أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

تحولات مرتقبة:

تداعيات قانون "جاستا" الأمريكي على دول الشرق الأوسط

21 نوفمبر، 2016

تحولات مرتقبة:

عقد مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة في أبوظبي، يوم الأربعاء الموافق (9 نوفمبر 2016)، حلقة نقاشية مع د. صمويل جرين، الأستاذ الزائر بكلية الدفاع الوطني بدولة الإمارات العربية المتحدة، حول "التداعيات الإقليمية لإصدار قانون جاستا بالولايات المتحدة الأمريكية". وركز اللقاء على الدوافع الداخلية لإصدار القانون، والدلالات السياسية والقانونية لإصداره، وتداعياته على العلاقات الأمريكية بدول منطقة الشرق الأوسط.

دلالات قانون جاستا:

وقد أثار إصدار قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" جدلا متصاعدًا حول تداعياته السياسية والقانونية؛ إذ يُتيح هذا القانون لعائلات ضحايا العمليات الإرهابية مقاضاة الدول التي ينتمي إليها المتورطون في الهجمات، وهو ما قد يطال عددًا من دول الشرق الأوسط على الرغم من عدم وجود أدنى ارتباط بينها وبين الهجمات الإرهابية. ووفقًا للاتجاهات الرئيسية للنقاش ينطوي صدور هذا القانون على عدة دلالات يتمثل أهمها في الآتي:

1- تراجع تأثير الرئيس الأمريكي: فقد تمكن الكونجرس الأمريكي من تجاوز "الفيتو الرئاسي" الذي استخدمه الرئيس أوباما لعرقلة صدور القانون، وقام مجلس الشيوخ الأمريكي بإسقاط الاعتراض الرئاسي بأغلبية 97 صوتًا مقابل صوت واحد مؤيد، كما رفض مجلس النواب الأمريكي الفيتو الرئاسي بأغلبية 338 نائبًا مقابل موافقة 74، وهو ما يتجاوز أغلبية الثلثين المطلوبة لإسقاط الاعتراض الرئاسي على مشروع القانون، ويرتبط ذلك بقرب نهاية الفترة الرئاسية الثانية لأوباما، ووجود توافق عام بين غالبية أعضاء الكونجرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي على إصدار هذا القانون.

2- اهتزاز ثوابت القانون الدولي: يمثل قانون جاستا تطورًا جوهريًّا في القواعد المنظِّمة للعلاقات الدولية؛ حيث يُعتبر القانون اختراقًا لقواعد اتفاقيتي فيينا للعلاقات الدبلوماسية والقنصلية الصادرتين في 1961 و1963، واللتين تؤسسان لعدم إمكانية اللجوء للقضاء الداخلي في محاكمة الدول الأخرى، فضلا عن مخالفة مقتضيات مبدأ السيادة الثابت حصرًا للدول منذ معاهدة صلح وستفاليا في 1648م.

3- تعددية فواعل السياسة الخارجية: لم تعد السياسة الخارجية مجالا حصريًّا للسلطة التنفيذية داخل الدولة؛ حيث أصبح بمقدور عدد كبير من الفاعلين التأثير على السياسة الخارجية للدولة، مع تصاعد الاختصاصات الخارجية للمؤسسات القضائية، وامتلاك الأفراد لأدوات متعددة التأثير في مسارات التفاعلات الدولية، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، والشبكات العابرة للحدود، أو حتى مجرد اللجوء للقضاء الداخلي لمقاضاة الدول الأخرى.

4- تصاعد الارتداد للداخل: يمثل صدور قانون جاستا أحد أهم مؤشرات تراجع الاعتماد على القانون الدولي والمؤسسات الدولية في تسوية القضايا الخلافية بين الدول، إذ انحسرت تمامًا موجة التفاؤل العالمي التي أعقبت نهاية الحرب الباردة في ظل الارتدادات العكسية لموجات العولمة، وسعي الدول لفرض قيود وعوائق لعرقلة التدفقات الحرة للتجارة والأموال والأفراد لحماية الداخل من التأثيرات المعقدة النابعة من المحيط الخارجي للدولة، وهو ما يرتبط بتراجع التوافق الدولي على دور المحكمة الجنائية الدولية، واتجاه الدول لتجميد عضويتها بالمحكمة. 

