أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

قراءة في اتفاق «المناطق الآمنة» في سورية

11 مايو، 2017


تم في الأسبوع الماضي التوقيع على اتفاق حول إنشاء «مناطق تخفيف التصعيد» في سورية بين روسيا وتركيا وإيران كجزء من محادثات آستانة بقيادة روسيا وتركيا. وجاء الاتفاق عقب المحادثات المباشرة الأولى بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين، بحضور مساعد وزير الخارجية الأميركي بالنيابة لشؤون الشرق الأدنى بعد ذلك كمراقب عن محادثات آستانة.

لكن الاتفاق جاء أيضاً بعد انسحاب الجماعات السورية المعارضة المسلحة التي شاركت في المحادثات احتجاجاً على استمرار قصف النظام السوري مناطق المعارضة. وكان ممثلو هذه الجماعات قد عادوا الى الانضمام الى المحادثات في نهاية المطاف بعد انسحابهم ولكنهم انسحبوا مرة أخرى عندما تم توقيع الاتفاق بين روسيا وايران وتركيا، مشيرين الى دور إيران في الاتفاق كسبب لانسحابهم. كما أعرب الممثلون السياسيون للمعارضة السورية، الذين لم يكونوا جزءاً من محادثات آستانة، عن قلقهم من أن إيران - وهي إحدى الدول المؤيدة الرئيسية للميليشيات الموالية للنظام داخل سورية - أدرجت في الاتفاقية باعتبارها من «الضامنين» لمناطق تخفيف التصعيد.

وعلى الرغم من أن البعض قد يعتبر الاتفاق إنجازاً ولو صغيراً في المحادثات، فإن قراءة بنوده تظهر على نحو وثيق أنه قد لا يكون بالضرورة الخطوة الأولى نحو السلام، ولكن قد يكون له أثر معاكس.

إن عدم موافقة المعارضة السورية على الاتفاق يأتي بعد سنوات من محاولة التفاوض مع النظام السوري من خلال عملية جنيف من دون أن يتمكن من الوصول إلى المفاوضات وجهاً لوجه بين الجانبين. ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى عدم جدية النظام أو داعمته الرئيسية روسيا في التوصل إلى تسوية مع المعارضة.

مع تزايد الضغط الخارجي على المعارضة السورية، يتم دفعها إلى خيار ضيق وهو أن تعلن في النهاية دعم المبادرات التي يبدو أنها توجه الصراع نحو درجة من تخفيف التصعيد، على أساس أن تخفيف التصعيد سيمهد الطريق لمحادثات سلام أوسع نطاقاً. ونظرياً، يمكن عندئذ للمعارضة أن تبني على مخرجات آستانة في الجولات المقبلة لمحادثات جنيف في وقت لاحق من شهر أيار (مايو) الحالي.

كانت الرغبة في تخفيف حدة التصعيد قد دفعت المعارضة إلى قبول سلسلة من اتفاقات وقف إطلاق النار التي تم التوصل اليها في جنيف في الماضي. ولكن حينذاك، واجهت المعارضة في الوقت نفسه التحدي ذاته الذي شعرت به الجماعات المشاركة في آستانة، ما دفع كلاً منهما إلى رد الفعل نفسه: في الماضي انسحبت المعارضة من جنيف بسبب التجاوزات المستمرة من النظام، وفي الآونة الأخيرة، جمد المندوبون مشاركتهم في آستانة للسبب نفسه.

وعلى رغم أن اتفاقيات مثل «مناطق تخفيف التصعيد» تبدو إيجابية في الشكل، إلا أنها غالباً ما كانت تستخدم من روسيا والنظام السوري لإيذاء صدقية المعارضة السورية وممثلي الجماعات المسلحة، اذ ان مواصلة مشاركتها في المحادثات أثناء قصف النظام المدنيين يجعلها تبدو منفصلة عن أرض الواقع.

غطت وسائل الإعلام العالمية اتفاق آستانة كاتفاق حول إنشاء «مناطق آمنة»، ولكن «مناطق تخفيف التصعيد» ليست الشيء نفسه. فالمناطق الآمنة لا يضمن أمنها من جانب أي من الأطراف المشاركة في النزاع. ولكن اتفاق آستانة يسمح لروسيا وايران بإقامة نقاط تفتيش ومراكز مراقبة «لضمان تنفيذ بنود نظام وقف إطلاق النار» في مناطق تخفيف التصعيد.

وعلى الرغم من أن الاتفاق ينص على أن «الضامنين» (روسيا وإيران وتركيا) «سيطلبون من الأطراف المتصارعة التوقف عن استخدام أي نوع من الأسلحة في مناطق تخفيف التصعيد» (وبالتالي تجاهل أن روسيا وإيران نفسيهما هما اثنان من تلك الأطراف المتنازعة)، ينص الاتفاق لاحقاً على أن الضامنين «سيتخذون جميع التدابير اللازمة لإجبار جماعات داعش وجبهة النصرة (المعروفة الآن باسم جبهة فتح الشام) على الخروج من مناطق التصعيد كما جماعات أخرى لم تنضم إلى اتفاق وقف إطلاق النار».

إن إدراج هذا البند مهم. فاذا تخيلنا كيف يمكن لمناطق تخفيف التصعيد أن تعمل، يمكن للمرء أن يتصور مناطق محاطة بالقوات الروسية والإيرانية (والتركية)، والتي تستخدم مراكز المراقبة لرصد تحركات الجماعات المسلحة داخل المناطق. وان يتصور مواصلة روسيا وإيران الانخراط في نشاط عسكري داخل تلك المناطق بحجة القضاء على تنظيم «داعش» و «جبهة النصرة».

إن الاختلاط المتزايد لـ «جبهة النصرة» مع جماعات مسلحة أخرى تحت راية تحالف «هيئة تحرير الشام» بقيادة «النصرة» يعني أن العديد من الجماعات المسلحة ستعتبر من خلال هذا الاتفاق أهدافاً مشروعة لروسيا وإيران. وقد يدفع ذلك بدوره الجماعات المسلحة إلى الدخول في مواجهة عسكرية مع «النصرة».

ومن ثم يمكن أن تستخدم روسيا وإيران هذه السيناريوات للقول إنه أصبح من غير الممكن «تقديم المساعدات الإنسانية» أو «ضمان حركة المدنيين العزل في المناطق» كما يفترض الاتفاق، مما يضع العبء على عاتق جماعات المعارضة المسلحة. وسيتجلى ذلك بشكل خاص في محافظة إدلب (المشار إليها في الاتفاق بـ «المقاطعة»)، التي يتركز فيها عدد كبير من جماعات المعارضة المسلحة ووجود مقاتلي «النصرة».

إدلب هي أيضاً المنطقة التي يقل فيها نسبياً وجود الميليشيات المدعومة من إيران عن المناطق الأخرى المذكورة في الاتفاق، وهي المنطقة شمال حمص والغوطة الشرقية وجنوب سورية. ولذلك فإن خطة إنشاء منطقة لتخفيف حدة التصعيد في إدلب يمكن أن تكون وسيلة لإيران لاختراق هذه المنطقة «بصورة شرعية».

يأتي توقيت الاتفاق أيضاً بعد تغيير موقف روسيا تجاه المجالس المحلية في سورية، حيث أدرجت روسيا دوراً لهذه المجالس المحلية في مشروع دستور لسورية تم تقديمه في جولة سابقة من المحادثات في آستانة. التفسير المحتمل لهذا التغيير هو أن روسيا تأمل باستيعاب المجالس المحلية في الدولة السورية الى حين الوصول الى اتفاق تسوية للنزاع في المستقبل. وبما أن المجالس المحلية تعمل في بعض المناطق المدرجة في اتفاقية مناطق تخفيف التصعيد، يبدو أن خطة روسيا هي استخدام مناطق تخفيف التصعيد كخطوة أولى نحو الهيمنة على المجالس المحلية.

إن تخفيف تصعيد الصراع في سورية هو في الواقع خطوة ذات مغزى نحو التوصل إلى تسوية، ولكن الاتفاق الإشكالي الحالي الذي وضع في آستانة يصب الزيت على النار.

*نقلا عن صحيفة الحياة