أخبار المركز
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)
  • شريف هريدي يكتب: (مخاطر الانفلات: خيارات إيران للرد على استهداف قنصليتها في دمشق)

تطور نوعي:

سيناريوهات ما بعد تحرير عدن

20 يوليو، 2015


عادت عدن إلى الشرعية اليمنية بعد أشهر من المعارك التي شهدتها المنطقة، وأدت إلى سيطرة ميليشيات الحوثيين وقوات عسكرية كان ولاؤها للرئيس السابق علي عبدالله صالح على بعض من أجزائها، قبل أن تستردها المقاومة الشعبية والجيش الموالي للشرعية، وبدعم قوات التحالف في الأيام الأخيرة، وتُحرّرها بأكملها.

المعارك في عدن مرت بمراحل عدة، وانتهت بإعلان الحكومة اليمنية تحريرها على لسان نائب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء خالد بحاح، والذي أكد في بيان أصدره مع الساعات الأولى ليوم 18 يوليو الجاري، أن ما تحقق في عدن "خطوة أولى لتحرير واستعادة كافة المحافظات وتخليصها من ميليشيات الحوثيين وصالح". وكان الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي قد أشاد بالانتصارات التي تحققت في عدن.

وتكشف المعركة الجارية في داخل عدن الآن وحولها، أهمية تلك المحافظة ورمزيتها في الصراع، حتى باتت تظهر وكأنها جوهر الحرب الجارية، وأنها تقدم ملخصاً لخطط الحرب والصراع السياسي لطرفي الصراع، ولملامح المعركة التالية؛ إذ تشير كل الدلائل إلى أن معركة عدن صارت النقطة المفصلية والحاسمة في الحرب والصراع الجاري في اليمن، وأنها الحالة الكاشفة لطبيعة الاستراتيجيات المعتمدة من قبل طرفي الصراع المحتدم.

وعليه فإن السيناريوهات المحتملة بعد تحرير العاصمة الاقتصادية، عدن، تتعدد وتتشابك، لتصبح أكثر تعقيداً، وبالتالي يصعُب على المحللين السياسيين أن يستنبطون أو يتنبؤون بما ستؤول إليه الأحداث في قادم الأيام، كون المشهد اليمني أكثر ضبابية مما كان عليه من قبل.

ولهذا يمكن القول إن هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة، تتمثل فيما يلي:

أولاً: سيناريو توسع المناطق المحررة

يشير نجاح رجال المقاومة، مدعومين بتعزيزات من الجيش الذي تم تجهيزه في حدود دولة مجاورة، ومسنودين بضربات جوية من طائرات دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، إلى إمكانية بدء مرحلة جديدة من الصراع الذي سينتج عنه استقرار المناطق المحررة تحت سلطة الحكومة الشرعية، لذا يعتبر الاستيلاء والسيطرة على قاعدة العند الواقعة في محافظة لحج، والتي لا تبعد سوى 60 كيلومتراً من عدن هي مفتاح حدوث هذا السيناريو؛ حيت ستتحول هذه القاعدة إلى محطة انطلاق طائرات دول التحالف، مما يوفر الجهد والإمكانيات ويصبح أداؤها أكثر فعالية.

ومن المتوقع أن تتوالى سقوط المدن بعد ذلك، وهو ما يعني استمرار توسع المناطق المحررة بمرور الوقت، وبالتالي فإن ذلك سيمثل مآلات كارثية على جماعة الحوثي ومن حالفها.

ويمكن وصف ما حدث حتى الآن بالتطور النوعي بكل معنى الكلمة، ويعزز هذا السناريو ما يدور على الأرض من مقاومة، ليس في المحافظات الجنوبية فحسب، بل بمقاومة شرسة تواجهها جماعة الحوثي في محافظات شمالية ذات ثقل سكاني مثل محافظة تعز، وثقل اقتصادي مثل محافظة مأرب، وموقع جغرافي مثل محافظة البيضاء التي تعتبر بوابة رئيسية بين محافظات الجنوب والشمال، إضافة إلى تنامي بذور مقاومة متناثرة في أكثر من منطقة على مستوى محافظات الجمهورية ككل خاصة في محافظتي إب والحديدة.

