أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

مبادرات أكثر واقعية:

واقع ومستقبل جامعة الدول العربية في ظل التحولات الإقليمية الراهنة

07 فبراير، 2019

مبادرات أكثر واقعية:

لا يمكن الحديث في ظل التحولات الدولية والإقليمة الراهنة عن إحداث تغييرات أو تعديلات كبرى في منظومة عمل وهيكل الجامعة العربية حالياً، باعتبارها الكيان المعبر عن وجود "نظام إقليمي عربي"؛ وإنما يجب التفكير في مبادرات جديدة وخلاقة، تسعى تدريجياً إلى تعزيز الهُوية والثقافة العربية، خاصة بين الشباب العربي، وتفعيل دور المنظمات النوعية والمتخصصة والفنية داخل الجامعة، واعتماد مشروعات اقتصادية ومجتمعية وثقافية تعيد للجامعة شعبيتها بين الشعوب العربية، والمشاركة العربية قدر الممكن في عمليات إعادة الإعمار في بؤر الصراعات العربية.

هذه خلاصة وقائع ورشة العمل التي نظمها مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، تحت عنوان "نحو مبادرات واقعية: مستقبل الجامعة العربية في ظل التحولات الإقليمية الراهنة"، والتي أدارها الكاتب والدبلوماسي الإماراتي الدكتور يوسف الحسن، وكان المتحدث الرئيسي هو الكاتب والمحلل المصري الأستاذ جميل مطر مدير المركز العربي لبحوث التنمية والمستقبل.

وناقشت الورشة أبرز الإيجابيات والسلبيات المتعلقة بدور الجامعة العربية في السنوات الأخيرة، في ضوء التحولات الكبرى التي تجري في العديد من المنظمات الإقليمية الأخرى، خاصة الاتحاد الأوروبي، وكذلك في ظل التغيرات الراهنة في البيئة الدولية والإقليمية، لاسيما حالة عدم الاستقرار والاضطراب الراهن في دول عربية مركزية، مثل سوريا والعراق، علاوة على الصراع في اليمن وليبيا، وبروز مزيد من الأدوار الإقليمية لكلٍ من إسرائيل وتركيا وإيران.

وقد خلصت ورشة العمل إلى العديد من الاستنتاجات، التي يمكن إيجاز أبرزها فيما يلي:

أولاً: واقع الجامعة العربية في ظل التحولات الدولية

1 – إن الحديث عن أزمة ومستقبل الجامعة العربية لا ينفصلان الآن عن سياق التحولات العالمية والإقليمية وتأثيرات العولمة، خاصة فيما يتعلق ببحث العديد من الفاعلين الدوليين عن منظمات بديلة؛ فهذا يسري على منظمة الأمم المتحدة ذاتها، ويسري كذلك على العديد من المنظمات الإقليمية التي كانت أكثر نشاطاً وفاعلية، لاسيما الاتحاد الأوروبي، الذي يواجه أزمات حقيقية منذ خروج بريطانيا منه.

2 – لم تعد الخلافات العربية – العربية فقط هي الوجه الأبرز لضعف فاعلية دور الجامعة العربية في الوقت الراهن، ولكن أضحى تصاعد تأثير التدخلات الإقليمية منذ عام 2011 في الشؤون العربية بشكل أكثر حدة عن ذي قبل عاملاً أكثر تأثيراً، بحيث باتت البؤر العربية الساخنة مساحات صراع إقليمية ودولية، لفاعلين مختلفين، خصوصاً إيران وتركيا وإسرائيل؛ وهو ما زاد من عدم الفاعلية المؤسسية للجامعة.

3 – لم تتمكن أطر عمل الجامعة من مواكبة التحولات الإقليمية والتكيف مع المتغيرات الجديدة، نظراً لعوامل هيكلية تختص بآليات اتخاذ القرارت داخل الجامعة، ولعوامل مستحدثة تتعلق بتصاعد الخلافات العربية – العربية حتى داخل الكتلة الأكثر تماسكاً، وهي دول مجلس التعاون الخليجي.

4 – إن الهدف الأساسي للجامعة العربية هو السعي لتأسيس تجربة تكاملية، ولكن متابعة تاريخ الجامعة منذ نشأتها وحتى الآن، تشير إلى أنها كانت ضعيفة فيما يرتبط بمعايير القوة المؤسسية، من حيث التكيف والتماسك والتعقيد والاستقلالية؛ وهو ما أدى – بجانب عوامل أخرى – إلى تراجع شعبية الجامعة بين أوساط الشباب العربي تحديداً.

5 – إن أي حديث عن مستقبل الجامعة العربية يجب أن يأخذ بعين الاعتبار عدة عناصر مهمة، من أبرزها كيفية رؤية الدول العربية لترتيبات الأمن الإقليمي، ودراسة فكرة إحياء النظام العربي من خلال مجموعة من القوميين العقلانيين، بحيث يتم فك إقليمية النظام العربي عن قوميته لمحاولة علاج أوجه الخلل الداخلي، ودراسة مواقف الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة ودول الجوار العربي، والعودة لدراسة مشروعات تطوير الجامعة العربية منذ عام 1991 وحتى اليوم.

