أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

سياقات متنوعة:

كيف تصاعدت مشكلات أمن الحدود في الإقليم؟

21 يناير، 2021


شهدت نهاية عام 2020 وبداية عام 2021 تصاعد مشكلات أمن الحدود داخل وبين دول الإقليم، وهو ما عكسته شواهد عديدة مثل اشتعال التوتر على الحدود السودانية- الإثيوبية، وضبط الجيش الجزائري الحدود مع المغرب وتونس، ومحاولة الجيش العراقي فرض مزيد من القيود على الحدود مع سوريا، واستهداف إسرائيل الميلشيات الإيرانية والعراقية في سوريا، وإعلان اليونان خططها توسيع حدود المياه الإقليمية، وإعلان الحكومة اليمنية الشرعية الحرب على "فساد المنافذ"، وتهريب المحروقات على الحدود اللبنانية- السورية.

وتستند تلك المشكلات الخاصة بأمن الحدود لاعتبارات مختلفة تتعلق بخلافات مستعصية على الحل بشأن سيطرة ميليشيات مسلحة على أراضي في المناطق الحدودية المشتركة، والتصدي للتنظيمات الإرهابية والعصابات الإجرامية التي تنشط على خطوط الحدود الرخوة في دول الصراعات بالأساس، وصعوبة تأمين الحدود "السائبة" نظراً لتعدد الأطراف الداخلية التي تمارس السيادة والسيطرة عليها. فضلاً عن استمرار الخلاف بشأن التنقيب عن الثروات الغازية بين الدول المطلة على شرق المتوسط.

وعلى الرغم من أن ملف أمن الحدود ليس جديداً في التهديدات المحيطة بدول الإقليم، إلا أن ذلك لا ينفي أن ثمة تحولات عديدة تعرض لها، ترتبط بتغير نطاقه وفاعليه في العقد الماضي بعد التداعيات التي فرضتها الاحتجاجات الشعبية والصراعات المسلحة. وقد شهدت الأسابيع القليلة الماضية تزايد التهديدات التي عكستها قضايا أمن الحدود في الشرق الأوسط، وذلك على النحو التالي:

صراع الفشقة

1- اشتعال التوتر على الحدود السودانية- الإثيوبية: والذي يرتبط بصراع مستمر عبر "الفشقة"، الواقعة في ولاية القضارف، وهي أراضي سودانية يستوطنها مزارعون إثيوبيون منذ عقود طويلة، وتتميز بتربتها الخصبة، الأمر الذي يفسر الاشتباكات التي جرت بين قوات البلدين في نهاية العام الماضي، والتي نتج عنها سقوط ضحايا من القوات السودانية بسبب كمين نصبته "ميليشيا إثيوبية"، وإن حافظت قوات الجيش السوداني على خريطة انتشارها العسكري داخل أراضيها، حيث أعلنت في 31 ديسمبر الماضي عن السيطرة على "الأراضي المغتصبة". إذ قال رئيس مفوضية الحدود بالسودان: "دائماً يكان يقال لنا في كل جولة مفاوضات إن التعديات من عصابات متفلتة".

وكانت السودان تهدف من خلال ذلك إلى إعادة التمركز في الخطوط الدولية وفقاً لاتفاقيات عام 1902، لحماية أراضيها والحيلولة دون استغلال أطراف الصراع في إثيوبيا لها، وانطلاق أي نوع من العمليات العسكرية، وهو ما دفع إثيوبيا إلى إرسال حشود عسكرية على الشريط الحدودي مع السودان، بعد أن اتهمتها إثيوبيا باستغلال انشغال قواتها في صراع تيغراي لاحتلال أراضي إثيوبية ونهب ممتلكاتها، مع تأكيد موقفها الرامي للتفاوض مع الجانب السوداني لنزع فتيل التوتر على الحدود. فيما تمثل رد الخرطوم في أن القوات السودانية تتواجد في أراضي سودانية ولا تنوي شن حروب.  

مخططات معادية

2- ضبط الجيش الجزائري الحدود مع المغرب وتونس: على نحو يعكس الاستعداد لمواجهة التهديدات الإرهابية والعصابات الإجرامية. إذ أجرى الجيش الجزائري مناورات عسكرية جوية وبرية كبرى – حملت عنوان "الحزم 2021"- يومى 17 و18 يناير الجاري، في ولاية تندوف جنوب البلاد قرب الحدود مع المغرب. وقد استخدمت في تلك المناورات الذخيرة الحية، والنسخة الأحدث من أحد الصواريخ "كورنيت" المضاد للدبابات التي تم التعاقد عليها مع روسيا، فضلاً عن طائرة الاستطلاع الإلكترونية الأمريكية "بيتشكرافت 1900 إم.إم.أس.آيه-هيسار". وتجدر الإشارة إلى أن المناورات تندرج في إطار تقييم المرحلة الأولى لبرنامج التحضير القتالي لعام 2020-2021، وفقاً لما أشار إليه بيان حديث لوزارة الدفاع الجزائرية. 