ومما يدعم حدوث هذا السيناريو الأخطاء القاتلة التي ارتكبتها جماعة الحوثي، والمتمثلة في عملية إقصاء ممنهجة لباقي المكونات السياسية وسيطرتها على السلطة مع افتقارها لكوادر ذات خبرة وتجربة في إدارة الدولة، وكذا مواجهة معارضيها من خلال استخدام القوة المفرطة بتفجير منازلهم وحجزهم في أماكن يعلمون مسبقاً أنها أماكن مستهدفة من قبل طائرات دول التحالف. كما شرعت الجماعة في تكميم الأفواه من خلال ملاحقتها لكل الصحفيين والإعلاميين الذين لا تتوافق توجهاتهم وآراؤهم مع توجهات الجماعة ورؤاها.

لذا فإنه وفقاً لهذا السيناريو يمكن أن يتم تحرير معظم أراضي البلاد لتخضع للحكومة الشرعية عدا إقليم أزال المكون من محافظات ذمار وصنعاء وعمران وصعدة ذات الأغلبية الزيدية، حيث من غير المتوقع تحريره أو السيطرة عليه بالقوة، ولكن من خلال توافق سياسي وعملية سياسية بعد أن يتأكد لجماعة الحوثي أن الأوضاع الداخلية والإقليمية والدولية غير مواتية لإقامة دولة يمنية يحكمها طرف واحد.

وما يعزز هذا السيناريو هو أن عملية التحرير هذه لم تأتِ من فراغ، بل تم الترتيب لها سياسياً وعسكرياً وإعلامياً منذ أكثر من شهر من خلال زيارات رئيس وزراء الحكومة خالد بحاح إلى عدد من الدول، إضافة إلى رفع وتيرة العمليات الجوية إلى أكثر من 240 غارة جوية خلال أول يومين تم فيهما تحرير عدن، وما زالت تجري العمليات بنفس الوتيرة حتى كتابة هذا التحليل.

كما أن ما يعزز هذا السيناريو أيضاً هو العزيمة التي ظهرت بها المملكة العربية السعودية، ومن ورائها دول التحالف، في السعي الحثيث لتحقيق الهدف من تدخلها المباشر في اليمن، وهو منع سقوط الدولة في أيدي جماعة الحوثي ولكي لا تتولى هذه الجماعة الحكم منفردة.

وهناك أمر آخر يدعم هذا السيناريو يتمثل في إمكانية انفراط التحالف الحوثي مع حزب المؤتمر برئاسة الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وهو ما من شأنه خلخلة ترابط الجماعة بسبب خسارتها لجناح قبلي مشائخي مهم يستند إليه حزب المؤتمر، رغم اعتقادنا أنه لم يعُد لـ "علي عبدالله صالح" قوة فعلية على الأرض بعد أن أخضعت جماعة الحوثي جميع ألوية الحرس الجمهوري لسيطرتها الكاملة.

ثانياً: سيناريو إطالة أمد الصراع

يفترض هذا السيناريو استمرار الصراع أطول فترة ممكنة حتى يتأكد لجميع أطراف الصراع أن حسمه لصالح أحدهم غير ممكن على أرض الواقع.

ويعزز هذا السيناريو جملة من الأسباب التي يمكن أن نوردها، ومن أهمها: عدم وجود جيش موحد تابع للحكومة الشرعية أو قيادة موحدة تقود عملية التحرير المنشودة، كون جماعات المقاومة الشعبية هي عصب القوة التي ترتكز عليها الحكومة الشرعية حالياً، وهي جماعات متفرقة ليس على مستوى الجمهورية فحسب، بل متفرقة ومتعددة على مستوى المدن، وثمة تخوف مستقبلي من تنامي هذه الجماعات حتى تصبح الرقم الصعب في أي تسوية قادمة؛ مما يعني المزيد من الصراع والمزيد من فقدان الحكومة التحكم في مجريات الأمور.

كما أن سيطرة جماعة الحوثي على مجريات الأمور في المناطق التي خضعت لها قد أفرغ مؤسسات الدولة من كيانها الحكومي الوظيفي، وحولها إلى كيان يُحكم بعقل ميليشيا لا بعقل إدارة حكومية، والدليل على ذلك أن كل مسؤولي الدولة في كل المؤسسات لم يعودوا هم المسيطرون على سلطة إصدار القرار، حيث أصبح هذا الحق بيد مُشرِف الجماعة في كل مؤسسة، حتى وصل الأمر إلى خلو هذه المؤسسات من الموظفين العاملين.

وما يعزز من إطالة أمد الصراع أيضاً هو تمسك أطراف الصراع بالسعي لتحقيق أهدافهم، والتعنت الظاهر في عدم إيجاد حلول وسط تحفظ ماء الوجه لطرفي الصراع.

وتعد سيطرة جماعة القاعدة على مدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت، سبباً رابعاً في احتمالية استمرار أمد الصراع كون هذه الجماعة ترى أنها الاحق بالحكم وبتطبيق شرع الله كما تزعم.

ثالثاً: سيناريو الدخول في حالة اللادولة

هو سيناريو لا نتمناه، ولكنه سيناريو وارد الحدوث، ويتمثل في تنامي دور الجماعات الإرهابية والطائفية والحركات الانفصالية والمناطقية بحيث تصبح من القوة أمام حكومة أو سلطة تعاني من الضعف وعدم القدرة على التحكم والسيطرة.

وهذا السيناريو هو من أخّرَ عملية تحرير عدن أربعة أشهر كاملة، كون التخوف القائم من حدوث هذا السيناريو ليس لدى الحكومة الشرعية فحسب، بل إنه تخوف واجهته دول التحالف، لأن أي عملية لدعم جماعات المقاومة بالسلاح والعتاد من شأنه تحويل هذه الجماعات إلى جماعات انفصالية مكتملة الأركان معززة توجهاتها الانفصالية بالقوة وبسيطرة كاملة على أرض الجنوب.

كما أن التخوف يأتي أيضاً من أن تتجه هذه الحركات الانفصالية - تعتبر نواة المقاومة وتقوم على أساس مناطقي- إلى التحالف مع جماعة القاعدة، حيث تتلاقى الأهداف، وإن كانت أهداف مرحلية، وتتمثل في محاربة جماعة الحوثي التي يعتبرها الكثير جماعة طائفية – رغم أنها جماعة سياسية أكثر منها طائفية -، وبالتالي فإن حدوث هذا السيناريو يعني دخول البلاد في نفقٍ مظلم يتمثل في خضوع المناطق الجنوبية لسيطرة الحركات الانفصالية وجماعة القاعدة التي تسيطر حالياً على مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت، بينما تصبح محافظات شمالية عدة تحت سيطرة مزيج من الجماعات الدينية والقبلية والطائفية، وتتحكم في السلطة على المستوى المحلي؛ مما ينتج عن ذلك فراغ كبير في الحكومة المركزية.

وبالتالي فإن حدوث هذا السيناريو يعني محاكاة السيناريو الصومالي؛ لتدخل البلاد في فراغ حكومي وتصبح حالة اللادولة هي الوضع الممكن حدوثة في جنوب شبه الجزيرة العربية.

لكن هذا السيناريو بعيد الاحتمال كون دول الإقليم والدول الكبرى ترى في بقاء اليمن دولة موحدة هو ما يتوافق مع مصالحها، وتُجمِع كل الدول – حتى الآن على الأقل – على أن انفراط الدولة اليمنية سينتج عنه عدم استقرار المنطقة ككل.

أخيراً تم وضع هذه السيناريوهات الثلاثة المُشَار إليها وترتيبها وفقاً لأهمية حدوثها، فالسيناريو الأول هو الأكثر احتمالاً أن يحدث، يليه السيناريو الثاني، بيمنا السيناريو الثالث هو الأقل احتمالاً، مع الأخذ في الاعتبار أن المواقف الداخلية والإقليمية والدولية قد تتغير وفقاً لرؤاها حول طريقة إيجاد الحلول بما يحقق مصالحها في الإقليم، كما أن مواقف دول الإقليم تجاه ما يحدث له الغلبة مقارنة بالموقفين الداخلي والدولي، وأن التسوية السياسية مستبعدة الحدوث في الوقت الحاضر، ولغة السلاح هي من سيفرض هذه التسوية.