أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

انتفاضة "هافانا":

كيف قادت "الدولرة" إلى تأجيج احتجاجات كوبا؟

23 أغسطس، 2021


اندلعت في كوبا مؤخراً سلسة من الاحتجاجات التي لم تشهد الدولة مثلها منذ أكثر من 6 عقود، فقد استطاعت الصعوبات التي صاحب جائحة كورونا خلخلة التوازن الهش للمجتمع الكوبي، الذي كان بالكاد صامداً أمام الأوضاع الاقتصادية الضاغطة في مقابل الحفاظ على المبادئ الشيوعية التي وضعها الزعيم الراحل كاسترو، غير أن استقرار الحزب الشيوعي الآن مهدد أمام الأصوات المناهضة للحكومة في جميع أنحاء الجزيرة. 

حراك اجتماعي "كامن"

بدت هذه الاحتجاجات في البداية وكأنها تحرك عفوي من دون تخطيط في "سان أنطونيو دي لوس بانيوس"، وهي بلدة صغيرة تبعد 35 كيلومتراً عن العاصمة الكوبية هافانا. ولكن وفقاً لتحقيق استقصائي أجرته منصة "إل إستورنودو" الكوبية غير الحكومية، وأكدت نتائجه رويترز، أن ثمة تعبئة افتراضية كانت جارية،  فقد تم تنظيم مسيرة الاحتجاج الأولى، والدعوة إليها عبر الإنترنت، في اليوم السابق لـ10 يوليو من خلال مجموعة على فيس بوك تسمى "City of Humor" (مدينة الفكاهة)، وقد لعب أيضاً المغتربون الكوبيون في الخارج دوراً مع المتظاهرين، وعبروا عن تضامنهم مع المحتجين على وسائل التواصل الاجتماعي.

وقد أشعل الاحتجاج الأول الفتيل، وانطلقت بعده سلسلة من التظاهرات العفوية في بقية الجزيرة، ففي غضون ساعات قليلة من نشر الصور الأولى للتظاهرات في سان أنطونيو دي لوس بانيوس على وسائل التواصل الاجتماعي، تحولت شوارع هافانا الرئيسية لبؤرة احتجاجات شارك فيها الآلاف من الكوبيين. ووردت تقارير عن نشوب احتجاجات في أكثر من 20 بلدة ومدينة في جميع أنحاء الجزيرة، أي بمعدل تظاهرة واحدة على الأقل في كل مقاطعة في كوبا، حيث عبّر الكوبيون عن غضبهم وإحباطهم في الشوارع وعبر الإنترنت.

وكانت هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لهذا الغرض، حيث تم نشر رسائل التعبئة والشعارات والمطالب على نطاق واسع، وإبراز وضع المحتجين، وتشجيع باقي الكوبيين على الخروج في تظاهرات سلمية شبيهة في بقية أنحاء البلاد. وعلى الرغم من الزخم الذي أحدثته هذه الحركة الافتراضية، فإنها انتكست بفعل عاملين أساسيين، هما انتشار الأخبار الكاذبة وإغلاق الإنترنت.

فلقد نشر كلا الطرفين، الحكومة والمحتجين، معلومات مضللة، إما لتضخيم حجم التظاهرات، أو لتقويض الحركة المناهضة للحكومة. على الجانب الآخر تراجعت قدرة المواطنين على الحصول على المعلومات من خلال الإنترنت في عدد كبير من المناطق من كوبا، حيث تمت السيطرة على الإنترنت لإخماد التظاهرات. وقد أفاد موقع المراقبة NetBlocks أنه تم تقييد استخدام الإنترنت في الجزيرة، لا سيما في بعض المنصات مثل واتس آب وفيس بوك وإنستجرام وتيليجرام، عن طريق خوادم شركة Etecsa، وهي الشركة الحكومية التي تقدم خدمة الإنترنت في كوبا. ولكن الحكومة لم تعترف بعد لا بالحادثة ولا بالمزاعم حتى الآن. 