ثانياً: ضرورات إصلاح وتفعيل دور الجامعة العربية

على الرغم من السلبيات العديدة التي شابت دور الجامعة العربية، سواءً بسبب طبيعتها الهيكلية وميثاقها الذي يعود لأربعينيات القرن الماضي، أو سواءً فيما يتعلق بغياب الإرادة السياسية الجمعية للإصلاح، وصعود ظاهرة المحاور البينية بين دول الجامعة منذ الستينيات، والتناقضات والتداخلات السائدة بين ما هو قُطري وما هو قومي...إلخ؛ فإنه يجوز القول إن بقاء الجامعة واستمرار دورات انعقادها، علاوة على النجاح النسبي لمؤسساتها الفنية في مقابل ضعف أدائها السياسي والأمني، قد حافظ في الحد الأدنى على فكرة "العروبة" ذاتها، بحيث بقيت الجامعة على الرغم من كل العثرات رمزاً لا يمكن الاسغناء عنه أو إلغاء وجوده، بقدر ما هي بحاجة إلى تعزيز أطر عمل مشتركة واعتماد مبادرات جديدة وتدريجية تتواكب مع المتغيرات الدولية والإقليمية الجديدة وتحفظ العمل العربي المشترك ولو في حده الأدنى خلال المديين القصير والمتوسط.

وفي هذا الإطار، يُلاحظ أن المنظمات الفنية والمتخصصة داخل هيكل الجامعة تقوم بأدوارها قدر الممكن، وأن لها نجاحات عديدة أدت إلى بقاء فكرة العمل العربي المشترك. كما أن اجتماعات الجامعة المختلفة تبقى - رغم كل شيء - مهمة لأنها تؤكد بشكل دائم منع الاختراقات الإقليمية والتأكيد على البعد العروبي في التفاعلات الدولية.

وفي هذا الإطار، فإن إصلاح الجامعة العربية اليوم لا يمكن أن يبدأ من مدخلات ومقاربات قديمة، مثل تعديل الميثاق أو آلية اتخاذ القرارات أو تعديل الهياكل المؤسسية والإدارية للجامعة؛ فالظروف الموضوعية غير مواتية الآن للحديث عن هذا النوع من الإصلاح؛ ولكن يجب البحث عن أفكار ومبادرات جديدة وعملية تُراعي التغيرات الإقليمية والعربية وتصاعد الخلافات العربية – العربية وما تمر به بعض الدول العربية المركزية من حالة عدم الاستقرار وغياب الدولة.

ثالثاً: مقترحات تعزيز الدور "العروبي" للجامعة العربية

بناءً على ما سبق، أكد المشاركون في الحلقة النقاشية أنه من الصعب – إن لم يكن من المستحيل – إحداث تغييرات كبرى في منظومة عمل وهيكل الجامعة العربية في الوقت الحالي، حيث لا يمكن في ظل هذه التحولات السابقة البحث عن ميثاق جديد أو تعديل الهياكل الرئيسية أو محاولة إنشاء كيان بديل.

ولهذا فإن أية مبادرات لتعزيز دور الجامعة يجب أن تبدأ من التفكير في الشعوب العربية، بحيث تسعى الجامعة في المدى القصير إلى استعادة جزءٍ من اقتناع الشعوب بها، خصوصاً من فئة الشباب. وفي هذا الصدد، طرح المشاركون بعض الأفكار والمقترحات المبدئية، وكان من أبرزها ما يلي:

- إن الجامعة العربية بحاجة إلى مشروع ثقافي يعمل على إحياء العروبة "السياسية" كضرورة واقعية أمام تنامي الإسلام السياسي والمشروعات الإقليمية، وهذا يعتمد على الاعتبارات الموضوعية وعلى مدركات النخب السياسية ومخرجات التحولات الإقليمية الراهنة.

- التركيز على تفعيل دور الثقافة والهوية كمجال أرحب لتعزيز العمل العربي المشترك، حيث يمكن تنظيم فعاليات شبابية مستمرة على مستوى الدول العربية، تقدم التاريخ العربي بشكل سليم وتعزز منظومات القيم والتقاليد والثقافات العربية المتنوعة.

- الاعتماد في العمل العربي المشترك على المداخل والاقترابات الاقتصادية والتكنولوجية والمجتمعية، فهذه المداخل هي الأنسب حالياً للحفاظ على بقاء الجامعة وإعادة إقناع الشباب العربي بجدواها ودورها.

- تعزيز مشاركة منظمات المجتمع المدني العربية، وتحديداً في المجالات العلمية والأكاديمية والثقافية والمجتمعية.

- التوافق على مشروعات مشتركة في مجالات وجهود إعادة إعمار دول الصراعات العربية، واعتماد مشروعات لمحاربة الفقر، وتنفيذ بعض المشروعات الضخمة التي لا تتأثر بالظروف السياسية، مثل مشروعات الربط الكهربي وخطوط الطاقة وغيرها.

- تحييد عمل المنظمات الاقتصادية والاجتماعية، وبقية المنظمات المتخصصة والفرعية، عن الخلافات السياسية العربية – العربية، والعمل على تفعيل دور هذه المنظمات بشكل أكبر في السنوات القادمة.

- طرح مبادرات وخطط عمل جديدة فيما يتعلق بالتشارك في مواكبة الثورة الصناعية الرابعة والثورة التكنولوجية والذكاء الاصطناعي وتعزيز الأمن السيبراني.

- ضرورة التغلب على مشكلة العقل السياسي العربي، حيث تؤثر الخلافات السياسية بشكل كبير على أوجه النجاح الاقتصادي المشترك، وهو ما لا يحدث، على سبيل المثال، في حالة الصين وجوارها الآسيوي.