أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

ما بعد روحاني:

لماذا تصاعد الجدل حول تسريبات ظريف؟

02 مايو، 2021


ربما لا يتعلق الجدل الذي تصاعدت حدته عقب تسريب مقتطفات من حوار سري أجرى مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في مارس الماضي، بمضمون الحوار نفسه، بقدر ما يرتبط بما سيكون عليه المشهد السياسي في إيران في مرحلة ما بعد إجراء الانتخابات الرئاسية القادمة في 18 يونيو القادم، والتي لن يترشح فيها الرئيس حسن روحاني، وموقع وزير الخارجية الحالي داخل خريطة توازنات القوى فيها. إذ قد لا يكون ما جاء في الحديث مفاجئاً للمراقبين، في ظل الازدواجية التي يتسم بها الخطاب الرسمي الإيراني، الذي يتأرجح بين الآليتين الدبلوماسية والعسكرية، وإن كانت الغلبة للأخيرة في معظم الأحوال. بل إن وزير الخارجية نفسه سبق أن اعترض على ميل توازن القوى لصالح الأخيرة، عندما أعلن تقديم استقالته عقب زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى طهران، في 25 فبراير 2019، دون علمه، وبتنسيق مباشر من جانب قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري السابق قاسم سليماني، قبل أن يتراجع عنها بعد ذلك.

أسباب خفية:

أثارت مقتطفات الحوار الذي أجراه الاقتصادي البارز سعيد ليلاز مع وزير الخارجية محمد جواد ظريف في إطار مشروع "خارج الحكومة" الذي يشرف عليه المركز الرئاسي للدراسات الاستراتيجية، ويهدف إلى توثيق أداء حكومة الرئيس روحاني على مدى ثمانية أعوام، جدلاً واسعاً، لم ينحصر في إيران فقط، وإنما امتد حتى إلى الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.

إذ ركزت التسريبات، التي أدت إلى الإطاحة برئيس المركز الرئاسي للدراسات الاستراتيجية حسام الدين آشنا وتكليف المتحدث باسم الحكومة علي ربيعي بتولي مهامه، على تدخلات الحرس الثوري في توجيه الدبلوماسية الإيرانية في الخارج، لاسيما إزاء بعض القضايا التي تمس المصالح العليا للدولة، خاصة الملفين النووي والسوري. 

وربما يمكن القول إن ثمة أسباباً عديدة أدت إلى اتساع نطاق الجدل حول هذه التسريبات، يتمثل أبرزها في:

1- اقتراب الصفقة: لا ينفصل هذا الجدل عن القلق الذي يبديه قادة وكوادر تيار المحافظين الأصوليين إزاء التداعيات التي يمكن أن يفرضها الوصول إلى صفقة محتملة مع قوى مجموعة "4+1" بمشاركة غير مباشرة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، بشأن الاتفاق النووي، حيث وصلت الاجتماعات التي تعقد في فيينا إلى مرحلة صياغة الاتفاق في بنود واضحة وملزمة للطرفين، وإن كان ذلك لا ينفي أن الخلافات التي ما زالت عالقة قد لا تبدو ثانوية أو يمكن تسويتها بسهولة.

وهنا، فإن المحافظين الأصوليين يخشون من تكرار ما حدث في أعقاب الوصول إلى الصفقة النووية في 14 يوليو 2015، حيث ساهمت في تعزيز نفوذ تيار المعتدلين داخل دوائر صنع القرار، باعتبار أنه التيار الذي نجح في الوصول إلى الصفقة وتمريرها في الداخل بضوء أخضر وقبول من جانب المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي.

وفي هذا السياق، كان لافتاً أن الرئيس حسن روحاني حرص على الإشارة إلى الترابط بين الجدل حول تسريبات ظريف والتفاهمات التي تجري في فيينا حول الاتفاق النووي، حيث قال أن "الشريط تم نشره في وقت كانت مباحثات فيينا في ذروة نجاحها، وذلك بهدف خلق اختلاف داخل إيران". 

2- مستقبل غامض: رغم أن وزير الخارجية جواد ظريف سبق أن أشار أكثر من مرة إلى أنه لا ينوي المنافسة في الانتخابات الرئاسية القادمة، خلفاً للرئيس حسن روحاني، بل إنه حرص على تأكيد ذلك في الرسالة التي وجهها إلى المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، في 25 أبريل الفائت، وطالبه فيها بوقف الضغوط على المفاوضين النوويين في فيينا، متعهداً في الوقت نفسه بعدم الترشح في الانتخابات، رغم كل ذلك، فإن تيار المحافظين الأصوليين لم يتراجع عن الحملة الحالية التي يشنها ضد ظريف. بل ربما يمكن القول إن الأخير يتعرض لضغوط أقوى من الرئيس نفسه، باعتبار أن روحاني خارج السباق الرئاسي في الأساس. وهنا، فإن الهدف ربما يكون مرتبطاً بمحاولة وضع سقف للمستقبل السياسي لظريف نفسه، خاصة أن الأخير كان حريصاً على إبراز دوره على الساحة الخارجية في الفترة الأخيرة، بدليل الزيارات التي يقوم بها إلى عدة دول مثل العراق وقطر وسلطنة عمان، وكان لافتاً أن جدول لقاءاته كان مزدحماً وبارزاً، حيث شمل أعلى المراكز السياسية في تلك الدول، بما يعني أن ظريف قد يكون قد تعمد ذلك، للإشارة إلى موقعه ودوره في تعزيز العلاقات السياسية مع العديد من الدول، والإيحاء بشكل غير مباشر بأن هذا الدور يمكن أن يحتوي، ولو نسبياً، التأثيرات السلبية التي تنجم عن تدخلات الحرس الثوري. ومن هنا، يمكن تفسير أسباب تصاعد الحملة ضد ظريف بعد نشر التسريب، خاصة لجهة تركيزه على الأدوار التي كان يقوم بها قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، سواء لتعزيز الحضور العسكري لإيران في سوريا أو لتعطيل الاتفاق النووي مع القوى الدولية.

وقد لا يكون ذلك منفصلاً عن ما يمكن أن يراود ظريف نفسه من طموحات لدعم موقعه السياسي بعد خروجه من الحكومة، على غرار تبوء مكانة ترقى إلى الموقع الذي يشغله مستشار المرشد للعلاقات الدولية علي أكبر ولايتي، أو الاستعداد للمنافسة في الانتخابات الرئاسية في مرحلة لاحقة.

3- ارتدادات الاختراق الأمني: لم تستبعد اتجاهات عديدة داخل إيران أن يكون تسريب الحوار امتداداً للعمليات الأمنية التي تتعرض لها إيران في الفترة الأخيرة، بهدف عرقلة طموحاتها النووية، وربما استنزافها في أزمات داخلية في الوقت الذي تتصاعد فيه حدة التوتر مع بعض خصومها الإقليميين لاسيما إسرائيل. وبمعنى آخر، فإن الهدف، في رؤية هذه الاتجاهات، يتعلق بمحاولة تصعيد حدة التوتر على المستوى الداخلي الإيراني حول قضية حساسة تتصل بالخلل في توازنات القوى لصالح الحرس الثوري الذي يتصاعد نفوذه على مختلف المستويات سواء داخل إيران أو على صعيد سياستها الخارجية.

4- استفزاز واشنطن: كان لافتاً أنه تم التركيز في التسريب على العلاقة التي تأسست بين ظريف ونظيره الأمريكي الأسبق جون كيري، والتي كانت إحدى نتائج الوصول إلى الصفقة النووية في يوليو 2015، وهى خطوة قد تكون متعمدة لوضع مزيد من العراقيل أمام الصفقة النووية، حيث أثير الجدل حول إشارة ظريف إلى أنه فوجئ بما أبلغه به كيري حول أن عدد الضربات الإسرائيلية ضد المواقع الإيرانية في سوريا بلغ 200 ضربة. ورغم أن ذلك قد لا يدخل ضمن "المعلومات السرية أو الحساسة" باعتبار أن الإفصاح عن العدد ربما يكون ضمن المعلومات العامة المتاحة في التقارير الإعلامية، وهو ما أشار إليه المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس في إطار دفاعه عن كيري الذي نفى بدوره تلك المزاعم، فإن ذلك لم يمنع بعض النواب الأمريكيين من مطالبة الرئيس جو بايدن بإقالة كيري من منصبه كمبعوث للرئيس لشئون المناخ، وهو ما لا ينفصل عن الضغوط التي يمارسها نواب عديدون لمنع الإدارة الأمريكية من الوصول إلى صفقة مع إيران يعتبرون أنها لا تتضمن شروطاً صارمة يمكن أن تمنع الأخيرة من العودة من جديد إلى تخفيض التزاماتها النووية.

في النهاية، يمكن القول إن تسريب حوار ظريف يمثل انعكاساً للتوتر الذي تتسم به التفاعلات التي تجري على الساحة السياسية الإيرانية، والذي لا يعتبر فقط نتيجة لاقتراب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية فحسب، بقدر ما يعد انعكاساً لارتدادات حالة الاختراق الأمني غير المسبوق التي تتعرض لها إيران في المرحلة الحالية.