أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

أهداف خفية:

لماذا هاجمت طهران المعارضة الكردية الإيرانية بشمال العراق؟

18 سبتمبر، 2018


رغم أن إيران أعلنت أن الضربات الصاروخية التي وجهها الحرس الثوري إلى أحد مقرات "الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني" في قضاء كويسنجق بشمال العراق، في 9 سبتمبر 2018، جاءت ردًا على الهجمات التي يشنها داخل إيران، إلا أن ذلك لا ينفي أن هذه الخطوة قد لا تنفصل عن التطورات الخاصة بالتصعيد المستمر مع الولايات المتحدة الأمريكية حول البرنامج النووي والدور الإقليمي، فضلاً عن الاحتجاجات الداخلية التي تتواصل بسبب فشل الحكومة في احتواء تداعيات الأزمة الاقتصادية التي تصاعدت مع تفعيل الحزمة الأولى من العقوبات الأمريكية في 7 أغسطس 2018، والتي ستعقبها حزمة أخرى في 4 نوفمبر من العام نفسه تهدف إلى تقليص الصادرات النفطية الإيرانية إن لم يكن إيصالها إلى المستوى صفر.

رسائل متوازية:

كان توقيت شن هذه الهجمات الصاروخية على مقر "الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني" المعارض لافتًا لجهة أنها تزامنت مع استمرار الاحتجاجات الداخلية والضغوط الخارجية، التي كانت السياسة الجديدة التي تتبناها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه إيران متغيرًا رئيسيًا فيها.

ومن هنا، يمكن القول إن النظام الإيراني سعى من خلال شن هذه الضربات في هذا التوقيت إلى تحقيق هدفين رئيسيين: يتمثل أولهما، في توجيه انتباه الداخل الإيراني نحو ما يزعم النظام أنه "مؤامرة خارجية لتقويض دعائمه"، تقودها قوى خارجية وتتعاون معها جماعات مسلحة في الداخل والخارج.

وقد بدأ النظام خلال الفترة الأخيرة في الترويج إلى أن مجمل الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية إزاء إيران ما هى إلا حرب نفسية للضغط على طهران من أجل الاستجابة لدعوة الرئيس ترامب الخاصة بإجراء مفاوضات للوصول إلى اتفاق جديد يستوعب القضايا الخلافية المختلفة بين الطرفين.

وبعبارة أخرى، فإن النظام يحاول من خلال هذه المزاعم التعتيم على الأسباب الحقيقية للأزمات الداخلية والخارجية التي تواجهها إيران، والتي ترتبط في المقام الأول بالسياسة التي يتبناها، والتي تقوم على استنزاف الخزينة الإيرانية في دعم التنظيمات الإرهابية في الخارج، خاصة في سوريا ولبنان والعراق واليمن.

لكن هذه المزاعم لم تعد تكتسب أهمية وزخمًا خاصًا على الساحة الداخلية الإيرانية، بعد أن بدا أن بعض الفئات المشاركة في الاحتجاجات باتت تدرك العواقب الوخيمة للأدوار التي يقوم بها النظام في الخارج، وخاصة في دول الأزمات، على نحو انعكس في الشعارات التي ظهرت في الاحتجاجات الأخيرة.

وكان لافتًا أن شعار "الموت لحزب الله" بدأ يظهر بكثافة في الاحتجاجات التي تشهدها بعض المدن، حتى  تلك التي تحظى بمكانة دينية مرموقة في إيران، على غرار مدينة قم، على نحو يوجه رسالة مباشرة تحمل دلالات عديدة إلى النظام، مفادها أن إمعانه في مواصلة سياسته الحالية سوف يؤدي إلى تفاقم الأزمة الداخلية واتساع نطاق الاحتجاجات التي قد لا ينجح في التعامل معها بالآليات نفسها التي يستخدمها في المرحلة الحالية.

تهديدات ضمنية:

وينصرف ثانيهما، إلى توجيه رسائل تهديد مباشرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية بأن إيران لديها من القدرات العسكرية ما قد تستطيع من خلاله استهداف المصالح الأمريكية في المنطقة، ولا سيما في دول الجوار، على غرار العراق.

ومن هنا يمكن تفسير أسباب حرص قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري، في 13 سبتمبر 2018، على تأكيد أن "إيران تمتلك فائضًا من الصواريخ ذات الدقة العالية بمدى 2000 كيلو متر"، مشيرًا إلى أنه "على الذين يمتلكون قواعد وقوات ومعدات أطراف إيران وبنطاق 2000 كيلو متر، العلم أن صواريخ الحرس الثوري عالية الدقة". 

ومن دون شك، فإن إيران لا تسعى إلى الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية أو أى قوة أخرى، حيث أنها دائمًا حريصة على تجنب هذا الخيار لإدراكها العواقب الوخيمة التي قد يفرضها، وإنما تهدف إلى تأكيد أنها تمتلك من القدرات ما قد يمكنها من رفع تكلفة أى عمل عسكري قد تتعرض له في المرحلة القادمة. ومع ذلك، فإن مزاعم إيران المستمرة حول قدراتها العسكرية لم تكن في أى فترة سابقة موضع اختبار حقيقي لتبيان مدى دقة تلك التصريحات.

وقد كان لافتًا في هذا السياق، أن الضربات الصاروخية الأخيرة التي شنتها إيران في شمال العراق، جاءت عقب مسارعتها إلى نفى التقارير التي أشارت إلى قيامها بنقل صواريخ باليستية إلى بعض الميليشيات العراقية، وهو ما يعني أنها تسعى إلى تأكيد أن قدراتها العسكرية تتيح لها استهداف مصالح أى طرف قد يقدم على شن هجوم ضدها من داخل أراضيها وليس عبر أراضي دول الجوار.

لكن ذلك لا ينفي بالطبع أن الإيعاز إلى الميليشيات الموالية لها الموجودة في دول الأزمات باستهداف هذه المصالح سوف يبقى خيارًا قائمًا بالنسبة لها، خاصة أنها حريصة على تبني سياسة الحرب بالوكالة، فضلاً عن أن ذلك سوف يخدم هدفها الخاص برفع تكلفة أى عمل عسكري ضدها.

ولا يمكن فصل ذلك عن التهديدات التي وجهتها بعض الميلشيات العراقية باستهداف القوات الأمريكية في العراق، على غرار "كتائب حزب الله العراق". واللافت أن واشنطن ردت على ذلك بتوجيه تحذيرات إلى إيران مباشرة، في 11 سبتمبر 2018، بأنها "سترد بشكل حاسم وسريع على أى هحمات يشنها حلفائها وتؤدي إلى إصابة أمريكيين أو إلحاق أضرار بمنشآت أمريكية"، متهمة طهران بأنها "لم تمنع الهجمات التي تعرضت لها القنصلية الأمريكية في البصرة ومجمع السفارة الأمريكية في بغداد".

وتوازى ذلك مع ظهور تقارير، بعد ذلك بيوم واحد، تكشف عن استعداد أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ إلى طرح تشريع جديد لفرض عقوبات تتعلق بالإرهاب على ميليشيات موالية لإيران في العراق ويلزم وزير الخارجية بطرح قائمة بالميليشيات التي تتلقى دعمًا من الحرس الثوري الإيراني.

ضغوط متصاعدة:

قد تفرض هذه السياسة التي تتبناها إيران تداعيات أخرى ربما تخصم من قدرتها على مواجهة الضغوط التي تفرضها السياسة الأمريكية تجاهها. إذ أن هذه الهجمات قد تدفع بعض القوى الدولية التي ما زالت حريصة على الاحتفاظ بقنوات تواصل مع إيران إلى تغيير سياستها باتجاه التركيز على مخاطر التدخلات الإيرانية في المنطقة، بدلاً من منح الألوية لاستمرار العمل بالاتفاق النووي.

وكان لافتًا في هذا السياق الانتقادات التي وجهتها فرنسا إلى الضربات الصاروخية التي شنها الحرس الثوري ضد مواقع "الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني" في شمال العراق، على نحو دفع إيران إلى الرد باتهام باريس بتبني "معايير مزدوجة" بسبب صمتها إزاء الهجمات التي تعرضت لها مصالح إيران في العراق، حسب تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية بهرام قاسمي في 13 سبتمبر الجاري.

وفي النهاية، يمكن القول إن مثل هذه الخطوات الإيرانية سوف تساهم في توسيع نطاق الخلافات بين إيران والدول المعنية بالاتفاق النووي، على نحو قد يؤثر بالفعل على استمرار العمل به في المرحلة القادمة.