إن جيل زد (z) في إفريقيا، الذي ولد بين عام 1997 وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، يقوم بالفعل بدور محوري في إعادة تشكيل الكيفية التي يُنظر بها إلى القارة عالمياً. يتميز هذا الجيل بارتباطه الوثيق بعوالم التكنولوجيا، وتركيزه الشديد على الأجهزة المحمولة، ومشاركته الفاعلة في الأنشطة الإبداعية وريادة الأعمال. إن هذا الجيل ينأى بنفسه عن الصور النمطية القديمة التي ابتليت بها إفريقيا منذ فترة طويلة، ويقدم بدلاً من ذلك صورة أكثر ابتكاراً وديناميكية وتمكيناً من خلال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية.
ولا يخفى أن أبناء جيل زد الأفارقة يجعلون أصواتهم مسموعة على الساحة العالمية، سواء أكان ذلك من خلال إطلاق الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا، أم الدعوة إلى التغيير الاجتماعي والسياسي من خلال حركات مثل حركة رفض مشروع قانون التمويل في كينيا #RejectFinanceBill. ومع أن هذا الوصف يلتقط بعض الجوانب الرئيسية لجيل زد الإفريقي، فمن المهم أن ندرك أن مثل هذه التوصيفات الفضفاضة يمكن أن تبسط في بعض الأحيان التجارب والحقائق المتنوعة لهذا الجيل.
وكما هو الحال مع التسميات الجيلية السابقة -مثل "جيل الألفية" الذي كان يُصوَّر غالباً بشكل غير عادل على أنه متغطرس وكسول، أو "جيل إكس" الذي يُوصَف بأنه "جيل عالم الفيديو"- فإن الصورة النمطية للجيل زد، الذي اتخذ اسمه من كلمة زوم في فضاء الإنترنت الرحيب، باعتباره جيلاً متمرساً في مجال التكنولوجيا ونشطاً سياسياً لا تأخذ في الاعتبار النطاق الكامل للتجارب في مختلف أنحاء القارة.
ومن الملاحظ منذ بداية عام 2024 اندلاع موجة عارمة من الاحتجاجات العفوية في مختلف أنحاء إفريقيا، اجتاحت دولاً كثيرة مثل: نيجيريا وكينيا والسنغال وأوغندا وما وراءها. وتشير هذه المظاهرات الاحتجاجية، التي يقودها شباب محبطون ومتمرسون في مجال التكنولوجيا، إلى عصر جديد في السياسة الإفريقية، يتميز بقطع الصلة مع موروثات الماضي. وعلى النقيض من الحركات السابقة؛ فإن هذه الاحتجاجات لامركزية ومتقاطعة وتطالب ليس فقط بتلبية مصالح فئوية، ولكن أيضاً بإصلاح كامل للأنظمة القائمة. لم يعد شباب إفريقيا يرضون بالبقاء على الهامش؛ وخاصة جيل زد، إنهم ينزلون إلى الشوارع، ويطالبون بمستقبل يلبي توقعاتهم.
صعود الشارع:
إن إحدى السمات البارزة في موجة الاحتجاجات الشبابية التي شهدتها العديد من العواصم والمدن الإفريقية أنها مرتبطة بجيل زد. وعلى عكس احتجاجات الماضي، والتي غالباً ما كانت تنظمها المعارضة السياسية أو منظمات المجتمع المدني؛ فإن هذه الحركات بلا قائد؛ أي بلا رأس وعفوية إلى حد كبير. في كينيا، على سبيل المثال، بدأت حركة رفض مشروع قانون التمويل في كينيا كحملة على وسائل التواصل الاجتماعي ضد زيادات الضرائب المقترحة. وما بدأ على الإنترنت سرعان ما انتشر في الشوارع، حيث تظاهر الآلاف من الكينيين ضد ما اعتبروه عبئاً غير عادل مفروضاً على المواطن البسيط. وبالمثل، اندلعت احتجاجات جماهيرية في نيجيريا رداً على تدابير التقشف التي اتخذها الرئيس بولا تينوبو، والتي تضمنت إزالة دعم الوقود وزيادة تعريفة الكهرباء. ما ظهر كمعارضة لهذه السياسات المحددة سرعان ما تحول إلى حركة أوسع نطاقاً ضد الفساد المزمن وسوء الإدارة الاقتصادية. وقد تميزت الاحتجاجات، التي انتشرت عبر المدن الكبرى مثل: لاغوس وأبوجا، بطبيعتها اللامركزية، مع عدم وجود زعيم أو منظمة واحدة على رأسها. بدلاً من ذلك، كانت مدفوعة من قبل المواطنين العاديين، وخاصة الشباب، الذين تم حشدهم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وشبكات المجتمع.
إن الاحتجاجات في كينيا، التي يقودها شباب جيل زد، تردد صداها مع اتجاه أوسع في جميع أنحاء إفريقيا؛ حيث يشعر الشباب بخيبة أمل متزايدة إزاء الأنظمة السياسية القائمة والصعوبات الاقتصادية؛ إذ تواجه إفريقيا، مع نموها السكاني السريع للشباب، تحديات مماثلة في مختلف الدول هي: ارتفاع معدلات البطالة، والفساد السياسي، ووعود التنمية الاقتصادية التي لم تتحقق. وعلى أية حال تعكس الاحتجاجات الشبابية استياءً قارياً متزايداً؛ إذ يشكك الشباب في شرعية حكوماتهم، والتي غالباً ما يُنظر إليها على أنها تعطي الأولوية لمصالح القلة على حساب مصالح الأغلبية. وتشير هذه الحركات، مثل: تلك التي حدثت في نيجيريا أو الاحتجاجات التي قادها الشباب في كل من السودان والسنغال، إلى نمط أوسع من المقاومة ضد الهياكل السياسية العتيقة التي تفشل في معالجة تطلعات الجيل الجديد. وقد كانت وسائل التواصل الاجتماعي أداة توحيد، تربط الشباب عبر الحدود وتمكنهم من التنظيم والتعبئة بشكل أكثر فعالية.
في العديد من البلدان الإفريقية، ثمة تماهٍ مع الحالة الكينية؛ إذ غالباً ما تفضل السياسات الاقتصادية المصالح الأجنبية أو النخب؛ مما يترك الأغلبية تعاني مع ارتفاع تكاليف المعيشة، ونقص فرص العمل، والخدمات العامة غير الكافية؛ ومن ثم، فإن الاحتجاجات الكينية ليست معزولة؛ بل هي جزء من صحوة على مستوى القارة؛ إذ ينزل الشباب إلى الشوارع بشكل متزايد للمطالبة بالتغيير مع أمل بمستقبل واعد يتماشى مع احتياجاتهم. إن هذه المشاعر الإفريقية بين الشباب تشير إلى تحول محتمل في المشهد السياسي في جميع أنحاء القارة؛ إذ تتحدى ديناميكيات القوة التقليدية جيلاً أكثر ارتباطاً ووعياً وغير راغب في قبول الوضع الراهن.
سمة رئيسية أخرى تميز الاحتجاجات الحالية عن احتجاجات الماضي؛ تتمثل في نطاق المطالب المقدمة. في السنوات السابقة؛ ركزت الاحتجاجات في إفريقيا غالباً على قضايا فئوية، مثل: المطالبات بتحسين الخدمات العامة، أو تدابير مكافحة الفساد، أو الإصلاحات السياسية. ومع ذلك، يطالب المحتجون اليوم بإصلاح شامل للأنظمة السياسية والاقتصادية التي يعتقدون أنها خذلتهم. في السنغال، على سبيل المثال، اندلعت الاحتجاجات في وقت سابق من هذا العام رداً على اعتقال زعيم المعارضة عثمان سونكو، بتهم يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها ذات دوافع سياسية. وبينما ركزت الاحتجاجات الأولية على إطلاق سراح سونكو، إلا أنها تطورت بسرعة إلى انتقاد أوسع لحكومة الرئيس ماكي سال، التي اتهمها العديد من السنغاليين بالفساد والاستبداد وسوء الإدارة الاقتصادية. انتشرت الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد؛ إذ دعا المتظاهرون ليس فقط إلى إطلاق سراح سونكو، ولكن إلى إنهاء حكم سال، وإنشاء حكومة أكثر شفافية ومساءلة؛ وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى تغيير المشهد السياسي في السنغال.
عالم أفروتوبيا:
إن انتفاضة جيل زد في كينيا هي جزء من قصة إفريقية ترتبط بعالم أفروتوبيا والمستقبل الإفريقي. فالطفرة الشبابية، التي ستمنح القارة ربع سكان العالم وثلث قوته العاملة بحلول عام 2050، و40% من سكان العالم بحلول عام 2100؛ هي بمثابة أصول حضارية ضخمة. ولكن لا يمكن تحويل هذه الأصول إلى عائد ديمغرافي؛ إلا إذا تم توفير فرص تعليمية وتوظيفية وريادة أعمال هائلة وبسرعة، وإلا فإنها ستصبح كابوساً ديمغرافياً، ووصفة للاضطرابات الجماعية وانعدام الأمن وعدم الاستقرار التي من شأنها أن تعطل القارة والعالم بشكل كبير.