دوافع تأييد الكونجرس:

طرح الاتجاه الرئيسي بالحلقة النقاشية رؤية مغايرة للسائد في الجدل العام حول دوافع إصدار قانون جاستا، حيث اعتُبر القانون مجرد انعكاس للتفاعلات الداخلية في الولايات المتحدة، وليس حدثًا موجهًا للخارج، على الرغم من تداعياته الممتدة والجدل العالمي الذي أثاره، وتمثلت أهم دوافع إصدار القانون فيما يلي:

1- انتخابات التجديد النصفي: يرتبط صدور قانون جاستا بتعقيدات عام الانتخابات في الولايات المتحدة، وسعي أعضاء الكونجرس للحصول على ثقة الناخبين قبيل انتخابات التجديد النصفي؛ حيث إن رفض مشروع قانون تدعمه عائلات ضحايا الحادي عشر من سبتمبر قد يتم استغلاله من جانب الخصوم السياسيين خلال الحملات الانتخابية، وهو ما دفع أعضاء الكونجرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي لدعم مشروع القانون على الرغم من معارضة إدارة الرئيس أوباما لإصداره.

2- طبيعة النظام الانتخابي: يفرض نظام الانتخاب الفردي (Single Member District) على كل عضو في الكونجرس تقديم كشف حساب بإنجازاته داخل المجلس التشريعي كل عامين كي تتم إعادة انتخابه، في ظل العلاقة المباشرة بين الناخب وعضو الكونجرس مقارنةً بنظام التمثيل النسبي (Proportional representation) الذي يجعل الأحزاب وسيطًا بين الناخبين وأعضاء الكونجرس، حيث يصوت الناخبون على قائمة حزب معين، ويعزز نظام الانتخاب الفردي دوافع الإنجاز والظهور الشخصي وليس الحزبي، وقد يدفع بعض الأعضاء لمخالفة الالتزام الحزبي لزيادة شعبيته بين أعضاء دائرته الانتخابية.

3- مركزية السياسات الرمزية: يمكن تصنيف قانون جاستا ضمن السياسات الرمزية (Symbolic Politics) التي تقوم على اتخاذ مواقف معينة هدفها الاستفادة من الدلالات الرمزية لهذه المواقف، حيث إن تصويت أعضاء الكونجرس لقانون جاستا كان يهدف إلى استعراض دعم أعضاء الكونجرس لأسر ضحايا أحداث 11 سبتمبر ودعمهم لتحقيق العدالة في مواجهة الإرهاب.

4- تصاعد الضغوط الإعلامية: لم يكن من المرجح أن يحظى قانون جاستا بكل هذا الزخم السياسي أو يتم تمريره من خلال الكونجرس بهذه الأغلبية لولا تمكن الأطراف الداعمة للقانون من تسريبه لوسائل الإعلام وإثارة الجدل العام حوله، وهو ما زاد من الضغوط على أعضاء الكونجرس الأمريكي ودفعهم للتصويت لصالحه دون النظر لاعتراض إدارة أوباما.

تداعيات سياسية معقدة:

أسهم قانون جاستا في زيادة توتر العلاقات بين الولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط، إذ جاء صدور القانون عقب عدة أحداث أسهمت في التباعد في المواقف بين الجانبين، مثل إقرار الاتفاق النووي بين مجموعة 5+1 وإيران دون النظر للتهديدات الإيرانية للاستقرار والأمن في منطقة الشرق الأوسط، وتراجع إدارة الرئيس أوباما عن تعهداتها بالتصدي لانتهاكات نظام الأسد في سوريا، واستمرار الولايات المتحدة في سياسة تجنب الانخراط في أزمات منطقة الشرق الأوسط. 

وفي هذا الإطار، أثارت تداعيات قانون جاستا جدلا بين المشاركين في الحلقة النقاشية، حيث ركزت بعض الاتجاهات على مواجهة الولايات المتحدة للمعاملة بالمثل من جانب دول العالم، وإمكانية محاكمة الولايات المتحدة على الانتهاكات بحق المسجونين في جوانتنامو وأبو غريب وضحايا الحرب الأمريكية على العراق وأفغانستان وقصف الطائرات بدون طيار لمناطق مدنية في أفغانستان وباكستان، فضلا عن أن القانون سيؤدي لتوتر العلاقات الأمريكية مع حلفائها التقليديين في منطقة الشرق الأوسط.