وفي هذا السياق، أكد قائد هيئة أركان الجيش الجزائري الفريق سعد شنقريحة في 17 يناير الجاري أن "الجيش الجزائري حريص على إيلاء أهمية قصوى لمسألة تأمين كافة حدودنا الوطنية، وفقاً لاستراتيجية متكاملة ومقاربة شاملة، تم تجسيدها بحذافيرها على أرض الواقع، لاسيما في ظل الظروف المتردية التي تتسم بها منطقتنا، من خلال تشديد الخناق بشكل متواصل على العصابات الإجرامية وقطع دابرها، بكيفية تقي بلادنا كل المخاطر والتهديدات، وتحمي أرضها وشعبها من أى مصدر من مصادر التهديد المختلفة الأوجه والمتعددة الأبعاد". ويمكن فهم هذا التصريح في ضوء العمل الإرهابي الذي شهدته منطقة شرق البلاد قرب الحدود مع تونس، وهو ما أدى إلى سقوط ضحايا من المدنيين، حيث يسود اعتقاد عسكري جزائري بأن جهة من خارج البلاد هى التي حرّكت الإرهابيين لتنفيذ تلك العملية.

سيادة متعددة

3- محاولة الجيش العراقي فرض مزيد من القيود على الحدود مع سوريا: نظراً لأن طولها يبلغ حوالي 600 كم، حيث تستغل الحدود المشتركة من جانب التنظيمات الإرهابية وخاصة "داعش" وعصابات الإجرام المنظم للتهريب. غير أن هناك إشكالية رئيسية تتعلق بالسيادة المتعددة التي تمارسها أطراف مختلفة للسيطرة على تلك الحدود ومنها الجيش العراقي وإحدى فصائل "الحشد الشعبي" وقوات من جيش النظام السوري وفصائل سورية معارضة للأسد وقوات كردية مدعومة من الولايات المتحدة ومناهضة لتركيا. ولذا، تشير تصريحات القادة العسكريين العراقيين إلى أن التحدي الرئيسي الذي يواجههم يكمن في عدم وجود شريك أمني واحد على الجانب السوري، وهو ما صرح به الفريق الركن عبدالأمير الشمري لوكالة أنباء "رويترز" بتاريخ 19 يناير الجاري.

وعلى الرغم من أن الجانب العراقي يستخدم الكاميرات الحرارية ذات التكنولوجيا المتقدمة وبالونات المراقبة لضبط الحدود، إلا أن الفترة الماضية شهدت عمليات حفر لخنادق لمنع اختراق تلك الحدود، وخاصة من القاطنين لمخيم الهول، لنقل الأسلحة والمخدرات والأفراد عبر الحدود. ويعد ذلك أحد التحديات الرئيسية التي تواجه حكومة مصطفى الكاظمي على نحو يضطرها إلى التعاون مع جماعات غير نظامية موالية لإيران، التي بدورها تتبنى توجهات مناوئة للولايات المتحدة وإسرائيل. وفي الوقت نفسه، تدفع تلك الأوضاع المعقدة الكاظمي لتعزيز التعاون مع أنقرة التي تسعى للحصول على مساعدة بغداد في تضييق الخناق على أنشطة حزب العمال الكردستاني الذي يمتلك قواعد في شمال العراق وحلفاء في صفوف ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" في سوريا. 

تموضع طهران

4- استهداف إسرائيل الميليشيات الإيرانية والعراقية في سوريا: تُكثِّف إسرائيل منذ أشهر وتيرة استهداف مواقع عسكرية ومخازن أسلحة ومناطق نائية تابعة للقوات الإيرانية والموالية لها (حزب الله اللبناني) في سوريا على مقربة من مدينة دير الزور إلى بادية البوكمال عند الحدود السورية- العراقية، دون تحديد دقيق لحجم الخسائر البشرية والمادية، على نحو يتضمن رسائل لعدة أطراف في توقيت متزامن، ومنهم إدارة الرئيس جوبايدن، والرئيس السوري بشار الأسد، وطهران، حيث اعتبر بعض الجنرالات الإسرائيليين أن تلك الغارات تمثل "مرحلة أعلى" في ضرب التموضع الإيراني شرق سوريا، وهو ما دفع الميليشيات الإيرانية إلى إعادة انتشارها في تلك المنطقة، والتواجد في المناطق السكنية تخوفاً من ضربات جديدة قد تستهدف محاولاتها نقل الأسلحة إلى مناطق أخرى.

حق أثينا

5- إعلان اليونان خططها توسيع حدود المياه الإقليمية: أعلنت الحكومة اليونانية أنها تخطط لتوسيع المياه الإقليمية بطول ساحلها الغربي من 6 إلى 12 ميلاً بحرياً، في خطوة قد تؤثر على النزاع مع تركيا. ويهدف ذلك إلى تأكيد حق البلاد في تطبيق ميثاق الأمم المتحدة لقانون البحار، الذي حدد الحدود بنحو 12 ميلاً عام 1982. وفي هذا السياق، قال المتحدث باسم الحكومة كريستوس تارانتيليس في 11 يناير الجاري: "هذا قرار تاريخي، إذ توسع اليونان مياهها الإقليمية إلى 12 ميلاً بحرياً في هذه المنطقة وتوسع- لأول مرة منذ عام 1947- منطقة أراضيها الإقليمية". وأضاف أن "الجمهورية اليونانية تحتفظ بحق ممارستها لحقوقها المعنية في مناطق أخرى من أراضيها". 

في حين اعتبرت تركيا أن توسيع المياه الإقليمية لليونان شرقاً سيعد من أعمال الحرب، وأكدت أنها ستمنعها بالأساس من الوصول لبحر إيجه. ولا يتوقع أن تسفر المحادثات الاستكشافية بينهما في 25 يناير الجاري عن تحولات في مواقف الدولتين، إذ تمارس دول الناتو ضغوطاً عليهما للتوافق بما من شأنه ضمان تحقيق الاستقرار في منطقة شرق المتوسط. غير أن أنقرة دائماً ما كانت تتهم أثينا بعدم الاستجابة للحوار. وهنا، قال وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو، في مقابلة صحفية بتاريخ 14 يناير الجاري، أن اليونان "تدرك أن الحل العادل لا يمكن تحقيقه إلا من خلال المفاوضات الثنائية، لكنها تريد أن تقنع نفسها بأن الزج بالاتحاد الأوروبي في هذه المسألة سيحقق لها مكاسب أكثر". 

مكافحة التهريب

6- إعلان الحرب على "فساد المنافذ": أكد رئيس الحكومة اليمنية معين عبدالملك، في تصريحات رسمية بتاريخ 18 يناير الجاري، أن "المنافذ البرية والبحرية والجوية تعد شرياناً حقيقياً لدعم الاقتصاد الوطني، مما يحتم الحاجة إلى الاهتمام بها وعدم السماح بأي حالة بالتهاون والإهمال والفساد فيها، وبما يؤدي إلى تنمية حقيقية تنعكس على الاقتصاد بشكل عام والمجتمعات المحلية بشكل خاص"، وهو ما جاء بعد أن عقد رئيس الوزراء اجتماعاً مشتركاً ضم الوزارات والجهات ذات العلاقة، لمناقشة معالجة الاختلالات القائمة في المنافذ وتوحيد الجهود والمهام وفق القوانين والتشريعات، إضافة إلى تنظيم العلاقات مع السلطات المحلية في هذا الجانب، وبما ينعكس إيجاباً على تنمية الإيرادات، وفقاً لما ذكرته وكالة "سبأ".   

وقد أقر الاجتماع تشكيل لجنة مشتركة من وزارات النقل والمالية والداخلية والدفاع والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، وجهازى الأمن القومي والسياسي، تتولى النزول الميداني إلى المنافذ للوقوف على جميع الإشكالات القائمة وحلها، إضافة إلى تقييم الأداء خلال الفترة السابقة، وتوحيد الإجراءات، وضبط تحصيل الإيرادات، وعدم تداخل المهام والصلاحيات، وضرورة تفعيل عمل اللجنة العليا لمكافحة التهريب بعد اتساع رقعة التهريب عبر المياه اليمنية، وضعف الرقابة على تنمية الموارد، الأمر الذي يأتي في سياق تعزيز الأوضاع الاقتصادية للحكومة الشرعية وتنفيذ الإصلاحات التي تعهدت بها. 

ويتكرر ذلك الوضع في حالة الحدود اللبنانية- السورية، حيث انفجر مستودع للمحروقات في شمال شرق لبنان في 16 يناير الجاري على تخوم الحدود مع سوريا، وهو ما أعاد فتح ملف تهريب المواد التي يدعمها مصرف لبنان إلى سوريا. وتجدر الإشارة إلى أن سعة الخزان الكبيرة من المحروقات والبالغة 10 آلاف لتر توضح أنه معد بالأصل لتهريب المحروقات من الأراضي اللبنانية باتجاه سوريا، حيث تشير بعض التقديرات إلى المكاسب الطائلة التي يحققها المهربون من وراء ذلك، إذ تُباع صفيحة البنزين المهربة من لبنان إلى الداخل السوري بأكثر من 12 دولاراً بينما يبلغ سعرها نصف هذه القيمة في الداخل اللبناني.

مشكلة مزمنة:

خلاصة القول، إن أمن الحدود في دول الإقليم سيظل مشكلة مزمنة طوال الأعوام المقبلة على الرغم من جهود وأدوار الجيوش النظامية، التي تعاونها، في بعض الأحيان، كيانات غير نظامية، للتصدي للمخاطر التي تحيط بتلك الدول من اتجاهات مختلفة، وملاحقة خلايا التنظيمات الإرهابية والعصابات الإجرامية والميليشيات المسلحة، إذ تحاول الأخيرة تحقيق مكاسب طائلة من المنافذ أو المعابر الحدودية وخاصة في دول الصراعات المسلحة بالشرق الأوسط. يضاف إلى ذلك عدم وجود مؤشرات على تسوية خلافات الحدود البحرية في منطقة شرق المتوسط خلال المرحلة القادمة.