لقد ولد جيل زد في عالم من التغير التكنولوجي السريع وتعرض للقضايا العالمية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. وعلى عكس الأجيال السابقة، التي كانت لديها آمال في أن تؤدي الإصلاحات التدريجية إلى تحسين حياتها، يتميز جيل زد بإحساس بالإلحاح ونفاد الصبر. بالنسبة لهم، تم الخروج من العقد الاجتماعي بين الدولة ومواطنيها، وهم غير راغبين في انتظار تغييرات بطيئة وتدريجية. هذا الشعور قوي بشكل خاص في نيجيريا وكينيا؛ إذ فشل كل من الرئيسين، بولا تينوبو، وويليام روتو، في الوفاء بوعود حملتيهما الانتخابيتين. في كلا البلدين، يشعر الشباب بالإحباط من قبل القادة الذين وعدوا بالتغيير، ولكنهم بدلاً من ذلك نفذوا سياسات تؤدي إلى تفاقم التفاوت الاقتصادي والظلم الاجتماعي؛ كانت النتيجة تصاعد الاحتجاجات التي قادها الشباب، مع وجود جيل زد في الطليعة مطالبين ليس فقط بتغييرات سياسية؛ ولكن أيضاً بإعادة التفكير الكامل في الأنظمة السياسية والاقتصادية.
إحباطات متزايدة:
يبدو أن إفريقيا تكرر نفس أخطاء الماضي بعد الاستقلال؛ إذ تحولت ثورة التوقعات المتزايدة إلى ثورة إحباطات متزايدة على أيدي زعماء الرعيل الأول. واليوم يمكن إرجاع جذور هذه الاضطرابات الشبابية إلى عقد من الركود الاقتصادي والفساد السياسي وعدم المساواة الاجتماعية. في أعقاب الأزمة المالية العالمية، كانت هناك فترة وجيزة من التفاؤل في إفريقيا؛ إذ شهدت دول مثل: غانا ونيجيريا وكينيا نمواً اقتصادياً مرتفعاً؛ مدفوعاً بالاستثمارات في البنية التحتية والموارد الطبيعية والتكنولوجيا. وقد تجسد هذا التفاؤل في رواية "إفريقيا الصاعدة"، التي وعدت بمستقبل من الرخاء والتنمية، ولكن بالنسبة للعديد من الشباب الأفارقة؛ وخاصة أولئك الذين ينتمون إلى جيل زد، لم يتحقق هذا الوعد. لقد نشأوا في عالم يتميز بالأزمات الاقتصادية وعدم الاستقرار السياسي والاضطرابات الاجتماعية. وقد أسهم تفشي الإيبولا، وانهيار أسعار السلع الأساسية، وجائحة كورونا؛ في خلق شعور بخيبة الأمل واليأس. ففي نيجيريا، على سبيل المثال، لا تزال البطالة بين الشباب مرتفعة بشكل كبير؛ في حين أدى التضخم وانخفاض قيمة العملة إلى تآكل مستويات المعيشة. وفي كينيا، ارتفعت تكاليف المعيشة بشكل كبير، مع تضاعف أسعار المواد الغذائية في بعض المناطق، في حين ظلت الأجور متدنية.
ختاماً، بغض النظر عن نتيجة ومستقبل هذه الاحتجاجات؛ فإن هناك أمراً واحداً واضحاً: هو أن شباب إفريقيا لم يعد يرضى بالجلوس على الهامش. فهم يطالبون بصوت في تشكيل مستقبلهم، ومن غير المرجح أن يتم إسكاتهم بسهولة. ويبقى أن نرى ما إذا كانت هذه الموجة من الاحتجاجات ستؤدي إلى تغييرات هيكلية في بنية الدولة والسلطة على مستوى القارة أم ستؤدي إلى سلسلة من الإصلاحات المحدودة. وعلى كل حال فإن إفريقيا في نهاية المطاف على وشك التحول الكبير باتجاه عالم أفروتوبيا من خلال ثورة ثقافية توفر للشباب الإفريقي مصدراً للهوية والوعي الذاتي وفقاً لمصطلحات الكاتب السنغالي فلورين سار.