاً فقط.

7- مشاركة محدودة للنساء: تم اختيار أربع سيدات لتولي أربع حقائب وزارية من بين 34 وزارة (بنسبة حوالي 12%) وهي نسبة ضئيلة نسبياً، حيث تم اختيار سامية موالفي عن جبهة التحرير الوطني لوزارة البيئة، وبسمة أزارو عن جبهة المستقبل لوزارة العلاقات مع البرلمان، في حين تم اختيار كوثر كريكو (مستقلة) لوزارة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة، ووفاء شعلان (مستقلة) لوزارة الثقافة والفنون. ويلاحظ أن هذه الوزارات الأربع غير سيادية. 

8- إعادة هيكلة بعض الوزارات: تم استحداث وزارة جديدة هي وزارة "الرقمنة والإحصائيات" والتي تم إسنادها للوزير حسين شرحبيل، كما تم إلغاء كاتبة الدولة "لرياضة النخبة" التي كانت تتولاها الرياضية السابقة بطلة الجودو سليمة سواكري.

انتقادات حزبية وشعبية:

تعرضت الحكومة الجديدة للعديد من الانتقادات، والتي يمكن تفصيلها على النحو التالي:

1- اتهام بإعادة إنتاج النظام السابق: انتقدت "حمس" الحكومة باعتبارها إعادة لرموز النظام السياسي السابق في عهد عبدالعزيز بوتفليقة، كما رأت أن تشكيلة الحكومة الجديدة تعكس نجاح الثورة المضادة في إعادة رموز النظام السابق أنفسهم إلى صدارة الحياة السياسية، خاصة مع اختيار رمطان لعمامرة لتولي وزارة الخارجية. 

كما أن تشكيلة الحكومة تمت بطريقة لا تعكس نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حيث تم اختيار أعضاء الحكومة الجديدة من الموالين للرئيس تبون ومن رموز نظام بوتفليقة، وتوقعت "حمس" فشل الحكومة الجديدة في علاج الأزمة الاقتصادية، لأنها ليس لها ظهير شعبي، وفقاً لها. 

واتفقت قوى الحراك الشعبي مع "حمس" في أن الحكومة الجديدة تمثل امتداداً لحقبة بوتفليقة، حيث تتضمن تشكيلة الحكومة العديد من الشخصيات التي شغلت مناصب سيادية في عهد بوتفليقة. ومن أبرزهم الوزير الأول أيمن بن عبدالرحمن ورمطان لعمامرة وزير الخارجية الجديد، وهو ما يعد متناقضاً مع مطالب الحراك الثوري الذي أسقط النظام السابق بغرض التغيير الجذري للنظام السياسي، الذي كان قائماً وقتها، غير أن رموز النظام السابق، وفقاً للحراك، لايزالون يتصدرون المشهد السياسي في البلاد. 

وتمثل تشكيلة الحكومة الجديدة رسالة من النظام السياسي القائم للحراك الشعبي بأنه المسيطر على الحياة السياسية في البلاد، ولن يستجيب لمطالب الحراك بالتغيير الجذري، وهو ما يرجح أن تشهد الفترة القادمة تحركاً من قبل قوى الحراك الشعبي وتنظيم مسيرات احتجاجية للتعبير عن معارضتهم للحكومة الجديدة وسياساتها، فضلاً عن المطالبة بالإفراج عن معتقلي الحراك كافة. 

2- رفض حمس رئيس البرلمان: رفضت "حمس" طريقة اختيار رئيس "المجلس الشعبي الوطني" (الغرفة الأولى للبرلمان) النائب المستقل إبراهيم بوغالي (58 عاماً)، ووصفته بأنه "مرشح السلطة" وأنه سوف يسهم في مزيد من الإحباط لدى الجزائريين بعد أن تكونت موالاة جديدة داخل البرلمان من جبهة التحرير الوطني وحزب التجمع الوطني الديمقراطي وجبهة المستقبل وحركة البناء (إخوان مسلمين).

وفي الختام، فإن تشكيلة الحكومة الجديدة تكشف عن توجهات الرئيس تبون بالاعتماد على حكومة التكنوقراط، مع مشاركة محدودة للأحزاب السياسية، وذلك رغبة منه في تنفيذ سياساته ورؤيته الساعية لتعزيز شرعيته داخل البلاد وتحقيق الاستقرار السياسي خلال الفترة القادمة. وبشكل عام، تنتظر الحكومة الجديدة عدة تحديات داخلية، من أبرزها الأزمة الاقتصادية الحالية، وإجراء الانتخابات المحلية قبل نهاية العام الحالي، والتعامل مع قوى الحراك الشعبي.

                                             لتحميل الموضوع بصيغة PDF يمكن الضغط على هذا الرابط