إحباطات متراكمة 

بغض النظر عن النتيجة، كانت الاحتجاجات فرصة للمواطنين للتنفيس عن إحباطاتهم الناجمة عن مشكلات عديدة، مثلت الحكومة محور أغلبها، فلقد أدت جائحة كوفيد-19 إلى تفاقم المشكلات الموجودة بالفعل في الجزيرة، حيث تعاني كوبا، من قبل الجائحة، نقصاً في الغذاء والدواء، إلى جانب انقطاع الكهرباء، وهي الأمور التي تفاقمت مؤخراً. ويمكن توضيح الأسباب التي اشعلت الاحتجاجات في التالي: 

1- تعامل غير فعال مع الجائحة: في البداية أدت استجابة هيئات الصحة العامة الكوبية للجائحة إلى انخفاض عدد حالات الإصابات والوفيات، غير أن كليهما زاد في أواخر عام 2020، ثم ارتفعا ارتفاعاً شديداً في عام 2021، فلقد سجلت كوبا أكبر عدد من الإصابات على مستوى القارة اللاتينية بأكملها، كما أنها واحدة من أعلى دول العالم في الإصابات. 

وعلى الرغم من أن كوبا قد طورت لقاحين، وقامت بتطعيم 24٪ من سكانها بالكامل بدءاً من 5 أغسطس 2021، فإن نقص الحقن والإمدادات الطبية الأخرى أدى إلى عدم إمكانية تحقيق هدف الدولة في تطعيم 70٪ من السكان بحلول نهاية شهر أغسطس.

2- تنفيذ "الدولرة": مع بداية العام الحالي بدأت الحكومة في تنفيذ خطة "مهمة الترتيب" لإعادة الهيكلة الاقتصادية، وهي تهدف إلى التشجيع على العمل، ورفع الأجور، وتعزيز عملية الدولرة، (حيث توقف الدولة استخدام العملة الوطنية الخاصة بها لفقدانها وظائفها الأساسية كوسيط للتبادل ومخزن للقيمة، واللجوء إلى استخدام العملة الأجنبية كالدولار الأمريكي). 

لهذا صارت الحاجة ماسة للعملات الأجنبية – التي تأتي في الغالب من السياحة والتحويلات – وذلك من أجل الحفاظ على الاقتصاد الكوبي الهش. وفيما يتعلق بالسياحة – مصدر 10 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد – فقد أثّرت عليها القيود المفروضة على السفر، بسبب كورونا، فبحلول فبراير 2021، تراجعت السياحة بنسبة 95.5 ٪ مقارنة بنسب العام الماضي.

وأدى ذلك إلى تفاقم التضخم، وزيادة حادة في نقص الغذاء والطاقة والأدوية والمنتجات الأساسية. ويقدر بعض خبراء الاقتصاد، مثل بافيل فيدال الأستاذ بجامعة جافريانا في كالي، أن التضخم قد يرتفع لنسبة تترواح بين 500٪ و 900٪ في الأشهر المقبلة.

3- قيود ترامب: وفقاً للخبير الاقتصادي كارميلو ميسا لاغو فإن حوالي 65٪ من الكوبيين يتلقون تحويلات بالدولار، أغلبها من الولايات المتحدة، ويعتمدون على الأموال التي يرسلها أقاربهم لشراء السلع الأساسية يوماً بيوم، غير أن دخل التحويلات قد تقيد منذ نوفمبر الماضي بسبب القيود التي فرضها ترامب قبل مغادرته المنصب الرئاسي، والتي حالت دون إرسال الأموال إلى كوبا من خلال الهيئات التي يسيطر عليها الجيش الكوبي، مثل ويسترن يونيون، وهي الشركة الوحيدة عملياً التي تقدم خدمة تحويل الأموال بين الولايات المتحدة وكوبا. 

ووفقاً للأرقام الرسمية، فقد شهد الاقتصاد الكوبي تراجعاً في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تزيد عن 11٪، وهو أسوأ رقم شهدته البلاد منذ أزمة "الفترة الخاصة" (فترة انهيار الاتحاد السوفييتي) في عام 1994 عندما انهار الاقتصاد بعد سحب الدعم المالي من الاتحاد السوفييتي.

علاوة على ذلك، كان للحظر الذي فرضته الولايات المتحدة على كوبا منذ ستة عقود دور رئيسي في مسار الاقتصاد في البلاد. والذي تسبب في خسائر تقدر بنحو 9 ملايين و157 ألف دولار في الفترة بين أبريل وديسمبر 2020، كما كان للحظر الذي فرضته الولايات المتحدة على استيراد السلع الكوبية تداعيات أكبر، مثل إضعاف الاستثمار الأجنبي وعجز كوبا عن التجارة دولياً، مما دفعها إلى الاعتماد على عدد قليل من الحلفاء، مثل روسيا والصين وإسبانيا.

