أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

استقطاب جيواقتصادي:

فرص نجاح البريكس في إضعاف الهيمنة الغربية على الاقتصاد الدولي

18 يوليو، 2022


انعقدت القمة الرابعة عشرة لتجمع البريكس برئاسة بكين عبر تقنية الفيديو، في الفترة من 23 إلى 24 يونيو، وذلك بالتزامن مع مواصلة الغرب فرض عقوبات ضد الاقتصاد الروسي، على أثر حربها ضد أوكرانيا، بالإضافة إلى زيادة مستوى التوتر بين الصين والولايات المتحدة حول تايوان.

سياق دولي صراعي: 

جاء انعقاد قمة البريكس في إطار تصاعد الصراعات الدولية، سواء بين روسيا والولايات المتحدة حول أوكرانيا، أو حتى بين بكين وواشنطن حول تايوان، وهو ما انعكس على بنية النظام الاقتصادي الدولي، خاصة في ظل قلق بكين من محاولة الولايات المتحدة استخدام أسلوب العقوبات الاقتصادية ضدها، وهي الاحتمالية التي لم تترك واشنطن أي شك للصين حولها، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي: 

1- العقوبات الغربية ضد موسكو: جاء انعقاد قمة البريكس هذه المرة على وقع الحرب الروسية – الأوكرانية، والتي اندلعت في أواخر فبراير 2022، وسعى الغرب للرد على موسكو عبر فرض عقوبات اقتصادية غير مسبوقة، كانت تهدف، وفقاً للاعتقاد الغربي حينها، إلى تدمير الاقتصاد الروسي. 

وكان ذلك الاعتقاد راسخاً في بداية الحرب إلى درجة أن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، صرّح في 23 مايو أن روسيا "يجب أن تدفع ثمناً طويل الأمد" على "وحشيتها في أوكرانيا"، في إشارة للعقوبات الغربية المفروضة ضد روسيا، كما أضاف بايدن أن "الأمر لا يقتصر على أوكرانيا فقط"، إذ إنه "إذا لم يتم الإبقاء على العقوبات على مستويات عديدة، فأي إشارة سوف توجه إلى الصين حول ثمن محاولة للسيطرة على تايوان بالقوة؟".

2- الصراع حول تايوان: جاء إطلاق التصريحات الأمريكية ضد الصين في الوقت الذي تصاعدت فيه الحرب الكلامية بين بكين وواشنطن حول تايوان، وتأكيد بايدن أنه سيتدخل لصالح الدفاع عن الدولة الجزيرة في حال غزوها من قبل الصين، ورد الصين على ذلك بالتأكيد أنه ليس هناك قوة في العالم تستطيع منعها من إعادة توحيد الجزيرة، وهو ما يعني أن الصين قد تفكر في توظيف البريكس لإرساء قواعد لنظام اقتصادي جديد، حتى تحد من قدرة الغرب على فرض العقوبات الاقتصادية باستخدام هيمنته الاقتصادية على النظام الدولي، سواء عبر احتفاظ الدولار بمركزية في الاقتصاد العالمي باعتباره عملة احتياط دولية رئيسية، أو من خلال السويفت، أو المؤسسات الدولية. 

3- تقويض الهيمنة الغربية: بدأت تتبلور توجهات رافضة لدى روسيا والصين من استغلال الدول الغربية سيطرتها على قواعد النظام الدولي الاقتصادي لفرض عقوبات تستهدف مصالحهما، وبدأ من الواضح أن هناك رغبة لدى عدد من الدول المكونة للبريكس لخلق نظام دولي جديد وبديل للنظام الحالي الواقع تحت الهيمنة الأمريكية، فقد أكد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن الغرب هو الذي أرسى قواعد نظام السوق، وعندما تفوقت الصين على الغرب، وفق هذه القواعد، فإن الغرب يسعى لتغييرها.

4- دور موازٍ لمجموعة السبع: يشكل عدد سكان دول "بريكس"، نحو 45٪ من سكان العالم، وتغطي مساحة الدول الأعضاء فيه، ما يعادل 27٪ من إجمالي مساحة اليابسة. ويتجاوز حجم اقتصادات بلدان بريكس الناتج المحلي الإجمالي لدول مجموعة السبع الصناعية الكبرى، الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا واليابان وفرنسا وكندا وإيطاليا.

نتائج قمة البريكس: 

سعت الصين وروسيا، خلال قمة البريكس الأخيرة، إلى مناقشة عدد من السياسات التي تستهدف إضعاف الهيمنة الغربية على النظام الاقتصادي الدولي، وذلك على النحو التالي: 

1- توسيع عضوية البريكس: قام البريكس بمحاولات مستمرة لاستقطاب دول صديقة بين الأعوام الممتدة من عام 2013 وحتى 2018، ومنها مبادرة الصين "بريكس +" في 2017، والتي حضرتها دول مثل مصر، وغينيا، والمكسيك، وطاجيكستان، وتايلاند. كما أنه خلال القمة الأخيرة، أكدت الصين على رغبتها في توسعة البريكس ليشمل أعضاء جدد، وذلك للمساعدة في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة 2030.

وأكدت بورنيما أناند، رئيسة المنتدى الدولي للبريكس، في يوليو 2022، أن تركيا ومصر والسعودية قد تنضم "في القريب العاجل جداً"، إلى المجموعة، وأن الصين وروسيا والهند ناقشت هذا الموضوع خلال قمة قادة مجموعة "بريكس" الرابعة عشرة، التي عقدت بشكل افتراضي في الفترة من 23 إلى 24 يونيو. وأضافت أن هذه الدول "تستعد لتقديم طلب العضوية"، ومؤكدة أن هذه الخطوة "ستزيد من تأثير بريكس في كل العالم".

2- اختيار عملة احتياط دولي جديدة: تم الإعلان خلال قمة بريكس عن بدء العمل للتنسيق بشأن اختيار عملة احتياط دولية على أساس سلة عملات دول البريكس؛ وقال بوتن في خطابة بخصوص ذلك أن العالم بحاجة إلى عملة احتياط جديدة؛ نتيجة توجه الغرب إلى طباعة أموال غير مغطاة، وضخها بشكل عشوائي، بالإضافة إلى نمو الديون غير المضمونة، وهي كلها تصريحات تسعى إلى تحميل الولايات المتحدة مسؤولية التضخم العالمي، كما أنها تشير إلى مخاطر الاعتماد على الدولار الأمريكي، وهو ما يصب في النهاية لصالح عملة الاحتياط الدولي الجديد التي يسعى البريكس للتوصل إليها. 

وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، في مارس 2022، أن بكين تجري محادثات مع السعودية لشراء النفط بالـ "يوان" بدلاً من الدولار. وعلى الرغم من نفي مصادر سعودية للخبر، فإن ذلك يؤشر على وجود رغبة لدى بكين بتحويل اليوان لعملة احتياط دولي. 

ومن جانب آخر، فإن العملة الصينية تتمتع بمقومات قد تساعدها على أن تصبح عملة احتياط دولية، وهي ضخامة حجم التجارة بين الصين ودول العالم المختلفة، فضلاً عن اعتماد اليوان الصيني كعملة احتياطي أجنبي من قبل صندوق النقد الدولي إلى جانب اليورو والدولار والين الياباني والجنيه الاسترليني منذ 2015.

3- إرساء قواعد جديدة: يرى نائب وزير خارجية روسيا، سيرجي ريابكوف، بأن هناك فرصة للبريكس بأن يضع أسس النظام الدولي الجديد، اقتصادياً واجتماعياً، وأكد البيان الختامي لقمة التجمع الافتراضية للبريكس بكين 2022 أهمية إدخال تعديلات على عمل منظمة التجارة الدولية لتلعب دوراً أكثر فعالية لضمان حرية التجارة الدولية والعمل على معاقبة الدول التي تتخذ من تقييد العمليات التجارية أداة لتلبية مطالب سياسية، في إشارة إلى الدول الغربية. 

4- التعاون المالي والنقدي: اتفق محافظو البنوك المركزية لتجمع البريكس على تعميق التفاهم المشترك والتوافق على تنسيق سياسات الاقتصاد الكلي لضمان التشاور حول الاحتياطات الأجنبية والتعاون المالي.

5- بحث نظام بديل للسويفت: تناولت وسائل الإعلام الصينية الحديث عن إقامة نظام نقدي عالمي "متحرر" من الدولار، مع أنظمة دفع بديلة لنظام سويفت (الذي يوجد مقره في بلجيكا والذي تسيطر عليه الولايات المتحدة بشكل فعّال، وذلك بالتزامن مع عقد قمة البريكس، كما أنه عشية الاجتماع، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إن نظام تحويل الرسائل المالية (SPFS)، وهو بديل لنظام سويفت الدولي للدفع في روسيا، متاح للدول الأعضاء في البريكس، غير أنه لم يتم الاتفاق بشكل نهائي على اعتماد هذا البديل في التبادلات المالية بين الدول الأعضاء. وربما يتم الاتفاق على هذه الخطوة في قمة لاحقة، خاصة أن الحديث عن بديل للسويفت داخل البريكس يعود إلى العام 2019. 

تحديات قائمة:

على الرغم من أن البريكس يسعى للتحول تدريجياً إلى تكتل اقتصادي دولي قادر على وضع قواعد الاقتصاد الدولي، على غرار مجموعة السبع، فإنه يواجه بعدة تحديات أبرزها: 

1- مدى تعاون الهند: تبنّت الدول الأعضاء في البريكس مواقف مشابهة تجاه الحرب الروسية ضد أوكرانيا، إذ لم ينددوا بتدخل موسكو العسكري ضد كييف، كما رفضوا العقوبات المفروضة الغربية ضد روسيا، مع التأكيد على أهمية إيجاد تسوية سلمية للحرب الدائرة هناك، غير أن هذا التماسك في المواقف لا ينصرف إلى الموقف من الصين، إذ إن الهند تعد طرفاً في تحالف كواد الرباعي بقيادة الولايات المتحدة، والذي يستهدف مواجهة التحركات الصينية في شرق جنوب آسيا، والمحيط الهندي، وهو الأمر الذي يؤثر على تماسك البريكس مستقبلاً.

2- تحركات مجموعة السبع المضادة: يواجه البريكس محاولات حثيثة من قادة مجموعة السبع لمحاولة استقطاب الدول المتحمسة للتجمع، فقد تمت دعوة الهند وجنوب أفريقيا، العضوان في البريكس، وكذلك الأرجنتين، التي تسعى للحصول على عضوية كاملة في البريكس، إلى جانب السنغال، وإندونيسيا، للمشاركة في قمة مجموعة السبع التي انعقدت في بافاريا الألمانية في محاولة لتغيير الصورة النمطية عن مجموعة السبع بخصوص كونها تهتم فقط لآراء دول نصف الكرة الشمالي على حسب تعبير أولاف شولتز المستشار الألماني.

ويكشف ذلك عن وجود محاولات غربية لتعزيز سيطرتهم على النظام الاقتصادي العالمي، وذلك عبر توسيع عضوية الدول فيه، أو حتى من خلال إطلاق مبادرة مناوئة لمبادرة طريق الحرير الصينية، وهو ما وضح في تعهد دول مجموعة السبع، في 26 يونيو 2022، بجمع 600 مليار لتمويل برنامج عالمي للبني التحتية في البلدان النامية، منها 200 مليار تعهدت بها الولايات المتحدة وحدها. 

وعلى الرغم من ذلك، فإن هناك شكوكاً حول تنفيذ هذه التعهدات، ليس فقط لأن واشنطن سبق وأن أطلقت مبادرات مماثلة تجاه أفريقيا، ولم تدخل حيز النفاذ، ولكن كذلك بسبب التداعيات العكسية للعقوبات ضد روسيا على الاقتصادات الغربية، والتي تسببت في تراجع نمو هذه الاقتصادات، وكذلك ارتفاع مستويات التضخم، كما بات من الواضح أن الحرب الروسية – الأوكرانية تمثل استنزافاً كذلك للدول الغربية، والتي اندفعت لدعم أوكرانيا عسكرياً واقتصادياً. 

وفي الختام، يمكن القول إن البريكس بدأ يناقش اتخاذ خطوات عملية للتخلص من الهيمنة الغربية على مفاصل الاقتصاد العالمي، وذلك عبر محاولة إيجاد بدائل للدولار كعملة احتياط دولي، بالإضافة إلى محاولة إصلاح مؤسسات النظام الدولي المالية، غير أنه لم يتم اتخاذ أي خطوات عملية في هذا الإطار، كما يلاحظ أن مجموعة السبع بدأت تتنبه لخطوات البريكس، وتسعى لتطوير آليات مضادة لتحركات البريكس، خاصة فيما يتعلق بتوجيه استثمارات للدول النامية.