أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

متطلبات النهوض:

متى تلعب أفريقيا دورا فعالا بالنظام العالمي؟

02 يونيو، 2021


عرض: ياسمين محمود عثمان - باحثة في العلوم السياسية

تسعى قارة إفريقيا لاستعادة مسارها الصحيح للنهوض من خلال اتّباع أجندة التنمية لعام 2063، والعمل وفقًا للخطوات والرؤى التي تمخضت عنها النسخة الثانية من منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامين لعام 2021 الذي عُقد في مارس الماضي، والذي حمل عنوان "صياغة واقع إفريقي جديد: نحو تعافٍ أقوى وإعادة بناء أفضل"، حيث توصل المنتدى إلى أجندة طموحة لكي تتمكن القارة من مواجهة التحديات في الفترة التالية لجائحة (كوفيد-19)، والعمل على استطلاع الفرص المستقبلية المتاحة. وقد تستطيع القارة الإفريقية أن يصبح لها دور مهيمن في النظام الدولي، ولا سيما بعد ما كشفت عنه الجائحة من قدرة على إدارة الأزمات والاستجابة القارية الموحدة للحيلولة دون تفشي الفيروس، الأمر الذي ساهم في انخفاض معدل الوفيات في إفريقيا.

وفي هذا الشأن، نشرت دورية القاهرة للشؤون الخارجية مقالًا بعنوان "تشكيل الطبيعة الجديدة لإفريقيا" في عدد إبريل 2021، تناولت فيه أمنية عبدالحليم الخطوات التي ينبغي على الدول الإفريقية اتخاذها لكي تتمكن من القيادة ولعب دور فعال في النظام الدولي، وذلك بالاستناد إلى مخرجات منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامين، بالإضافة إلى التطرق للمعوقات التي تحول دون تمكين النظام الدولي من صياغة استجابة فعّالة وسريعة لمواجهة الأزمات في وقت مبكر.

تناقض واضح

استطاعت إفريقيا، حتى إبريل الماضي، التفوق على غيرها من القارات الأكثر تقدمًا في الحفاظ على عدد وفيات أقل نسبيًا، في تناقض واضح لإمكانيات القارة وقدرتها على الصمود في وجه الوباء. إذ بلغ عدد الإصابات المسجلة، حتى تاريخ كتابة المقال، ما يقرب من 4.5 ملايين حالة مؤكدة في إفريقيا، وهو ما يعادل 3.08% فقط من إجمالي الإصابات العالمية، في حين بلغ عدد الوفيات 120 ألف حالة مقارنة بوفاة 1.6 مليون شخص في كلٍّ من أمريكا الشمالية والجنوبية، و506 آلاف في آسيا، فضلًا عن مليون وفاة في قارة أوروبا. وبالتالي نجد أن معدل الوفيات في إفريقيا تميز بكونه أقل بكثير من معدل الوفيات العالمي.

وأرجع المقال السبب في انخفاض عدد الوفيات في إفريقيا إلى سرعة الاستجابة المتعددة الأطراف التي قادها الاتحاد الإفريقي، وأخذه زمامَ المبادرة في هذا الإطار، في الوقت الذي لم يتمكن فيه المجتمع الدولي من التنسيق والتعاون الفعال لخلق نوع من الاستجابة الدولية الجماعية لمواجهة الوباء العالمي بشكل متحد.

تحديات عدة

كشف تفشي جائحة (كوفيد-19) عن هشاشة المجتمع الدولي، وعدم الترابط بين مختلف هيئات الحوكمة الدولية، وهو ما كان قائمًا بالفعل قبل ظهور الوباء، ولكنه ظهر بشكل أكثر وضوحًا عندما فشلت الدول في التعاون، وتأخرت الاستجابة العالمية لمواجهة الوباء وتميزت بعدم كفايتها. حيث يواجه النظام الدولي العديد من التحديات التي تعوق قدرته على التعاون المتعدد الأطراف للاستجابة للتحديات العالمية الطارئة بفاعلية وبشكل سريع لمنع تفاقم الأزمة. ووفقًا للأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، تتمثل أبرز المعوقات التي تحول دون التعاون الدولي المتعدد الأطراف في عدد من الأمور التي تتمثل في: التغير المناخي، والتداعيات السلبية للتطور التكنولوجي والتي من بينها الأسلحة الآلية، وتفاقم التوترات الجيوسياسية بين مختلف القوى العالمية، بالإضافة إلى تنامي ظاهرة عدم المساواة داخل وبين الدول.

وقد اتّسمت استجابة مجلس الأمن الدولي لمواجهة الوباء بالبطء، فعلى الرغم من أن منظمة الصحة العالمية أعلنت في 11 مارس 2020 أن تفشي فيروس كورونا أصبح وباء عالميًا جديدًا سريع الانتشار، وحذرت من تداعياته الخطيرة على المجتمع الدولي؛ إلا أن مجلس الأمن لم يتخذ أي تحركات حتى يوليو 2020 عندما أعلن أن دول العالم يجب أن توجه الأنظار لمواجهة الوباء الجديد، أي بعد قرابة أربعة شهور من تحذير المنظمة، وبعد أن تمكن الفيروس من الانتشار في معظم مناطق العالم، إذ بلغت حالات الإصابة 10.3 ملايين، وتأثّر الاقتصاد العالمي، وانخفضت التوقعات الخاصة بالنمو الاقتصادي العالمي بمقدار 6.5 نقاط مئوية مقارنة بتلك التي سادت في فترة ما قبل بدء انتشار الفيروس في يناير 2020. وفي هذا الصدد، انتقد عضو هيئة الحكماء بالاتحاد الإفريقي، عمرو موسى، تباطؤ الأمم المتحدة في اتخاذ إجراءات والبدء في الاستجابة لمواجهة الفيروس، حيث قال: "إن الأمم المتحدة غير قادرة على التصرف أو الرد"، وذلك أثناء حديثه بمنتدى أسوان في 2021.

وتبنّى السفير البرازيلي في القاهرة، أنطونيو باترويتا، خطابًا مشابهًا لعمرو موسى، حيث اعتبر أن الوباء بمثابة حافز جديد لإعادة إحياء التعددية الدولية، من منطلق أنه لا توجد دولة واحدة تستطيع أن تواجه التداعيات الصحية والاقتصادية التي خلفها الوباء بشكل منفرد بمعزل عن الآخرين. ويعتقد باترويتا أن مجلس الأمن الدولي غير معنيٍّ بالتعامل مع الأزمات الصحية العالمية، إذ تنصرف اختصاصاته بشكل أكبر إلى تفويض عمليات السلام، واتخاذ القرارات المتعلقة بالسماح لشن عمل عسكري أو فرض عقوبات. وبالتالي تبرز الحاجة الملحة إلى التطلع لهيئات حوكمة بديلة لكي تقود المجتمع الدولي في فترة ما بعد الوباء.

دور استثنائي

أثبتت الدول الإفريقية قدرة استثنائية على تحقيق التعاون الإقليمي الفعال في إدارة الأزمات، حيث اجتمعت الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي في إثيوبيا في 24 فبراير 2020 لبحث كيفية منع انتشار العدوى في القارة، والتناقش بشأن سُبل إنقاذ اقتصاد الدول من تداعيات الوباء، وذلك من خلال وضع استراتيجية على مستوى القارة ككل لتحقيق هذه الأهداف. وبالتالي، اتخذ الاتحاد الإفريقي إجراءات في وقت مبكر من انتشار الفيروس ليصبح بذلك واحدًا من ضمن المنظمات الإقليمية التي أخذت الريادة في محيطها لمواجهة الجائحة.

بيد أن النظام الدولي عمد إلى إقصاء أي دور للدول الإفريقية منذ تأسيس منظمة الأمم المتحدة، والتي لا تضم في تكوين أعضائها الدائمين دولًا ممثلة للقارة الإفريقية، فضلًا عن تهميش دور هذه الدول في المؤسسات المالية العالمية. ولكن رغم ذلك، تمكّنت الدول الإفريقية على مدار السنوات السابقة من إحداث تغييرات بالنسبة لأوضاعها في النظام الدولي والمؤسسات الدولية من خلال تمكنّها من تولي مناصب قيادية في العديد من المؤسسات والتي من بينها منظمة التجارة العالمية، ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، بالإضافة إلى مؤسسة التمويل الدولية.

وبالتالي، يعتقد عمرو موسى أنه يمكن إنشاء منظمة الصحة الإفريقية لتعزيز جهود منظمة الصحة العالمية في إيصال اللقاحات إلى الدول الأقل ثراء في النظام الدولي في إطار مبادرة كوفاكس العالمية، معتبرًا أن الهدف من تأسيسها لن يتمثل في مزاحمة أو التنافس مع منظمة الصحة العالمية، بل سيهدف إلى تحقيق التعاون معها.

وقد خلف فيروس كورونا العديد من التداعيات السلبية على كافة المستويات بالدول الإفريقية رغم عدم معاناتها من أعداد وفيات وإصابات هائلة كما هو الحال في العديد من مناطق العالم، وذلك بفضل التعاون الإقليمي المتعدد الأطراف، والاستجابة المبكرة للوباء، بالإضافة إلى تقديم عددٍ من المبادرات القوية.

لكنّ منطقة جنوب الصحراء الكبرى في الوقت الحالي تعاني من ركود اقتصادي لأول مرة منذ 25 عامًا، كما ألقت الجائحة بظلالها على الجهود الرامية لحل النزاعات، وأعاقت القدرة على التوصل لوضع حدٍّ لها، فضلًا عن صعوبة الحفاظ على جهود السلام التي كانت تتم بالفعل. وتأثرت سلاسل التوريد العالمية، والعديد من القطاعات من بينها القطاع السياحي، بالإضافة إلى مساهمة الجائحة في تفاقم التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي كانت تواجه دول القارة في فترة ما قبل الوباء. ووفقًا لمركز القاهرة الدولي لحل النزاعات وحفظ السلام، أثرت تقلبات أسعار النفط على الدول الواقعة في شمال القارة.

خطوات جادة

كشفت اللجان المختلفة لمنتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامين عن عدة خطوات ينبغي على الدول الإفريقية أن تتخذها لكي تتمكن من إعادة بناء اقتصادياتها مرة أخرى، واستعادة المسار التنموي وفقًا للأهداف الواردة في الأجندة التنموية التي وضعتها دول القارة لعام 2063. ولكن تنفيذ هذه الخطوات لن يكون بالأمر اليسير، بل ستواجه الدول العديد من المعوقات.

تتمثل أولى هذه الخطوات في إتاحة الفرصة لهيئات الحوكمة الإفريقية لكي تلعب دورًا أكثر تأثيرًا في عملية صنع القرارات الدولية. حيث اقترح عمرو موسى تحقيق تعاون وثيق بين مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الإفريقي ومجلس الأمن الدولي حول الشؤون العالمية، بحيث لا يقتصر على القضايا الإفريقية فقط، وخاصة في ظل الدور الفعال الذي تمكن مجلس السلام والأمن من القيام به في إدارة وحل النزاعات والمساهمة في جهود إعادة الإعمار في مختلف مناطق إفريقيا. 

وتتمثل الخطوة الثانية، كما اقترح عمرو موسى، في عقد اجتماع في مؤتمر عموم إفريقيا لمناقشة قضية التغير المناخي، والتي لا تُعد أحد التحديات الملحة التي تواجه إفريقيا فقط، بل تهدد النظام العالمي بأكمله، لمناقشة خلق نوع من الاستجابة القارية لمواجهة أزمة التغير المناخي والتداعيات المنبثقة عنها. ونظرًا لأن الاحتباس الحراري أفضى إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي، وندرة المياه في الدول الإفريقية، فضلًا عن تداعياته على كافة المستويات، ولا سيما في "المجتمعات المهمشة"؛ عقد منتدى أسوان ندوة عن المناخ والأمن والتنمية، حيث بحث المسؤولون الكيفية التي سيقومون من خلالها بتقييم المخاطر المنبثقة عن التغير المناخي، والخطط التي سيضعونها للاستجابة لها.

وتنصرف الخطوة الثالثة إلى تمكين المرأة، حيث سلطت تداعيات الوباء الضوء على الحاجة لتمكين المرأة الإفريقية، حيث كان للوباء تأثير غير متناسب على النساء اللواتي يعشن بمناطق الصراع. ويُذكر أن السياسة الشاملة للجنسين تعززت خلال السنوات الماضية من خلال تأسيس العديد من الآليات، سواء المحلية أو العالمية لهذا الهدف، مثل إنشاء شبكة النساء الإفريقيات في منع النزاعات والوساطة على سبيل المثال.

وعلى الرغم من ذلك، ما زالت هناك العديد من الخطوات التي ينبغي اتخاذها، حيث اقترحت إحدى اللجان بمؤتمر أسوان النظر في كيفية تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1325 المعني بالمرأة والأمن والسلام، وابتكار سياسة شاملة للجنسين في أوقات الصراع وبعدها، وذلك في ظل الذكرى العشرين لاتخاذ مجلس الأمن لهذا القرار. 

وترتبط الخطوة الرابعة بتمكين القارة لكي تصبح أحد الفواعل الدولية المهيمنة في النظام الدولي، وتعزيز مشاركتها مع مختلف مناطق العالم. وبالتالي، أوضح باتريوتا أن هناك مجالًا لانخراط البرازيل مع الاتحاد الإفريقي وغيره من المؤسسات الإفريقية بشكل ثنائي، مستندًا في ذلك إلى العلاقات التاريخية التي تجمع بين القارة والبرازيل، التي تضم بالفعل أكبر الجاليات الإفريقية في العالم، حيث إن إفريقيا تُعد بمثابة شريك مهم في النظام متعدد الأطراف بالنظر إلى العلاقات التاريخية والمتنامية مع البرازيل. وأورد باترويتا مثالًا آخر على قوة العلاقات الدبلوماسية بين إفريقيا والبرازيل، وهي اتفاقية التجارة الحرة لمنطقة ميركوسور للتجارة الحرة مع مصر، التي قد تكون الأساس لعلاقات أكثر متانة بين البرازيل ومنطقة التجارة الحرة القارية.

ويعتقد عمرو موسى أن أحد العوامل التي يمكن أن تعزز من اندماج القارة الإفريقية مع العالم تتأتى من خلال إجراء العديد من الحوارات الدولية كالتي يتيحها منتدى أسوان. ومن ثم اقترح أن يعقد الدبلوماسيون والخبراء اجتماعات شهرية لمواجهة المتغيرات الدائمة في السياسات الإفريقية والعالمية، من خلال مناقشة السياسات اللازمة، ووضع الاستراتيجيات المناسبة لمواجهتها والتواكب معها. 

المصدر

Amina Abdel-Halim, Shaping Africa’s New Normal, The Cairo Review of Global Affairs, April 28, 2021.