4- عقيدة "الوطن أو الموت": وكان من بين أسباب الاحتجاجات أيضاً سيطرة الدولة على شؤون البلاد من دون ترك مساحة للتعبير الشعبي، فلقد اعتادت الحكومة الكوبية السيطرة الشديدة على الأماكن العامة، بزعم أن الوحدة هي أساس مقاومة محاولات الانقلاب التي تدبرها عدوتها التاريخية الولايات المتحدة الأمريكية.  

لذا يُعتبر أي شكل من أشكال المعارضة السياسية بمنزلة تهديد للثورة الكوبية، حيث يتجلى الهدف الأسمى لكل كوبي في شعار "الوطن أو الموت"، الذي وضعه زعيمها السابق فيدل كاسترو. ولكن لأول مرة منذ ثورة 1959، خرج آلاف الكوبيين إلى الشوارع في 11 يوليو الماضي، مرددين نسخة جديدة من الشعار: "الوطن والحياة"، وهو شعار مستوحى من أغنية لحنّها الكوبيون للتعبير عن مظالمهم.

وهذا النوع من أنواع الحشد غير معتاد في كوبا، فمعارضة الحكومة أمر غير مسموح به. وكانت البلاد قد شهدت من قبل عدداً قليلاً من الاحتجاجات على نطاق صغير، سعياً وراء المطالب نفسها، مثل انتفاضة "ماليكونازو" في عام 1994، التي اندلعت أثناء الانهيار الاقتصادي في الفترة الخاصة، غير أن وسائل التواصل الاجتماعي نجحت في التعبئة والحشد والترويج للتظاهر في جميع أنحاء البلاد وتحويل تظاهرة محدودة داخل مدينة إلى احتجاج وطني اجتذب أعداداً كبيرة من المشاركين، ما جعله حدثاً غير مسبوق في تاريخ كوبا الحديث.

نتائج مشروطة

تعتمد السيناريوهات المحتملة التي يمكن أن تسفر عنها التظاهرات على السياسات الداخلية للحكومة الكوبية والسياسة الأمريكية الخارجية تجاه كوبا. 

فمن جانبه، بعد أن دحض "دياز كانيل" الرئيس الكوبي، مطالب الاحتجاجات وأطلق عليها اسم "الثورة المضادة" في الإعلام الوطني، عدّل خطابه ليعترف بتنوع خلفيات المحتجين، والاعتراف بحقهم في بعض مطالبهم. بالإضافة إلى ذلك، تم الإعلان عن العديد من الإجراءات، مثل تعزيز كميات المواد الغذائية، والأدوية ومستلزمات النظافة التي يمكن للمسافرين جلبها للبلاد. غير أن هذه السياسة تعكس استمرار الحكومة في الاعتماد على المغتربين الكوبيين لسد الفجوة التي كانت الحكومة مسؤولة عنها. وبالفعل وصلت المساعدات الإنسانية في الأيام التالية من المكسيك ونيكاراغوا وروسيا.

وعلى الجانب الآخر تحوّل الخطاب الرسمي تجاه الولايات المتحدة، حيث مالت الحكومة إلى إلقاء اللوم على الحظر الأمريكي فيما يتعلق بمشكلاتها الاقتصادية الحالية؛ وزادت انتقادا لتحميلها مسؤولية التدهور الاقتصادي. 

أما بالنسبة للدور الأمريكي، فإن رفع الحصار ليس أمراً محتملاً الآن، ولكنّ بعض الخبراء اتفقوا على احتمال عودة بايدن إلى ما كان عليه الوضع في عهد باراك أوباما على الأقل، حيث تم رفع العديد من العقوبات حينها. وكان بايدن قد وعد، كجزء من حملته الرئاسية، برفع 243 عقوبة فرضها الرئيس السابق ترامب. ونظراً لأن أغلب هذه العقوبات قد تم التصديق عليها باعتبارها أوامر تنفيذية، كان بإمكان بايدن إبطالها بالطريقة نفسها، من دون الحاجة إلى موافقة الكونغرس.

وحتى الآن لم تُرفع العقوبات، ويؤكد المحللون أن أمر العقوبات في جانب منه مرتبط أيضاً بالسياسة الأمريكية المحلية، ففي كل انتخابات، تلعب محاولات ضمان الأصوات في ولاية فلوريدا دوراً حاسماً عند تقارب عدد الأصوات، ففلوريدا هي موطن الأمريكيين من أصول كوبية وغيرهم من المهاجرين من أصل إسباني. وقد تدفع أي خطوة في غير صالح كوبا المزيد من هذه الأصوات للاتجاه إلى الجانب الجمهوري" في انتخابات 2022.