بينما ركز بعض المشاركين على السياسات الوقائية التي قد تتبعها بعض دول الشرق الأوسط، مثل المملكة العربية السعودية التي يمكنها سحب الاستثمارات والأصول التي تملكها بالولايات المتحدة، مما يقلص ثقة المستثمرين الأجانب في الاقتصاد الأمريكي، إلا أن غالبية المشاركين استبعدوا حدوث هذا السيناريو في ظل الخسائر الاقتصادية والمالية التي قد تترتب عليه والصعوبات الاقتصادية التي تصاحب تطبيق هذا الإجراء.

وفي المقابل، طرح اتجاه رئيسي بالنقاش رؤية مغايرة حول مدى أهمية قانون جاستا في تطور العلاقات الأمريكية بدول الشرق الأوسط، حيث رأى أنصار هذا الاتجاه أن هذا القانون يُعد حدثًا هامشيًّا يُفترض ألا يؤثر في العلاقات بين الطرفين، حيث إن صياغة القانون تجعله غير قابل للتطبيق عمليًّا، لأنه يضع على عاتق الأفراد المتقدمين للقضاء إثبات التورط المباشر للدول في العمليات الإرهابية، وهو غير ممكن عمليًّا، كما أن القانون لا يتضمن آلية تنفيذية يمكن من خلالها مصادرة ممتلكات الدول أو تحصيل التعويضات التي قد يتم الحكم بها لصالح أسر الضحايا.

ووفقًا للقانون يمكن لضحايا العمليات الإرهابية مقاضاة سوريا بسبب الجرائم التي تنتهكها "داعش" ضد المدنيين، ويمكنهم أيضًا مقاضاة أفغانستان بسبب العمليات الإرهابية التي يقوم بها تنظيم القاعدة أو باكستان بسبب إيوائها قيادات تنظيم القاعدة، وقد يترتب على هذه القضايا الحصول على أحكام قضائية بإدانة هذه الدول، إلا أن تطبيق العقوبات والحصول على التعويضات يظل غير ممكن عمليًّا لأن القانون لا يتضمن آلية تنفيذية يمكن من خلالها تجميد ممتلكات الدول بالولايات المتحدة، أو الحصول على تعويضات.

وفيما يتعلق بتأثير القانون على العلاقات الأمريكية مع المملكة العربية السعودية، فقد أكد الاتجاه الرئيسي بالنقاش أن هذه العلاقات حيوية وغير قابلة للاستبدال، وفق رؤية هذا الاتجاه، حيث تستند هذه العلاقات إلى التوافق بين الطرفين في تعريف التهديدات الإقليمية، خاصة التهديدات الإيرانية للأمن الإقليمي، والمصالح المشتركة بين الدولتين في استعادة الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط، والتصدي للتهديدات الإرهابية.

ويُضاف إلى ذلك أن التعارض في المصالح بين روسيا والمملكة العربية السعودية سيعوق التقارب بين الطرفين في ظل الدعم الروسي لإيران ونظام الأسد في سوريا، وينطبق الأمر نفسه على الصين التي تعتبر إيران ضمن الدول المحورية في مشروع طريق الحرير الجديد، وتسعى لدمجها في محيطها الإقليمي، كما أن الصين تركز على العلاقات الاقتصادية مع الدول العربية ولا تضع تطوير العلاقات العسكرية مع دول الشرق الأوسط ضمن أولوياتها.

واختتمت الحلقة النقاشية بالتأكيد على أن العلاقات الأمريكية بدول الشرق الأوسط سوف تتعرض لمراجعة كاملة عقب الانتخابات الرئاسية الأمريكية وانتخابات التجديد النصفي بالكونجرس لتتجاوز مرحلة ممتدة من الجمود خلال حكم الرئيس أوباما، وإن كان لا يمكن التنبؤ بمسارات تطور العلاقات قبل أن يكتمل تشكيل الإدارة الأمريكية الجديدة، ويبدأ الرئيس الأمريكي المنتخب في تحديد الخطوط الرئيسية للسياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط.