أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

نهاية الاستثناء:

هل تشعل حرب أوكرانيا الصراع الدولي على القطب الشمالي؟

11 يوليو، 2022


عرض: منى أسامة

تعد منطقة القطب الشمالي إحدى آخر المناطق الخالية من النزاعات الخطيرة حول العالم، إذ تحرص الدول المتجاورة، بما فيها القوى الكبرى (الولايات المتحدة وروسيا) على عدم تأثير الأزمات الخارجية على إمكانية التعاون والتنسيق بين الدول المتجاورة في هذه المنطقة، ويُذكر ذلك بدعوة الرئيس السوفييتي الأخير ميخائيل جورباتشوف في الأول من أكتوبر 1987، إلى جعل القطب الشمالي "قطباً للسلام"، لافتاً إلى أهمية التعاون بين الدول المتجاورة في المنطقة من أجل حماية البيئة والاستغلال السلمي للموارد الطبيعية.

لكن الحرب الروسية - الأوكرانية التي نشبت في فبراير 2022 قد تدفع دول المنطقة إلى إعادة صياغة مواقفها في القطب الشمالي وبالتالي قد تخرج المنطقة عن حالة الهدوء النسبي، وبرز ذلك جلياً عندما أعلن أعضاء مجلس القطب الشمالي (باستثناء روسيا) تعليق أعمالهم في 8 مارس 2022.

من هنا، يناقش جان لويس لوزير الضابط البحري الفرنسي ومستشار مركز "إفري" للدراسات الأمنية، فرص وتحديات الأمن والتعاون بين الدول المتجاورة في القطب الشمالي في ورقة بحثية بعنوان "نحو نهاية الاستثناء؟ القضايا الاستراتيجية والنووية والبحرية في منطقة القطب الشمالي"، تلك المنطقة التي تشهد تنافساً بين القوى العظمى، من ناحية، كما أنها تعد بارقة أمل من أجل تعزيز التعاون الإقليمي في مجالات حماية البيئة والتنمية المستدامة، من ناحية أخرى.

الهيكل المؤسسي والاتفاقات:

تأسس "مجلس القطب الشمالي" في عام 1996 نتيجة رغبة دول المنطقة في التعاون والتنسيق، ويضم المجلس ثمانية أعضاء هم: روسيا، وكندا، والولايات المتحدة الأمريكية، وأيسلندا، والدنمارك عبر جرينلاند، والنرويج، والسويد، وفنلندا، وتمتلك تلك الدول أقاليم برية أو بحرية في منطقة القطب الشمالي الذي يغطي المنطقة الجغرافية الواقعة داخل الدائرة القطبية الشمالية في نصف الكرة الشمالي.

في الوقت نفسه، عرفت المنطقة مجموعة من الاتفاقيات المعنية بتنظيم وتسوية غالبية المنازعات المتعلقة بالحدود البرية والبحرية بين الدول المشاطئة في القطب الشمالي، ومن أبرزها، اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، معاهدة سفالبارد عام 1920 (حظر استخدام سفالبارد "لأغراض حربية")، اتفاقية تعيين حدود بين الدنمارك وكندا عام 1973 (لم يبق سوى نزاع واحد يتعلق بالسيادة على جزيرة صغيرة)، اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين الولايات المتحدة وروسيا في مضيق بيرينغ والمحيط المتجمد الشمالي وبحر بيرينغ عام 1990، اتفاقية تعيين حدود المجالات البحرية بين الدنمارك "جرينلاند" والنرويج "سفالبارد" عام 2006.

ومن غير المتوقع، في ظل هذه الاتفاقات، أن تقود أياً من الخلافات على الحدود أو مناطق السيادة إلى صراع مفتوح بين الدول المُطلة على القطب الشمالي على المدى القصير، مع ذلك، ثمة تحديات أخرى تواجه المنطقة من قبيل معضلة الاحتباس الحراري، إذ يُشير تقرير صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) إلى أن درجة حرارة القطب الشمالي سترتفع أكثر من ضعف معدل ارتفاع جميع أنحاء العالم، وبالفعل، شهدت الكتلة الجليدية للمحيط المتجمد الشمالي انخفاضاً كبيراً في المساحة، بحوالي 40٪ وهو ما جرى في عقد الثمانينيات وما بين عامي 2010 و2019، ومع ذلك، يوفِّر الاحتباس الحراري فرصًا جديدة لمد الكابلات البحرية بين الدول الشمالية.

خريطة المتنافسين:

ثمة مجموعة من القوى المتنافسة على منطقة القطب الشمالي، حيث سعت كل منها إلى تحقيقها أهدافها ومصالحها في المنطقة، من أبرزها:

- روسيا: تعد القوة المهيمنة جغرافياً وتاريخياً واقتصادياً في القطب الشمالي، لكونها تسيطر على 45% من مياه المنطقة التي تسهم مواردها إجمالاً ما بين 12 و15٪ من الناتج المحلي الإجمالي لروسيا، إذ شكَّل غاز القطب الشمالي 83٪ من صادرات الغاز الروسي في عام 2021، وتحدد وثيقة "أسس سياسة دولة الاتحاد الروسي في القطب الشمالي حتى عام 2035" الصادرة في مارس 2020 عدداً من الأهداف منها: ضمان السيادة الروسية، وسلامة أراضيها في القطب الشمالي، والحفاظ على الشراكة متبادلة المنفعة لدول المنطقة، وتحسين نوعية الحياة والرفاهية لسكان المنطقة الشمالية في الاتحاد الروسي، وتطوير طريق بحر الشمال، كطريق بحري تنافسي في السوق العالمية، وحماية البيئة، وإلى جانب هذه الوثيقة، تهدف روسيا أيضاً إلى استعادة الوجود العسكري الروسي في القطب الشمالي، لذلك عززت الاستثمارات العسكرية في المنطقة منذ عام 2008.

-الصين: على الرغم من أنها لا تمتلك أي جزء من أراضيها في شمال الدائرة القطبية الشمالية، فإنها تعد طرفاً في معاهدة سفالبارد منذ عام 1925، وتظهر بكين كثيراً رغبتها في لعب "دور نشط" في القطب الشمالي من خلال الترويج إلى "هويتها القطبية" في أكثر من مناسبة، حيث وضعت هدفاً بها بأن تصبح دولة قطبية في استراتيجيتها البحرية في عام 2013، وفي عام 2018، عرَّفت الصين نفسها ضمن كتابها الأبيض حول القطب الشمالي على أنها "دولة قريبة من القطب الشمالي"، كما أشار الكتاب إلى أن الدول الأخرى، بما فيها الصين، لها حقوق في المنطقة، وفقاً إلى معاهدة سفالبارد واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، كما يشدد الكتاب على أهمية القطب الشمالي بالنسبة للصين من حيث الطرق البحرية، لا سيما "طريق الحرير القطبي" لاستغلال النفط والغاز والموارد المعدنية والصيد. 

وترجمت بكين تلك الأهداف في أنشطتها الدبلوماسية، من خلال زيارات الرئيس هو جينتاو إلى دول القطب الشمالي، وقبول الصين بصفة مراقب في مجلس القطب الشمالي في 2013، وتدشين منتدى القطب الشمالي الصيني الروسي، والاستثمارات الصينية في روسيا وجرينلاند والسويد.

- الولايات المتحدة الأمريكية: تمتلك أراضي في القطب الشمالي منذ شرائها ولاية ألاسكا من روسيا عام 1867، وكان لتلك الولاية أهمية كبيرة لدى الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة لكونها أقرب الأراضي الأمريكية للاتحاد السوفييتي، لكن الأمر تغير بعد انتهاء الحرب، حيث تراجعت أهمية المنطقة، فيمثل الناتج المحلي الإجمالي لألاسكا حوالي 0,24٪ فقط من إجمالي الناتج المحلي الأمريكي لعام 2020، وعليه، انخفض اهتمام واشنطن بالمنطقة، لكنه عاد مرة أخرى رداً على إعادة بناء وتحديث الجيش الروسي والنشاط السياسي والاقتصادي الصيني المتزايد في القطب الشمالي. 

برز ذلك بجلاء في تصريح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في 2019 برغبة بلاده في "شراء" جرينلاند، كما نشرت وزارة الدفاع أمريكية وثيقة لاستراتيجية القطب الشمالي في العام نفسه تهدف إلى الحفاظ على القطب، كمنطقة آمنة ومستقرة، يتم فيها حماية مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة والتعاون لمواجهة التحديات المشتركة، وبالفعل قامت القوات الأمريكية بزيادة انتشار خفر السواحل والتعاون مع الحلفاء في المنطقة من خلال التدريبات المشتركة، كما عزمت على زيادة المعدات والكاسحات.

- دول أوروبية أخرى: قامت النرويج والسويد وفنلندا بصياغة سياسات القطب الشمالي خلال الفترة 2020-2021، ومن المتوقع أيضاً أن تنشر الدنمارك قريباً استراتيجيتها الجديدة للقطب الشمالي للفترة ما بين 2021-2030، على الجانب العسكري، بدأت هذه الدول الأوربية الأربع أيضاً في تحديث أو تجديد قدراتها للعمل في المنطقة، أما المملكة المتحدة، فتعد نفسها " أقرب جار إلى القطب الشمالي" في استعراضها الدفاعي لعام 2021، كما نشرت استراتيجيتها الخاصة بالمنطقة معلنة عن أهمية تعزيز الانتشار الدوري لقواتها المسلحة هناك. 

فيما نشرت فرنسا وثيقة عن سياستها الدفاعية في القطب الشمالي، كما يتم نشر القوات البحرية الفرنسية بانتظام هناك للمشاركة في تقييم الوضع البحري، كما أن فرنسا هي الدولة الوحيدة التي أرسلت سفينة عبر الممر الشمالي الشرقي من دون مساعدة كاسحة الجليد الروسية، كذلك، نشر الاتحاد الأوروبي استراتيجية جديدة للقطب الشمالي في أكتوبر 2021، تُسلط الضوء على التعاون والتنمية المستدامة والقضايا البيئية والاقتصادية والاجتماعية المتعلقة بالاحتباس الحراري.

عسكرة تقليدية ونووية:

في مواجهة الاهتمام المتصاعد للقوى الغربية بالمنطقة، أعادت روسيا بناء القوة العسكرية في القطب الشمالي، من خلال إنشاء القيادة الاستراتيجية المشتركة للأسطول الشمالي في ديسمبر 2014، بالإضافة إلى تعزيز قدرات القوات البحرية الروسية، من حيث الغواصات والسفن ومجموعة الطيران البحري والدفاع الساحلي، إلى جانب ذلك، تم إنشاء لواء القوات البرية في القطب الشمالي في عام 2015 وعمل تدريبات فرق المظلات المجهزة لمواجهة الظروف البيئية القاسية، وحتى إن كانت تلك القوات تعمل لأغراض سلمية أو دفاعية، إلا أنها من الممكن أن تُستخدم في أغراض هجومية.

على الجانب الآخر، تنوي الولايات المتحدة تعزيز جيشها في القطب الشمالي وتضم القوات الأمريكية في المنطقة قوات جوية مع الجيش والبحرية وخفر السواحل، بالإضافة إلى قاعدة ثول الجوية في جرينلاند، والتي تسهم في الدفاع عن الأراضي الأمريكية، كما تتعاون القوات الأمريكية مع القوات المسلحة لدول الشمال، والتي لديها خبرة قتالية في الظروف المناخية القاسية، بالرغم من قواتها العسكرية المحدودة، وفي السنوات الأخيرة، بدأ أعضاء حلف الناتو في صياغة استراتيجياتهم الجديدة في القطب الشمالي من الناحية العسكرية، كما تقوم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا بعمليات انتشار منتظمة في المنطقة بالاشتراك مع القوات المسلحة النرويجية.

على صعيد القوى النووية، كان القطب الشمالي مساحة للمواجهة بين القوتين العظميين خلال الحرب الباردة، لذلك، تم تركيب سلاسل رادار على حدوده الشمالية. وإثر انتهاء تلك الحرب، استبدلت روسيا الرادارات في الجمهوريات السوفييتية التي أصبحت مستقلة بسلسلة جديدة من الرادارات داخل حدود روسيا، وكما في حالة المواجهة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، فإن القطب الشمالي هو أيضاً أقصر طريق بين الولايات المتحدة والصين، لذلك تعمل الدولتان على تطوير صواريخهما الباليستية العابرة للقارات.

وجدير بالذكر أن هناك استخدامات للطاقة النووية لأغراض سلمية في القطب الشمالي، منها كاسحات الجليد محطة الطاقة النووية العائمة "أكاديمك لومونوسوف".

وفي سياق متصل، تسبب التنافس المتجدد بين القوى العظمى في زيادة نشاط قوات الغواصات الروسية، لاسيما بعد ضم شبه جزيرة القرم، وفرض العقوبات من قبل الدول الغربية، إذ تم تحديث قوات الغواصات والأسطول الشمالي، وإدخال غواصات جديدة قادرة على تهديد مواقع عسكرية أو اقتصادية حيوية في أوروبا أو الولايات المتحدة مخصصة للقوات البحرية الروسية في إطار الردع غير النووي، وترافق تحديث الأسطول وتجديد الاهتمام الروسي بالمنطقة مع زيادة في عدد عمليات نشر قوات الغواصات الروسية في المحيط الأطلسي والشمال، وعلى الجانب الأمريكي، نشرت الولايات المتحدة غواصة يو إس إس جيمي كارتر في القطب الشمالي وغواصات أخرى من فئتها (يو إس إس كونيتيكت ويو إس إس سي وولف).

منافسات تجارية قطبية:

بموازاة التنافس العسكري المتصاعد في القطب الشمالي، ثمة تنافس آخر على التجارة العالمية، إذ إن هناك ثلاثة طرق تجارية متصورة في المنطقة، وهي الممر الشمالي الغربي (NWP) على طول الساحل الشمالي لقارة أمريكا الشمالية، وطريق البحر الشمالي (NSR) على طول ساحل سيبيريا والذي يلعب دوراً رئيسياً في استراتيجية تنمية القطب الشمالي لروسيا؛ والمسار العابر للقطب، ويحتمل أن يكون الطريق أو المسار الثالث ذا أهمية قصوى مستقبلاً، لأنه يتجنب الأعماق الضحلة، ومع ذلك لن يكون متاحاً قبل 2050. 

في سياق متصل، تعمل كاسحات الجليد على توفير ممرات آمنة للسفن في المياه المغطاة بالجليد، وتعد روسيا هي الدولة الوحيدة في العالم التي تشغل أسطولاً من كاسحات الجليد التي تعمل بالطاقة النووية، مما يثير تساؤلات حول التأثير السلبي للنفايات النووية السوفييتية في هذه المنطقة، على جانب آخر، تدرس الصين بناء كاسحة جليد تعمل بالطاقة النووية.

ختاماً، يشير الكاتب في ورقته البحثية إلى الأهمية الاستراتيجية للقطب الشمالي، ودور مجلس القطب الشمالي في الحفاظ على السلام والاستقرار والتعاون لصالح رفاهية السكان من أجل دفع التنمية المستدامة هناك ومكافحة آثار الاحتباس الحراري، لكن قد تؤثر حرب أوكرانيا على تلك الجهود، خاصة مع تصاعد العقوبات الغربية على روسيا، ومع ذلك، يستبعد الكاتب القتال على موارد القطب الشمالي بين الدول المتجاورة.

المصدر:

Jean-Louis Lozier. Arctic: Toward the End of the Exception? Strategic, Nuclear and Maritime Issues in the Region, Proliferation Papers, No. 64. The French Institute of International Relations (Ifri), April 2022.