أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

قطر ‬وحرب ‬الوثائق

07 أغسطس، 2017


في كل الأزمات السياسية والحروب الباردة والساخنة يظهر سوق لحروب الوثائق والتسريبات، وفي الأزمة القطرية خرج الكثير من التسريبات، وكلها تدين قطر سياسياً وأخلاقياً وقانونياً، ولكن لم يستخدم من حروب الوثائق والتاريخ سوى بعض الوثائق المعاصرة، بعيداً عن استحضار التاريخ البعيد والقريب. أحد أوهام الأمير الوالد في قطر هو قناعته الغريبة بقدرته على الاستحواذ على المشروعية السياسية للدولة السعودية، بزعم أنه يمتلك كل مبررات المشروعية السياسية لها وإن بتفسير خاصٍ به، ومحاولة عابثةٍ لنقلٍ ضخمٍ لتاريخٍ يمتد لأكثر من ثلاثمئة سنة في عمق التاريخ، والأوهام حين تكون كبيرةً وبلهاء تودي بصاحبها للمهالك، هذا حديث التاريخ وحكمه.

زار الأمير الوالد بقطر في 27 أبريل الماضي مسقط رأس أجداده في مدينة أشيقر السعودية، وهو الاسم الذي اختاره لطائرته الخاصة ضمن منظومةٍ تبناها لطرح نفسه بديلاً لسرقة المشروعية السياسية، منها الديني والمذهبي والاجتماعي وغيرها، ونسي أن كل نجاح اعتقد أنه حققه في هذا السبيل كان سيتحول لدليل إدانة لا يرقى إليه الشك حين تلتفت له الدولة القائدة والرائدة في المنطقة والعالم.

دأب الأمير الوالد على إلقاء محاضراتٍ مطولةٍ لبعض زواره العرب والغربيين عن استحقاقه لكثير من إرث الدولة السعودية التاريخي والمستحق لها بفعل قادتها والأسرة الحاكمة فيها، هو تاريخ يشهد به الواقع الحديث للدولة الحديثة كما يؤكده التاريخ وأحداثه ووقائعه، ولكن الجاهل وحده هو من يتعامى عن متون التاريخ ويلجأ لهوامشه، وعن الواقع المعيش وتوازناته ليعيش على أوهام أوهن من بيت العنكبوت، ينتقي من التاريخ ما يريد ويركبه كيف شاء، متعامياً عن الحقائق والوثائق.

من أشهر نماذج ضرب نموذجه المهترئ الذي بناه بيان أسرة آل الشيخ في السعودية بنفي انتسابه المزعوم للشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأنه ليس من نسل الشيخ، ولم يكن الشيخ قط جدّه السادس عشر كما صرّح هو بنفسه لمعمر القذافي حين كان يتآمر معه ضد السعودية. نسي الأمير الوالد فيما نسي أن دعوة التوحيد التي تسمى حيناً بالوهابية –مع اختلافٍ معروفٍ في صحة التسمية-لم تنازع يوماً الأسرة الحاكمة في السلطة السياسية، بل كانت على طول تاريخها تتبع القائد السياسي، ولم تفكر يوماً في خلق جماعاتٍ أو تنظيماتٍ تستحوذ على السلطة أو تتغلغل في الدولة بغرض إسقاطها، بل ولاء مطلقٌ للقائد السياسي وعدم منازعةٍ له تحت أي ذريعةٍ دينيةٍ، وقصارى أمر المعترضين هو العزلة الزهدية.

إن فكرة استخدام الوهابية كوسيلةٍ للوصول للسلطة السياسية إنما ورثها الأمير الوالد من جماعة «الإخوان المسلمين» ورموزها وخطابها الذي تربى ونشأ عليه، وهو الخطاب الذي يبيح استخدام الدين والطائفة والمذهب، وكل مقدسٍ، لخدمة الطموح السياسي، وحين يحسب أي قائدٍ سياسي بأنه قادر على معاكسة التاريخ ومعاندة منطقه، فإنه لا يبوء إلا بالفشل الذريع، ووصمة عار التاريخ والواقع.

لو فتش الأمير الوالد عن باحثٍ جادٍ أو مؤرخٍ محترفٍ لهدم له رؤيته وفكره في لحظاتٍ، ولكن ضخامة الوهم تعمي عن رؤية الحقائق. بعد الأزمة القطرية حريٌ بالباحثين والمؤرخين ومراكز الدراسات والبحوث تنبيه الغافل وتعليم الجاهل، ونشر الوثائق التاريخية الموثقة واستثمارها في توعية الأجيال والعالم عن أبعاد جديدة لأزمة معاصرةٍ، تمنح الحق لأصحابه وتفضح حجم الجناية والخديعة والخيانة.

أخيراً، فثمة وثائق وأحداث تاريخية بالغة الأثر في توضيح الأبعاد التاريخية لأزمة قطر مع دول الجوار في السعودية والإمارات والبحرين، والتاريخ شاهدٌ لا يكذب، والوثائق دليلٌ لا يرد، وهي حين يتمّ استخدامها بالطريقة الصحيحة كافيةٌ لمنح الأزمة الحالية ما تستحقه من عمقٍ وما تبلغه من جذور، وما تحطمه من أوهامٍ.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد