أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

توازنات متغيرة:

تأثير معارك درعا على مسارات الصراع في سوريا

30 يونيو، 2018


تتقدم قوات النظام السوري تحت غطاء جوى روسي فى مناطق المعارضة الجنوبية في درعا بعد أسابيع قليلة من إبرام اتفاقيتى ترتيبات أمن الحدود برعاية روسية وتوافق أمريكي مع الأردن وإسرائيل. ومن شأن تلك الخطوة إضعاف المعارضة عسكريًا في إطار عملية يهدف من خلالها النظام إلى استعادة نفوذه في تلك المواقع، لكن قدرتها على تغيير توازنات القوى خلال المرحلة القادمة سوف ترتبط بمتغيرات أخرى مهمة تتمثل في مواقف القوى الدولية المعنية بها، وفي مقدمتها روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب المسارات المحتملة للتطورات السياسية التي قد تشهدها سوريا خلال الفترة القادمة. 

أهمية استراتيجية:

قد تكون درعا هى المعركة الأخيرة التي تحظى بأهمية رمزية بالنسبة للنظام السوري، فاستعادتها تعني توجيه ضربة قوية للمعارضة المسلحة التي بدأت فيها تحركاتها لإسقاط النظام في مارس 2011. وقد أدار الأخير حملة مضادة لتبرير محاولاته استعادتها، معتبرًا أنها كانت بوابة رئيسية لدخول العناصر الإرهابية الموالية لتنظيمات مثل "داعش"، وهو ما ردت عليه المعارضة بتأكيد أن ذلك لا يتسامح مع المعطيات الموجودة على الأرض، التي تكشف أن الهدف الأساسي للنظام يتمثل في تغيير توازنات القوى لصالحه استعدادًا للاستحقاقات السياسية والمفاوضات التي تجري في مرحلة لاحقة، مستندة في هذا السياق إلى أن النظام لم يهتم بمنطقة حوض اليرموك التي ما زالت تتواجد فيها مجموعات "داعشية"، في ظل الأهمية الملحوظة التي تحظى بها العملية العسكرية التي ينفذها حاليًا في درعا.

وقد استعادت قوات الأسد مناطق بصر الحرير واللجاة ومليحة العطش بريف درعا الشمالي الشرقي، كما تتقدم ببطء في المنطقة الشرقية نظرًا لطبيعتها الجغرافية باتجاه منطقتى الحراك وناحتة، ويبلغ طول خط العملية العسكرية التي تشنها تلك القوات ما يقرب من 40 كيلومتر بين نقطتين تمتدان من قرية سكاكا جنوبًا إلى الشومرة شمالاً، وهو ما يعني أن النظام يحاول تقسيم المنطقة لجيوب صغيرة، بالتوازي مع سعيه لفتح محور باتجاه ريف درعا من جهة ريف السويداء الجنوبي الغربي، خاصة بعد وصول تعزيزات ضخمة لقواته.

مواقف متباينة:

بدأت روسيا، التي تشرف، طبقًا لتقارير عديدة، على عملية درعا في إطار خطتها لترتيبات أمن الحدود السورية، وهو الدور الذي تم إقراره في الاتفاق الذي توصلت إليه مع إسرائيل في منتصف مايو الفائت، في توسيع نطاق تفاهماتها الأمنية لتشمل الولايات المتحدة الأمريكية أيضًا، وهو ما يمكن أن تحقق من خلاله أهدافًا عديدة، يتمثل أبرزها في إضعاف أهمية قاعدة التنف الأمريكية، التي رجحت تقديرات عديدة أن يتراجع دورها وتتزايد دعوات إغلاقها خلال المرحلة القادمة، لا سيما مع ظهور اتجاه داخل الولايات المتحدة بات يرى أن القاعدة فقدت أهميتها تدريجيًا، ولم يعد استمرارها يخدم مصالح واشنطن ومواقفها من التطورات السياسية والميدانية في سوريا.

وتقوم وسائل الإعلام السورية بترويج معلومات حول تقدم القوات الحكومية والميليشيات الموالية لها في جنوب حمص، مشيرة إلى أن القاعدة الأمريكية باتت مطوقة عمليًا. ويتوازى ذلك مع نشر تقارير عديدة رسالة أمريكية وجهت إلى فصائل المعارضة أعلنت فيها واشنطن موقفها بأنها لن تتدخل أو تقدم أى دعم لها، داعية إلى تجنب التعامل مع استفزازات النظام.

وقد دفع ذلك اتجاهات عديدة للإشارة إلى أن حرص واشنطن على تبني تلك المواقف يكشف عن اهتمامها بتطبيق التفاهمات التي توصلت إليها مع موسكو حول الترتيبات التي تجري صياغتها في الجنوب. لكن هذه التفاهمات قد تسبب حرجًا للأخيرة، خاصة في ظل الاستياء الذي بدأت تبديه إيران والميليشيات الموالية له، إلى جانب النظام السوري، تجاه بعض المواقف التي أعلنت عنها مؤخرًا، والتي تكشف عن وجود خلافات لا تبدو هينة بين هذه الأطراف قد تتصاعد تدريجيًا خلال المرحلة القادمة.

ارتباك واضح:

عسكريًا، تخوض فصائل المعارضة معركة تبدو محسومة ضدها بحكم توازنات القوى التي فرضتها المواجهات العسكرية التي اندلعت في الفترة الماضية. فعلى الرغم من تمركز نحو 20 ألف من العناصر التابعة لها على معظم الجبهات العسكرية، إلا أنه مع قطع خطوط الإمداد بحكم الموقف الأمريكي وتجميد دور قاعدة التنف، سيكون من الصعب على المعارضة حسم المعركة عسكريًا، وهو ما سوف يدفعها إلى العودة لمسار المفاوضات رغم التحفظات العديدة التي تبديها على بعض قضايا الخلاف وعلى مواقف القوى المعنية، خاصة روسيا التي ما زالت تنتقد دعمها للنظام السوري ومشاركتها الجوية في العمليات العسكرية التي يقوم بشنها.

أما سياسيًا، فقد أكدت المعارضة في بياناتها الرسمية أنه في حالة نجاح النظام في حسم جولة درعا عسكريًا، فإنه لن يكسبها على النحو ذاته سياسيًا، حيث لوحت باستغلال أوراق سياسية مثل ملف "إعادة الإعمار" الذي قالت أنه لا يمكن أن يبدأ إلا بعد الوصول إلى حل سياسي واستقرار الوضع العام في سوريا، وملف جرائم الحرب الذي تقوم بتحريكه العديد من مؤسسات المجتمع الدولي ومنظمات المجتمع المدني السوري في مختلف دول العالم، دون أن تظهر مؤشرات تزيد من احتمالات نجاحها في توظيف ذلك لفرض مزيد من الضغوط على النظام.

وفي النهاية، يمكن القول إن تطورات العمليات العسكرية في درعا تكشف أن المعارضة تواجه مأزقًا ربما يكون الأكثر صعوبة منذ اندلاع الحرب السورية، حيث أنها تفقد تدريجيًا معقلها الرئيسي فى الجنوب فى مقابل استعادة النظام نفوذه. وحتى مع وجود ميليشيات الجيش الحر فى ثلاث مواقع أخرى فى إدلب والشمال السوري، فإن تلك المواقع يمكن أن تشكل ملاذًا آمنًا لها وليس موقعًا لوجستيا يمكن أن يفرض تهديدات على النظام.

 وفى ظل تراجع تأثير المعارضة العسكرية، فإن المعارضة السياسية تواجه المأزق ذاته بسبب عدم قدرتها على استغلال أوراق الضغط التي تلوح بها، كما أنها تواجه تحديًا أكبر فرضه تعدد كياناتها وضعف قوامها على الرغم من الفرص التي يمكن أن توفرها الاستحقاقات السياسية المرتقبة، ومنها اللجنة الدستورية التي يفترض أن تتقاسمها مع النظام، بشكل يشير إلى أن معركة درعا سوف يكون لها دور في تحديد اتجاهات الصراع خلال المرحلة القادمة.